وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

العلويون العرب في تركيا: التاريخ والعادات والتبعية

يواجه العلويون العرب في تركيا مشكلةً في إقناع بعض أبناء الجيل الجديد بضرورة التمسك بأصولهم العربية والمحافظة على العادات والموروثات.

العلويون العرب في تركيا
صورة تم التقاطها يوم 12 أكتوبر 2014 لعلويي تركيا العرب وهم يشاركون في اجتماع تم تنظيمه في العاصمة التركية أنقرة للاحتجاج على سياسة الحكومة المعادية للتعليم العلماني. المصدر: ADEM ALTAN / AFP.

علي العجيل

يخلط الكثير من الناس بين العلويين الذين ينحدرون من أصولٍ تركيّة ونظرائهم المنحدرين من أصولٍ عربية. ويجمع العلويون في تركيا مزيجاً من المعتقدات الشيعية والممارسات الدينية الصوفية.

ويعود تاريخ وجود العلويين الترك في تركيا إلى بدايات قدوم القبائل التركية إلى منطقة الأناضول. ويعرف هؤلاء بـ”علويي الأناضول”، وهم يتوزعون ما بين كردٍ وأتراك، وسط تضارب في العدد الحقيقي في نسبتهم. وبحسب بعض التقديرات، فإن هؤلاء يشكلون قرابة ربع سكان تركيا، وهو ما يجعلهم الأقلية الأكبر في البلاد.

أما العلويين العرب فيعيش معظمهم على ساحل المتوسط في ولايات هاتاي وأضنة ومرسين وصولاً إلى أنطاليا. ويتواجد بضعة آلاف من العلويين العرب في أنقرة وإسطنبول.

روابط تاريخية

كان العلويون العرب في الأصل تابعين لسوريا حتى عام 1939م، حيث اقتطع لواء الإسكندرون منها خلال حقبة الانتداب الفرنسي عليها وتم ضمه لتركيا بعد إجراء استفتاء. ويعرف حالياً لواء الإسكندرون في تركيا باسم محافظة هاتاي.

وإلى يومنا هذا، ما زال من الممكن اعتبار العلويين العرب الموجودين في تركيا امتداداً للعلويين الموجودين في سوريا. ويرتبط هؤلاء بصلات القربى مع أبناء الطائفة المقيمين في سوريا، وهم يتحدثون اللغة العربية إلى حد ما. كما أنهم يقومون بتعليمها لأولادهم. ويشكل العلويون العرب ما بين 5 إلى %7 من العلويين الأتراك، حيث يقدّر عددهم بنحو 250 ألفاً.

ويطلق الأتراك على سكان اللواء اسم “النصيريين” لتمييزهم عن علويي تركيا الآخرين، وفي إشارة إلى أنهم جزء من علويي سوريا. وتقع جبال النصيرية إلى الجنوب من محافظة هاتاي.

لواء الإسكندرون

كانت منطقة الإسكندرون، قبل ضمها لتركيا في عام 1939، تابعةً لولاية حلب، إبان الحكم العثماني لسوريا. وأصبحت هذه المنطقة تحت إدارة الانتداب الفرنسي، فيما يعرف بالمنطقة الزرقاء، التي تؤكد تعامل فرنسا وتركيا مع اللواء كأرض سورية في حينها.

ويقع لواء الإسكندرون في أقصى الزاوية الغربيّةِ الشماليّة من سوريا بحدودها السياسيّة قبل اقتطاعه من قبل الدولةِ التركيّة. ويحد اللواء من الغرب البحر الأبيض المتوسّط، والمتمثل بخليجي السويديّة والإسكندرون. وإلى الشرق والجنوب الشرقي تقع محافظتا إدلب وحلب، وإلى الجنوب مدينة اللاذقيّة.

وينقسم سكان محافظة هاتاي بين علويين وسنة إلى جانب عدد من الأتراك والشركس والأكراد مع أقلية من الأرمن.

الممارسات الدينية والطقوس

يدمج العلويون مذاهب مختلفة من الشيعة، إضافةً إلى معتقدات وممارسات من ثقافة السكان الأصليين في الأناضول، ما يخلق بنية فريدة تختلف عن الإسلام السني.

ويختلف علويو الأناضول عن العلويين العرب، رغم اتفاقهما على تقديس حضرة علي وآل البيت، وبعض الطقوس الأخرى. ويتشابهون إلى حد كبير مع العلويين في سوريا، ويؤمن العلويون بقدسية علي بن أبي طالب، ابن عم النبي محمد وصاحبه. كما يؤمنون بالتناسخ، ونقل موروثهم من خلال طقوس مخصصة حصرياً للرجال. وبحسب الطائفة العلوية، فإن المرأة ليس لها روح، ولا يمكن إعادة تجسدها. ويحتفل العلويون العرب بعيد الغدير الذي يعتبر من أهم الأعياد عندهم، ويعتقدون أنه اليوم صار الإمام علي فيه ولياً.

ولا يصوم العلويون الأتراك شهر رمضان. وفيما يتعلق بالحج، فإنّ أكثرهم يحج إلى قبر حجي بكتاش ولي، وهو متصوّف وفيلسوف وشاعر صوفي معروف عاش في الأناضول ما بين القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلادي. وتتميز العلوية الأناضولية عن العربية بطقوس الرقص الصوفي التي اكتسبتها من ارتباطها بالطريقة البكتاشية.

الاضطهاد العثماني

اتّهمت الدولة العثمانية العلويين بمساندة الصفويين في إيران في صراعهم معها. وأدى ذلك إلى ارتكاب حملات إبادة بحقهم، الأمر الذي أثر في تواريهم واعتزالهم في الجبال والانطواء على أنفسهم.

وظل الخلاف قائماً عبر التاريخ مع الأتراك عموماً، والسنّة بشكل خاص، إلى أن وافق السلطان عبد الحميد الثاني على حقيقة أنّ النصيريين مسلمون، وأدخلهم في الجيش العثماني، وذلك خلال الحرب العالمية الثانية.

ويتعرّض المواطنون العلويّون بين الحين والآخر أيضاً للتهديد داخل منازلهم، خصوصاً في مناطق اسطنبول وأنقرة. ويأتي التهديد على شكل رسومات وكتابات معادية وصلبان حمراء توضع على أبوابهم وجدرانهم. وعلى هذا الأساس، يضطر معظم العلويين إلى إخفاء هويتهم.

تهميش وتتريك

يواجه العلويون العرب في تركيا، كغيرهم من الأقليات العرقية والدينية، سياسات الدولة التي تسعى من خلالها لإلغاء هويتهم. ولكنهم، رغم ذلك، يسعون للمحافظة على خصوصيتهم، لا سيما في المناطق الواقعة جنوب غربي البلاد التي يتواجدون فيها بكثافة، كما هو الحال في منطقة هاتاي.

وعانى علويو تركيا العرب من ممارسة ضغوطٍ كبيرة بحقهم. ويشمل ذلك محاولة طمس الصبغة العربية عن محافظة هاتاي عبر تهجير أهالي الريف من المناطق التي ينحدرون منها. كما أن هناك محاولات متواصلة لقطع علاقة من بقي من العلويين العرب مع أقاربهم الموجودين في سوريا.

وتأتي عملية التتريك في منع تعلم اللغة العربية أولاً، وعدم تقليدهم مناصب كبرى أو مهمة في مؤسسات الدولة. يضاف إلى ذلك عدم الاعتراف بهم كطائفة مستقلة أو بالأضرحة ودور العبادة الخاصة بهم، وإدراجها تحت مسمى “مؤسسات ثقافية”.

وما تزال الهوية العربية موجودة في أنطاكيا وحيّة بشكل جيد في معظم المدن القريبة منها، لكنها تكاد تختفي في مدن أخرى يتواجد فيها العرب بكثافة مثل مرسين وأضنة.

العلاقة مع اللاجئين السوريين

على الرغم من السنين التي مرت والتطورات الكثيرة التي حدثت في العلاقات بين اللاجئين السوريين والعلويين العرب في تركيا، إلا أن الاندماج الاجتماعي في البداية ظل محدوداً جداً. ورغم الاختلاط بين الطرفين في العديد من الأمور، بقي أبناء الطائفة العلوية متحفظين إزاء مسألة إسكان السوريين في أحيائهم ومناطقهم، لفترة طويلة.

وكان العلويون في البداية متخوفين من نقل الأزمة السورية إلى بلادهم، ومن حدوث صدامات بسبب الاختلاف الطائفي والسياسي. ودفع هذا الأمر بالكثير من أبناء القرى العلوية إلى تسليح أنفسهم. ويميل معظم علويي تركيا من العرب إلى الوقوف في صف النظام الحاكم في سوريا. ويعتقدون أن الأزمة السورية مفتعلة، وغايتها التخريب، في حين يقف اللاجئون السوريون، وبأغلبيتهم، في الطرف الآخر.

لكن، مع الفترة الطويلة التي مضت والاندماج الذي حدث، والمحاولات الكثيرة التي بذلتها الدولة التركية لتجنب وقوع أية مشاكل، تراجعت مشاعر العداء والترقب والعمليات العنصرية من قبل المناطق العلوية، وزال الخوف تدريجياً.

صراع ما بين هويتين

يتمسك العرب الأتراك بشكل عام، لا سيّما العلويون منهم، بهويتهم العربية. ويتحدث هؤلاء بصورةٍ مستمرة باللغة العربية. كما أنهم يحاولون تعليم هذه اللغة لأولادهم. ومع ذلك، يواجه العلويون مشكلةً في إقناع بعض أبناء الجيل الجديد بضرورة التمسك بأصولهم العربية والمحافظة على العادات والموروثات. ويعود السبب في ذلك إلى ما تبذله الحكومة التركية من محاولات لطمس الهوية، وتأثر هذا الجيل أكثر بالأتراك والقومية التركية.

تقول س ك، 52 سنة، وتعيش في أنقرة، في حديث خاص لفنك: “عندما كنت صغيرة، كان معظم أفراد عائلتي يتحدثون العربية بشكل جيد. وكانت أحاديثهم لا تخلو من ذكر أسماء أقاربنا الذين يعيشون في سوريا، والحكايات التي تجمعهم بهم. أما اليوم، فالوضع قد اختلف. وصار التحدث بالعربية مقتصراً بيننا نحن الجدات والأجداد”. وتضيف: “هذا الأمر مزعج جداً ومخيف. وهذا ما سعت الدولة التركية إليه منذ سلبها اللواء”.

وتضيف: “في المقابل، لا بد لنا وأن نحاول الاندماج في المجتمع التركي بشكلٍ أكبر، سيّما وأنّ الاندماج سيضمن لأولادنا الوصول إلى ما يطمحون إليه. كما أنه سيجنّبهم مخاطر الوقوع في مشاكل مع الدولة التركية، أو مع غيرها من الجماعات المتطرفة الموجودة في المنطقة بشكل عام”.

Advertisement
Fanack Water Palestine