تُعرف مصر بتاريخها الطويل من الدراما والمسلسلات الإذاعية والتلفزيونية، التي بُث الكثير منها داخل الدول الناطقة بالعربية. بدأت تلك المسيرة منذ افتتاح الإذاعة المصرية عام 1934، واستمرت حتى يومنا هذا مُنتجة آلاف المسلسلات الاذاعية والتلفزيونية التي جذبت ملايين المشاهدين وجعلت من اللهجة المصرية أكثر اللهجات شيوعاً وفهماً وشهرة داخل الدول العربية.
المسلسل العربي الأول
يُعتبر مسلسل “عائلة مرزوق أفندي” أقدم مسلسل في التاريخ العربي، وقد بدأ بثُه عام 1959 على الإذاعة المصرية عبر برنامج “إلى ربات البيوت” الذي أسسته الإعلامية المصرية صفية المهندس. كان عبارة عن حلقات متصلة ذات موضوعات منفصلة تهتم بالشأن العام المصري والعربي مع تطوير يواكب الأحداث المحيطة، إذ كانت المدة الزمنية للحلقة الواحدة 5 دقائق عبر شخصيات تنتمي لأسرة الموظف المكافح “مرزوق” تتناول مشاكل تُعاني منها الأسر المصرية والعربية مثل الهجرة والإدمان والبطالة والزواج وغيرها.
وقد اشترك في هذا المسلسل أكثر من 200 فنان مصري وعربي على مدار بثه الذي استمر لـ60 عاماً، كان أبرزهم فؤاد المهندس، وتوفيق الدقن وفريد شوقي. توقف المسلسل عام 2009 إلا أنه عاد مرة أخرى عام 2013، ولا يزال مستمراً حتى الآن.
ظهور الدراما التلفزيونية
بعد انطلاق البث التلفزيوني المصري عام 1960، بدأ التفكير في الأعمال الدرامية. تم انتاج أول مسلسل تلفزيوني وهو مسلسل “هارب من الأيام” في الذكرى الثامنة لإنهاء الحكم الملكي، والذي بدأ بثه في 23 يوليو عام 1962، وكان من تأليف فيصل ندا مأخوذاً من قصة الأديب ثروت أباظة، وبطولة عبد الله غيث، وتوفيق الدقن، وحسين رياض، ومديحة سالم.
تدور أحداث المسلسل حول طبال فقير بإحدى القرى المصرية يُعاني من المعاملة السيئة والسخرية من أهل القرية، بينما تشيع السرقة في جميع أنحاء القرية مما يثير الرعب في قلوب سكانها لعدم قدرتهم على اكتشاف الفاعل، ليظهر بالنهاية أن ذلك الطبال وراء كل هذه الجرائم. حقق المسلسل شهرة مدوية في الشارع المصري حتى قال مؤلفه في إحدى اللقاءات التلفزيونية بأن مجلس الوزراء كان يجتمع بعد عرض الحلقات، كما روى بأنه قد تم القبض عليه بعد الحلقة السابعة لاتهامه بالإشارة إلى رئيس الجمهورية وقتها جمال عبد الناصر بأنه طبال، وتم الافراج عنه بعد 48 ساعة.
يعتبر نجيب محفوظ، الحائز على جائزة نوبل للآداب لعام 1988، أحد أفضل الكتاب العرب المعاصرين. ومن بين أعماله العديدة، نشر 34 رواية ومئات القصص القصيرة، تحول العديد منها إلى مسلسلات وأفلام. إن مسلسل حديث الصباح والمساء، المُنتج عام 2001، يستند إلى كتابٍ يحمل نفس الإسم، وتتناول أحداثه تاريخ مصر الاجتماعي والسياسي من خلال ثلاث شخصيات تتفرع أبنائها وأحفادها وتتابع صراعاتهم وأدوارهم الاجتماعية وعلاقتهم الإنسانية ومواقفهم المختلفة تجاه الحياة والوطن من خلال التأثيرات المباشرة للمصالح الاقتصادية على العلاقات بين الشخصيات وأصول هذه الشجرات الثلاث.
ومن المسلسلات الأخرى التي حظيت بشعبية كبيرة لدى الجماهير المصرية والعربية مسلسل ليالي الحلمية، الذي يمتد لستة أجزاء بدأ أولها عام 1987 وانتهى عام 2016، والذي تدور أحداثه حول صراع بين العمدة سليمان غانم القادم من الريف من أجل ثأر والده. كتبه أسامة أنور عكاشة وأخرجه إسماعيل عبد الحافظ، وقام ببطولته الفنانين يحي الفخراني وصلاح السعدني وصفية العمري.
كما كان من العلامات الفارقة في تاريخ الدراما المصرية مسلسل ذئاب الجبل، الذي بدأ عرضه عام 1993، وتدور قصته في صعيد مصر حيث العادات والتقاليد القديمة المتعصبة، وبإحدى القرى تُسمى بهتون الجبل قام شيخ قبيلة هوارة بكسر تلك العادات بتزويج بنته إلى رجل غريب من العائلة مما دفع شقيقه للبحث عنها لقتلها.
المسلسلات البوليسية
كما اشتهرت الدراما المصرية بالمسلسلات البوليسية التي كان أغلبها مقتبساً من قصص حقيقية والتي كان أشهرها على الاطلاق مسلسل رأفت الهجان، وهو مسلسل مستوحى من قصة الجاسوس المصري “رفعت علي سليمان الجمال” والذي كان قد تم زرعه داخل المجتمع الإسرائيلي لـ17 عاماً للتجسس على مراكز اتخاذ القرار الإسرائيلية لصالح المخابرات العامة المصرية.
تعرض الأجزاء الثلاثة للمسلسل، الذي بُث في أواخر الثمانينات، الكثير من حياة الجمال، وذلك منذ اختيار الجاسوس وسنوات حياته قبل تجنيده مروراً بمرحلة زرعه داخل المجتمع اليهودي داخل مصر قبل إرساله إلى تل أبيب وحتى وفاته بدولة ألمانيا عام 1982. وقد جسد شخصية رافت الهجان أو رفعت الجمال الفنان محمود عبد العزيز، إلى جانب عدد كبير من الممثلين مثل يسرا ويوسف شعبان.
دموع في عيون وقحة، وهو مسلسل بوليسي مبني على قصة حقيقية أيضاً لإحدى العمليات المخابراتية المصرية ضد جهاز الموساد الإسرائيلي كان بطلها العميل المصري (أحمد محمد عبد الرحمن الهوان)، والذي ظهر خلال المسلسل باسم “جمعة الشوان،” وقد جسد شخصيته الممثل المصري عادل إمام، ويروي المسلسل قصة شاب مصري ينتمي إلى فئة اجتماعية بائسة يقوم بإعالة أسرته الفقيرة ويعمل في ميناء السويس يتلقى عرضاً مغرياً يكتشف أن مصدره هو الموساد الإسرائيلي، ويسارع بإبلاغ أجهزة الأمن المصرية، فيطلبون منه الاستمرار في لعب نفس الدور؛ ليُملي على مخابرات العدو معلومات بعضها صحيح، وبعضها زائف، وتتوالى الأحداث حيث يستمر في العمل مع الموساد الإسرائيلي كعميل مزدوج لهم داخل مصر لمدة ست سنوات قبل أن ينجح في سرقة تكنولوجيا التجسس من الموساد لصالح المخابرات المصرية.
المسلسلات التاريخية
كما ضم أرشيف الدراما المصرية كثير من الأعمال التي جسدت بعض الشخصيات التاريخية التي يحفل بها التاريخ المصري على مدار عصور طويلة، بعضها جسد شخصيات دينية وإسلامية مثل مسلسل “محمد رسول الله،” أو “إمام الدعاة” تجسيداً لشخصية الشيخ محمد متولي الشعراوي، أو شخصيات أدبية مثل “طه حسين” أو فنية مثل مسلسل “أم كلثوم” أو “الملك فاروق.”
انحدار صناعة الدراما
تعدّ صناعة الدراما في مصر غاية في الأهمية، إذ تتألف من ملايين العمال والفنيين والممثلين والكتاب والمخرجين، حيث تم إنتاج ما يقرب من 40 مسلسل في عام 2018 وحده. كما يعتبر موسم الذروة للصناعة هو شهر رمضان، حيث يتم بث المسلسلات الدرامية في جميع أنحاء العالم العربي، ومع ذلك، فإن سيطرة الحكومة المتزايدة على وسائل الإعلام المصرية في السنوات الأخيرة قد أثرت سلباً على كل من حجم ونوعية الدراما المنتجة. ووفقاُ للناقد الفني آدم مكيوي، فإن هذا الانخفاض يرجع جزئياً إلى قلة المنافسة واستبعاد الممثلين من ذوي الأجور المرتفعة مثل عادل إمام ويحيى الفخراني لخفض تكاليف الإنتاج.
كما كانت الصناعة أيضاً هدفاً للتدخل الحكومي بانتظام، فعلى سبيل المثال، تم حظر عرض مسلسل “أهل الإسكندرية،” لأن كاتبه بلال فضل معارض للنظام. كما تمت إزالة اسم مؤلف مسلسل “أبو عمر المصري،” عز الدين شكري فشير، من تتر المسلسل لتعبيره عن مواقف مختلفة معارضة للنظام، وعلى الرغم من حصوله فيما بعد على حكمٍ من المحكمة لصالحه بإضافة إسمه، إلا أن المسلسل كان قد بُث بالفعل.