وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الانتخابات البرلمانية التركية عام 2015

محتويات

الدور الأول: 7 يونيو/حزيران 2015
إعادة الإنتخابات
الدور الثاني: 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2015

الدور الأول: 7 يونيو/حزيران 2015

الناخبون الأتراك يعاقبون حزب العدالة والتنمية لتزايد السلطوية

أنصار حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد يحتفلون بتقدّم الحزب في الانتخابات
أنصار حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد يحتفلون بتقدّم الحزب في الانتخابات, أنقرة, تركيا, 9 يونيو 2015 Photo Tumay Berkin

منذ انتخابات 7 يونيو 2015، برز مشهد سياسي يختلف اختلافاً جذرياً في تركيا، فقد عجز حزب العدالة والتنمية، الذي هيمن على المشهد السياسي منذ عام 2002، عن الفوز بمقاعد برلمانية كافية تؤهله لتشكيل حكومة بحكم الأغلبية حيث انتقده الناخبين لغطرسته وتنامي استبداده. وبوجود العديد من القضايا على المحك، بما في ذلك مستقبل الديمقراطية البرلمانية، شهدت الانتخابات إقبالاً كبيراً حيث وصلت النسبة إلى 86%.

وبينما لام أنصار حزب العدالة والتنمية النتائج على المؤامرات الخارجية، فرح العديد من الأتراك ورحبوا بعودة الأمل. ومن المتوقع أن تخفف النتيجة الضغط على وسائل الإعلام وعلى أصوات المعارضة، إلا أنها أيضاً تبشّر بمرحلة من عدم اليقين حيث تناضل الأحزاب الأربع الممثلة للبرلمان لتشكيل حكومة ائتلافية. وكان رد فعل الأسواق، التي ربما تخشى العودة إلى سياسات التسعينات، وهي فترة شهدت تعاقب حكومات ائتلافية ضعيفة وركوداً اقتصادياً، سلبياً، كما خسرت الليرة التركية أكثر من 5% من قيمتها بعد الانتخابات.

وبحصوله على 258 مقعداً من أصل 550 مقعداً في الجمعية الوطنية (مقارنة بفوزه بـ327 مقعداً في انتخابات عام 2011) و41% من الأصوات وذلك حسب النتائج غير الرسمية، لا يزال حزب العدالة والتنمية يشّكل أكبر تشكيل سياسي. ولكن من خلال منع حصول حزب العدالة والتنمية على فرصة إنشاء حكومة بمفرده لولاية رابعة، أحبط الناخبون أيضاً خطط أردوغان لتغيير الدستور والانتقال لنظام رئاسي.

الفائز الحقيقي في الانتخابات كان حزب الشعوب الديمقراطي (HDP) الذي يضرب جذوره في الحركة الكردية في تركيا. وخلافاً لجميع التوقعات، حصل حزب الشعوب الديمقراطي على ما نسبته 13% من الأصوات حاصداً 80 مقعداً.  وخاض الرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي، صلاح الدين دميرتاز، حملة تدريجية حاصداً الدعم من الشباب والليبراليين الأتراك والناخبين التكتيكيين بهدف حرمان الرئيس أردوغان من التمتع بمزيد من الصلاحيات، فضلاً عن القاعدة الكردية القومية المعتادة للحزب. ولو أنّ الحزب فشل في تخطي عتبة العشرة بالمئة، لذهبت العديد من مقاعده لحزب العدالة والتنمية، الذي حصد مرتبة الوصيف في غالبية الدوائر التي فاز فيها حزب الشعوب الديمقراطي.

من جهة أخرى، فشل حزب الشعب الجمهوري (CHP ) أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، من الاستفادة من إحباط الناخبيين ولم يجذب سوى 25% من الأصوات أي 132 مقعداً، مقابل 135 مقعداً في البرلمان الحالي. أما القوميون المتطرفون من حزب الحركة القومية (MHP) فقد رفعوا عدد مقاعدهم في الجمعية الوطنية من 53 إلى 80 مقعداً.

وعكست الخريطة السياسية الجديدة التنوع الثقافي والسياسي في تركيا، حيث بات هناك مقاعد لنواب من أصول يزيدية وآشورية وأرمنية في الجمعية الوطنية. كما تم انتخاب 97 إمرأة، مما زاد من تمثيل المرأة من 14% إلى 18%، حيث أنّ قرابة الثلث منهنّ من حزب الشعوب الديمقراطي الذي خاض الانتخابات بقائمة متوازنة تقريباً من كلا الجنسين.

رد فعل أردوغان وحزب العدالة والتنمية

الرئيس طيب أردوغان، الذي كثف من حضوره أثناء الحملة الانتخابية، في تحدٍ للدستور الذي يتطلب ألا يكون رئيس الدولة حزبياً، التزم الصمت قرابة أربعة أيام بعد أن أصدرت الأمة حُكمها الانتخابي، حيث صرّح في أول ظهور علني له قائلاً “يجب على الجميع وضع الغرور جانباً، ويتوجب تشكيل حكومة بأسرع وقت” لافتاً النظر إلى مذكرة تصالحية على الجبهة الداخلية ومنتقداً النفاق الغربي

وعلى صعيدٍ آخر، صرّح رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، الذي لا زال يقبع في ظل الرئيس القوي، أن حزب العدالة والتنمية، واحتراماً لإرادة الشعب، كان على أتم الاستعداد لفكرة تشكيل حكومة ائتلافية. ووفقاً للدستور، يتوجب تشكل الحكومة في غضون 45 يوماً بعد الانتخابات. وفي حال فشلت الأطراف في تشكيل حكومة قادرة على الفوز بثقة المجلس، يمكن للرئيس الدعوة لإجراء انتخابات مبكرة للخروج من المأزق.

وعلى الصعيد السياسي، يعتبر حزب الحركة القومية الشريك الأمثل لحزب العدالة والتنمية، ولكن إلى الآن، لم يظهر زعيمه أي رغبة لتشكيل مثل هذا التحالف. ولربما سيصّر القوميون على إنهاء عملية السلام الهشة مع الأكراد. وخلال الحملة الانتخابية، استبعد حزب الشعوب الديمقراطي تشكيل حكومة ائتلافية أو دعم حكومة أقلية مع حزب العدالة والتنمية، حيث جدد صلاح الدين دميرتاز تعهده هذا في الأيام التي تلت الانتخابات. ويمتلك ائتلاف يجمع بين حزب الشعوب الديمقراطي، وحزب الحركة القومية، وحزب الشعب الجمهوري ما يكفي من النواب للوصول إلى الأغلبية دون حزب العدالة والتنمية، ولكن من غير المحتمل توافق كل من حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد والقوميين المتطرفين من حزب الحركة القومية.

وقبل أن يعاود الظهور إلى العلن بعد الانتخابات، تحدث الرئيس أردوغان مع السياسي المخضرم دنيز بايكال، الزعيم السابق لحزب الشعب الجمهوري. وأثار الاجتماع غير المتوقع التكهنات باهتمام حزب العدالة والتنمية تشكيل ائتلاف ضخم مع حزب الشعب الجمهوري. وقبل الموافقة على الاقتران مع حزب العدالة والتنمية، ومما لا شك فيه، سيطالب حزب الشعب الجمهوري بإعادة فتح ملفات قضايا الفساد التي طالت كبار مسؤولي حزب العدالة والتنمية بما في ذلك أقارب الرئيس.

عاقب الناخبون الأتراك أردوغان بسبب سجله المخيب للآمال. يعتبر تباطؤ الاقتصاد، والتدخل المتعجرف للرئيس في الحملة السياسية، وجهوده لإنتزاع المزيد من السلطة من العوامل التي ساهمت في تآكل التأييد للحزب، الذي أهمل أجندته الإصلاحية وحقن المزيد من الدين في سياساته. هل يُدرك أردوغان أن أعداداً متزايدة من الشعب، بما في ذلك المحافظين الذين دعموا في السابق حزب العدالة والتنمية، أثبطت عزيمتهم بسبب أسلوبه في المواجهة وقصره الجديد الذي يحتوي على ألف غرفة، فضلاً عن أداء رئيس الوزراء داود أوغلو الباهت؟

ومن المرجح أن يفاقم الاخفاق الإنتخابي هذا الجدل داخل حزب العدالة والتنمية، الأمر الذي قد بدأ بالفعل. وهناك تكهنات بأن الحزب يحاول أن ينأى بنفسه عن الرئيس أو حتى إعادة معسول اللسان عبدالله غول، أحد مؤسسي الحزب الذي تنحى عن منصبه كرئيس للدولة في أغسطس الماضي وهُمش من قِبل أردوغان.

أثبتت هذه الانتخابات أن حزب العدالة والتنمية يمكن أن يقهر، ولكن من السابق لأوانه إخراج الحزب خارج اللعبة. وفي أعقاب الانتخابات المحلية في مارس 2014، صعدّ حزب العدالة والتنمية وأردوغان من لهجتهم الوطنية، خوفاً من أن تُفقِدهم عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني المحظور (PKK) أصوات اليمين. وفي الواقع، أظهرت استطلاعات الرأي أن الخسارة الأكبر لحزب العدالة والتنمية تنبع من الأكراد المتدينيين الذين أغضبهم موقف الحكومة وعدم استجابتها للأزمة في كوباني عندما كان الأكراد السوريين عرضة لخطر الهزيمة من قِبل تنظيم الدولة الإسلامية السُني المتطرف، مما دفعهم إلى تأييد حزب الشعوب الديمقراطي. وعلاوة على ذلك، تبادر إلى ذهن العديد من الأشخاص مسألة ما سيحدث لعملية السلام، وبخاصة الآن مع وجود النواب المؤيدين للأكراد بأعداد لم يسبق لها مثيل في الجمعية الوطنية.

 إعادة الإنتخابات

حزب العمال الكردستاني (PKK) وحزب العدالة والتنمية (AKP) يتحاملان في حملة الإنتخابات ضد الأكراد اليساريين

أنصار يلوحون بالأعلام أثناء تجمع للحملة الانتخابية بحضور رئيس الوزراء التركي وزعيم حزب العدالة والتنمية أحمد داود أوغلو في محافظة وان التركية في 20 أكتوبر 2015
أنصار يلوحون بالأعلام أثناء تجمع للحملة الانتخابية بحضور رئيس الوزراء التركي وزعيم حزب العدالة والتنمية أحمد داود أوغلو في محافظة وان التركية في 20 أكتوبر 2015. Photo Hakan Goktepe / Anadolu Agency

على الرغم من أنّ الرئيس رجب طيب أردوغان أعلن قراره، ببيانٍ مكتوب في 24 أغسطس 2015 بإعادة الإنتخابات البرلمانية في تركيا، إلا أن انطلاق الحملة الإنتخابية لن يبدأ قبل أسبوعٍ على الأقل إلى حين إنتهاء عطلة عيد الأضحى في 28 سبتمبر. انتظر حزب العدالة والتنمية (AKP) حتى الرابع من أكتوبر للإعلان عن بيانه الإنتخابي للإنتخابات المبكرة المزمع عقدها في الأول من نوفمبر، والتي تعدّ سابقة في تاريخ البلاد. وكانت المسيرة الحاشدة بعنوان “مكافحة الإرهاب” التي جابت شوارع اسطنبول يوم الأحد الموافق 20 سبتمبر بمثابة بروفة للحملة الإنتخابية القادمة لحزب العدالة والتنمية.

وفي ضوء ذلك، باتت ثلاث أمور واضحة: أولاً، سيشترك أردوغان مجدداً بالحملة الإنتخابية عن حزبه باهتمامٍ شديد تماماً كما حدث من قبل في الإنتخابات العامة في 7 يونيو، على الرغم من الأحكام الدستورية التي تتطلب منه الحياد. ثانياً، لا تزال أهداف حملة حزب العدالة والتنمية هي ذاتها؛ الحصول على الأغلبية المطلقة في البرلمان من أجل تشكيل حكومة الحزب الواحد وإدخال نظام الرئيس التنفيذي على النظام التركي الرئاسي مع ضوابط أقل على سلطة أردوغان.

للوصول إلى هذه الأهداف، كان من الضروري حصول حزب الشعوب الديمقراطي (HDP) اليساري الموالي للأكراد على أقل من 10% من الأصوات. فقد تخطى حزب الشعوب الديمقراطي، في ظل قائده المحبوب صلاح الدين دميرتاش، هذه العتبة في الإنتخابات الماضية في يونيو، حيث حصل على 13% من الأصوات، وبالتالي حرمان حزب العدالة والتنمية من الأغلبية المطلقة وجعله غير قادر على تشكيل حكومة الحزب الواحد لأول مرة منذ فوزه في الانتخابات لثلاث مرات متتالية منذ بداية نوفمبر 2002.

الجانب الثالث البارز للحملة الإنتخابية التي بدأت في الخامس من أكتوبر كان استمرار حملة التشويه ضد حزب الشعوب الديمقراطي (HDP)، الذي حُمّل مسؤولية مقتل أكثر من 120 جندياً ورجل شرطة تركي على يد حزب العمال الكردستاني منذ منتصف يوليو. وقال رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو بصريح العبارة خلال تجمع “مكافحة الإرهاب”: “سنعمل على ضمان بقاء هؤلاء الأشخاص تحت عتبة الإنتخابات في الأول من نوفمبر، وسنعيد حزب العدالة والتنمية إلى سلطة الحزب الواحد مجدداً.”

وهتف عشرات الآلاف “الشهداء لا يموتون، ولا يمكن تقسيم الوطن،” ومن ثم أضاف الرئيس أردوغان “لن نظهر أي رحمة اتجاه الإرهاب والإرهابيين، سندخل كهوفهم ونطاردهم. فلا يمكن مقارنة حياة الشهيد بأي شيء، إلا أنني أطلب منكم طلباً واحداً، أريدكم أن تبذلوا جهداً تاريخياً في انتخابات الأول من نوفمبر. ليكن هناك 550 نائباً محلياً وإقليمياً تحت قبة البرلمان. أنتم تفهمون ما أقصده.”
كان من الواضح للجميع ما يقصده؛ مرشحوا حزب الشعوب الديمقراطي أيضاً مسؤولون بشكلٍ غير مباشر عن ضحايا إرهاب حزب العمال الكردستاني، وأن الإرهابيين ليسوا جزءاً من الأمة، بل هم “خونة” يدعمهم أعداء من الخارج.

عنصر آخر كان يحاول أيضاً منع وصول حزب الشعوب الديمقراطي إلى عتبة الـ10% في الانتخابات، ألا وهو حزب العمال الكردستاني. فقد شنت المنظمة المسلحة الكردية اليسارية القومية المتطرفة، منذ عام 1984، كفاحاً مسلحاً ضد الدولة التركية من أجل الحقوق السياسية والثقافية والحق في تقرير المصير للأكراد. وتم إعلان حزب العمال الكردستاني باعتباره حزب غير قانوني في تركيا ووضع على القائمة السوداء كمنظمة إرهابية في كل من تركيا والولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي وحزب الناتو. وتملّك الغضب وخيبة الأمل قادة حزب العمال الكردستاني تماماً كما هو حال قادة حزب العدالة والتنمية بعد انتصار ساسة حزب الشعوب الديمقراطي في انتخابات السابع من يونيو، الذي حاز على ما لا يقل عن 80 مقعداً (أي حوالي 15%) في البرلمان التركي الذي يضم 550 مقعداً.

التحالف

إذاً ما سر هذا التحالف “غير المقدس” ضد الساسة الأكراد من قِبل حزب العمال الكردستاني وحزب العدالة والتنمية، اللذان يعتبران عدوين لدودين؟

على الرغم من أن أردوغان ووسائل الإعلام الموالية لحزب العدالة والتنمية يصوران حزب الشعوب الديمقراطي باعتباره “الناطق باسم إرهابي حزب العمال الكردستاني،” إلا أنه في الحقيقة نوع من أنواع التحالف اليساري الجديد للأكراد القوميين والليبراليين والديمقراطيين واليساريين الجدد، الذين يناضلون من أجل حقوق متساوية، وليس فقط للأقلية الكردية ولكن لجميع الأقليات والنساء. فقد غضب أردوغان عندما قال رئيس حزب الشعوب الديمقراطي، صلاح الدين دميرتاش، ” لن نسمح لرجب طيب أردوغان أبداً بأن يصبح رئيساً تنفيذياً.” واعتمد العديد ممن صوتوا لصالح حزب الشعوب الديمقراطي هذا الشعار الشهير.

ولم يتفق زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، الذي سُجن عام 1999، مع دميرتاش. وخاطب أوجلان وفداً من السياسيين الأكراد في زيارتهم لجزيرة أمرالي، حيث يقضي حكماً بالسجن مدى الحياة، “يمكننا الإتفاق مع أردوغان على نظام الرئيس التنفيذي المنشود،” حسبما ذكرت صحيفة ميليت اليومية في فبراير 2013 في سبقها الصحفي الذي نشر محضر الاجتماع.

ويبدو أن هذا يعكس موقف الكثيرين في الحركة الكردية التي يهيمن عليها اتحاد جاليات كردستان (KCK)، وهي منظمة رئيسية تعمل كجناح مدني لحزب العمال الكردستاني. ولربما لن يعترضوا في حال أصبحت تركيا نظام أكثر سلطوي، لأن ذلك قد يعود بالفائدة عليهم في إقناع المزيد من الأكراد بالخروج في حملاتٍ من أجل الحكم الذاتي. وكما يُصرح اتحاد جاليات كردستان(KCK) في وثائقه، فإنه يعارض الديمقراطية الليبرالية. وكان المحلل السياسي التركي البارز طه أكيول قد أشار إلى أنّ هيكل اتحاد جاليات كردستان “ليس ديمقراطياً بل استبدادياً.” “وفي الدستور الذي نشرته، تحت اسم “اتفاقية اتحاد جاليات كردستان” فإنها ترفض علناً “الديمقراطية الغربية” وتفضل عوضاً عن ذلك “الديمقراطية الطائفية” من النوع التي تعتبر الحريات الفردية فاسدة. وبشكلٍ أساسي يعتبر نظاماً استبدادياً يجمع ما بين نماذج تشبه “الديمقراطية الشعبية” لستالين، أو “نماذج المجتمعات” على غرار القذافي.”

وعلى الرغم من أن حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد واجه هذا التحالف القوي لحزب العمال الكردستاني وحزب العدالة والتنمية، إلا أنه كان من غير المرجح أن ينجح مجدداً في دفع السياسية الكردية تحت عتبة الـ10% في الإنتخابات. لماذا سيدير الأكراد، الذين يصوتون على نحوٍ تقليدي، للأحزاب الكردية العرقية (6%)، ظهورهم لحزب الشعوب الديمقراطي؟ بسبب دعاية حزب العدالة والتنمية وحربهم المتجددة ضد حزب العمال الكردستاني “الإرهابي؟” ماذا عن الـ7% الإضافية الذين صوتوا لصالح حزب الشعوب الديمقراطي؟ فقد كان واحد في المائة منهم من الشباب الناخبين اليساريين في المناطق الحضارية، الذين شاركوا أو كانوا متعاطفين مع احتجاجات حديقة جيزي عام 2013 ضد حكومة أردوغان.

أما الستة في المائة المتبقية فقد كانوا من الأكراد المحافظين الذين صوتوا لصالح حزب العدالة والتنمية في الإنتخابات السابقة إلا أنهم كانوا غاضبين بسبب تعنت أردوغان طويل الأمد بمساعدة الأكراد السوريين في كوباني (عين العرب) في نضالهم ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش،” وبأن أردوغان، من وجهة نظرهم، لم يكن جديّاً قط في محادثات السلام المتقطعة لإنهاء التمرد المستمر منذ ثلاثة عقود.

وبالنظر إلى النتائج في المحافظات الـ12 التي تسكنها أغلبية كردية في تركيا، والتي فاز فيها حزب الشعوب الديمقراطي في انتخابات 7 يونيو: تونجلي (61%)، ديار بكر (79)، ماردين (73)، بطمان (73)، سيرت (66)، بدليس (60)، سيرناك (85)، هكاري (86)، وان (75) موش (71)، آغري (78)، وقارص (44). وفي جميع هذه المحافظات، قتل الجيش التركي مئات المسلحين الأكراد بين يوليو وسبتمبر 2015. وحاول أردوغان ووسائل الإعلام الموالية له إقناع الناخبين منح حزبه الأغلبية المطلقة في البرلمان مرة أخرى في انتخابات الأول من نوفمبر، لتشكيل حكومة قوية ومستقرة “لقتل جميع الإرهابيين.”

ومع ذلك، يرى العديد من الأكراد أنّ السبب الرئيسي لحملة “الحرب على الإرهاب” المكثفة التي يقودها، ليست سوى مجرد حيلة سياسية يتبعها للحصول على المزيد من الأصوات. ويرى الناشطون المناهضون للحكومة فضلاً عن السياسيين ووسائل الإعلام الموالية لحزب العدالة والتنمية بأن الهجومين الإنتحاريين البشعين اللذان هزا أنقرة في العاشر من أكتوبر، واستهدفا يساريين من الأكراد والأتراك وأسفرا عن مقتل حوالي مائة شخص، مجرد استفزاز يهدف إلى التأثير على نتائج الإنتخابات.

واعتبر الهجوم الانتحاري المروّع في أنقرة في 10 أكتوبر، والذي استهدف أكراداً وأتراكاً يساريين وأسفر عن مقتل ما يقرب من مائة شخص، من قبل الناشطين المناهضين للحكومة فضلاً عن السياسيين ووسائل الإعلام الموالية لحزب العدالة والتنمية، استفزازاً للتأثير على نتائج الانتخابات.

وقبل انتخابات نوفمبر، أصرّ حزب العدالة والتنمية على أن تركيا بحاجة الى حكومة قوية ذات حزب واحد لمكافحة الإرهاب. وفي الاقتراع، تنافس الحزب ضد أحزاب المعارضة، التي ادعت أن على حزب العدالة والتنمية خسارة الأصوات لضمان بقاء الديمقراطية على قيد الحياة.

الدور الثاني: 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2015

تركيا تصوت للاستقرار

In the November 2015 elections the AKP party won the majority of seats in parliament
رئيس الوزراء التركي وزعيم حزب العدالة والتنمية داود أوغلو يخطب بمؤيديه بعد انتخابات الأول من نوفمبر في اسطنبول, تركيا, 3 نوفمبر. Photo Hakan Goktepe / Anadolu Agency

عاد حزب العدالة والتنمية عودة قوية في الإنتخابات التركية المبكرة التي عُقدت في الأول من نوفمبر 2015، محققاً فوزاً ساحقاً مذهلاً. فبعد خمسة أشهرٍ فقط من انتخابات 7 يونيو، استعاد حزب العدالة والتنمية الأغلبية الحاسمة في البرلمان. فقد كان الناخبون يدركون تماماً أن هذه الانتخابات مصيرية وشاركوا بأعدادٍ قياسية بالإنتخابات: فقد كانت نسبة الإقبال على التصويت الأعلى، حيث بلغت 85.18%.

أراد غالبية الناخبين في يونيو 2015 التغيير، ورفعوا البطاقة الصفراء في وجه حزب العدالة والتنمية، منذرين بالرغبة في التغيير، مما أسفر عن خسارة حزب العدالة والتنمية 9% من الأصوات، وحصوله على مقاعد أقل بـ53 مقعداً في البرلمان. ومع ذلك، كان لا يزال الحزب الأكبر تمثيلاً بـ41% من الأصوات، ولكن لأول مرة منذ عام 2002، خسر الحزب الأغلبية المُطلقة. نتج عن هذا برلمان يفتقر إلى الأغلبية، ومع فشل الأحزاب في تشكيل حكومة ائتلافية، دعا الرئيس أردوغان إلى إجراء انتخاباتٍ مبكرة. وبشكلٍ مفاجىء للجميع، حصد حزب العدالة والتنمية 49,3% من الأصوات و317 مقعداً من أصل 550.

جرت الانتخابات في ظل أحداث العنف المميتة من أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية الأتراك وتجدد الاشتباكات بين الجيش ومسلحين من حزب العمال الكردستاني (PKK) في المناطق ذات الأغلبية الكردية شرق وجنوب شرق تركيا، حيث فقد أكثر من 140 جندي ورجل أمن أرواحهم في هذه الاشتباكات.

ففي 20 يوليو، قتل انتحاري تركي تابع لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” 33 من النشطاء اليساريين الأكراد والأتراك في بلدة سروج، الواقعة على بعد 10 كيلومترات إلى الشمال من كوباني (عين العرب) في سوريا. فبعد وقوعها تحت حصار “داعش” لعدة أشهر، سافر النشطاء إلى سروج للمشاركة في إعادة إعمار كوباني.

وقبل ثلاثة أسابيع فقط من الانتخابات، كانت العاصمة أنقرة مسرحاً لأعنف هجوم إرهابي في تاريخ تركيا الحديث، حيث فجر انتحاريين تركيين من “داعش” نفسهما وسط حشدٍ مما أسفر عن مقتل 102 من النشطاء اليساريين الأتراك والأكراد.

خلق العنف والتوتر السياسي المتزايد المناخ الأمثل لشعار حزب العدالة والتنمية، “صوتوا للاستقرار والأمن.” فقد عاد جميع الـ9% من الناخبين الذين تركوا حزب العدالة والتنمية في انتخابات يونيو، ليحقق حزب الرئيس أردوغان فوزاً مذهلاً. ووفقاً لمسح أجرته إبسوس تركيا لصالح سي إن إن التركية، قرر 10% من ناخبي حزب العدالة والتنمية التصويت لصالح حزب العدالة والتنمية بعد تفجيرات أنقرة، وكذلك حال 5% من ناخبي حزب الشعوب الديمقراطي (HDP). ويبدو أن عامل الخوف كان العامل الحاسم الرئيسي في قرارات الناخبين المترددين.

فاجأ حجم الفوز هذا كلاً من الصديق والعدو على حد سواء. فقد توقعت جميع منظمات الاقتراع أن سلوك الناخبين سيختلف اختلافاً بسيطاً عما كان عليه في انتخابات يونيو: سيحقق حزب العدالة والتنمية بضع نقاطٍ مئوية والتي بالكاد تكفي لاستعادته الأغلبية. ولم يتوقع أحد أنّ العديد من الأكراد المتدينيين المحافظين الذين صوتوا لصالح حزب الشعوب الموالي للأكراد، سيعاودون التصويت لحزب العدالة والتنمية، إلا أنهم فعلوا. فهم يبغضون العودة إلى العنف، والجنازات، وحظر التجول بعد عامين ونصف من السلام والتطور الاقتصادي في أشد مناطق البلاد فقراً. فقد بدى جلياً اقتناعهم بالدعاية الانتخابية لرئيس الوزراء داود أوغلو والرئيس أردوغان، بأن حزب الشعوب الديمقراطي يتحمل جزءاً من المسؤولية عن هجمات حزب العمال الكردستاني والمسلحين المدنيين.

وبتجدد حملة العنف، أظهر حزب العمال الكردستاني أن الاعتقاد السائد بتفوق قوة السلاح على السياسة لا يزال حاضراً في تركيا. ففي النهاية، الرجال في الجبال هم أصحاب القرار، وليس حزب الشعوب الديمقراطي. وبشق الأنفس تمكن حزب الشعوب الديمقراطي اليساري من تخطي عتبة الـ10% للانتخابات، حيث حصد 10,7% فقط، مما يعني خسارته 2,4% من الأصوات مقارنةً بانتخابات يونيو الماضي.

خاسر كبير آخر كان حزب الحركة القومية (MHP)، الذي خسر 4,39% من الأصوات و40 مقعداً في البرلمان التركي. فقد عوقبوا من قِبل الناخبين القوميين، لأن زعيمهم، دولت بهجلي، لم يكن لديه أي مقترحات لحل المشاكل السياسية والاقتصادية التركية. أصبح يعرف باسم “السيد لا”، ذلك أنه لم يمتلك أي استجابة بناءة لأي اقتراح للتعاون مع حزب العدالة والتنمية في تشكيل ائتلاف محتمل.

من ناحية أخرى، علِق حزب المعارضة الرئيسي، حزب الشعوب الجمهوري (CHP)، بدائرة رُبع الأصوات مجدداً، حيث فاز فقط بـ25,3%، إذ لم يحقق سوى تقدم بسيط بنسبة 0,38% فقط. لم يمتلك الحزب أي رؤية مستقبلية، كما أنه يفتقر إلى زعيم يتمتع بالكاريزما، وليس لديه تنظيم حزبي حديث وفعّال.

وعلى ما يبدو فإن القلق الغالب على نصف الناخبين كان الاستقرار والأمن، فقد كانوا أقل قلقاً حول الهجمات المُضرة بالحقوق الديمقراطية، والضغط على وترهيب وسائل الإعلام والصحفيين الذين ينتقدون الحكومة، وتسييس النظام القضائي، والحملة المستمرة ضد المعارضين من القضاة، والمدعين العامين، ورجال الشرطة، والمعلمين، ورجال الأعمال، ومنظمات الأعمال المرتبطة بحركة كولين. الأتراك المؤيدين لهذه الحركة الدينية والاجتماعية بقيادة الداعية الإسلامي والخطيب التركي فتح الله كولن متهمين بالتسلل إلى مؤسسات الدولة بهدف إقامة دولة موازية. المدعون العامون، وحكومة حزب العدالة والتنمية، ووسائل الإعلام الموالية لحزب العدالة والتنمية، تُشير إلى الحليف السابق باسم منظمة فتح الله كولن الإرهابية (FETO).

إنّ الهدف الوحيد الذي لم يتمكن حزب العدالة والتنمية من تحقيقه هو دفع حزب الشعوب الديمقراطي تحت عتبة الـ10% الانتخابية. وإن كان قد حدث هذا، فإن حزب العدالة والتنمية سيتمتع بأغلبية الثلثين، أي بما يكفي لتغيير الدستور دون مشاركة حزب آخر. والآن، بات حزب العدالة والتنمية بحاجة إلى أغلبية ثلاثة أخماس (330 مقعداً) لاستيفاء اقتراحهم بوضع دستور مدني جديد ليحل محل الدستور الذي كُتب عام 1982 من قِبل المجلس العسكري.

فرصة ثانية لحزب العدالة و التنمية

بشكلٍ أساسي، حصل أردوغان وحزب العدالة والتنمية على فرصة ثانية من الناخبين الأتراك، ويبدو أن رئيس الوزراء داود أوغلو قد فهم هذه الرسالة. فقد وعد في خطاب النصر بالمصالحة مع جميع شرائح المجتمع، ووعد بحماية حكومته لحقوق جميع الـ78 مليون شخص في تركيا.

ومع ذلك، فمن المرجح أن سياسات الاستقطاب، وخطاب الكراهية، والانتقام من أولئك الذين يعارضون أو يخالفون حزب العدالة والتنمية ستستمر. فبعد أيامٍ فقط من الانتخابات، تم اعتقال 46 من موظفي الخدمة المدنية وضباط الشرطة في أزمير للاشتباه في أنهم أعضاء في “الدولة الموازية.” وتم تسريح العشرات من الصحفيين وغيرهم من الموظفين العاملين في وسائل الإعلام المؤيدة لكولين والتي تم الاستيلاء عليها من قبل لجنة تسيير الأعمال الموالية للحكومة. كما تمت إزالة قنواتهم التلفزيونية عن مزوّد الكابِل، ديجي تورك، وتم إلقاء القبض على العديد من الأشخاص بتهمة “إهانة” أردوغان.

كما فتّش ضباط الشرطة في أنقرة مكاتب مجموعات الأعمال التي تنتمي إلى  اتحاد الصناعيين ورجال الأعمال التركي (توسكون) المعروف بعلاقته بحركة كولين. كما دعا الصحفيون الموالون للحكومة إلى إقالة مجموعة من كتّاب الأعمدة الهامين في  كافة وسائل الإعلام وجميع الدوريات التابعة لرجل الأعمال التركي آيدن دوغان. كمال قليتش دار أوغلو، رئيس حزب المعارضة الرئيسي، حزب الشعب الجمهوري، سأل لماذا الحكومة “تخشى وسائل الإعلام الحرة… تعتبر هذه المطالب (لإقالة الصحفيين) ضربة قوية للديمقراطية. وإن دلّ هذا فإنه يدل على أن العملية “غوبلز” قد بدأت.” وخلال قمة للأمن عُقدت في الرابع من نوفمبر، أمر رئيس الوزراء داود أوغلو باستمرار عمليات كبيرة ضد حزب العمال الكردستاني “دون انقطاع بسبب ظروف فصل الشتاء.”

ومع ذلك، في خطابٍ ألقاه في نفس اليوم، أشار الرئيس أردوغان، مخاطباً وجهاء القرى إلى أنه يريد استئناف المفاوضات مع زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون عبد الله أوجلان، على الرغم من أن هذا سيتم تحت عنوان جديد “عملية الوحدة والأخوة الوطنية.”

وعد حزب العدالة والتنمية الناخبين بتحقيق الاستقرار والأمن، حيث منح نصف الناخبين الحزب ولاية متجددة للوفاء بهذا الوعد. وبالتالي، لا يمكن تحقيق الاستقرار السياسي والتقدم الاقتصادي إلا بتحسّن الديمقراطية ووجود قضاء مستقل. وخلافاً لذلك، سيذهب المستثمرون إلى الأسواق الناشئة حاملين بجعبتهم رأس المال والدراية. لا يوجد وقت لإضاعته، وفقاً لعلي باباجان، مهندس السياسة الاقتصادية لحزب العدالة والتنمية. وفي غضون ذلك، تمتلك الحكومة الجديدة فرصة سانحة تمتد لـ90 يوماً للبدء في اصلاحات هيكلية جديدة تنتشل الاقتصاد التركي من فخ الدخل المتوسط. “علينا اتخاذ إجراءات سريعة للإصلاح بشأن موضوعات تتعلق مثلاً بأسواق العمل، وأسواق المنتجات، ومحاربة الفساد، والمنافسة والشفافية وإلا فإننا سوف نضطر إلى الانتظار لانتخابات 2019.”

وعلى صعيدٍ آخر، فقد السياسيون الأتراك سنتين بسبب إجراء أربع انتخابات بين عامي 2013 و2015، وبسبب التناحر السياسي بين الحركة الإسلامية وحركة كولين. وذكرت شركة التصنيف الائتماني فيتش، استمرار المخاطر السياسية في تركيا. “تخفيض حالة عدم اليقين بشأن الانتخابات وتشكيل الحكومة لا يترجم بالضرورة بخفض المخاطر السياسية. سيبقى التوتر السياسي الداخلي مرتفعاً إذا ما استأنف رجب طيب أردوغان جهوده لتوسيع سلطته الرئاسية.”

وفي غضون أيام من فوزه بالانتخابات، أعاد حزب العدالة والتنمية فتح النقاش حول تغيير النظام البرلماني في تركيا إلى نظام رئاسي، في ظل الدستور الجديد المقترح. يُريد أردوغان أن يحكم بوصفه الرئيس التنفيذي مع القليل أو دون أي ضوابط وتوازنات. وتبشر المعركة حول الدستور الجديد وطموح أردوغان الملاحظ للحكم كأحد سلاطين ما بعد الحداثة، بإنتاج ما يكفي من المواد المتفجرة لاستمرار التوتر السياسي داخل وخارج البرلمان.

Advertisement
Fanack Water Palestine