وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تسارع آلة الدعاية المصرية

صحفيون يحملون نعشاً رمزياً يمثل “حرية الصحافة” خلال مظاهرة أمام نقابة الصحفيين في القاهرة، مصر، 23 نوفمبر 2016. Photo AP

عندما تقلّد محمد مرسي، أول رئيس مصري منتخب ديمقراطياً بعد ثورة 2011، السُلطة، عارضته تقريباً جميع وسائل الإعلام، في حين أظهرت حفنة من القنوات التلفزيونية الإسلامية دعماً متزايداً له، إلا أنّ الجزء الأكبر من القنوات والصحف، التي كانت تدخل منازل المصريين العاديين دون استئذان، هاجمته بلا هوادة.

وبعد أن أطاح تحالفٌ بقيادة الجيش بمرسي في عام 2013، لم يكن النظام الجديد على استعدادٍ لارتكاب نفس الخطأ. فقد شرع في فرض سيطرته على نشر المعلومات، بدءاً من خطب الجمعة التي تُسيطر عليها الدولة في المساجد إلى الحدّ من الحريات الإعلامية التي أكتُسبت بعد الثورة.

تمتع عبد الفتاح السيسي، الذي كان آنذاك يشغل منصب وزير الدفاع ورئيس البلاد في وقتٍ لاحق، بتبجيلٍ يشبه إلى حدٍ ما العبودية في وسائل الإعلام. فقد تم اعتباره البطل الذي أنقذ البلاد من الإخوان المسلمين، وحصل على دعمٍ غير متناهٍ في حملته ضد أعضاء الجماعة. وفي ضوء ذلك، أمطرته البرامج الحوارية الصريحة بالإطراء كلما سنحت الفرصة لذلك، وهاجمت بشراسة كل من حاول التشكيك بسياساته أو قراراته.

وعندما فرقت الحكومة بعنف إعتصاماً سلمياً يدعم مرسي المخلوع في عام 2013، مما أسفر عن مقتل ألف شخصٍ على الأقل، سارعت وسائل الإعلام المملوكة للدولة، فضلاً عن القنوات الخاصة التي يملكها رجال أعمال أثرياء، إلى الإشادة بهذا الفعل باعتباره “انتصاراً على الإرهاب.”

كان تحول وسائل الإعلام متعمداً ووحشياً في بعض الأحيان. فقد صدرت قوانين قيّدت الحريات الصحفية بشكلٍ مباشر، مما جعل من المستحيل تقديم تقارير عن أي شيءٍ لا توافق عليه الحكومة. فعلى سبيل المثال، في أغسطس 2015، أقرت الحكومة قانوناً يفرض غراماتٍ كبيرة على أي صحفي يذكر أعداد ضحايا العمليات العسكرية ضد الإسلاميين في سيناء من مصدرٍ آخر غير المتحدث الرسمي العسكري. اقترحت المسودة الأولى من هذا القانون السجن لمدة عامين، إلا أنه تم إلغاء ذلك بعد رد فعلٍ عنيف من قِبل الصحفيين.

ولكن حتى قبل أن يصبح السيسي رئيساً، كان الجيش قد بدأ ببسط نفوذه على وسائل الإعلام. ففي تسجيلٍ مسرب لمكالمة هاتفية من مكتب السيسي، يمكن سماع اثنين من كبار المسؤولين في الجيش أثناء مناقشتهم الرسائل التي يريدون تلقينها لصحفييهم المخلصين لحث الناس على التصويت لصالح السيسي في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

فقد أصبح هؤلاء الصحفيون المخلصون لسان حال الحكومة، مكررين نفس الرسائل ومقدمين الدعم دون أدنى شكٍ بالسياسات المفروضة. وتم تخصيص أوقات بث طويلة ومساحات كبيرة للأعمدة الصحفية لإخبار الناس أنّ الأمور تسير على ما يرام، حتى في الوقت الذي استمر فيه الوضع الاقتصادي بالتدهور، مما دفع بالمزيد من الناس إلى خط الفقر.

وسرعان ما تم التنديد بنقاد السيسي أو الجيش في وسائل الإعلام، فعلى سبيل المثال، وصِف محمد البرادعي، وهو سياسي مصري بارز بعد الثورة ومن مؤيدي الإطاحة بمرسي، من قِبل جميع وسائل الإعلام تقريباً بأنه خائن بعد استقالته من الحكومة احتجاجاً على القتل الجماعي للمتظاهرين الإسلاميين في عام 2013. وعندما انتقد عصام حجي، وهو عالم مصري بارز في الولايات المتحدة الأمريكية ونصير للسيسي، الرئيس وأعلن عن تشكيل لجنةٍ رئاسية لتحدي السيسي في الانتخابات، لقيّ مصيراً مماثلاً.

كما ذُم أيضاً الصحفيون الذين اختاروا تغيير موقفهم أو إدانة الرئيس أو حكومته أو سياساته وغالباً ما منعوا من تقديم تقارير صحفية. وعندما بدأ باسم يوسف، وهو كاتب ساخر هاجم بانتظام جماعة الإخوان المسلمين، تسليط الضوء على السيسي، تم وقف عرض برنامجه التلفزيوني الشهير، حيث اضطر في نهاية المطاف إلى الهروب إلى الولايات المتحدة الأمريكية. كما تم أيضاً إلغاء برنامج عمرو الليثي، وهو مقدم برنامج حواري شعبي آخر، بعد أن بث مقطعاً ظهر به سائق “توك توك” يشكو من السيسي وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.

وفي مثل هذه الظروف، أصبحت الرقابة الذاتية القاعدة العامة بالنسبة لعددٍ كبير من الصحفيين. فالخوف من الغرامات الباهظة التي قد تنهي المشوار المهني للصحفي أو للصحيفة، أو الخوف من رد فعل الحكومة، أسكت العديد من الصحفيين. وصف البعض منهم هذا بـ”المسؤولية الوطنية،” بينما تحارب الدولة الأرهاب؛ في حين يقول آخرون أنه ضروري لدعم البلاد خلال الأوقات الاقتصادية الصعبة. كما تعهد المحررون بنقل الأخبار بـ”مزيدٍ من المسؤولية،” والتي يُنظر إليها من قِبل العديد بفرض الصحف للمزيد من الرقابة على الصحفيين العاملين فيها.

نجحت الحكومة في بناء قاعدةٍ قوية للسيطرة على الصحفيين وعلى وسائل الإعلام في مصر. فالعديد منهم خضعوا للأمر، وغالباً ما تتم مكافأتهم على ذلك. في حين أن أولئك الذين يحاولون المقاومة غالباً ما يتعرضون للمضايقة بمزاعم “نشر أخبار كاذبة،” والتي تعدّ أسهل الطرق للإطباق بشكلٍ أكبر على الحريات الإعلامية.

Advertisement
Fanack Water Palestine