وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تصاعد العنف في لبنان

الوقات اللبنانية تحاول وقف القتال بين حي باب التبانة (السنّي) وجبل محسن (العلوي) في طرابلس في كانون الأول/ديسمبر 2012 Photo HH
الوقات اللبنانية تحاول وقف القتال بين حي باب التبانة (السنّي) وجبل محسن (العلوي) في طرابلس في كانون الأول/ديسمبر 2012 Photo HH

المقدمة

أدى تصاعد حدة الصراع في سوريا إلى تعميق الانقسام بين الفصائل السياسية-الدينية في لبنان، وخصوصاً في الشمال. رزح لبنان تحت نير الاحتلال السوري مدة 29 عاماً انتهت بانسحاب الجيش السوري عن الأراضي اللبنانية في العام 2005. وتحول شمال لبنان إلى معقلٍ لدعم المعارضة السورية وملاذٍ آمن للجيش السوري الحر. وتسبب دعم المعارضة السورية بمواجهات مع المجموعات العلوية المؤيدة للأسد في طرابلس، حوّلت الأحياء الفقيرة في منطقتي جبل محسن العلوية وباب التبانة السنية إلى مسرح لاشتباكات عنيفة بين مسلحي الطرفين اللذين لطالما اتسمت علاقتها بالتوتر. نشرت الحكومة الجيش لضبط الوضع الأمني، الأمر الذي ساعد في عودة الهدوء الحذر إلى طرابلس.

غير أن الأحداث في الشمال أدت إلى انعدام ثقة سنّة لبنان بالأجهزة الأمنية والمؤسسة العسكرية، فباتوا يتهمونها بالعمل في ما يصب في مصلحة النظام السوري. وفي حين تتمسك الحكومة اللبنانية رسمياً بموقفها “الحيادي” من الصراع السوري، إلا أنها تخضع للضغط من قبل النظام السوري لدعم دمشق. كذلك، يعمل حزب الله وحلفاؤه على دفع الحكومة اللبنانية إلى قمع الأنشطة المعارضة للرئيس الأسد، إلا أن تلك الأخيرة تدرك تماماً ما يحمله ذلك من مخاطر سياسية على البلاد.

وبالإضافة إلى ما يشهده شمال البلاد من اضطرابات، استُهدفت شخصيات مهمة عديدة في مناطق أخرى. ففي 19 تشرين الأول/أكتوبر من العام 2012، أودى انفجار سيارة مفخخة بحياة العميد وسام الحسن وهو أحد أهم المسؤولين الأمنيين في بيروت. والحسن، وهو رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي ومسؤول سابق عن أمن الرئيس رفيق الحريري، كان شخصية مثيرة للجدل على مستوى الأمن في لبنان. لعب الحسن دوراً أساسياً في التنسيق مع المحكمة الخاصة بلبنان التي تحقق في اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، كما تولى التحقيق في عمليات اغتيال شخصيات لبنانية كثيرة معارضة لسوريا بعد اغتيال الحريري، وفكك شبكات تابعة لحركات دينية مسلحة وأحبط العديد من عمليات التجسس الإسرائيلية في لبنان. وقبل أشهر قليلة من اغتياله، كشف الحسن مخططاً اشترك فيه وزير الإعلام السابق ميشال سماحة الذي تم توقيفه في شهر آب/أغسطس. اتُهم سماحة المؤيد للنظام السوري بالتخطيط لعمليات تفجير في عكار، شمالي لبنان، وذلك بناءً على أمر من علي مملوك, وهو مسؤول أمني سوري.

ودارت اشتباكات عنيفة بين مناصري إحدى المجموعات السلفية وعدد من مسلحي حزب الله في مدينة صيدا الجنوبية، أشعل فتيلها تعليق لافتات دينية شيعية في المنطقة، أما سببها فسيطرة حزب الله على لبنان. وأتى اغتيال الشيخ أحمد عبد الواحد عند حاجز للجيش اللبناني في قضاء عكار ذي الغالبية السنية ليزيد الطين بلة ويرفع حدة الاشتباكات في الشمال وفي المناطق المختلطة السنية-الشيعية في بيروت. وكان عبد الواحد، وهو شخصية معروفة في شمال لبنان, وعضو في تحالف 14 آذار المعارض، يعمل على إنشاء مراكز لإيواء النازحين السوريين قرب طرابلس ويساعد على إنشاء خطوط إمداد لسوريا.

وتصاعدت حدة العنف مع الهجمات التي شنتها مجموعات سنية متطرفة على معاقل حزب الله رداً على التدخل العسكري للحزب في سوريا، ليس في طرابلس فقط بل في المناطق الشيعية في بيروت وسواها. وأعلنت جماعات مثل جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) مسؤوليتها عن العديد من عمليات التفجير بالسيارات المفخخة والعمليات الانتحارية. ولا بد من الإشارة في هذا الإطار إلى أن مواطنين لبنانيين من المسلمين السنّة يشتركون في هذه الهجمات، كالعملية الانتحارية التي نفذها في 2 كانون الثاني/يناير من العام 2014، طالب جامعي من عكار، في الضاحية الجنوبية لبيروت. لدى مجموعة من الشيوخ السلفيين المتمتعين بتأثير كبير أتباع من المسلمين السنة الفقراء في الشمال وهم لم يكتفوا بإدانة النظام السوري، بل دعوا السنة في لبنان إلى الانضمام إلى الثوار.في سوريا. وأعلنت بعض المجموعات السلفية اعتبار معاقل حزب الله جميعها في لبنان أهدافاً شرعية لها

عملت حكومة تصريف الأعمال وقوى الأمن الداخلي على الحؤول دون تدهور الوضع الأمني في البلاد. وقد أُشيع مؤخراً عن مغادرة عدد من المواطنين اللبنانيين طرابلس بسبب هشاشة الوضع الأمني.

الوضع السياسي

فطوال عشرة أشهر، عانى لبنان فراغاً سياسياً بعد إعلان الرئيس ميقاتي استقالة حكومته في 22 آذار/مارس من العام 2013. وأعاق تشكيلَ حكومة جديدة الصراعُ على توزيع الحقائب الوزارية بين أعضاء الكتلتين السياسيتين الأساسيتين؛ 8 آذار و14 آذار ورفضُ كتلة 14 آذار في البداية المشاركة في حكومة إلى جانب حزب الله طالما أن هذا الأخير مستمر في القتال في سوريا. وفي كانون الثاني/يناير من العام 2014، ومع بدء محاكمة أربعة من أعضاء حزب الله أمام المحكمة الخاصة بلبنان، أعلن رئيس الحكومة السابق سعد الحريري استعداده لمشاركة السلطة مع خصمه، حزب الله.

وشكل إعلان الحريري هذا مفاجأة، نظراً إلى أن أربعة من أعضاء الحزب اتّهموا بالضلوع في اغتيال والده وإلى أن الحزب متهم باغتيال شخصيات بارزة أخرى من تيار المستقبل الذي يرأسه الحريري. وتم التوصل إلى تسوية بين الأفرقاء اللبنانيين جميعهم، مع موافقة 14 آذار و8 آذار، وشخصيات وسطية مقربة من الرئيس، ورئيس الوزارء تمام سلام، والزعيم الدرزي وليد جنبلاط، على مشاركة السلطة. واتُفق على تشكيلة وزارية قائمة على ثمانية وزراء لكل من الجهتين المتخاصمتين اللتين مُنحت كل منهما حق النقض في الحكومة؛ ما يعني أن أي تغيير جوهري في السياسة لن يكون ممكناً قبل الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 25 أيار/مايو من العام 2014

Advertisement
Fanack Water Palestine