وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

ولاية السيسي الأولى: السيطرة على حكم مصر

على الرغم من أن فترة الرئاسة الأولى للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من عام 2014، تعرّضت لانتقادات بسبب سجلّها الحقوقي وممارستها الأمنية والاقتصادية، إلّا أنّ أنصاره يرون أنّها كانت ضرورية للحفاظ على الاستقرار في البلاد.

ولاية السيسي الأولى
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يحضر احتفالًا عسكريًا في ساحة الأنڤاليد في باريس يوم 26 نوفمبر 2014. بدأ السيسي رحلة لمدة يومين إلى فرنسا، المحطة الثانية من أول جولة أوروبية تهدف إلى إخراج مصر من البرد الدبلوماسي بعد أن أشرف على حملة أضرّت بسمعة القاهرة الدولية. AFP PHOTO / POOL / CHARLES PLATIAU

كتبه: خالد محمود
حرره: إريك برينس

المقدمة

في مواجهة اتهامه بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان ونهج أساليب قاسية ضد المعارضين السياسيين، لا يزال السيسي يتمتع بشعبية، وإن قلّت نسبتها، بين ملايين المصريين الذين يرونه زعيم قوي تحتاجه البلاد، حتى في ظلّ أزمتها الاقتصادية المتصاعدة.

انتُخِب السيسي رئيسًا لمصر في عام 2014 بعد أن تبنّى الاستياء الشعبي المتزايد تجاه حكم الرئيس المصري الراحل محمد مرسي. واستغلّ السيسي اللحظة سياسيًا للإطاحة بمرسي في ملابساتٍ لا زال الجدل يتجدّد بشأنها.

والسيسي الذي شغل منصب القائد العام للقوات المسلحة المصرية ووزير الدفاع، وتقلّد قبلها مناصب أخرى مختلفة في الجيش، فاز بالرئاسة بعدما حصل على أغلبية ساحقة بنسبة 97 ٪ من الأصوات.

سيحلّل هذا المقال كيفية تطوّر الفترة الأولى لرئاسة السيسي. وسيتناول بالتفصيل العوامل التي أدت إلى انخفاض شعبيته، بالإضافة إلى بعض الأسباب التي جعلت عبد الفتاح السيسي لا يزال رئيسًا شعبيًا للبعض.

الطريق إلى السلطة

في عام 2010، برز للمرة الأولى اسم السيسي كرئيس لجهاز المخابرات الحربية بالجيش المصري، بعدما توقّع احتمال اندلاع ثورة شعبية عارمة على نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك.

ولاحقًا، منحت إقالة المشير محمد حسين طنطاوي من منصبه كوزير للدفاع والقائد العام للقوات المسلحة المصرية، الفرصة لصعود السيسي مكانه بقرار من الرئيس آنذاك، محمد مرسي.

ونال السيسي رتبة “مشير”، بقرار من الرئيس المصري “المؤقّت” عدلي منصور. وتكون هذه الترقية الثانية التي حصل عليها في أقل من 18 شهرًا منذ ظهوره على ساحة الأحداث، بعدما أصدر الرئيس (آنذاك) محمد مرسي، قرارًا بترقيته بصفة “استثنائية” من رتبة “لواء” إلى “فريق أول”، وتعيينه وزيرًا للدفاع في 12 أغسطس 2012.

وجرى الترويج للسيسي بوصفه رجل جماعة الإخوان في الجيش، ما دفع مارك سيفرز، القائم بأعمال السفارة الأمريكية سابقًا في القاهرة، إلى القول أن أخطر أخطاء مرسي كان اعتبار السيسي متعاطفًا محتملاً بسبب سمعته بالتقوى.

ولاية السيسي الأولى
صورة تعود لتاريخ 8 أغسطس 2015 للرئيس المصري المخلوع محمد مرسي وهو يقف داخل قفص المتهمين في قاعة محكمة بأكاديمية الشرطة أثناء محاكمته بتهمة التجسس، في القاهرة، مصر. وأُدين مرسي، الذي عيّن السيسي وزيرًا للدفاع خلال فترته القصيرة، في عهد الأخير وتوفي في 17 يونيو 2019 أثناء محاكمة قضائية. Ahmed Omar / ANADOLU AGENCY / Anadolu Agency via AFP

حينما كان قائدًا للجيش، قال السيسي أنه “لا يطمح إلى السلطة ولن يترشح لرئاسة الجمهورية”، موضحًا لمحاوره “أنت لا تصدق أن بعض الناس لا يطمحون إلى السلطة. وأنا منهم”.

ورغم أن افتقار السيسي إلى “حملة تقليدية” اعتُبر بمثابة دليل على دعمه القوي بين الشرائح المشاركة في المجتمع المصري، لكن عزوف غالبية المصريين عن الاقتراع وتمسّكهم بالخيار الأمني في مواجهة المأزق السياسي، طرح تساؤلات من مناوئين حول كون شرعيّته ملتبسة وخياراته متناقضة.

ولأوّل مرة في تاريخ مصر، شهدت الدولة انتقالًا رئاسيًا، إذ ظهر الرئيس المؤقت المنتهية ولايته عدلي منصور إلى جانب السيسي داخل المحكمة الدستورية. وتولى منصور، وهو رئيس المحكمة الدستورية العليا، رئاسة البلاد لفترة انتقالية عقب عزل الجيش للرئيس السابق محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين.

وفي خطابه الأول عقب توقيع وثيقة تسلم السلطة يوم الأحد 8 يونيو 2014، لاحظ السيسي أنها “لحظة تاريخية فريدة” وحدّد أولوياته في ثلاث محاور رئيسية: استعادة النظام في الداخل، إعادة البلاد لوضعَيْها الإقليمي والدولي الصحيح، وإنعاش الاقتصاد.

تراجُع الوضع الأمني

تراجع الوضع الأمني بشكل غير مسبوق في عهد السيسي، حيث ازدادت وتيرة الهجمات الإرهابية واتّجهت لاستهداف الجيش والشرطة كرد فعل لقيام الشعب بتفويض الجيش المصري، وإسقاط حكم جماعة الإخوان المسلمين وعزلها عن الحكم بثورة 30 يونيو 2013.

واستقال محمد البرادعي الحائز على جائزة نوبل للسلام من منصبه كنائب لمنصور، بعد ساعات من تدخّلٍ داميّ لقوات الأمن لفض اعتصاميّ أنصار مرسي والإخوان. واحد في محيط مسجد رابعة العدوية بضاحية مدينة نصر شرقي القاهرة، على مقربة من القصر الرئاسي، والآخر في ميدان النهضة أمام جامعة القاهرة بالجيزة، وفي أعقاب الإعلان عن خلع الجيش لمحمد مرسي في 3 يوليو 2013.

ولاية السيسي الأولى
طفل صغير يحزن بجوار نعوش والديه الذين لقيا مصرعيهما خلال هجوم على حافلة، أثناء جنازتهما، في دير آفا صموئيل الصحراوي في المنيا، مصر، الجمعة 26 مايو 2017. قُتِل ما لا يقل عن 28 شخص وإصابة 25 آخرين عندما هاجم مسلّحون ملثّمون حافلة تقل مسيحيين، كثير منهم أطفال كانوا في طريقهم إلى الدير نفسه. Ibrahim Ezzat/NurPhoto via AFP

بخلفيّته العسكرية والأمنية، أطلق السيسي حربًا شاملة على الإرهاب، حيث أشار تحليل لمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية إلى أنّ عدد العمليات منتصف عام 2013 وحتى منتصف 2014 بلغ 222 عملية، أي بمعدّل 4 أسبوعيًا في المتوسط. لكن بحلول ديسمبر 2014، ارتفع العدد إلى 445، أي بمعدّل 6 عمليات أسبوعيًا، مما يعني أنّه تضاعف خلال نصف عام فقط.

ووصل عدد العمليات التي نُفِّذت في يونيو 2014 وحتى مارس 2015 إلى 576 عملية، بمتوسّط 14 عملية أسبوعيًا، ووقع 354 من هذه العمليات خلال الربع الأول من العام 2015.

وطبقًا لتقرير المؤشر العالمي لحالة الإرهاب، فقد شهدت مصر زيادات كبيرة للغاية في الإرهاب في أعقاب حملات القمع الحكومية، حيث تضاعف عدد القتلى إلى تسعة أضعاف.

ونفّذ السيسي استراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب والتصدي للعمليات التي استهدفت مؤسّسات الدولة وقياداتها منذ عام 2014، وعمل على تقوية الأجهزة الأمنية المستنزفة بالأساس من عام 2011 وإعادة صياغة استراتيجيات المواجهة.

ارتكزت جهود مكافحة الإرهاب على 3 محاور أساسية لرصد وتتبّع كافة الشبكات الإرهابية داخل مصر وتفكيك قواعد دعمها اللوجيستي، وتنفيذ حملات مداهمة وضربات الاستباقية، تزامُنًا مع بدء مشاريع التنمية الشاملة والمستدامة للارتقاء بالأوضاع المعيشية والاجتماعية للقضاء على البيئة المغذية للإرهاب.

وأدى ذلك لانخفاض عدد العمليات الإرهابية لاحقًا من 617 عملية في عام 2015 إلى 199 عملية في عام 2016 حسب مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية.

وردًا على الهجوم الدموي على مسجد الروضة ببئر العبد، الذي أسفر عن مقتل 305 مدنيًا بينهم أطفال وإصابة 128 آخرين، أطلق السيسي العملية الشاملة في سيناء عام 2018. ونجحت تلك الأخيرة في القضاء على المرتكزات الجغرافية الإرهابية، وكذلك ضبط قيادات تلك الجماعات وتقليص موارد تمويلها.

وبدعوى أن الأنفاق المتواجدة تحت الحدود الممتدّة على طول 14 كيلو متر بين سيناء وقطاع غزة، باتت تشكّل تهديدًا مباشرًا للاستقرار المصري، شنّ الجيش المصري عمليّته الأكثر فعالية حتى تاريخه ضد شبكة الأنفاق.

وبرغم تأكيد مسؤولين فلسطينيين أنه “لا علاقة لغزة بما يجري في الداخل المصري”، وأن “الأنفاق بين غزة ومصر لم تعد موجودة وأصبحت جزءًا من الماضي”، قال مسؤول عسكري مصري سابق مُقرّب من السيسى إنّ الأمن المصري هدم أكثر من 4000 نفق. وكانت تلك الأخيرة تُستخدم في نقل السلاح والدعم اللوجيستي والمقاتلين المدربة من الخارج، كما نجح في تدمير آلاف المخازن للأسلحة والذخائر، وإغلاق ممرات التمويل الخارجي.

ونجحت حرب السيسي الأمنية والعسكرية في تقليص خطر الإرهاب بشكل كبير، وسحق المتمرّدين المتمركزين في سيناء، بعدما أعلنت جماعة أنصار بيت المقدس، مبايعتها لتنظيم داعش. وقتل التنظيم نحو 2000 من عناصر الجيش والشرطة المصريين، ما تسبّب بنزوحٍ جماعي للأقلية المسيحية هناك.

المشاريع القومية المثيرة للجدل

بدأ الرئيس السيسي، منذ تولّيه مقاليد حكم البلاد في 2014، بوضع خريطة تنمية واسعة النطاق لمصر، حيث تميّزت فترة حكمه الأولى بإطلاق المشاريع القومية الضخمة, على أمل أن تسفر عن إنجازات حقيقية ملموسة بين أيدي المواطنين.

وحوّل السيسي مصر إلى ورشة بناء كبيرة، شملت خريطة مشاريعها المثيرة للجدل مختلف نواحي الحياة، لكن تركّز الجدل بشأنها حول تطوير قناة السويس وإقامة العاصمة الإدارية الجديدة.

وطبقًا لإحصائية قدّمها السيسي في فبراير 2022، تم إنفاق حوالي 400 مليار دولار على مشاريع البنية التحتية خلال سبع سنوات، بما في ذلك 60 مليار دولار للعاصمة الجديدة شرق القاهرة.

ولاية السيسي الأولى
منظر لحديقة تم بناؤها حديثًا في العاصمة الإدارية الجديدة لمصر، والتي تقع على بعد 45 كيلومترًا شرق القاهرة في منطقة في منتصف الطريق إلى ميناء مدينة السويس، في 18 أكتوبر 2017. أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي في عام 2015 عن مشروع بناء عاصمة جديدة من المتوقّع أن تبلغ تكلفته حوالي 45 مليار دولار ويكتمل بحلول عام 2022، وفقًا للسلطات. MOHAMED EL-SHAHED / AFP

وبحسب الهيئة العامة للاستعلامات المصرية شملت النقلة في مختلف القطاعات التي شكّلت عصب التنمية في الاقتصاد المصري، بما في ذلك إنشاء 8 مطارات جديدة، 26 مركزًا سياحيًا، 22 مدينة صناعية، استصلاح 4 ملايين فدان، ومشروع طرق عملاق أطوالها بلغت 4800 كيلومتر.

كما وصل إجمالي أطوال الشبكة إلى 30 ألف كيلومتر بتكلفة 295 مليار جنيه، منها 120 مليار جنيه لمشاريع الصعيد.

وتجاهل السيسي الاعتراضات عن سبب ضخ الحكومة هذه الأموال في مشاريع مشكوك فيها، بينما البلاد تعاني من أعباء الديون وعبء توفير الخدمات العامة مثل الرعاية الصحية والتعليم.

واستمرّ السيسي في الدفاع عن هذه المشاريع باعتبارها ليست سببًا للأزمة الاقتصادية الحالية، وجادل بأنّ البنية التحتية الملائمة ضرورية للتنمية وجذب الاستثمارات وأنّ هذه المشاريع تعمل كأداة لإبراز القوة وتعزيز الدعم بين مؤيّدي النظام.

ولقيت خططه الطموحة لتوسيع قناة السويس استقبالًا حماسيًا للغاية من أنصاره ومؤيّديه، نظرًا للرمزية القومية للمشروع أكثر من كونها ناجمة عن الجدوى الاقتصادية.

وبحضورٍ عربيّ ودوليّ وتحت تغطية إعلامية مكثّفة، افتُتح في السادس من أغسطس 2015 رسميًا مشروع قناة السويس الجديدة بطول ٣٥ كيلومترًا يمر بمحاذاة القناة الأصلية التي يبلغ طولها ١٩٠ كيلومترًا، ويعود تاريخ بنائها إلى 154 عامًا، بهدف زيادة الإقبال على استخدام القناة.

وبحسب محمد منصور خبير في شؤون الشرق الأوسط أراد السيسي أن يثبت للرأي العام المصري والعالمي، أن استقرار مصر يتوقّف في نهاية الأمر على تحقيق مشاريع قومية رغم الإرهاب المتزايد والتدهور الاقتصادي.

لكن لاحقًا بدا أن المشروع خدم أهدافًا سياسية على رأسها إظهار عظمة الدولة، فقد قال السيسي إنه أدخل الرأي العام في هذا المشروع لخلق “حالة مصرية بعد حالة الإحباط” التي عاشتها البلاد.

التكلفة الباهظة

يلاحظ البعض أن المشروع التنموي التاريخي للسيسي ارتبط بتكاليف وأعباء على مختلف اشرائح الاجتماعية. وهذه التكاليف حتمية، فهي ترتبط في الأغلب بالنماذج التنموية المعاصرة التي تواجه معضلة تمويل التنمية في ظل اقتصادٍ عالميّ شديد الاضطراب.

وما يمكن اعتباره بالنموذج المصري، الذي رفع شعار “لا ديمقراطية حقيقية من دون تنمية“، رغم ما يفرضه من أعباء ضخمة على الدولة ومؤسّساتها.

لكن السيسي رفع مبكرًا شعار “الإصلاح الجذري للوضع الاقتصادي”، كأساس لحل كل أزمات البلاد، بغض النظر عن نتائجه على أرض الواقع.

ولاحقًا، وبانفعالٍ شديدٍ، برّر السيسي سياسته الاقتصادية بأن وضع البنية التحتية في مصر كان مهترئًا للغاية. وعاب على الرئيس السابق حسنى مبارك، موجهًا نقدًا مباشرًا لسياسته الاقتصادية خلال حكم البلاد الذي دام نحو 28 عامًا.

واعتبر أنّ تأخّر عملية الإصلاح كان سببه المخاوف التي تنتاب السلطة تجاه تحريك الأسعار وقيادة إصلاح اقتصادي حقيقي، إزاء احتمال تململ وغضب الشعب. وقال: “خايف، حتى لو كانت البلد تخرب علشان الكرسي يقعد هو ويخرّب فيها ويخلّيها بلد كوهن”.

وحسب عمرو عادلي باحث غير مقيم في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، لم يحبّذ نظام السيسي عودة أصحاب الشركات الخاصة الكُبرى إلى الاضطلاع بدورٍ سياسي مباشر كالذي كانوا يمارسونه خلال العقد الأخير من حكم مبارك.

ومصر التي لجأت إلى صندوق النقد الدولي للمرة الرابعة خلال ست سنوات فقط، باتت حاليًا أكبر مدين للصندوق بعد الأرجنتين. وأصبحت في وضعٍ اقتصادي صعب للغاية، يشبه تاريخيًا الأيام الأخيرة للخديوي إسماعيل الذي، ولمحاسن الصدف، كان بارعًا أيضًا في إطلاق المشاريع العملاقة، اعتمادًا على الديون الأجنبية التي أفقدته في نهاية المطاف عرشه.

لقد انتهى حكم الخديوي إسماعيل في مصر عام 1879 بتنازله عن العرش لابنه توفيق، بسبب اقتراضه من القوى الأوروبية لتمويل مشاريع التحديث في مصر، ما أدى إلى ارتفاع مستوى الديون وعدم الاستقرار الاقتصادي.

وبرغم السياقات التاريخية المختلفة، هناك تشابه بين حكم السيسي الآن وحكم الخديوي إسماعيل أواخر القرن التاسع عشر. فقد عُرف إسماعيل، كالسيسي، بتركيزه على التحديث وتطوير البنية التحتية، بما في ذلك إنشاء قناة السويس وتحديث أنظمة النقل والاتصالات ومركزية السلطة، بهدف إقامة دولة قوية، وهو هدفٌ سعى ولا يزال يسعى إليه السيسي أيضًا في إدارته.

يعتقد البعض أنّ الوضع الاقتصادي في مصر في عهد الرئيس السيسي أسوأ من عهد مبارك أو مرسي.

السيطرة الإعلامية

إنّ اهتزاز صورة الرئيس إلى حد التشويه، أمرٌ وجدته الباحثة هايدي وجيه عبد العاطي مفروغًا منه منذ حدوث ثورة الـ 25 من يناير، بفضل الحديث عن فساد الرئيس الأسبق حسني مبارك، واهتزاز الرئيس الإخواني محمد مرسي.

وأكّدت دراسة عُقِدت في عام 2016 للتعرّف على الصورة الإعلامية للسيسي، أنّ من لديهم انطباع إيجابي عنه نسبتهم 69.4%، بينما 14.7% لديهم انطباع سلبي. في حين 16.3% منهم لديهم انطباع محايد عن الرئيس السيسي، مقابل 2.5% منهم لم يكوّنوا أي انطباع.

وأدرك السيسي خطورة ودور الإعلام مبكرًا، فسعى لامتلاك حصة مناسبة في التأثير الإعلامي.

وعقب انتخابه، عقد ثلاثة اجتماعات مع ممثّلين عن الإعلام والمؤسّسات الصحفية، للتأكيد على “أهمية الإعلام في توحيد الشعب”.

وبداعي التخوّف من تداعيات سياسات تحرير الإعلام على الاستقرار، بدأت تتبلور توجّهات رسمية نحو مزيد من التحكم في منظومة الإعلام، واشترت الأجهزة الأمنية أجزاء كبيرة من وسائل الإعلام الخاصة.

وعرف المشهد الإعلامي تحوّلات كبيرة، بظهور أذرع إعلامية للدولة أبرزها “الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية”، التي تمتلك أكبر حصة معروفة في سوق الإعلام، بعدة قنوات تلفزيونية وصحف يومية ومواقع إلكترونية. وقد أخضع السيسي الصحافة إلى سيطرته المباشرة، وأصدر عديداً من القوانين التي تقيّد حرية الصحافة والتعبير. فصارت وسائل الإعلام كلها في عهده مجبرة على الإذعان إلى أوامر النظام، وذلك خلافاً لحالها في عهد مبارك التي كانت تتمتع فيه وسائل الإعلام الخاصة بمتسع من الحرية مقارنة بالإعلام الحكومي.

وتم حجب نحو 500 موقع إلكتروني على شبكة الإنترنت.

تراجع الشعبية

بالرغم من تناقص شعبيته الجارفة، إلّا أنّ السيسي ما زال كلمة السر لدى قطاع كبير من المصريين، الذين ينظرون إليه باعتباره حارس المظاهرات في 30 يونيو 2013 ضد نظام مرسي.

ولكن عقب مرور 28 شهرًا على توليه الرئاسة، أظهر استطلاع نادر للمركز المصري لبحوث الرأي العام أنّ نسبة الموافقين على أداء السيسي تراجعت إلى 68% في أكتوبر 2016، مقارنةً بما كان عليه بعد مئة يوم من توليه السلطة (82%). وبعد عام من انتخابه، أعرب 92% من الشعب عن عدم رضاه على تعامل الحكومة مع ملف البطالة وارتفاع الأسعار, حسب مركز استطلاع مصر.

وأرجع خبراء هذا الانخفاض إلى فشل أداء الحكومة في مواجهة القضايا التي تهم المواطن المصري، فيما قال آخرون إنّ “الاقتصاد مُنهار ووعود الرئيس لم تتحقّق على أرض الواقع”.

ولاية السيسي الأولى
أشخاص يحملون ملصقات لأول رئيس مصري منتخب ديمقراطيًا محمد مرسي أثناء احتجاج على النظام العسكري لعبد الفتاح السيسي في الذكرى الخامسة للثورة المصرية في عام 2011، في الجيزة، مصر، في 24 يناير 2016. اللافتة التي يحملونها هي رمز لمذبحة ربيعة العدوية عام 2013، حيث سحق الجيش احتجاجات الإخوان المسلمين بعنف. حدث ذلك تحت قيادة اللواء السيسي في ذلك الوقت. Hesham Fathy / Anadolu Agency via AFP

بالإضافة إلى ذلك ، فإن “الاستقرار” الملحوظ الذي وعد السيسي بجلبه إلى مصر بعد سنوات من الاضطرابات، كان له ثمن كبير، حيث تعرّض نظامه لانتقادات بسبب انتهاكاته لحقوق الإنسان منذ البداية. وتعرّض المعارضون السياسيون، الذين وصفهم السيسي بـ “الإرهابيين”، بقمع شديد، مما حرم المشهد السياسي من أي معارض سياسيّ. علاوةً على ذلك، قام النظام بقمع الصحفيين والنشطاء والمنتقدين واعتقالهم بشكل تعسّفي ومحاكمتهم.

ورغم أن ضعف المعارضة خلال فترة حكم السيسي لا يمثّل تحديًا أمام استقرار نظام حكمه، فإنّه يدفع المجتمع المصري أكثر نحو الغرق في الشعور بالقلق وعدم اليقين تجاه المستقبل، ما انعكس سلبًا على قدرة السيسي على الحفاظ على التوازن في ظلّ تحديات اقتصادية واجتماعية شديدة التعقيد والخطورة.

وحسب بسمة المومني أستاذة في قسم العلوم السياسية في جامعة واترلو, فإنّ تفاقم المناخ السياسي بعد ثورة 25 يناير 2011، بما في ذلك ارتفاع حجم الديون وسوء توجيه الإعانات المالية وتزايد إجمالي الأجور والاعتماد على استيراد الأغذية ومغالى فِي تقييم العُملة المحلّية، دفع السيسي للجوء إلى صندوق النقد الدولي.

ورغم مساعي السيسي لتشجيع الاستثمار الخاص الأجنبي، بما في ذلك الصناعات التي يحتكرها الجيش، فإن “حماية الأمن القومي” استُخدمت كحجة لتبرير أي سياسات مستقبلية.

وتعتقد الإيكونوميست أن المشكلة الأساسية في البلاد هي القبضة الخانقة على الاقتصاد التي يمارسها الجيش؛ الذي تضمّ إمبراطوريته الآن كلّ شيء من محطات الوقود إلى المياه المعدنية والزيتون وسوق تربية الأسماك وصناعة السيارات.

وفي أحد الفيديوهات المسرّبة حينما كان وزيرًا للدفاع، حذّر السيسي من الإشكاليات المحتملة لعرض ميزانية الجيش على الرأي العام المصري.

وكانت التساؤلات المطروحة تعكس الهواجس إزاء ضرورة الاستعداد للتحديات المستقبلية، بما في ذلك كيفية التعامل مع طلب البرلمان ومدى تأثر الجيش بها.

ووفقًا لما نقله عنه الصحافي الراحل محمد حسنين هيكل، يعتقد المشير عبد الحليم أبو غزالة وزير الدفاع المصري الراحل، أن الجيش الذي تبدلت الكثير من أوضاعه بعد معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979، بات يلعب دورًا أكبر مما هو مطلوب فى الحياة الاقتصادية.

وتجلّى هذا في ما يوصف بالمشاريع العقيمة، التي استُخدِمت كأداة لفرض السلطة وترسيخ الدعم في صفوف أنصار النظام، وتوفّر للجيش فرصًا إضافية لزيادة تدخّله في جوانب مختلفة من الاقتصاد المصري.

وفي المقابل، نجح السيسي في تعزيز صورته ومكانته كلاعب مركزي على المسرح العالمي، على الرغم من الانتقادات الواسعة لسجل نظامه في مجال حقوق الإنسان.

وبالنسبة للرئيس نفسه وأنصاره، ظلّ السيسي، بدعم من الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، قائدًا قويًا طوال فترة ولايته الأولى. ومع ذلك، نظرًا لتدهور الوضع الاقتصادي وزيادة القمع السياسي وتدهور حقوق الإنسان في ظل حكمه، فقد أُصيب بعض المصريين بخيبة أمل.

Advertisement
Fanack Water Palestine