خالد محمود
المقدمة
يسعى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لجعل بلاده من الدول الصانعة للتكنولوجيا، لكن ذلك لم يمنعه من الخروج بإحصائية صدم بها الجمهور المصري.
المشهد كان دراماتيكيا بما يكفي عندما تساءل السيسي، على هامش فعالية المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية، عن مستوى خريجي الكليات المتخصصة في الحاسبات والتكنولوجيا ومدى أهليتهم للعمل بمرتبات عالية. وقال السيسي إن 111 من أصل 300 ألف خرّيج انطبقت عليهم مواصفات المشاركة في برنامج تأهيلي تعدّه الدولة بتكلفة 30 ألف دولار أمريكي للمبرمج الواحد.
السيسي طرح قبلها السؤال على مستمعيه في الفعالية وطالب بإجابة. وكانت الإجابة تفترض نجاح 50 بالمئة من المتقدمين في أحسن الظروف، قبل أن يمرر الأرقام السابقة إلى مسؤول في الاتحاد الأوروبي من الحاضرين ويضيف “هذا لأن تعليمي تعبان (مريض)”. وبعدها قال السيسي للمصريين: “اصحوا، انتبهوا، هذه قضية خطيرة جدا، (علينا) بناء مواطن حقيقي يصبح قادرا على مواكبة التكنولوجيا”.
تأهيل المبرمجين
وفقا للبرنامج الذي اقترحه السيسي، فقد كان يعتزم تقليص البرنامج الدراسي للخريجين إلى 6 شهور فقط بدلا من 18 شهرا. وفي هذا السياق، حدد مصطفى مدبولي رئيس الحكومة الهدف في “تأهيل مبرمجين لدخول سوق العمل مع الشركات العالمية، وانتخاب مجموعة تحصل على الخبرات والدراسات اللازمة، بتمويل من الدولة”.
لكن الذين خضعوا لامتحانات على مستوى عالمي، خيبوا ظنّ السيسي ورئيس وزرائه، ولم يكونوا عند “حسن ظنهما”، وفقا لإحصائية السيسي الصادمة.
وعلى أمل صناعة جيل من المبرمجين المؤهلين للتكنولوجيا، ذهب السيسي الى القول بأن التعليم التقليدي لا يؤدي بنا إلى شيء، ولا يتوافق مع التحديات التي ينبغي على الأمة المصرية أن تتحضر لها.
المتابع للكلمات التي يلقيها السيسي على مسامع المصريين بين حين وآخر، سيجد أنه لطالما نبه إلى أهمية التكنولوجيا الحديثة كركن أساسي في خطة الدولة للتنمية الشاملة ومساعدة مصر في القضاء على الفساد الإداري، باعتبار أن “العصر الذي نعيشه الآن هو عصر التكنولوجيا”.
الرئيس الذي سبق له القول إنه “من الصعب علينا عدم المشاركة في الثورة الرابعة من التكنولوجيا”، أكد أيضا على أهمية توظيفها لخدمة المجتمع. كما ناشد العالم بضرورة استخدام التكنولوجيا لمكافحة نشر الأفكار المتطرفة.
تنمية رأس المال البشري
تضع إحدى الدراسات الحكومية يدها على أصل المشكلة. وتشير هذه الدراسة إلى التعداد السكاني في البلاد، باعتبار أن عدد سكان مصر بلغ 102.5 مليون نسمة في عام 2020/2021. ومن المتوقع أن يصل إلى 180 مليوناً بحلول عام 2052.
وعلى الرغم من وضع الدولة لخطة ترمي إلى تنظيم معدل النمو السكاني وتحسين جودة رأس المال البشري في عام 2021، فإن الانفاق على الصحة والتعليم ما يزال أقل مما نص عليه الدستور المصري. ووفقاً للمادتين 19 و21 من الدستور، فإن على الدولة الالتزام بتخصيص نسبة لا تقل عن 4%؛ من الناتج القومي الاجمالي للتعليم الأساسي و2% للتعليم الجامعي. إلا أن نسبة ما تم تخصيصه من موازنة 2021/2022 لهذا الغرض لم تزد عن 2.4% من الناتج المحلي الاجمالي.
كما تنص المادة 18 من الدستور على التزام الدولة بتخصيص نسبة لا تقل عن 3% من الناتج القومي الاجمالي من الانفاق الحكومي للصحة. بيد أن ما تم تخصيصه من موازنة 2021/2022 بلغ 1٬5 %فقط من الناتج المحلي الاجمالي.
وفقا للدراسة الحكومية سابقة الذكر، لا بد من الالتزام بتطبيق النسب المقررة في الدستور بشأن الانفاق العام على الصحة والتعليم والتدريب لتحسين مهارات القوى العاملة، وتنمية رأس المال البشري، سيّما وأن مصر تحتل المركز 116 من أصل 189 على مؤشر التنمية البشرية الصادر في نهاية عام 2020.
وطبقا لما أعلنته الدكتورة هالة السعيد وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية في مصر، فإن بلادها “رفعت حجم الاستثمار في التكنولوجيا خلال العام الماضي بنسبة تزيد عن 300%”. ولفتت السعيد إلى تكثيف الجهود الرامية لدعم رقمنة الاقتصاد المصري وتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، واعتماد سياسات استباقية لبناء قدرات إنتاجية تواكب الاقتصاد الرقمي.
يرتبط هذا بتأكيد كايكو ميوا، المدير الإقليمي للتنمية البشرية في البنك الدولي بأن الاستثمار في التكنولوجيا جعل مصر تنجح في عبور أزمة كورونا، مشيدة بمشروعات “حياة كريمة” و”تنمية صعيد مصر” وغيرها من المشاريع.
أوصت دراسة حكومية أخرى بالاستعداد لوظائف المستقبل الجديدة التي ستتيحها التكنولوجيات الرقمية الحديثة والمتطورة، وتحسين المهارات باستمرار. وبحسب الدراسة، فإن ذلك يشمل إعادة التفكير على نطاق أوسع في دور وحقوق العمال “عن بعد” وصقلها، فضلاً عن معالجة الاستقطاب في سوق العمل بالتنسيق الوثيق بين الحكومة والشركات والمؤسسات التعليمية.
وفي الوقت الذي تضع فيه الرقمنة السريعة وخدمة قطاعي التصنيع والزراعة في مواجهة تحديات كبيرة، فإنها قد تكون في الوقت نفسه مصدرا لفرص هائلة للاقتصاد المصري على المدى المتوسط.
مبادرات حكومية
توصي الدراسة بتطوير السياسات الصناعية وتوسيع نطاقها لتشمل الخدمات كثيفة المعرفة (مثل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والخدمات المالية). ومن شأن ذلك زيادة القدرة التنافسية في صادرات البضائع ذات القيمة المضافة العالية وتعزيز قدرة العرض والتصدير.
وتهدف مبادرة “مصر تصنع الإلكترونيات” إلى جعل مصر “مركزاً ومصنعاً إقليمياً وعالمياً للسوق الأفريقية والعربية والأوربية لتصميم وتصنيع الإلكترونيات المتطورة قبل نهاية عام 2030”. كما ترمي هذه المبادرة إلى “الاستفادة من صناعة الإلكترونيات كأحد أكبر الدعائم لنمو الاقتصاد المصري، وبما يوفر مئات الآلاف من فرص العمل”.
وبحسب الهيئة العامة للاستعلامات، ستقوم هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات بتنفيذ هذه المبادرة على 3 مراحل: المرحلة الأولى (2018-2021)، والمرحلة الثانية (2021 – 2025)، والمرحلة الثالثة (2025 – 2030). وسيكون ذلك عن “طريق فريق من الكوادر القيادية ذات الخبرة الكبيرة في الإدارة وتكنولوجيا صناعة الإلكترونيات، بالإضافة إلى تعاون ودعم الشركاء الاستراتيجيين لهذا المشروع القومي من الوزارات والهيئات المعنية وجامعات ومراكز البحوث ومراكز التدريب”.
وتستهدف المرحلة الأولى، التي تبلغ موازنتها نحو 1.5 مليار جنيه، أن يصل حجم صناعة الإلكترونيات إلى حوالي 5 مليارات دولار أمريكي سنوياً، فضلاً عن رفع حجم التصدير إلى نحو 3 مليارات دولار سنوياً مقارنةً مع 1.5 مليار دولار في الوقت الراهن. وتهدف المرحلة الأولى إلى إضافة 25 ألف فرصة عمل جديدة في هذا القطاع.
وأنشأت الدولة لمصرية هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات “إيتيدا” بهدف قيادة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتعزيز قدرة القطاع التنافسية على مستوى العالم، الأمر الذي يجعله مساهمًا رئيسيًا في النمو الاقتصادي للبلاد.
وتتمحور مهام الهيئة في تطوير تكنولوجيا المعلومات من خلال تحديد احتياجات الصناعة المحلية ومعالجتها ببرامج عالية الكفاءة ومُصممة خصيصًا. كما تقدّم الهيئة المشورة على مستوى سياسات القطاع، وتعزيز التجارة في الأسواق المحلية والدولية.
وتعمل الهيئة على قيادة وحشد الجهود لتنمية قطاع تكنولوجيا المعلومات المصري وزيادة قدرته التنافسية على المستوى الدولي من خلال السعي الدائم لتلبية الاحتياجات وتحقيق الأهداف.
وتصف الهيئة، التي حصلت على جوائز دولية، نفسها بأنها تلعب “دورًا هامًا في النمو الاقتصادي لمصر من خلال العمل الدؤوب على تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات”، مشيرة الى أنها تبذل قصارى جهدها “لتطوير بيئة عمل تكنولوجيا المعلومات في مصر بشكل مستدام”.
وترى ايتيدا أن مصر بحاجة تتمتع بمجموعة من العوامل التي تجعلها قادرة على المضي قدماً في جوانب تصدير تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات. ففي الوقت الذي تتمتع فيه مصر بمجموعة من المواهب والكفاءات الفنية المتطورة، فإن تكاليف القوى العاملة فيها “أقل من كثير من أسواق التعهيد الأخرى”.
وقال الرئيس التنفيذي للهيئة عمرو محفوظ إن تعهيد نظم الأعمال “BPO” وتكنولوجيا المعلومات “ITO” صناعة تصدير تزوّد الشباب المصري بالقدرة على المنافسة في الأسواق العالمية. كما أنها تزود الشباب بالمهارات التي تمكنهم من الحصول على أعمال خارج مصر بصفة فردية أو من خلال شركات. ومن شأن هذه الصناعة تعظيم عائدات العملة الصعبة، وهو ما دفع الدولة المصرية للقيام استثمارات كبرى بقيمة 2 مليار دولار في مجال البنية التحتية ومنها مجال الانترنت.
يأتي ذلك في الوقت الذي دشنت فيه مصر مركز الإبداع التكنولوجي وريادة الأعمال “TIEC” بهدف دعم الإبداع وتعزيز ريادة الأعمال في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الأمر الذي يسهم في رفع مُعدلات نمو الاقتصاد الوطني.
المركز، الذي تأسس عام 2010 بهدف وضع مصر على خارطة الابتكار العالمية، يعتبر رابع المراكز التي تم اعتمادها من قبل الشبكة الأوروبية للأعمال “EBN” على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
سوق التكنولوجيا
رصد باحثون ما وصفوه بطفرة كبيرة في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، حيث ارتفع عدد الشركات العاملة في ذلك القطاع من 3813 شركة في عام 2010 إلى 8019 شركة. ووفقا لآخر تقرير صادر عن وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، فقد أدى هذا الأمر إلى أن تصل مساهمة قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات إلى 4% من الناتج المحلي الإجمالي لمصر، بقيمة 93 مليار جنية في العام المالي 2018 – 2019.
وبلغ حجم رأس مال الشركات العاملة بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات 369 مليار جنيه في عام 2020، مقابل 44.74 مليار جنيه عام 2010، ما يؤكد مساهمة هذا القطاع في توفير مصدر دخل بالعملات المحلية والأجنبية للبلاد.
يعتقد الدكتور أسامة عبد الرؤوف، عميد كلية الذكاء الاصطناعي بجامعة المنوفية، أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي تعد المدخل الرئيسي للجمهورية الجديدة بمصر. ولهذا السبب، سارعت الحكومة المصرية منذ عامين لإنشاء كليات متخصصة، لما لهذا المجال من بالغ الأثر في شكل إدارة الدولة.
وتسعى مصر للاستفادة من التكنولوجيا الصينية في مجال استصلاح مساحات شاسعة من الأراضي أو ما يعرف بالزراعة الذكية أو الزراعات الدقيقة التي تعتمد على نظم الري الحديثة.
وتسعى مصر بحسب خبراء لتوطين صناعة السيارات الكهربائية والذي سيكون بمثابة قفزة هائلة في الصناعة المصرية وطريقة لفتح أسواق جديدة أمام مصر في هذا المجال التكنولوجي.
وتشير آخر الاحصائيات الرسمية الصادرة عن وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الى أن إجمالي عدد المتدربين في برنامج تنمية القدرات المقدم من خلال معهد تكنولوجيا المعلومات في الفترة من أكتوبر إلى ديسمبر وصل إلى حوالي 15 ألف متدرب، فيما بلغ إجمالي عدد المتدربين في مجال البرمجيات حوالي 34 ألف متدرب.
لهذا كله، يصبح منطقيا أن تكون أهم إجراءات برنامج الاصلاح الاقتصادي الشامل الذي تتبناه حكومة السيسي التركيز على عدد قطاعات ذات أولوية مثل الصناعات التحويلية كثيفة التكنولوجيا، والزراعة، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.