وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

فكرةٌ غريبة: حقوق مجتمع الميم في تركيا

Specials- LGBT turkey
أحدى نشطاء حقوق مجتمع الميم تحمل علم قوس قزح بينما يشارك الناس بمسيرة في ١، يونيو ٢٠١٨، في اسطنبول بعد أن منعت السلطات التركية مسيرة الفخر السنوية للمرة الرابعة على التوالي. Photo AFP

المقدمة

مع قدمٍ واحدةٍ في أوروبا واعتبارها من قبل العديدين في الشرق الأوسط أكثر البلدان تحرراً وتقدماً في المنطقة، إلا أن تركيا تمتلك نزعةً غير ليبرالية متجذرةٍ بعمق. بيد أن هذه النزعة لا تقتصر على السياسة غير الليبرالية المتزايدة فحسب، بل تتجلى في المعتقدات الإجتماعية المتعصبة في النقاش الدائر حول مجتمع الميم (المثليين ومزدوج الجنس والمتحول والمتحيرين) وأحرار الجنس (الكوير).

في القرن الـ21، لا يزال قبول مجتمع الميم وحتى الأفراد غير المتغايرين يُمثل مشكلةً صعبة. وهذا على الرغم من أن اسطنبول تستضيف لربما ما يعدّ أكبر مسيرة فخرٍ للمثليين في الشرق الأوسط على مدى العديد من السنوات، فضلاً عن أن البلاط الإمبراطوري السابق في البلاد لطالما ارتبط بالميول الجنسية الغريبة.

في التاريخ

كانت بعض الفنون العثمانية تستعرض اشتهاء الجنس المماثل جهاراً، حيث كان الأشخاص المعنيون بمثل هذه الفنون ينحون جانباً أي أسئلةٍ تُطرح حول قيام مجتمعٍ مسلم بمثل هذه الممارسات. في الواقع، هناك سعي أكبر اليوم نحو التوثيق التاريخي لمثل هذه الممارسات الجنسية المغايرة في جميع أنحاء العالم.

وبدوره، أدى القبول التاريخي للمثلية الجنسية داخل المجتمع العثماني إلى تغذية الشهوة الجنسية الأوروبية للغريزة الجنسية العثمانية، مما أدى كما هو متوقع إلى استقراء الإنحراف الواضح للمجتمع التركي. فقد كانت جماهير العصر الفيكتوري مصدومة باللاأخلاقية العلنية، بالرغم من حبهم لقراءة القصص المبالغ بها عن الحرملك العثماني وممارسة الجنس غير الشرعي آنذاك، (مثل راوية جون بنجامين بروكس “التركي الشهواني”).

في الواقع، قامت تركيا بنزع الصفة الجرمية عن الأفعال الجنسية المثلية في عام 1858، خلال عصر الإمبراطورية العثمانية، أي قبل كثير من البلدان التي عادةً ما تعتبر ليبراليةً اليوم. ومع ذلك، في حين أن الإمبراطورية العثمانية لم تكن بأي حالٍ من الأحوال جنةً متحررة، بعد قرنٍ فقط من تأسيس الجمهورية التركية، بات رهاب المثلية منتشرٌ على نطاق واسع.

في المجتمع

على الرغم من أن المثلية الجنسية قانونية في تركيا منذ عام 1923، إلا أن رهاب المثلية شائع، إذ ينبع من مزيجٍ من القيم الثقافية المحافظة، وكما يُقال، النزعة الرجولية العدوانية والاتجاهات المحافظة في الإسلام.

على الرغم من أن رهاب المثلية هذا يُستشعر به دون أدنى شكٍ في العديد من مجالات الحياة اليومية، إلا أنه يتصدر عناوين الصحف بشكلٍ متكرر عندما يتحول إلى أحد أشكال العنف. ففي بلد حيث تتم فيها الإشادة بالرجولة من قبل السياسيين والمواطنين على حد سواء، فمن غير المستغرب إلى حدٍ ما أن يصبح أولئك الذين يقوضون مفهوم الرجولة من مغايري الجنس أهدافاً. فقد كشف تقريرٌ للأمم المتحدة لعام 2016 كتبه نشطاء أتراك من مجتمع الميم عن 41 جريمة قتل لأشخاص من المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسية كنتيجةٍ لجرائم الكراهية بين عامي 2010 ومنتصف 2014.

وفي حين أن الدستور التركي لا يحظر المثلية الجنسية – وتم حذف بندٍ صريح عن رهاب المثلية بعد معركة قانونية – غالباً ما يتم استخدام القوانين المتعلقة بالأخلاق العامة وارتكاب الفاحشة لمراقبة مجتمع المثليين.

والمثير للدهشة أن الرئيس رجب طيب أردوغان دافع ذات مرةٍ عن حقوق مجتمع الميم. فقبل انتخابه رئيساً للوزراء في عام 2003، صرّح أنه “ينبغي أيضاً منح المثليين جنسياً الحماية القانونية لحقوقهم وحرياتهم.”

ومع ذلك، ومنذ ذلك الحين غيّر حزب العدالة والتنمية اتجاه موقفه من حماية حقوق الأقليات الجنسية. ففي عام 2013، صرح أردوغان أن المثلية الجنسية هو تفضيل جنسي يتعارض مع ثقافة الإسلام. فداخل المجتمع المسلم السُني، والمثل الثقافية المحافظة لحزب العدالة والتنمية، والتي تبدو الحكومة حريصة على نشرها وتطبيقها، يعتبر موقف المجتمع التركي العنيف تجاه مجتمع الميم أمراً أكثر منطقية.

لم يكن هناك مصطلح مرادفٌ للواط باللغة العربية والفارسية حتى العصر الحديث، ولا يوجد أي تحريمٍ صريحٍ للواط في القرآن. وبالرغم من ذلك، وكحال الأديان الأخرى، ينظر الإسلام إلى السلوك المثلي بطريقةٍ غير متسامحة. فلطالما كان الزعماء الدينيون في تركيا معارضين لأي تحركاتٍ لتعزيز حقوق الأقليات الجنسية، وحتى أن البعض حذروا من بعض السلوكيات (مثل حلق اللحية) باعتبارها تؤدي على الأرجح إلى المثلية الجنسية.

كما أظهر سكان تركيا المحافظون اجتماعياً، سيما خارج المدن الكبرى، رغبةً أقل في تقبّل سلوك مجتمعات الميم. ولا يعدّ هذا أمراً مفاجئاً في ظل استمرار السنن المحافظة حول جرائم الشرف والضوابط الصارمة على حريات المرأة في معظم أنحاء البلاد.

في المؤسسات

لاوةً على ذلك، في حين أن المثلية الجنسية غير مجرمة بموجب القانون، لا يزال التمييز المؤسسي ضد هذه الفئة قائماً.

لا تزال الخدمة العسكرية تشكل علامةً فارقة في حياة الرجال الأتراك وهي إلزامية لجميع الذكور الأصحاء. ومع ذلك، يتم إعفاء الرجال المثليين إذا ما تمكنوا (وعلى استعدادِ) من تقديم “دليلٍ” على ميولهم الجنسية. وغالباً ما يُقدم هذا الدليل على شكل مقاطع فيديو أو صورٍ فوتوغرافية لهم أثناء مشاركتهم في أفعالٍ جنسية مثليّة. من جهتها، تحتفظ الدولة بهذه المواد، وبالتالي لا يعلم الرجال الذين قدموا الدليل ما إذا كان متاحاً للسلطات في وقتٍ لاحق، وهذا أمرٌ مرعب لأي شخص.

كما يحق لأصحاب العمل المطالبة برؤية البطاقة الخضراء التي يتم إصدارها للمجندين العسكريين المسرحين من الخدمة، بينما يُمنح المثليون بطاقات إعفاءٍ وردية اللون، مما يُسهل تعرضهم للمزيد من التمييز في وقتٍ لاحق من حياتهم. وعلاوةً على ذلك، أجبرت المؤسسات العامة، بما في ذلك الشرطة، موظفيها المثليين على الإستقالة (على الرغم من أن هذا يحدث أيضاً في القطاع الخاص). أولئك الذين يقعون ضحايا لمثل هذا الشكل من رهاب المثلية يعترفون بخوفهم من الاتهامات الاجتماعية والمهنية من زملائهم.

في الشارع

كان نشطاء حقوق مجتمع الميم هدفاً واضحاً لقمع حقوق المثليين الذي ترعاه الدولة.

فمنذ عام 2014، لم تسمح السلطات، أو فضت الشرطة، جميع مسيرات الفخر. وفي عام 2018، وللعام الرابع على التوالي في تاريخها البالغ 18 عاماً، منعت الشرطة وفضت مسيرة الفخر في إسطنبول. تمثل السبب الرسمي بعدم تقديم إخطارٍ رسمي والتهديد بمظاهراتٍ مضادة، على الرغم من أنه لم يبذل سوى القليل من الجهد لكبح جماح الجماعات اليمينية المتطرفة التي تستهدف مسيرات الفخر.

استخدمت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه وكرات رذاذ الفلفل لوقف المشاركين بالمسيرة والمحتفلين بها بعنف. أصبح هذا الاستخدام للقوة أمراً معتاداً عندما تشتبك السلطات مع المتظاهرين في شوارع تركيا، وكان والي إسطنبول قد رفض في السابق السماح بإجراء تحقيقٍ جنائي في سلوك الشرطة خلال هذه الحوادث العنيفة.

وعلى الرغم من كونه أقل عنفاً، إلا أنه في عام 2017 قام والي أنقرة بحظر دور السينما والأحداث الثقافية لمجتمع الميم، مما يفرض رقابةً أكثر تشدداً على هوية وثقافة المغاييرين جنسياً.

وعلى الرغم من ذلك، تعدّ تركيا واحدةً من الدول القليلة في الشرق الأوسط التي نظمت أو سمحت بمسيرة فخرٍ للمثليين، والأحداث الماضية جعلت من تركيا واحدةً من أكثر الدول الصديقة للمثليين في منطقةٍ تعاني من رهاب المثلية إلى حدٍ كبير. فقد جذبت هذه الفعاليات أشخاصاً من جميع أنحاء المنطقة ووسط آسيا. وعلى الرغم من القمع الواضح لحقوق المثليين في تركيا في السنوات الأخيرة، بالنسبة للكثيرين في الشرق الأوسط، لا تزال البلاد ملاذاً يمكنهم فيه التمتع بالحريات التي لا يمكن حتى تصوّرها في أوطانهم.

لوضع هذه الحريات في سياقٍ أوسع نطاقاً، فإنه وبالرغم من أن الجماعات المناصرة لمجتمع المثليين في أجزاء أخرى من العالم تكافح من أجلٍ حقوق متساوية فيما يتعلق بالزواج وتربية الأطفال، إلا أنه في تركيا، لا يزال هذا المجتمع يصارع من أجل الحقوق الأساسية.

Advertisement
Fanack Water Palestine