وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الجنود المثلييون في تركيا في مرمى النيران

Turkey- Gayd soldiers Turkey
رجل يلوح بعلم المثليين (قوس قزح) أمام محكمة اسطنبول. Photo AFP

المقدمة

في السنوات الأخيرة، أصبحت تركيا معروفةً بكونها ملاذاً لمجتمع المثليين في الشرق الأوسط، حيث تحظر العديد من الدول أفعال المثلية الجنسية، كما أن التمييز العلني ضد مجتمع المثليين منصوصٌ عليه في قانون الدولة. ويبدو أن الحكم الصادر في عام 2018 من قبل المحكمة العليا في تركيا أكد على تردي حقوق مجتمع المثليين في البلاد.

ففي فبراير الماضي، رفضت المحكمة الدستورية التركية طلباً بإلغاء قاعدةٍ في قانون العقوبات العسكري يسمح بطرد الأفراد من المثليين جنسياً في القوات المسلحة. وقد خلصت إحدى المحاكم العسكرية نفسها إلى أن القاعدة، التي تدعو إلى طرد أي فردٍ عسكري ينخرط في، أو يُسهل “علاقة حميمة غير الطبيعية،” تنتهك الحقوق الدستورية التي تحمي الفرد.

وفي الواقع، احتج رئيس المحكمة الدستورية بالإنابة، إنجين يلدريم، على قرار الأغلبية في محكمته وأصدر رأياً مخالفاً. ففي عرضيته المكونة من 23 صفحة، أكد يلدريم على التضحية الكبيرة المطلوبة من الأفراد العسكريين المثليين، المطالبين ليس فقط بوضع حياتهم على المحك، بل أيضاً التخلي عن حقهم وحريتهم بحياة خاصة. وتعكس حججه تلك الحجج الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية، والمعروفة منذ وقتٍ طويل في المملكة المتحدة واستراليا، حيث تم إلغاء سياسة “لا تسأل، لا تخبر،” سيئة السمعة والتي تسمح للجنود المثليين بالبقاء في الخدمة شريطة عدم افصاحهم عن ميولهم الجنسية.

وخلص يلدريم، الذي انتقد عدم وجود أي أدلة على أي حججٍ تثبت أن المثليين جنسياً يؤثرون على الأداء العسكري، بقوله أن القانون الحالي “يهمل الكرامة الإنسانية للأفراد العسكريين الذين لهم توجهات جنسية مختلفة من أجل حماية شرف المهنة العسكرية.” ومع ذلك، أيدت المحكمة اللائحة، وهذا يعني أنه يمكن طرد الضباط المثليين من الجيش التركي وخفض رتبة ضباط الصف.

التمييز ذو الطابع المؤسسي

هذا التجريم العلني للمثلية الجنسية يضرب عرض الحائط أكثر من 150 عاماً من القبول القانوني لحقوق مجتمع المثليين في تركيا، حتى وإن كان التمييز في المؤسسة العسكرية ذو طابعٍ مؤسسي. فالخدمة العسكرية إلزامية لمدة سنة على الأقل بالنسبة للمواطنين الذكور. ومنذ نشأتها، تم إعفاء المرضى، وذوي الإعاقة، والشاذين جنسياً من الخدمة.

وينظر الجيش التركي إلى المثلية الجنسية باعتبارها “اضطراباً نفسياً جنسياً،” وذلك اعتماداً على ورقةٍ بحثية صدرت عام 1968 عن الجمعية الأمريكية للطب النفسي. ومنذ ذلك الحين، فُضح زيف مثل هذا العلم غير الصحيح على نطاقٍ واسع، إلا أن الجيش التركي لا يزال يلتزم بموقفه تجاه هذه القضية.

وعلاوة على ذلك، انتقدت منظمات حقوق الإنسان، على نطاقٍ واسع، أساليب السلطات لتفحص ما إذا كان المجندون المحتملون مثليوا الجنس. وفي حين تم منع “الفحوصات الشرجية” التي استخدمتها بعض الوحدات لتحديد المجندين المثليين عام 2015، إلا أن تماشي الجيش التركي مع سياسة “لا تسأل، لا تخبر،” يجعل من المثليين عرضة للتمييز. كما يُلزم المجندون الجدد الذين يرغبون في تجنب الخدمة العسكرية بسبب حياتهم الجنسية بالخضوع لاستجوابٍ مكثف حول طبيعة توجهاتهم الجنسية وخبراتهم، وكثيراً ما يُطلب منهم تقديم أدلة فوتوغرافية أو فيديو أثناء ممارستهم أفعالاً شاذة جنسياً. وعلاوة على ذلك، لا يستطيع هؤلاء الجنود الهروب من هذا التمييز عندما يخرجون من الجيش.

وبالإضافة إلى إجبارهم على التعايش مع حقيقة أن صورهم وفيديوهاتهم “للتسوية المذلة” قد تُحفظ في قاعدة بيانات الحكومة، ينبغي على المثليين أيضاً تحمل “الإفصاح عن توجهاتهم الجنسية” بشكلٍ علني أكبر. فعند الإنتهاء من الخدمة العسكرية، يحصل الجنود على شهادة خضراء تثبت خدمتهم المشرفة. ومن الشائع أن يطلب أرباب العمل أو الحمو المستقبلي الشهادة الخضراء للشاب للحكم على شخصيته. وبدلاً من ذلك، يُمنح الرجال المعفون من الخدمة بسبب ميولهم الجنسية شهادةً وردية اللون.

وبسبب السلوك الشائع الكاره للمثلية في معظم أنحاء تركيا، حيث يتم الاحتفاء بالشكل التقليدي للرجولة، يمكن أن تعني هذه الوثائق الوردية سنواتٍ من التمييز. كما أن الهجمات على مجتمع المثليين أمر شائع جداً وتجبر هذه الشهادات الوردية الأفراد على الإفصاح عن ميلوهم الجنسية علناً، عندما يكون أولئك الذين يعيشون خارج المناطق الحضرية الأكثر تحرراً في البلاد بالتأكيد أكثر أماناً بإخفائها.

ومع ذلك، لم يكن التمييز ضد الأفراد العسكريين المثليين غير مباشرٍ دوماً. ففي عام 2012، أدت إعادة صياغة لوائح الإنضباط العسكرية إلى الضغط الرسمي على المجتمع المثلي. فقد أدرجت المثلية الجنسية على أنها “جريمة كبرى” في اللوائح الجديدة التي تحكم الانضباط في القوات المسلحة. وقد أوصت اللوائح، التي نُشرت في نوفمبر 2012 ، بالطرد كعقوبة على “جريمة” المثلية الجنسية. وكانت هذه أول مرة يتم فيها ذكر ممارسة استبعاد الرجال المثليين من الخدمة العسكرية في الوثائق الرسمية.

لمَ لا يتم تحقيق أي تقدمٍ من أجل الحقوق؟

لم تمضي هذه السياسات والممارسات التمييزية دون تحدٍ، وبخاصة من الهيئات الأوروبية. بل إن تقرير الاتحاد الأوروبي الصادر في عام 2009 عن التقدم الذي أحرزته تركيا نحو العضوية فجر موقف أنقرة تجاه المثليين والأشخاص المتحولين جنسياً. ومع ذلك، أبدت تركيا قدراً ضئيلاً من الحماس لإعادة تقويم موقفها من حقوق المثليين.

ويأتي قرار المحكمة الدستورية في خضم تقليص حقوق وحريات المثليين، ولا سيما مع أفعال التعبير المجتمعية والاحتجاجات التي تمت الموافقة عليها. فقد تم تفريق مسيرة فخر المثليين في اسطنبول عام 2017، التي تعد الأكبر في الشرق الأوسط لسنوات عديدة، على يد الشرطة بعد أن تحدى المنظمون حظراً رسمياً من السلطات. وبالمثل، حظرت أنقرة جميع الأحداث المرتبطة بقضايا مجتمع المثليين في العام الماضي، وذلك خوفاً، كما هو مفترض، “على السلامة العامة.”

وفي رأيه المخالف، أشار القاضي يلدريم أنه بهذا القرار، تعاند تركيا اتجاه الفكر العالمي حول حقوق المثليين. ولكن مع اتخاذ حكومة حزب العدالة والتنمية الإسلامية في تركيا مساراً جيوسياسي أكثر استقلالية، فإن هذا بالتأكيد لا يُثير الدهشة. وبما أن قاعدة الرئيس رجب طيب أردوغان محافظة اجتماعياً إلى حدٍ كبير ومن المسلمين، لذا فإن عدد الأصوات التي سيتم اكتسابها من تحرير موقف الحكومة تجاه حقوق المثليين قليلٌ نسبياً. وفي ظل تشديد الاتحاد الأوروبي على مثل هذه الحريات وتزايد توترعلاقة أنقرة بجيرانها الأوروبيين، أكثر من أي وقتٍ مضى، تبدو احتمالات بزوغ عصرٍ جديد من احترام حقوق المثليين في الجيش قاتمة.

Advertisement
Fanack Water Palestine