وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

من شابه “حماه” فما ظلم: الأسرة الحاكمة التركية

Turkey- Berat Albayrak
Photo AFP

المقدمة

مع دخول تركيا حقبة حُكم الرجل الواحد الجديدة، عيّن الرئيس رجب طيب أردوغان صهره، بيرات البيرق، وزيراً للمالية، وهي الخطوة التي أثارت قلق المراقبين الدوليين في الوقت الذي تشهد فيه البلاد دلائل إقتصادية مقلقة. ففي عام 2018 وحده، فقدت الليرة التركية 40% من قيمتها.

يعدّ منصب البيرق الجديد فرصةً حقيقيةً له لتحديد هويته وقيمته السياسية، ومع ذلك، فمن المعروف أن أردوغان يُقدر الولاء اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى في ظل مناخ الخوف والشك الحالي بعد محاولة الانقلاب في عام 2016. فعلى الأرجح أن أردوغان قرر تعزيز صفوف المناصب الأقرب إليه بشخصياتٍ جديرة بالثقة ومؤتمنة أكثر من كونه معجباً بالإمكانيات السياسية لصهره، الذي لا يزال غضّ الغصن نسبياً (1978).

وبعد فترةٍ وجيزة من تعيينه في يوليو، أجرى البيرق مكالمةً جماعية مع مستثمرين أجانب شارك بها 3000 منهم. وهذا العدد الكبير ما هو إلا شهادةٌ على مستوى الاهتمام بمستقبل ما كان حتى وقتٍ قريب أحد أقوى الاقتصادات النامية أداءً، فضلاً عن المخاوف من سياسةٍ اقتصادية لربما تكون استبدادية وغير مدروسة بشكلٍ جيد قد تؤدي إلى ركودٍ اقتصادي.

فقد اشتكى بعض المستثمرين المشاركين بالمكالمة من رفض البيرق مشاركتهم الحديث، ملمحين إلى غطرسة رجل رُقّي إلى الرتب العليا في المجتمع والحكومة التركية بفضل علاقاته العائلية.

ومع ذلك ، أجرى البيرق بعض التحركات الأولية الإيجابية، فقد رفض الرقابة على رؤوس الأموال ووعد بتحسين الانضباط المالي وخفض سقف أهداف النمو التي بدت تزخر بالتفاؤل في الحملة الانتخابية التي شهدت فوز أردوغان بفترةٍ رئاسية ثانية في يونيو الماضي.

في الوقت نفسه، فإن تعليقاته حول كون تركيا تتعرض لهجومٍ اقتصادي من الخارج، فضلاً عن تصريحه السخيف إلى حدٍ ما بأن “الدولار فقد مصداقيته،” أمرٌ، بشكلٍ مفهوم، مثيرٌ للقلق بالنسبة للمستثمرين من الخارج أو للمصالح التجارية. كما تعكس تصريحاته أيضاً الخطاب الذي يستخدمه أردوغان، مما يثير الشكوك بأن البيرق ليس سوى دمية يحركها الرجل أعلى الهرم.

وعلى الرغم من أن التوقيت لربما كان من قبيل الصدفة، إلا أن إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عبر تغريدةٍ له على تويتر مضاعفة التعرفة الجمركية على واردات بلاده من الصلب والألومنيوم التركي – وهو ردٌ واضح على استمرار احتجاز المواطن الأمريكي أندرو برونسون في تركيا – تم بينما كان البيرق يدلي بهذه التصريحات.

الصعود إلى السلطة

البيرق، الملقب بدامات (أي الصهر أو العريس باللغة التركية) بعد زواجه من ابنه أردوغان قبل 14 عاماً، كان يمتلك روابط عائلية مكنته من الوصول إلى الدائرة المقربة من أردوغان قبل زمنٍ طويل. فقد كان والده صادق نائباً عن حزب الرفاه الإسلامي، الذي لم يعد له وجود، وهو صديقٌ قديم للرئيس.

فعلى صعيدٍ متصل، عُقدت مقارناتٌ بين حياة وعلاقات البيرق الأسرية مع حياة جاريد كوشنر، صهر الرئيس ترمب وصاحب الولاء الأعمى في البيت الأبيض. فقد حصل البيرق على شهادته الأولى في إدارة الأعمال من جامعة اسطنبول قبل أن يغادر لإكمال دراسته في درجة الماجستير في نفس المجال من جامعة بيس في نيويورك. عاد إلى تركيا لإكمال شهادة الدكتوراه في التمويل من جامعة قادر هاس قبل أن يحاضر لفترةٍ وجيزة في جامعة مرمرة.

ومع ذلك، يبدو أن زواجه عام 2004 من إسراء أردوغان، بدلاً من مؤهلاته الأكاديمية، ما عزز من مستقبله. فقد حضر الحفل العديد من زعماء العالم، بمن فيهم حكام الأردن وباكستان واليونان ورومانيا.

وبعد عامين، وبعمر 29 عاماً فقط، أصبح البيرق الرئيس التنفيذي لشركة تشاليك القابضة، وهي شركة خاصة معروفة بروابطها الحكومية الوثيقة. ولربما من الطبيعي أن يعزى صعوده السريع إلى حماه، الذي كان آنذاك في السنوات الأولى من حكمه كرئيسٍ للوزراء.

الدوائر الداخلية

بعد أن أصبح نائباً عن حزب أردوغان، حزب العدالة والتنمية، في عام 2015، تم تعيين البيرق وزيراً للطاقة في العام نفسه، وذلك في أعقاب تعديلٍ وزاري كبير شهد إقالة رئيس الوزراء السابق وحليف أردوغان منذ زمن طويل، أحمد داود أوغلو، من السلطة. ومن المرجح أن يكون لمعارضة داود أوغلو انضمام البيرق لمجلس الوزراء دورٌ في الإطاحة به.

وعلى الرغم من ذلك، فإن تجربة البيرق في مشاريع الطاقة المستدامة، التي اكتسبها أثناء إكمال دراسته لدرجة الدكتوراة، قد بشرت بمجموعة من مشاريع البنية التحتية الجديدة للطاقة المتجددة. كما قاد تركيا فيما يسمى حمى البحث عن النفط في شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث بدأ التنقيب في قاع البحر في منطقةٍ يمكن أن تكون غنية بمنتجات الطاقة.

ومع ذلك، كان نجمه في الأوساط السياسية أقل سطوعاً، إذ اكتسب سمعةً بتعديه على اختصاصات الوزراء الآخرين، مدعوماً لربما بحصانته الأسرية في مجلس الوزراء. ومنذ أيام منصبه الوزاري البسيط، ظهر هذا العداء إلى العلن عندما التقطته العدسات يدفع وزير الداخلية سليمان صويلو بعد احتفالٍ في العاصمة أنقرة. وفي حين يعتبر الرجلين عضوين رئيسيين في دائرة أردوغان الداخلية، إلا أن ترقية البيرق لمنصب وزير المالية يوحي بأن العلاقات الأسرية تفوقت على محاباة أردوغان لصويلو.

بل إن قرب البيرق من أردوغان جعله عرضةً أيضاً ليصبح هدفاً جيوسياسي، ففي نوفمبر 2015، عندما أسقطت تركيا طائرة روسية بالقرب من الحدود السورية، اتهمت موسكو البيرق بالتورط في تهريب النفط غير المشروع من سوريا، مدركةً دون أدنى شك الضغط غير المباشر الذي سيسببه ذلك على الرئيس.

وفي الوقت نفسه، عُهد إليه ببعض مهام الحكومة الأكثر حساسية. ففي عام 2016، التقى بنظيره في وزارة الطاقة الإسرائيلية في أول اجتماعٍ رفيع المستوى بين تركيا وإسرائيل بعد سنوات من العلاقات الدبلوماسية المجمدة.

على صعيدٍ آخر، يُعرف أن أردوغان مترددٌ للغاية فيما يتعلق برفع أسعار الفائدة، التي يراها “مصدر الشرور.” ومع ذلك، يعتبر العديد من الاقتصاديين أن مثل هذه الزيادة ضرورية للسيطرة على التضخم المتفشي. وبالفعل، فإن كراهية الرئيس رفع أسعار الفائدة تتماشى مع الآراء التي تبناها البيرق في السنوات التي سبقت صعوده السياسي عندما كتب أعمدة اقتصادية لصحف مؤيدة لحزب العدالة والتنمية، ومنها صحيفة صباح. فقد استخدم البيرق هذه الأعمدة للدعوة مراراً وتكراراً لتهدئة سعر الفائدة – وهي سابقة سيئة بالنسبة لرجل يأمل الكثيرون أن يسلك مساراً أكثر استقلالاً في السياسة الاقتصادية.

فقد كان ينظر إلى وزراء الاقتصاد السابقين، مثل محمد شمشك وعلي باباجان، إلى حدٍ كبير، على أنهم شخصياتٌ تثق بها الأسواق لتوجيه تركيا نحو خطوطٍ اقتصادية أكثر تقليدية. وفي حال لم يستطع البيرق أن يوحي بالثقة اللازمة في الوقت الذي تعاني فيه تركيا من أزمة العملات وتزايد العقوبات الأمريكية، فبالكاد هناك بارقة أملٍ من قدرته على تحقيق ذلك يوماً ما.

Advertisement
Fanack Water Palestine