المقدمة
قدر عدد سكان دولة إسرائيل بنحو 9,291,000 نسمة، مع نهاية عام 2020م، وفقاً للمكتب المركزي للإحصاء. شكل اليهود ما نسبته 73.9% (6.87 مليون نسمة) من إجمالي عدد السكان، فيما شكل العرب ما نسبته 21.1% (1.956 مليون نسمة)، وآخرون (المسيحيين غير العرب، وديانات أخرى، ومن غير المنتسبين إلى أي دين ) 5% بنحو 456 ألفاً. وقدرت نسبة النوع بين الجنسين بنحو 101 ذكراً لكل 100 أنثى.
وخلال عام 2020م، بلغ معدل النمو السكاني 1.7%، عما كان عليه عدد السكان في عام 2019م. تعود84% من الزيادة إلى النمو الطبيعي للسكان، فيما 16% منها كانت من ميزان الهجرة الدولية (المواطنون العائدون والأشخاص الذين هاجروا بموجب قانون الدخول).
فقد وُلد حوالي 176,000 طفل خلال العام (73.8% لأمهات يهوديات، 23.4% لأمهات عربيات و2.8% لأمهات آخرين). فيما هاجر إلى إسرائيل حوالي 20,000 مهاجر جديد، مقابل 34000 في عام 2019م.
وتوفي حوالي 50 ألف شخص في عام 2020م، واحدة من كل 15 حالة وفاة كانت مرتبطة بفيروس كورونا.
من المتوقع أن يواصل سكان إسرائيل النمو بوتيرة سريعة نسبياً خلال منتصف هذا القرن، حيث يصل العدد إلى 15.2 مليون نسمة بحلول عام 2048م ) مئوية تأسيس الدول ). ومن المتوقع أن يتجاوز عدد سكان إسرائيل اليهود 11 مليون نسمة بحلول ذلك الوقت.
ينقسم الإسرائيليون بالتساوي بين الرجال والنساء بنسبة 50 في المئة لكل من الجنسين. ويصنف 44.3% من السكان الإسرائيليين أنفسهم بأنهم علمانيون، في حين 21.4% يعتبرون أنفسهم محافظين، و12.3% محافظون مع ميول دينية، و11.5% من المتدينين، 10.2% من اليهود المتطرفين.
اللغات المستخدمة، العبرية (هي اللغة الرسمية)، العربية (لها وضع خاص بموجب القانون الإسرائيلي)، والإنجليزية (اللغة الأجنبية الأكثر استخدامًا).
الفئات العمرية
ومن حيث التركيبة العمرية للسكان فقد أظهرت تقديرات عام 2020م ، أن نسبة 41.43% من السكان هم دون سن 25 عامًا، وأن نسبة 37.2% تقع في الفئة العمرية (25-54) عامًا، و 8.4 % بين 55 و64 عاماً، فيما 11. 96 % من السكان في فئة 65 عاماً فأكثر.
بلغ معدل الخصوبة في إسرائيل في عام 2020م 3 ولادات لكل امرأة. وكان شهد العام 2018م تجاوز معدل خصوبة النساء اليهوديات الإسرائيليات معدل خصوبة أقرانهن من العرب، للمرة الأولى في تاريخ البلاد، بحسب بيانات أصدرها المكتب المركزي للإحصاء، وبلغت النسبة بين النساء اليهوديات المقيمات في إسرائيل وفي المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية 3.05 مقابل 3.04 للنساء العربيات في إسرائيل. وتستثني البيانات الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة من غير المواطنين الإسرائيليين.
ويعتبر متوسط العمر المتوقع في إسرائيل من أعلى المعدلات في العالم، حيث يقدر بنحو 85.15 سنة للنساء، و 81.25 سنة للرجال.
مناطق السكن
إسرائيل دولة بلا حدود معترف بها دوليًا حتى اليوم لذا من الصعوبة بمكان تحديد كثافتها السكانية. تل أبيب هي المركز المالي لإسرائيل والثانية من حيث عدد السكان. تعتبر منطقة تل أبيب الحضرية التي تسمى غوش دان، أكبر منطقة في البلاد حيث يقدر عدد سكانها بنحو 42% من سكان إسرائيل، في عام 2020م ، كانت المدن الخمس الأكبر من حيث عدد السكان هي القدس (936,047)، تل أبيب – يافا (461,352)، حيفا (285,542)، ريشون لتسيون (254,238)، وبيتاح تكفا (248،005).
القدس هي عاصمة إسرائيل التي حددتها لنفسها، رغم أن الأمم المتحدة لم تعترف بها، والسيادة الإسرائيلية على القدس هي محل نزاع دولي بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
في عام 2017م، اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية رسميًا بالقدس عاصمة لإسرائيل، إلى جانب نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس أكبر مدينة في فلسطين التاريخية (إسرائيل وفلسطين) وواحدة من أقدم المدن في العالم، كما أنها مدينة مقدسة في اليهودية والإسلام والمسيحية.
فقد قامت دولة إسرائيل في منطقة يقطنها الفلسطينيون. خلال حرب 1948-1949م، تم طرد أو فرار حوالي 80% من الفلسطينيين من قبل القوات اليهودية المسلحة. يتألف السكان اليهود من مجتمعات متنوعة، بما فيهم الأشكناز (يهود من أوروبا الوسطى والشرقية والغربية) والسفارديم (من شبه جزيرة إيبيريا والقسم الشمالي من منطقة البحر الأبيض المتوسط) والمزراحيين (من العالم العربي)، كما من مجموعات أخرى.
ويفسر هذا إلى حد كبير سبب استعمال لغات أخرى إلى جانب اللغة العبرية في إسرائيل، وخاصة الإنكليزية والروسية. ورغم أن الأجيال الأولى للمستوطنين اليهود كانوا علمانيين على الأغلب، إلا أن تأثير الدين على المجتمع اليهودي تزايد باطراد منذ إقامة دولة إسرائيل عام 1948م. على سبيل المثال، تبرز طائفة الحراديم كمجموعة دينية في المجتمع الإسرائيلي؛ والمجتمع الفلسطيني من السكان الأصليين – الذي يشكل 20% من مجموع السكان – هو إما مسلم أو مسيحي.
فلسطين التاريخية
لسكان فلسطين التاريخية جذور في العصور القديمة، عندما ساعد اعتماد الزراعة والتقنيات الأفضل للحصول على المياه من انتشار مجتمعات قروية مستقرة، وأشهرها في السلسلة الجبلية الوسطى. كانت الظروف في السهل الساحلي، الذي يتميز بالرمال الواسعة والمستنقعات، أقل ملاءمة للزراعة الكثيفة في القرى، ولكنها وفرت الفرص لظهور المدن التي تعتمد على التجارة البحرية.
تم تغيير الخط الفاصل بين ما وصف بـ “الصحراء والزراعة” باتجاه الشرق والجنوب، بين الزراعة والرعي، مرات عديدة وفق الفترات الأكثر جفافاً أو مطراً.
بالإجمال، قدمت طرق الحياة الإقليمية هذه، من الساحل التجاري في الغرب والجبال الزراعية في الوسط والحقول الرعوية في الشرق، تواصلاً خضعت فيه سبل العيش والأعداد الديموغرافية للتغير والتكيف المستمرين.
في أوقات السلام والاستقرار والظروف المناخية الملائمة، كان عدد السكان يرتفع، واضعاً ضغطاً على موارد البلاد. أما في أوقات الاضطرابات السياسية، والمرتبطة غالباً بالشدائد المناخية، كان عدد السكان ينخفض بشكل كبير. وقد قدمت هجرة الناس من منطقة إلى أخرى، أو إلى بلدان عديدة أخرى، آلية للتكيف مع الشح في مجالات سبل العيش أو الاستقرار السياسي.
عبر القرون، كان هناك نزعة في فلسطين كانت خلالها الأرياف الزراعية توسع قاعدة مواردها إلى مستوى التشبع أو الاستنزاف، مما تسبب بأنماط مختلفة من الهجرة.
كانت أحداها الانتقال من الجبال إلى السهل الساحلي المتحضر حيث انضم المهاجرون إلى صفوف الحرفيين والتجار. وكانت الأخرى الانتقال من الجبال إلى الشرق والجنوب، والتي حدثت عندما اضطر الجفاف الطويل المزارعين أن يصبحوا رعاة.
ربما كان الانتقال الأبرز هو الهجرة الكبيرة إلى الخارج، وفي معظم الحالات من السهل الساحلي. وقد حدث هذا عندما أصبحت البلاد مكتظة أو تورطت في الحروب، محرضة الحرفيين والتجار على البحث عن ملاذات أكثر أمناً في أماكن أخرى.
الأقلمة
تبع التطور التاريخي لسكان فلسطين عدداً من المراحل الثقافية والسياسية الرئيسية. وقد كانت السلالة الأولية الأساسية للمجتمعات المستقرة جزءً من أكبر كيان ثقافي معروف بكنعان. وقد كان يسيطر عليها ممالك تتألف من مدن صغيرة متناثرة. شهد الانتقال من العصر البرونزي إلى العصر الحديدي في نهاية الألفية الأولى قبل الميلاد تدفق القبائل من الشمال والشرق والتي كانت تستقر بين المجتمعات الريفية والحضرية المستوطنة، والتي سريعاً ما تبنت لغتهم وثقافتهم.
أعقب هذه الفترة ظهور الممالك الإقليمية الداخلية، والتي كانت تضغط على السهل الساحلي. أصبحت إحدى هذه الممالك، مملكة آرام، مركزها دمشق، في غاية الأهمية لتوسع نطاق التجارة البرية إلى حد أن حلت لغتها العامية مكان الأشكال المحكية من اللغة الكنعانية الأصلية.
كانت اللغة القريبة جداً من الآرامية تستخدم في الحياة اليومية والتجارة، بينما كان يحتفظ باللغة الكنعانية الأصلية كلغة دينية في الميدان الديني (سميت لاحقاً بـ “العبرية القديمة”). في هذه الفترة، فتحت التسمية “كنعاني” الطريق لأسماء مشتقة من الممالك الإقليمية، مثل فلسطيني، إسرائيلي، يهودي، أدومي، آرامي. وكانت هذه الهويات غير ذي صلة فيما يتعلق باللغة المحكية المشتركة أو العادات الثقافية. وفي الوقت نفسه، تطورت أو تنوعت المجتمعات الكنعانية الأصلية إلى أنواع إقليمية استمرت تشترك بتبجيل الإله الأكبر القديم، إيل.
عصر الرومان
أعطى الاندماج التدريجي للبلاد، ضمن أطر سياسية أكبر للعصور الهلنستية والرومانية، الأهمية للانتماءات الإقليمية والدينية، مثل السامري واليهودي والمسيحي، والتي بدأ من خلالها سكان فلسطين بالتعريف عن أنفسهم. وقد تسبب استيعاب فلسطين في الكومنولث الهلنستي الروماني بفترة طويلة من النمو الديموغرافي والاقتصادي الثابت، والذي دخل في البداية في مرحلة مضطربة عندما قاوم السكان اليهود والسامريون، الذين رفضوا الخضوع، التغيرات. أدى هذا إلى بضع ثورات عنيفة وإنما فاشلة، والتي قلصت الريف بشكل مؤقت.
أثار الميل للنمو الاقتصادي السريع والانبعاثات العرضية هجرة كبيرة. وانتقلت نسبة كبيرة من المهاجرين إلى خارج البلاد، واستقرت في المدن الكبرى للإمبراطورية. وتشير السجلات الدينية آنذاك إلى انتشار ” السوريين” و “اليهود” في المدن الرومانية، حيث شكلوا طوائف استمرت في ممارسة طقوسها التقليدية.
خلال معظم الفترة القديمة، تأرجح سكان فلسطين من انخفاض بنحو 300,000 إلى ارتفاع يتجاوز نصف مليون نسمة. ولكن في العصور القديمة المتأخرة، استمر سكان فلسطين بالنمو حتى تجاوزوا المليونين.
العصور القديمة
للإمبراطورية الرومانية بعض العقبات في طريق الطوائف الدينية في فلسطين بالإبقاء على طوائفهم التقليدية طالما هم موالون للدولة. وقد تغير هذا بعد تبني الأباطرة الرومان المسيحية كدين للدولة منذ القرن الرابع الميلادي. وضاق نطاق الحريات الدينية بشكل كبير عندما ازداد عدم تسامح الأباطرة البيزنطيين، مثل هرقل في القرن السابع الميلادي، تجاه المعتقدات التقليدية. ومن خلال مزيج من الاضطهاد والارتداد القسري، بدأت المجتمعات السامرية واليهودية بالتضاؤل، خاصة في المناطق الحضرية للبلاد حيث كانت سلطة الدولة أقوى.
الفتح الإسلامي
أثبت الفتح الذي قام به العرب المسلمون في القرن السابع على أنه المحطة الرئيسية في التطور الثقافي للشعب الفلسطيني. وقد ترك إدماج البلاد في إمبراطورية العالم العربي، والتي كانت الأكبر قبل العصور الحديثة، بصمة باقية.
تشير السجلات الدينية إلى أن سكان البلاد رحبوا بالحكام الجدد كخلاص من الظلم الإمبراطوري المسيحي. كان موقف الخلافة متسامحاً وواقعياً تجاه الأقليات الدينية، مثل اليهود والسامريين والمسيحيين والذين اعتبروا على أنهم “أهل كتاب”، والذين، كمرجع ديني للإسلام، حظوا بتقدير كبير.
مع ذلك، بدأت أعداد كبيرة من سكان البلاد باعتناق الإسلام، إلى حد كبير بسبب السياسات الضريبية التي كانت ثقيلة على غير المؤمنين بالإسلام، وأيضاً لأنه لم يكن ينظر إلى هذه الخطوة على أنها مأساوية إلى حد بعيد، ولا سيما بالنسبة للمؤمنين في المجتمعات الريفية.
أما المعلم الأساسي الآخر، هو أن اللغة الآرامية العامية أصبحت متأثرة بشدة بمفردات اللغة العربية للحكام الجدد والتي تطورت عضوياً إلى ما يعرف باللغة العامية العربية بأنواع مختلفة من اللهجات. وبهذه الطريقة، تأسست الديموغرافية الفلسطينية والمؤسسات الثقافية بشكل كبير في أوائل العصور الوسطى.
المهاجرون
بدأ الانهيار المأساوي مع تفتت وانهيار الخلافة العباسية اعتباراً من القرن العاشر، محولاً فلسطين إلى موضوع خلاف بين السلالات التركية المتنازعة. ولفترة طويلة، أصبحت البلاد خاضعة لحكم الإمارات الصليبية. وقد خفضت الحروب والمجاعات المتوالية عدد السكان إلى نحو خمس ما كان عليه سابقاً. واستقرت الأوضاع عندما أصبحت فلسطين ولاية من سلطنة المماليك. وكانت هذه بداية الفترة التي هاجرت فيها الطوائف الدينية والعرقية الخاصة إلى فلسطين، بتشجيع من معظم الحكام المحليين. في القرن الثاني عشر، استقر عدد كبير من طائفة الدروز في الجبال الشمالية. ووصل مهاجرون آخرون عندما وسعت السلالة التركية سيطرتها على معظم الأراضي العربية، بما فيها فلسطين في القرن السادس عشر، وذلك من جميع أنحاء الإمبراطورية العثمانية، نتيجة العلاقات التجارية والحج والعلاقات الثقافية والاقتصادية الأخرى.
العصر العثماني
بدأت السلطات العثمانية بتجنيد وحدات من الحرس والخفر للقيام بمهام الشرطة من بلاد أجنبية. وبالنتيجة، استقرت مجموعات قليلة من الشركس من أراضي البحر الأسود في شمال البلاد، ومجتمعات من الأفارقة السود في وادي الأردن ومدينة القدس.
كما شجعت السلطات التركية الهجرة اليهودية، في البداية بشكل أساسي من المجتمعات الناطقة بلغة “لادينو (العبرية الأسبانية) والتي وجدت ملاذاً في الإمبراطورية العثمانية من اضطهاد ملوك المسيحية من أسبانيا والبرتغال، خاصة في القرن الخامس عشر. استقر معظمهم في القدس، المركز الروحي اليهودي والذي يدعى صهيون على اسم قلعة المدينة القديمة التي كانت تدعم الهيكل القديم.
كما أقامت مجتمعات إضافية في مدن غزة وطبريا ونابلس وصفد والخليل. وازدادت أعدادهم في القرنين السابع عشر والثامن عشر عن طريق اليهود من أوروبا الشرقية، الهاربين من الاضطهاد أيضاً، ومن بلاد في آسيا الوسطى. واستمر يهود فلسطين باستخدام لغتهم الأم الأصلية اللادينو واليديشية (لهجة ألمانية)، كما أتقنوا اللغة العربية. يرقى إلى هذه الفترة التمييز بين اليهود السفارديم (من “سفارد” العبرية، وتعني فرنسا)، واليهود الأشكناز (من “أشكناز” العبرية ، وتعني ألمانيا).
عكست التطورات التي حدثت في أواخر القرن التاسع عشر انحطاط وركود العصور السابقة. وجدد صعود القوى الأوروبية الاهتمام ببلاد الشام. مما جعل الحكومات والمؤسسات الدينية والجمعيات الخيرية أن تقدم الرعاية للطوائف غير الإسلامية كوسيلة لاستعادة موطئ قدم لها في المشرق.
الدعم الخارجي
أخذت الرعاية الأوروبية في فلسطين أشكالاً خاصة تضمنت تأسيس المستوصفات ودور العجزة والمدارس، كما المستوطنات الجماعية داخل المدن والمناطق الريفية. أصبحت مدينة القدس المسورة محاطة بالمجمعات المسيحية الكبيرة من فرنسا وبريطانيا العظمى وروسيا وألمانيا المتنافسة مع بعضها البعض من أجل النفوذ الاجتماعي والسياسي.
شهدت أواخر القرن التاسع عشر ارتفاعاً في الحماسة القومية الأوروبية، والتي قادت الأمم لإقامة مستوطنات ما وراء البحار في بلاد أصلية من المعتقد أنها كانت دون حكم منظم متحضر. كما هيمنت مثل هذه الأفكار داخل حركة اليهود الأوروبيين فقامت بتنظيم نفسها تحت اسم المنظمة الصهيونية العالمية.
وقد ألهمتها مبادئ التحرر الوطنية المبنية على فكرة أن اليهود يشكّلون عرقاً دينياً مخوّلاً لأن يكون له دولة خاصة به. وكان تحقيق هذه الفكرة سيتطلب أرضاً وطنية يسكنها يهود يحرثون الأرض ويعملون في المصانع، بدلاً من أن يكونوا مجرد مؤمنين أتقياء. تعارضت فكرة الصهيونية، القومية العرقية الدينية مع فكرة السكان الفلسطينيين الأصليين الذين كانوا يطالبون بتقرير المصير الوطني لجميع السكان بدون اعتبار أديان معينة.
منذ منتصف القرن التاسع عشر، بدأ اليهود الأوروبيون الأثرياء وذوو السلطة بدعم اليهود الفلسطينيين بالإعانات والمؤسسات والأموال لإنشاء المستوطنات. وقد اضطر الحرمان الاقتصادي والاجتماعي والاضطهاد المستمر في أوروبا الشرقية أعداداً كبيرة من اليهود إلى الهجرة، معظمهم إلى أميركا، كما إلى فلسطين. وخلال عقدين من الزمن، تضاعف عدد اليهود الفلسطينيين إلى حوالي 70,000 خلال سنوات الحرب العالمية الأولى، والذين كانوا يشكلون حوالي 10% من سكان البلاد.
استقر معظم المهاجرين في مدن القدس ويافا وحيفا، حيث كانت تتوفر مصادر ضئيلة للعيش. وقد بذل الزعماء الصهاينة، الذين كانوا حريصين على تأصيل الجذور الإقليمية اليهودية، قصارى جهدهم لشراء الأراضي حول المدن لإقامة المستوطنات اليهودية الريفية. وفي معظم الحالات، كانت فرص شراء الأراضي محدودة بالممتلكات الهامشية لوجهاء العرب، والتي كانت غير مربحة للزراعة دون استثمارات كبيرة في الصرف أو الري. وهذا ما حصر الاستعمار اليهودي بشكل أساسي في سهول البلاد المنخفضة التي غالباً ما كانت مستنقعات موبوءة بالملاريا.
وقد استهلك الأمر جهوداً جبارة من رواد الأرياف اليهود لتحويلها إلى أراض مربحة. وعلى الرغم من هذه الجهود والاستثمارات، لم تزد مساحة الأراضي اليهودية المكتسبة قبل إعلان دولة إسرائيل عن 7% من مجموع الأراضي. وبقي أكثر من ثلثي السكان اليهود متمركزين في أكبر ثلاث مدن فلسطينية والتي تغطي أقل من 1% من الأراضي.
مع ذلك، بدت القواعد الإقليمية والديموغرافية للأمة اليهودية في البلاد، رغم ضعفها الشديد، وكأنها تتحضر عشية الحرب العالمية الأولى. فتضخمت المدن الفلسطينية من الهجرة اليهودية على شكل ضواحي كبيرة أخذت تنمو لتصبح بحجم المدن الأصلية أو حتى أكبر كما في القدس ويافا، حيث تحولت الأخيرة إلى بلدية تل أبيب اليهودية المنفصلة.
إلى جانب المدن، نشأت مجموعات متميزة من المستوطنات اليهودية الريفية في السهول المحيطة بمدن يافا وحيفا وطبريا وصفد، والتي كانت تنمو تدريجياً باتجاه بعضها البعض. وظهر هناك نموذج جديد، حيث كان الاختلاف بين الجبال والسهول يميز أيضاً المناطق التي يسيطر عليها السكان اليهود أو الفلسطينيون.
التغيرات الديموغرافية
رست نتائج الحرب العالمية الأولى، والتي حلت فيها القوى الاستعمارية الغربية مكان الحكم التركي في أجزاء كبيرة من العربية، الأساس للتطورات الجغرافية السياسية الكبيرة. وعلى عكس الوعود الأولية بالسيادة العربية، حصلت بريطانيا على انتداب حكومي على فلسطين والذي جسّد وعداً مختلفاً تماماً عن الأول، معربة عن دعمها لـ “وطن قومي لليهود في فلسطين”. ترك الحكم البريطاني الخارجي المجتمع الفلسطيني عرضة لنوايا وآثار هجرة اليهود الواسعة النطاق التي تلت ذلك.
خلال ثلاثة عقود فقط، ازداد عدد اليهود ستة أضعاف ليشكل نحو ثلث عدد سكان البلاد. لكن اكتساب الأراضي اليهودية لم يصل إلى نسبة مماثلة، فبقيت أصغر بحوالي أربع مرات من النسبة المحققة من حيث عدد السكان.
على الرغم من إدراك الفلسطينيين ذلك كتهديد رئيسي لهم، فإن موطئ القدم اليهودية الإقليمية الصغيرة جداً، والتي تمتد ببطء على طول السهول الشمالية للبلاد والتي تتخللها البلدات الفلسطينية العديدة، أظهرت نقصاً في الشروط المطلوبة لقيام الدولة الفعلية. إلا في نظر القادة والرواد الصهاينة الذين آمنوا بأنه يمكن حتى لأصغر قاعدة إقليمية أن تستجمع القوة الدافعة الكافية لتقلب الموازين في مصلحة الاستقلال اليهودي المستدام.
على اعتبارها عراقيل في الطريق، فإن قرار وقدرة الفلسطينيين على الدفاع عن حقوقهم الوطنية فشلت إلى حد كبير في تحقيق ما حشدته الجالية اليهودية.
كما أن غياب الوكالات العربية العامة الفعالة، بالإضافة إلى القيادة المنقسمة داخلياً والمحافظة والإقطاعية والمحدودة، وضعت المجتمع الفلسطيني في وضع غير مُؤاتٍ إلى حد كبير في مواجهة الحكم الاستعماري والمشروع الصهيوني.
انفجرت التوترات المتصاعدة بقتال عنيف عام 1947، عندما أوصى قرار الأمم المتحدة رقم 181 بتخصيص أكثر من نصف البلاد لدولة السكان اليهود، على الرغم من أقليتهم وامتلاكهم أراضٍ أقل (انظر أيضاً قرار الأمم المتحدة رقم 181). وعندما تم الإعلان عن إقامة دولة إسرائيل في العام التالي، تدخلت الدول العربية المجاورة للدفاع عن فلسطين (انظر حرب 1948-1949)، ولكنها بالكاد نجحت بالصمود في المناطق الأبعد من البلاد.
تسبب تقدم القوات الإسرائيلية المسلحة والاستخدام المتعمد للعنف ضد الأهداف المدنية عام 1948 وأوائل عام 1949، بفرار نحو 80% من السكان الفلسطينيين في الغالب من السهول إلى المناطق الجبلية الداخلية، وقسم واحد من الشريط الساحلي الذي سيطرت عليه القوات المصرية (انظر أيضاً النكبة). وهرب العديد من اللاجئين الفلسطينيين إلى أبعد من ذلك عبر الحدود لإيجاد ملاذ مؤقت آمن، وبشكل رئيسي إلى الضفة الغربية (المحتلة من قبل الأردن عام 1948) وقطاع غزة (الخاضع للسيطرة المصرية منذ 1948) والأردن ولبنان و سوريا.
بعد عام واحد تم فرض وقف إطلاق النار، منتجاً خطوط هدنة تركت إسرائيل تسيطر على أكثر من ثلاثة أرباع البلاد. وعلى الرغم من وقف إطلاق النار، بقيت إسرائيل والدول العربية في حالة حرب، مجمدة مواقع القوات المسلحة المعارضة.
وهذا ما ساعد إسرائيل على الاستمرار في تجاهل دعوة قرار الأمم المتحدة رقم 194 إلى تمكين العودة الفورية للاجئين الفلسطينيين. ولكن بما أن الهيمنة الديموغرافية اليهودية في دولة إسرائيل المقامة حديثاً كانت السبب في الطرد المتعمد للفلسطينيين، لم يُنظر في هذا الأمر على الإطلاق في أي حال من الأحوال.
التشرذم الفلسطيني
في الخمسينات، برز وضع جديد تماماً مع انقلاب كبير في الخصائص الديموغرافية والسياسية الأصلية للبلاد. اختفى اسم فلسطين من الخارطة وحل محله اسم إسرائيل. وفقد الموطن الأصلي لسكان فلسطين تماسكه الجغرافي وتفوقه العددي ومركزه الاجتماعي والاقتصادي على طول الساحل. وفقدت السهول الكبرى في البلاد هويتها الفلسطينية، ما عدا قطاع غزة الصغير، مما أدى إلى فرار عدد كبير من المجتمعات الأصلية إلى أماكن آمنة في أماكن أخرى.
على الفور، تم ملأ الفراغ الديموغرافي بهجرة يهودية جديدة ضخمة. وفي السنوات بعد الهدنة، هدمت إسرائيل أكثر من 400 بلدة فلسطينية مهجورة وأسست مستوطنات يهودية مكانها. ضاعف وصول المهاجرين الجدد من عدد سكان إسرائيل اليهود ليصبح 1,2 مليون عام 1950، مساوياً لعدد الفلسطينيين قبل عامين فقط. وبسبب فرار ما يقارب من نصف اللاجئين الفلسطينيين من البلاد، فالرقم الذي بقي هبط إلى أقل من عدد السكان اليهود الإسرائيليين، مما عكس تقريباً المعادلة الأولى: ثلثين من الفلسطينيين وثلث من اليهود.
كان الأمر الأكثر أهمية تفكك التماسك الجغرافي لفلسطين. فأصبحت مجزأة إلى أربع أجزاء منفصلة، يقع كل منها في طرف البلاد. الجليل في الشمال، حيث بقي 150 ألف فلسطيني تحت الحكم العسكري الإسرائيلي. وتألف أكبر جزء من المنطقة الجبلية الداخلية، والتي أصبحت تعرف باسم الضفة الغربية بعد أن ضمتها الأردن، معطياً المملكة امتلاك ضفتي النهر الذي أخذت اسمها منه. كان تدفق اللاجئين قد ضاعف من عدد السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى أكثر من نصف مليون والذين أعيد توطين عدد كبير منهم في الضفة الشرقية للأردن.
تم إنشاء جزء آخر عندما انتهكت إسرائيل المنطقة المتاخمة لصحراء النقب، والتي كانت تقطنها قبائل البدو، حيث انتقل العديد منهم إلى مناطق أكثر هدوءً بانتظار عودة الهدوء قبل العودة إلى مراعيهم التقليدية. لكن بدأت إسرائيل بطرد القبائل المتبقية إلى ما وراء الحدود وحشد غيرها فيما يسمى بـ “سياج”، وهو سياج إقليمي يشبه محمية عرقية حول مدينة بئر سبع الفلسطينية الأصل، وأعيد تسميتها ببرشيفا.
أظهر الجزء الأخير، الواقع فيما أصبح معروفاً بقطاع غزة، أعلى مستوى من الحرمان الفلسطيني. حيث سقط معظم الأحياء الكبيرة الأصلية، والتي تعد قرى عديدة منتجة، في أيدي الإسرائيليين. وتم استيعاب أكثر من 150 ألف لاجئ في الحدود الضيقة للقطاع الذي تديره مصر.
كشفت الأجزاء الفلسطينية الأربعة المتناثرة في المناطق النائية ما خسرته البلاد في الوسط. وقد عمل السهل الساحلي كمحرك للتنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لفلسطين. إلى جانب مدينة تل أبيب اليهودية، كانت مدينتا يافا وحيفا تنموان لتصبحا مركزين حيويين للتجارة والصناعة، وتعمل كبوابات بحرية إلى الأسواق الخارجية. وفي هذه البيئات الحضرية، تضاعفت المطابع العربية والمؤسسات الثقافية والتعليمية، مما أعطى قوة دفع لتحديث وتحرير المجتمع الفلسطيني.
المآزق الإسرائيلية
تعثرت الضرورة الإقليمية للقومية اليهودية بتحويل فلسطين إلى إسرائيل بالسكان الأصليين الفلسطينيين المقيمين. أفرغت حرب 1948- 1949 سهول البلاد من سكانها الفلسطينيين الأصليين. وكان المسعى الأول لإسرائيل هو ملء الأماكن المفرغة بالمواطنين اليهود، والذين توفروا بسرعة عندما احتاج الكثير من المهاجرين الجدد إلى مساكن مدعومة.
مع ذلك، تزايد القلق في إسرائيل حول التناقض بين التكوين الديموغرافي للدولة وحدودها الفعلية التي كانت تتضمن أقليات فلسطينية كبيرة بالقرب من الضفة الغربية و قطاع غزة، والتي كانت تحت سيطرة الأردن ومصر. ومن منظور جغرافي، لم يكن من الصعب إعادة ضمها إلى المناطق الفلسطينية غير المحتلة من قبل إسرائيل. على الرغم من أن خطة تقسيم الأمم المتحدة لعام 1947 كانت معطلة سياسياً، إلا أنه كان يمكن تحقيقها ديموغرافياً. وقد لجأت إسرائيل إلى حزمة متنوعة من التدابير لتجنب مثل هذا السيناريو. كانت إحداها هدم معظم الأماكن الفلسطينية المهجورة والتي من شأنها الحفاظ على سهول البلاد آمنة ضمن الدولة اليهودية.
منحت إسرائيل، وهي مصممة على التمسك بالمناطق الفلسطينية المحتلة المخصصة للدولة الفلسطينية المرتقبة، المواطنة الإسرائيلية لسكانها الفلسطينيين. كأقلية، لن يعرضوا الطابع اليهودي للدولة للخطر. بهذه الخطوة، اعتقدت إسرائيل أن مطالبتها بالمناطق المحتلة خارج حدود خطة التقسيم ستصبح غير قابلة للجدل.
تبقى هناك مشكلة واحدة، تتعلق بصعوبة توطين اليهود الإسرائيليين ضمن مناطق مأهولة بشكل كامل بالسكان الفلسطينيين، بغض النظر عما إذا كانوا مواطنين إسرائيليين رسميين أم لا. وهذا هو سبب انتهاج إسرائيل لإستراتيجية توطين على مراحل، بدأت بتغليف المناطق السكانية الفلسطينية وتبعها انقسام ديموغرافي وإقليمي، وذلك بتطبيق ما يسمى بـ “التجزئة”.
استندت كلتا العمليتين على مصادرة كبيرة لأراضي القرى الفلسطينية، ولا سيما الممتلكات المشاعة والتي أظهرت عقبات قضائية أقل. وكان سيتم استيطان هذه الأراضي فيما بعد من قبل يهود، أو في حال فشلوا في جذب أعداد كافية، يتم تحويلها إلى غابات أو محميات طبيعية، أو مناطق مغلقة للزراعة أو الرعي.
التغليف
اكتملت مرحلة التغليف إلى حد كبير في العقدين ما قبل عام 1967. وبحلول ذلك الوقت، كان الجليل الفلسطيني محاطاً من كل الجوانب بالمستوطنات اليهودية الجديدة، والتي تعزلها بشكل كامل تقريباً عن شاطئ البحر، تاركة ممراً قصيراً إلى مدينة عكا العربية بالأصل، والتي أصبحت ما يسمى بالمدينة المختلطة عندما تمت إحاطتها هي أيضاً بضواحٍ يهودية.
وفي نفس العملية، أصبح الجليل أيضاً معزولاً عن المناطق العربية المتاخمة في لبنان و الضفة الغربية التي تسيطر عليها الأردن.
أعقب ذلك نموذج مماثل من التغليف في صحراء النقب عن طريق ما يسمى بـ “مدن التطوير” اليهودية، والتي طوقت “سياج”، المحمية الفعلية التي تتركز ضمنها القبائل البدوية في المنطقة.
وسّعت حرب حزيران/يونيو عام 1967 من السيطرة الإسرائيلية على كل فلسطين. وأثارت مجدداً نفس النقاشات الجغرافية السياسية التي ثارت حول الأراضي المحتلة قبل عقدين من الزمن.
كانت أجواء ما بعد حرب حزيران/يونيو عام 1967 من أحد مسببات النشوة الإسرائيلية، والتي رافقها اليأس والصدمة من الجانب الفلسطيني. تم طباعة بطاقات بريدية تعرض ملامح ما يسمى بـ “إسرائيل الكبرى”، والممتدة بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن، ومحاطة بالأراضي الإضافية المحتلة من مرتفعات الجولان السورية وصحراء سيناء المصرية. وكان الدافع العفوي الذي لا يقاوم تقريباً هو استيطان الأراضي المحتلة وتحقيق الرؤية الصهيونية الأساسية لـ “أرض إسرائيل” (إسرائيل الكبرى).
لكن هذه المرة كان تحالف حزب العمل الحاكم يحمل أفكاراً أخرى. قد يضيف دمج الضفة الغربية فقط حوالي 600,000 مواطن فلسطيني إلى حوالي 300,000 فلسطيني في الجليل يحملون المواطنة الإسرائيلية. وهذا ما كان سيرفع نسبة المواطنين الفلسطينيين ضمن إسرائيل إلى ما يقارب من ثلث مجموع السكان. كما أن استيعاب قطاع غزة سيجعلهم 40% تقريباً.
كما يمكن لارتفاع معدل الولادات الفلسطينية أن يرفع هذه النسبة إلى الغالبية المطلقة خلال عقدين أو ثلاثة فقط، والذي يمكن أن يعرض الطابع الإسرائيلي للدولة اليهودية للخطر بشكل كامل. وقد جعل هذا الاعتبار وزير الحكومة الإسرائيلية إيغال ألون أن يضع مسودة خطة أيدت حصر المستوطنات اليهودية في قطاعات أراضٍ غير كثيفة السكان تغلّف الأراضي الفلسطينية المأهولة. وقد قدمت خطة ألون استثناء واحداً جديراً بالذكر لهذا المبدأ التوجيهي. تم إدراج القدس الشرقية العربية والمناطق المحيطة بها ضمن بلدية عاصمة إسرائيل، الأمر الذي لا يعترف به المجتمع الدولي، التي تم توسيعها إلى حد كبير، مما يوفر مساحة واسعة لبناء حزام من المستوطنات اليهودية والتي ستعزل المدينة عن المناطق النائية للضفة الغربية.
شرعت إسرائيل فيما بعد في إنشاء سلسلة من المستوطنات على طول وادي الأردن، والتي بدورها عزلت كامل الضفة الغربية عن الضفة الشرقية الأردنية عبر النهر. وبهذه الطريقة أنهت خطة ألون أخيراً التغليف الكامل لجميع أجزاء المناطق الفلسطينية المتبقية، بما فيها الضفة الغربية وقطاع غزة والتي لم ترغب إسرائيل باستيعابها سياسياً ولا جغرافياً.
المستوطنون اليهود
بدأ فوز تحالف ليكود في انتخابات عام 1977 انحرافاً تاريخياً عن خطة آلون. مدفوعة برؤية “إسرائيل الكبرى”، والتي تبنتها الدوائر الحكومية ومنظمات المستوطنين، صاغت المنظمة الصهيونية العالمية خطة مستوطنات جديدة ضخمة من شأنها أن تحول هذه النظرة إلى واقع راسخ. نصت “خطة التنمية للسامرة واليهودية” هذه (أسماء عبرية للضفة الغربية) على استعمار المناطق الجبلية الداخلية بمجموعة من المستوطنات الريفية والحضرية، مع تصور نمو عدد السكان اليهود إلى 800,000 أو حتى أكثر من مليون.
كان القصد من وراء مجموعة المستوطنات تجزئة وتفتيت وإخضاع أكبر مناطق السكن الفلسطينية المتبقية تحت نطاق المدن اليهودية الجديدة والمدن الصناعية، والتي تم جعلها متماسكة من خلال شبكة منفصلة مما يسمى بطرقات المستوطنين “الجانبية” السريعة.
بدت الخطة وكأنها استلهمت من الخطط المشابهة التي تم تنفيذها في الجليل والنقب، والتي استندت على مصادرات واسعة النطاق للأراضي المشاع الفلسطينية، والتي تم إضافة معظمها إلى المستوطنات اليهودية المنشأة حديثاً. عززت مثل هذه الخطط العمليات التي أصبح الفلسطينيون من خلالها معزولين عن مصادرهم الزراعية التقليدية وموارد رزقهم، محولة إياهم إلى طبقة عمال وضيعة في الأغلب.
لكن كان لسياسة الاستيطان اليهودية بهذه الطريقة نتائج مختلطة. فمن ناحية كانت تعادي قطاعات كبيرة من السكان الفلسطينيين الذين اتهموا الدولة بوضع سياسات تمييزية فيما يتعلق بالخطط التنموية وتوفير الخدمات المدنية وتخصيص الأموال العامة. ومن ناحية أخرى، تم جذب أعداد قليلة فقط من المواطنين اليهود إلى المستوطنات ويبقى الجليل مسيطراً عليه ديموغرافياً من قبل سكانه الفلسطينيين.