المقدمة
منذ استقلال المغرب عام 1956، نصّت دساتيره كلها على أن الملكية ركيزة أساسية للدولة. هذه الركيزة تجسدها سلالة عريقة هي سلالة العلويين التي يعود تاريخ ظهورها إلى منتصف القرن السابع عشر، وهي أقدم أسرة حاكمة باقية في العالم العربي.
وإن كان الدستور يستمد شرعيته من القومية الحديثة والنضال من أجل الاستقلال، فالملكية تستمد شرعيتها من تاريخها الطويل ووظيفتها الدينية، فالملك هو رأس الدولة و”أمير المؤمنين”. وينص الدستور على أنه القائد السياسي لمجتمع المؤمنين. وبركته هي صفة توارثتها الأجيال منذ مؤسسي السلالة مولاي الشريف وابنه مولاي الرشيد (1666-1672) اللذين توليا السلطة بعد تفكك سلالة السعديين. والعلويون والسعديون يستندون في شرعيتهم إلى انتسابهم لنسل النبي محمد، وسارت على نهجهم سلالات أخرى. لكن انتسابهم للنبي عضدته قوتهم وممارستهم السلطة.
العلويون
جاء العلويون من أطراف الصحراء القريبة من سجلماسة. وخلال الفرقة التي سببتها الحرب الأهلية في القرن السابع عشر، استولى محمد العلوي على منطقة تافيلالت. وأعلن ابنه محمد الثاني نفسه سلطانًا عام 1640 أو 1641، لكن المؤسسين الحقيقيين للسلالة هما أخواه رشيد، الذي استولى على فاس عام 1666 ومراكش عام 1669، وإسماعيل الذي تولى الحكم عام 1672 بعد وفاة رشيد.
مولاي إسماعيل
بلغ إسماعيل الذي حكم حتى عام 1727 من القوة أن أصبح مضرب المثل في الحكم الصارم. إذ فرض ضرائب باهظة، وأدت قسوته الشهيرة إلى اعتراض بعض علماء الثورة عليه لأنه تجاوز حدوده الشرعية.
وكان إسماعيل يستعين في صرامته بجيش من العبيد السود عُرِفَ بجيش عبيد البخاري. فقضى به على أمراء الحرب في الداخل، وحصّن حدوده الشرقية ضد هجمات الأتراك. وكسب ودّ غالبية عائلات الأشراف في فاس وتودد إلى شيوخ القبائل. وكانت عاصمته مكناس في قلب البلاد تحيط بها المزارع الخصيبة ويطوقها 25 كيلومترًا من الأسوار. أما على الساحل، فقد حصّن الرباط ببناء قصبة الوداية.
طرد إسماعيل الإسبان مما تبقى من جيوبهم على ساحل الأطلسي، لكن ظلت حصونهم على المتوسط. كما استعاد طنجة من الإنجليز. أما في البحر، فكان القراصنة أدوات دولته التي جلبت ثروة كبيرة من افتداء أسراهم، وكسبت نفوذًا دبلوماسيًا عند بعض القوى الأوروبية. كما عيّن ولاة ومسؤولين في عمق الصحراء الكبرى، واستعاد جيشه السيطرة على طرق التجارة فيها. فقد كانت التجارة عصب حياة دولته مثلها مثل الحرب. واعتمد على الوكلاء اليهود في التجارة الخارجية، فصدّر المغرب الشمع والصوف والنحاس والقصدير والرصاص والتمر واللوز وريش النعام وجلودها، واستورد الحرير والقطن والتوابل والأسلحة والبارود.
أهمية التجارة
توالت موجات من التمرد بعد وفاة إسماعيل إلى أن أعاد حفيده محمد الثالث (1757-1792) النظام بعد كسبه دعم العلماء. وقد ركز على التجارة لكسب الربح، وعقد معاهدات تجارية مع القوى الأوروبية، ما مكنه من التخلى عن القرصنة. وفي عام 1765، بدأ ببناء ميناء جديد هو ميناء الصويرة، وفيه تمّ احتكار كل تجارة الجنوب.
ومرة أخرى، تولى الوكلاء اليهود القيام بأكثر الأعمال التجارية. كما اعتمد محمد الثالث على التجار، وأغلبهم من أصول أندلسية، لإدارة النظام المالي. وأصبحت كلمة “المخزن” تطلق على الحكومة بكاملها. وفي عام 1786، وقّع محمد الخامس معاهدة مع الولايات المتحدة، ليصبح أول صاحب سيادة يعترف بالولايات المتحدة المستقلة حديثًا. وفي عام 1821، أعطى ابنه سليمان مبنى للولايات المتحدة حتى تتخذه مقرًا لقنصليتها في طنجة، وهي أول ملكية تحصل عليها الحكومة الأمريكية خارج البلاد. وتحول هذا المكان الآن إلى متحف.
أعقبت عهد الحاكم القوي محمد الثالث سنوات من الاضطراب حتى استعاد ابنه سليمان النظام وأعاد بناء التجارة الدولية. كما ضمن خلافة ابنه عبد الرحمن (1822-1859) بعد استحواذه على رضا العلماء الذين صار لهم دور محوري في تولية السلاطين. لكن خطر القوى الأوروبية كان أكبر من ذي قبل، لا سيما بعد الغزو الفرنسي للجزائر عام 1830.