وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

المغرب: التحضيرات لتغيير النظام (1980-2000)

المغرب: التحضيرات لتغيير النظام
نعش الملك الحسن الثاني يُحمل إلى ضريحه حتى يُدفن في الرباط يوم 25 يوليو 1999. وقد ناهز عمره 70 عامًا، حكم فيها المغرب 38 عامًا. MANOOCHER DEGHATI / AFP

المقدمة

فشل الحسن الثاني في القضاء على جبهة البوليساريو، لكن ضم الصحراء الإسبانية السابقة، ثبّت أركان نظامه. ومنحه فرصة إعادة بناء شرعيته. وقد صورت الحكومة الضم أنه إحياءُ المغرب التاريخي الذي مزقه الاستعمار، واستعادة لوحدته. وقد دعمت جميع الأحزاب القومية، باستثناء الجناح اليساري منها، “المسيرة الخضراء” في أكتوبر عام 1975، وأيدت الحرب ضد جبهة البوليساريو. وتعرّض كل من عارض حرب الصحراء لقمع لا هوادة فيه. وقد ساعدت الحرب النظام رغم تكلفتها الباهظة لأنها جعلت من المغرب حليفًا للقوى الغربية التي أرادت لها حليفًا قويًا مستقرًا في شمال إفريقيا.

تجديد النظام السياسي

سمح دعم الأحزاب القومية لقضية الصحراء بإعادة دمجها في النظام البرلماني. فأعاد حزب الاستقلال هيكلة نفسه، وغيّر الاتحاد الوطني للقوات الشعبية اسمه ليصبح الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. وحتى الحزب الشيوعي المحظور سُمح له بإعادة تشكيل نفسه تحت اسم حزب التقدم والاشتراكية. وحصلت جميع هذه الأحزاب على مقاعد في انتخابات عام 1977.

وفي عام 1978، شكّل العديد من النواب المستقلين المنتخبين في البرلمان المغربي حزبًا جديدًا حمل اسم التجمع الوطني للأحرار بقيادة أحمد عصمان صهر الملك الحسن الثاني. لكن الأجهزة الأمنية ظلت تقمع بوحشية كل من رفض الاندماج في النظام من المنتسبين إلى اليسار الماركسي اللينيني والحركات الإسلامية الناشئة. وفي عام 1974، حُبس الشيخ عبد السلام ياسين بعد سؤاله إن الملك مسلم حقًا. وعندما أُفرج عنه عام 1979، كانت الثورة الإيرانية قد اندلعت وشجعت الأفكار الراديكالية الإسلامية.

المعارضة

رغم إسكات الأصوات المعارضة لحرب الصحراء، انطلقت مظاهرات منددة بالبطالة والتضخم، وقلة المحاصيل. واندلعت سلسلة من التمردات في أعوام 1980، و1981، و1984 قُتل فيها العديد. وكانت الثمانينيات ذروة “سنوات الرصاص” التي اعتقلت فيها الدولة القمعية والعنيفة الإسلاميين، والمعارضين السياسيين، والنشطاء الديمقراطيين وغيرهم ممن اعتبرهم الملك أعداءه وعذبتهم. وكان بينهم أطفال الجنرال محمد أوفقير الذي قاد الانقلاب الفاشل عام 1972. وقد وصفت ابنته مليكة أوفقير لاحقًا ما جرى لهم في كتابها الشهير “السجينة”. وكذلك أصدر ضحايا آخرون كتبًا وصفوا فيها سجن تازمامارت السري في جبال أطلس، الذي صار رمز الدولة القمعية.

دعم النظام خارجيًا

لجأ المغرب إلى الاتحاد الأوروبي لمساعدته. فقلص الاتحاد القيود على التجارة، ومدد صندوق النقد الدولي الائتمان للمغرب بموجب حزمة من “الإجراءات” بين عامي 1980 و1993. وكان ذلك مقابل تنفيذ برنامج الإصلاحات الهيكلية الذي تسبب في المزيد من التضخم والبطالة، رغم تطويره السياحة والزراعة الموجهة للتصدير. كما كانت الإعانات السعودية مصدرًا آخر للدعم.

ونتيجة لذلك، بدأت سياسة المغرب الخارجية تميل ناحية الملكيات الخليجية المحافظة والاتحاد الأوروبي. وبلغت العلاقات مع الدول العربية الأخرى أفضل حالاتها عندما تبنى الحسن الثاني سياسة ملتزمة ومعتدلة في نفس الوقت تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تضمنت زيادة التواصل مع المسؤولين الإسرائيليين، وكبار المفاوضين الفلسطينيين مثل محمود عباس الذي سيكون كبير المفاوضين في أوسلو. كما زودت الولايات المتحدة المغرب بالسلاح. وفي نهاية الثمانينيات، كان الحسن الثاني حليفًا صريحًا للولايات المتحدة ودول الخليج المحافظة.

وحتى يعزل جبهة البوليساريو، سعى الحسن الثاني إلى تحسين العلاقات مع الجزائر التي كانت توشك أموالها على النفاد. كما تمكّن من إصلاح العلاقات مع الجنرال الليبي معمر القذافي. أما بقية الدول العربية فكانت تدعم المغرب في قضية الصحراء، لكن جبهة البوليساريو وجدت الدعم من أماكن أخرى.

وبحلول عام 1984، اعترفت 73 دولة بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، وتمتعت بعضوية كاملة في منظمة الوحدة الإفريقية. وتوحدت جهود منظمة الوحدة الإفريقية والأمم المتحدة عام 1985 وبدأتا عملية سلام. وفي أغسطس 1988، اتفق المغرب وجبهة البوليساريو على خفض عدد القوات في الصحراء تحت إشراف الأمم المتحدة وإجراء استفتاء فيها. ووافقت الحكومة المغربية إذ لم يكن من الواضح من سيقوم بالتصويت في الاستفتاء على وجه الدقة. كما قبلت جبهة البوليساريو بالاتفاق بضغط من الجزائر التي بدورها تعرضت لضغط من السعودية. وفي النهاية عادت العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب.

الحركات الإسلامية

اتجه الناس نتيجةً للركود السياسي إلى أنشطة أخرى، كان من ضمنها النشاط الإسلامي الذي نما في الثمانينيات، مع قوة تحدي جماعة العدل والإحسان تحت قيادة عبد السلام ياسين وابنته نادية. لكن لم ينجذب كثير من المغاربة إلى الإسلاميين، ويعود ذلك إلى حد ما إلى معارضتهم الطرق الصوفية والشيوخ التقليديين: فقد كان ثمة إحياء صوفي محدود في الثمانينيات. كما شدد الحسن الثاني على دوره بأن يكون أميرًا للمؤمنين. وفي هذا الإطار بنى ثالث أكبر مسجد في العالم في الدار البيضاء.

قضية الأمازيغ

كانت القومية الأمازيغية مصدرًا آخر للهوية المغربية التي قوّتها العلاقات التي كوّنها المغاربة في المهجر الأوروبي. وركز إحياء الثقافة الأمازيغية على السياسات الثقافية واللغوية. ففي أغسطس 1991، طالب ميثاق أكادير حول الحقوق الثقافية واللغوية أن تكون الثقافة الأمازيغية جزءًا من الهوية المغربية الرسمية. ودفع الموقف المحرج بعد اعتقال النشطاء الأمازيغ عام 1994 الحسن الثاني إلى التعهد بتدريس “اللهجات” المغربية في المدارس. وكان القصد من ذلك الحد من التوترات الإثنية، لكن لم يُبذل جهد كبير لتنفيذ تعهد الملك.

حقوق الإنسان

وجد النظام نفسه تحت ضغط لعجزه عن السيطرة على مصادر المعلومات في البلاد. ومع بداية التسعينيات، فتح انتشار أجهزة الفيديو والقنوات الفضائية آفاقًا جديدة في المغرب. وعلت انتقادات ضدّ الحكومة من الداخل والخارج على سجلها الحقوقي. وفي عام 1988، أسس الناشطون المغاربة داخل المغرب المنظمة المغربية لحقوق الإنسان. ولم تكن أول منظمة حقوقية في المغرب، لكن الانفتاح المتزايد في المجتمع المغربي، والضغط الخارجي منحاها القوة. وأصبحت قضية عائلة الجنرال أوفقير المسجونة قضية عالمية عام 1987 وأُطلق سراحهم عام 1991 بعد مظاهرات في فرنسا.

التحضيرات للخلافة

بدا واضحًا أن الهيكل السياسي بحاجة إلى تغيير. وقد وعد الحسن الثاني حليف الغرب بالمساعدة في إخراج صدام حسين من الكويت، لكنه لم يرسل إلا 1200 جندي.

ومع ذلك تظاهر المغاربة ضد مشاركة الملك المحدودة إلى الجانب الأمريكي في حرب الخليج. علاوة على ذلك، كانت هناك إضرابات للاحتجاج على نظام الرواتب والمعاشات والخدمة الاجتماعية. ولما أدرك الحسن الثاني الخطر المحدق على نظامه، بدأ التحضير لانتقال الحكم إلى ابنه محمد في ظل نظام ملكي مستقر واقتصاد معافى. فأُدخلت تعديلات على الدستور عامي 1992 و1996 لتعطي صلاحيات أوسع للبرلمان، وتعد باحترام أكبر لحقوق الإنسان. وبدأ الساسة المنفيون بالعودة. وحظيت خصخصة شركات القطاع العام وتحرير التجارة بدعم اقتصادي متزايد من الاتحاد الأوروبي في نوفمبر 1995.

وأسفرت الأوضاع الجديدة عن انتخابات جرت عام 1996 وكانت أكثر نزاهة من سابقاتها. وفي عام 1998 شكّل عبد الرحمن اليوسفي، زعيم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والعائد من منفاه الطويل في فرنسا، حكومةً ائتلافية، رغم بقاء وزارة الداخلية في يد إدريس البصري. ومع ذلك كانت مهمة الإصلاح ما تزال في بدايتها. فقد بلغ نصيب الفرد في الناتج الإجمالي المحلي 1,227 دولار عام 1997، وكان يعيش أكثر من نصف السكان بأقل من دولار يوميًا، وكانت نسبة الأميين 50% على الأقل من السكان، و17% منهم كانوا عاطلين عن العمل.

وتُوفي الحسن الثاني عام 1999 تاركًا سياسات التغيير الحقيقي لابنه محمد السادس.

قراءة متعمقة

Advertisement
Fanack Water Palestine