المقدمة
مصر، التي تعتبر الأعلى كثافة سكانية في العالم العربي، حققت رقماً قياسياً جديداً في 6 ديسمبر 2015، عندما بلغ عدد السكان في البلاد 90 مليون نسمة، مما يُنهك بشكلٍ متزايد البُنية التحتية المتهاوية بالفعل.
هذا الحدث التاريخي، الذي أعلنه في أوائل ديسمبر الجهاز المركزى المصري للتعبئة العامة والإحصاء، قدّر أيضاً أعداد المصريين المقيمين في الخارج بنحو ثمانية ملايين. هذا الرقم الجديد يعني أن أعداد السكان ازدادت أكثر من الضعف منذ عام 1981.
وتعتبر محافظة القاهرة الكبرى الأكثر اكتظاظاً بالسكان، والتي تعدّ موطناً لحوالي 24 مليون نسمة، عشرة ملايين منهم يقطنون العاصمة القاهرة. في حين كانت جنوب سيناء الأقل من حيث الكثافة السكانية، بوجود 175,406 نسمة يعيشون هناك فقط. تغطي مصر مساحة مليون متر مربع، إلا أن غالبيتها من الصحاري، حيث يعيش غالبية السكان على أقل من 5% من أراضي البلاد، والتي تتركز في الحوض الخصب لنهر النيل، حيث تتجاوز الكثافة السكانية في الغالب 40,000 نسمة لكل كيلومتر مربع في العاصمة المزدحمة.
وفي تصريحٍ صحفي، وصف اللواء أبو بكر الجندي رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الزيادة في معدل النمو السكاني بـ”الكارثية،” مشيراً إلى أنها واحدة من التحديات الرئيسية التي تواجه التنمية في البلاد، وأكبر المخاطر التي ستواجهها في السنوات المقبلة. وكان معدل النمو منذ عام 2000، أعلى بما نسبته 2.52% مما كان عليه في التسعينيات، وارتفع معدل النمو بشكلٍ أكبر منذ ثورة عام 2011، كما أن عدد الولادات في مصر في عام 2015 مساوٍ لما هو في ألمانيا وفرنسا واسبانيا والمملكة المتحدة مجتمعة.
وأضاف الجندي، الذي كان يتحدث في ورشة عملٍ لأعضاء البرلمان الجديد، أنّ المشاكل الرئيسية تتمثل في أنّ النمو الاقتصادي في مصر فشل في مواكبة النمو السكاني، وأنّ أكبر زيادة في معدل المواليد من الطبقة الفقيرة. وتابع أنه ينبغي أن يكون معدل النمو الاقتصادي أعلى بثلاث مرات من معدل النمو السكاني لمجاراته.
إن غالبية سكان مصر من فئة الشباب، إذ أن حوالي ثلثيّ الشعب تحت سن الثلاثين عاماً، ويعاني الكثير منهم من البطالة، التي واصلت معدلاتها الارتفاع بشكلٍ تدريجي خلال السنوات القليلة الماضية. وتظهر السجلات الرسمية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن نسب البطالة تبلغ 12,8%، على الرغم من أنّ خالد إكرام، المدير السابق في البنك الدولي لشؤون الشرق الاوسط قد سبق وذكر أن معدل البطالة يبلغ 25%. وتعتبر البطالة السبب الرئيسي الذي يدفع الشباب للهجرة.
وقد اقترنت الزيادة في عدد السكان مع الزيادة في معدل الفقر، إذ أن أكثر من 23,5 مليون مصري يعيشون تحت خط الفقر. وذكر تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في عام 2015 أنّ الفقر بين الشباب يصل إلى ما نسبته 50%، وفي تزايدٍ مستمر، حيث تعاني البلاد من انتكاسات خطيرة في القطاع السياحي في أعقاب سلسلة من الأحداث، بدءاً من الهجوم الإرهابي الذي تسبب بإسقاط وتحطم الطائرة الروسية، وصولاً إلى قتل الجيش مجموعة من السياح المكسيكيين للاشتباه بأنهم إرهابيين. كما تباطأ أيضاً الاستثمار الأجنبي في مصر، ويرجع ذلك إلى عدم الاستقرار السياسي في السنوات الخمس الماضية. ارتفاع التضخم، وارتفاع الأسعار، وتراجع قيمة الجنيه المصري، جميعها عوامل ساهمت في تفاقم الفقر وتباطؤ الاقتصاد.
ضعف الموارد والبُنية التحتية
شهدت مصر في التسعينيات تحركاً من قبل نظام الرئيس المستبد حسني مبارك لخفض معدل الإنجاب من خلال حملات إعلامية كبيرة لتوعية الناس حول تنظيم النسل وفتح عيادات تنظيم الأسرة في جميع أنحاء البلاد، والتي قدمت المشورة للمتزوجين حول سُبل تنظيم النسل، بالإضافة إلى دعم الأوقية الذكرية ووسائل منع الحمل. ومع ذلك، لم تضع حكومة عبد الفتاح السيسي الجديدة أي أهدافاً للحد من الانجاب.
من ناحيةٍ أخرى، تعتبر معدلات النمو السكاني أعلى في المناطق الريفية، حيث يُفضل المواطنون بشكلٍ عام الأسر الكبيرة. يحتاج بعض المزارعين إلى العديد من الأطفال لمساعدتهم في الزراعة، كما أنّ المعدلات مرتفعة على وجه الخصوص بين الأسر الأكثر فقراً، الذين يعتمدون في كثير من الأحيان على أطفالهم كمصدر للرزق.
أنهكت الأعداد المتزايدة من السكان موارد الدول العربية المكتظة بالسكان، فعلى سبيل المثال، تعتمد مصر بشكلٍ كبير على نهر النيل لتوفير المياه لسكانها، حيث تم تحديد حصتها من المياه منذ عقود، على الرغم من الارتفاع المستمر في عدد السكان. ومؤخراً، شرعت أثيوبيا بتعبئة سد النهضة، مما يهدد بالحدّ بشكلٍ أكبر من المياه المتاحة للمصريين.
وفي مارس 2015، حذّر حسام المغازي، وزير الري المصري، من أنّ البلاد قد تفشل في تلبية احتياجاتها من المياه، إذ تتلقى مصر أقل من 60 مليون متر مكعب من المياه سنوياً من نهر النيل، والأمطار، والمياه الجوفية، إلا أنّ معدلات الاستهلاك الحالية تصل إلى قرابة 83 مليون متر مكعب.
وذكر تقرير الجهاز المركزي في عام 2014، أنّ حصة المياه السنوية للمصريين قد انخفضت من 1,672 متر مكعب للفرد الواحد عام 1970 إلى 663 متر مكعب للفرد الواحد، وهو انخفاضٌ بنسبة 60% تقريباً.
يعيش العديد من المصريين في ظلٍ ظروفٍ صعبة، مع فشل البُنية التحتية للبلاد في ملائمة الأعداد المتزايدة من السكان، وبخاصة في المناطق الريفية. وفي تقريرٍ صادم صادر عن الجهاز المركزي نهاية عام 2015 تقريباً، كشف أنّ ثلاثة أرباع القرى المصرية البالغ عددها 4,655 قرية والتي شملتها الدراسة، تفتقر إلى أنظمة الصرف الصحي، وفيما يقرب نصف القرى المحظوظة بما فيه الكفاية لحصولها على شبكات للصرف الصحي، كانت نادراً ما تعمل بشكلٍ سليم. وعلى صعيدٍ آخر، تسببت الامطار في شتاء 2015 في فيضانات كبرى في المدن الرئيسية، ويعزى ذلك أساساً إلى الحال السيئة لشبكات التصريف.
وفي حين أن جميع القرى التي شملتها الدراسة تقريباً تصلها المياه والكهرباء، إلا أن حوالي 40% منها تعاني من انقطاع منتظم بالتيار الكهربائي كل بضعة أيام، في حين أن أكثر من نصف هذه القرى تعاني انقطاعاً في موارد المياه بشكلٍ يومي أو أسبوعي.
ووفقاً للأمم المتحدة، من المتوقع أن تواصل معدلات نمو السكان في مصر الارتفاع بنسبة هائلة تصل إلى مليون نسمة في العام. وفي حال لم تنخفض المعدلات، سيكون من الصعب جداً الحفاظ على معدل التنمية الذي يمكنه مواكبة هذا النمو، وتوفير فرص عمل للشباب الذين أصبحوا محرومين من حقوقهم بسبب الأوضاع في مصر.