وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الآثار في مصر: تاريخ طويل وحافل

إضغط للتكبير. @Fanack.com

المقدمة

تزخر مصر بتاريخٍ حافل يمتد عبر آلاف السنوات، وهذا ما أتاح لها التمتع بطيفٍ واسع من المعالم الأثرية التي تعود إلى أربع حقب زمنية مختلفة وهي الفرعونية واليونانية والقبطية والإسلامية. وتعتبر هذه المعالم الأثرية من بين الأهم في العالم، ما دفع الكثير من المؤرخين وعلماء الآثار إلى التخّصص في علم المصريات. وكان هذا العلم قد حصل على دفعةٍ كبيرة بعد اكتشاف حجر رشيد في عام 1799، وهو حجرٌ يعود بتاريخه إلى عام 196 قبل الميلاد وعليه نقوش باللغتين الفرعونية والإغريقية باستخدام ثلاث نصوص مكتوبة بالهيروغليفية والديموطيقية والإغريقية.

وفيما يلي نقدّم مجموعة من أبرز المعالم الأثرية الموجودة في مصر:

الآثار المصرية من الحقبة الفرعونية

جرى المؤرخون على تقسيم تاريخ مصر الفرعونية إلى حقب متعددة هي: العصر العتيق أو حقبة الأسر المبكرة (3200 ــــ 2780 ق.م) ويشمل الأسرتين الأولى والثانية؛ والدولة القديمة (2780 ــــ 2280 ق.م) وتمتد من الأسرة الثالثة حتى السادسة؛ والدولة الوسطى (2134 ــــ 1778 ق.م) وتشمل الأسرتين الحادية عشرة والثانية عشرة؛ والدولة الحديثة (1570 ــــ 1080 ق.م) وتبدأ بالأسرة الثامنة عشرة؛ وأخيراً العصر المتأخر (1085 ــــ 332 ق.م).

الأهرامات

أهرامات الجيزة
مصر – أهرامات الجيزة.
(Photo by Gérard SIOEN / ONLY WORLD / Only France via AFP)

تعتبر الأهرامات أعظم أمثلة مميزة لأعمال قدماء المصريين الهندسية، وغالباً ما ينصب تركيز زوار مصر على مجموعة الأهرامات الثلاثة المشهورة في الجيزة خارج العاصمة القاهرة. ويمتاز هرم خوفو بتصميمه الدقيق وجمال نسبه، وهو أكبر الأهرام الثلاثة وتم بناؤه نحو سنة 2560. وأدت عوامل الحت والتعرية إلى انخفاض ارتفاعه إلى ما لا يزيد عن 139 م، علماً بأن ارتفاعه الأصلي كان 146 م. ومن غير المستغرب أن يكون هذا الهرم من أهم عجائب الدنيا السبع القديمة.

ويليه هرم خوفو من ناحية الحجم هرم خفرع، رابع ملوك الأسرة الرابعة (2520 – 2494 ق.م) وابن الملك خوفو. ويقل هذا الهرم في مقاييسه شيئاً بسيطاً عن هرم خوفو، حيث قارب ارتفاعه الأصلي 143 م، علماً بأن ارتفاعه الحالي يقل عن 136 م. وما يزال من الممكن حتى هذه اللحظة رؤية كسائه الخارجي على قمته.

ويتواجد هرم الملك منكاورع “منقرع”، ابن الملك خفرع من ملوك الأسرة الرابعة (2490 – 2472ق.م)، في المنطقة الجنوبية من الهضبة، حيث يعتبر أصغر أهرام الجيزة حجماً. ويبلغ الإرتفاع الحالي لهذا الهرم 62 م، علماً بأن ارتفاعه الأصلي لم يزد عن 66.5 م، أي أقل من نصف ارتفاع هرمي أبيه خفرع وجده خوفو.

أبو الهول

يتعذّر على أي باحث الكتابة عن الأهرامات، وبخاصة هرم خفرع، دون الإشارة إلى أبي الهول، وهو تمثالٌ مكسي بالأحجار الجيرية بجسم أسد رابض ورأس إنسان ناهض. ويتمتع هذا التمثال بانسجام عجيب لا يكاد الرائي يشعر معه أنه أمام كائن أسطوري.

ويربض أبو الهول على الحافة الشرقية لهضبة الجيزة فوق قاعدة مرتفعة نحت معها في الصخر الطبيعي، علماً بأن طوله من المخلب إلى الذيل يصل إلى 73 م، في حين يصل ارتفاعه من القاعدة إلى أعلى الرأس إلى 22 م.

مسلّة عين شمس

تعتبر مسلّة عين شمس من أبرز المعالم المتبقية من مدينة هيليوبوليس القديمة إلى الشمال الشرقي من القاهرة. وكانت هذه المسلّة مركز عبادة إله الشمس في مصر، حيث أطلق عليها المصريون القدامى اسم “أون” أي “مدينة الشمس”، ليقوم بعد ذلك العرب بتسميتها بـ”عين شمس “. وكانت المنطقة تزخر بالمسلات والهياكل الأخرى، إلا أنه تم تجريفها لإنشائها في أماكن أخرى أو تم نقلها خارج البلاد. ومع ذلك، ما تزال مسلة سنوسرت الأول من الأسرة الثانية عشرة تطل على نفس المكان الذي أقيمت فيه منذ حوالي 4000 سنة.

معبد الأقصر

يقع معبد الأقصر على الضفة الشرقية لنهر النيل بالقرب من مدينة الأقصر (طيبة القديمة). ويتواجد في الجزء الخلفي من المعبد المعابد الصغيرة التي بناها أمنوفيس “أمنتحب” الثالث من الأسرة الثامنة عشرة. وتم بناء الأجزاء الأخرى من المبنى في عهد رمسيس الثاني. وبصورةٍ مماثلة لما عليه الحال في الكثير من المعابد الأخرى، تخفي المباني القائمة أساسات مبان أكثر قدماً.

معبد الكرنك

معبد الكرنك
صعيد مصر، وادي النيل، الأقصر – أدرجت منظمة اليونسكو معبد الكرنك ضمن مواقع التراث العالمي، وقد شُيّد المعبد لعبادة الإله آمون. تظهر في الصورة البحيرة المقدسة بمعبد الكرنك.
(Photo by MATTES René / hemis.fr / hemis.fr / Hemis via AFP)

تقع المجموعة الفسيحة للمباني المقدسة التي تعرف بالكرنك على بعد حوالي 3 كيلومترات تقريباً من معبد الأقصر. ويتمتع الكرنك بخليط من كل النماذج والعصور المعمارية. ولا تكمن أهمية هذا المعبد في كونه كلٌّ معماري فحسب، بل في كونه أيضاً مستنداً تاريخياً نستطيع من خلاله متابعة التاريخ المصري خلال ألفي سنة تقريباً. وبدأ بناء هذا المعبد في عهد الدولة الوسطى (2000 ق.م) واستمر حتى الحقبة البطلمية. وتجدر الإشارة إلى أن معظم الأبنية المتبقية من هذا المعبد تعود إلى عهد الدولة الحديثة. ويعتبر هذا المجمّع من الأماكن الرئيسية لعبادة الإله أمون رع وزوجته موت وابنهما خنسو أو ما يعرف بـ”الثالوث الطيبي”. ويعتبر معبد آمون الكبير قلب المجمّع، علماً بأنه المعبد الأكبر من نوعه في العالم.

أبو سمبل

تتكون معابد أبو سمبل من معبدين كبيرين تم نحتهما في الصخر جنوب مصر. وقام رمسيس الثاني ببناء هذين المعبدين في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، علماً بأنهما يعتبران من المعجزات المعمارية.
وتم بناء هذين المعبدين بحيث تتعامد أشعة الشمس مرتين في السنة على وجه تمثاله الموجود في قدس أقداس المعبد، وذلك في يوم ميلاد رمسيس ويوم تتويجه. وفي عام 1968، تم نقل هذين المعبدين بالكامل إلى تلّة صناعية للحيلولة دون غمرهما بمياه بحيرة ناصر التي تم تشكيلها خلف السد العالي على نهر النيل.

الآثار المصرية في الحقبة البطلمية

تنسب الحقبة البطلمية إلى بطليموس، أحد حماة وقادة ونوّاب الإسكندر الأكبر السبعة. وتم تعيين بطليموس حاكماً لمصر في عام 323 قبل الميلاد بعد موت الإسكندر، ليقوم هذا القائد بإعلان نفسه ملكاً على البلاد في عام 305 قبل الميلاد. واستمرت الحقبة البطلمية لقرابة 300 عام من الزمن.

منارة الإسكندرية

تقع عند الجزء الجنوبي الشرقي من جزيرة فاروس على شاطئ الإسكندرية. وبدأت عملية تشييد المنارة في عصر بطليموس الأول وانتهت في عصر بطليموس الثاني عام 279 ق.م.

عامود بومبي أو السوارى

يعتبر عامود بومبي من أعمدة النصر الموجودة وسط أطلال معبد السرابيوم في الإسكندرية. وبارتفاع يصل إلى حوالي 27 متر وقطر عامود يصل إلى 2.7 متر عند قاعدته، يعتبر عامود بومبي من أضخم الأعمدة من نوعه.

الآثار المصرية في الحقبة القبطية

انتشرت المسيحية في مصر بحلول القرن الثاني الميلادي، حيث تم تشييد عدد من الكنائس في وادي النيل منذ القرن الخامس الميلادي وحتى الفتح الاسلامي.

شجرة العذراء ونبعها

تتواجد شجرة العذارء ونبعها بحي المطرية في القاهرة، حيث تعتبر من أهم المزارات المسيحية في مصر. وتشير المعتقدات المحليّة إلى توقّف مريم العذراء مع المسيح في المطرية التي كانت حينذاك قرية أثناء رحلتها إلى مصر. واستندت مريم العذراء إلى شجرة جميز وانبجست المياه لتحمّم المسيح. وتجدر الإشارة إلى أنه لا أساس لأسطورة ربط الشجرة والنبع بمريم وولدها، فالشجرة لم تغرس قبل نهاية القرن السابع عشر، ونبع العذراء يرجع إلى عصر أقدم من مريم ويسوع. ومع ذلك، يعتبر هذا الموقع من الأماكن التي يحج إليها المسيحيون الأقباط منذ عدّة قرون من الزمن.

الكنيسة المعلقة

الكنيسة المعلقة
لقاهرة، مصر – صورة التُقطت في 20 يوليو 2022 للكنيسة المعلقة التي تُعدّ إحدى أقدم الكنائس في مصر. وقد أطلق ذلك الاسم على تلك الكنيسة التاريخية لأنها شُيّدت على برجين من أبراج حصن بابليون خلال الحقبة الرومانية. ويُقدّر الخبراء أنها قد بُنيت في نهاية القرن الرابع الميلادي.
Mohamed Abdel Hamid / Anadolu Agency (Photo by Mohamed Abdel Hamid / ANADOLU AGENCY / Anadolu Agency via AFP)

تعتبر كنيسة العذراء بالقاهرة “الشهيرة بالمعلّقة”، والتي تم بناؤها في القرن الرابع الميلادي، من أقدم الكنائيس في مصر. ويأتي اسم المعلّقة من تواجدها فوق إحدى بوابات حصن بابليون. ويمكن الوصول إلى الكنيسة عبر صعود 29 درجة، علماً بأن صحن الكنيسة معلّق على ممر.

كنيسة أبو سرجه

يرجع تاريخ إنشائها إلى القرن الرابع الميلادي، حيث تم بناء هذه الكنيسة فوق مغارة يعتقد أن العائلة المقدسة كانت تقيم فيها، داخل حصن بابليون (مصر القديمة). وتحمل الكنيسة، التي تعتبر نموذجاً من نماذج العمارة البيزنطية، اسماً آخر وهم اسم كنيسة القديسين سرجيوس وباخوس، وهما جنديان رومانيان شهيدان.

دير أبو سيفين

يحتوى هذا الدير على ثلاث كنائس أكبرها كنيسة الأنبا شنودة التي يرجع تاريخها إلى القرن الخامس الميلادي، والثانية كنيسة أبي سيفين أما الكنيسة الثالثة فهي كنيسة العذراء الدمشيرية نسبة إلى قرية دمشير.

المسرح الروماني

يعود تاريخ بناء المسرح الروماني، الذي يتواجد بمنطقة كوم الدكة بالإسكندرية، إلى القرن الثاني الميلادي. وتم إعادة ترميم هذا السرح في القرن الرابع الميلادي.

معبد الرأس السوداء

تم اكتشاف معبد الرأس السوداء في عام 1936، في منطقة الرأس السوداء شمال شرق الإسكندرية. وتم تشييد هذا المعبد في القرنين الثاني والثالث الميلادي. ومن أبرز المعالم الموجودة في هذا المعبد تمثال لقدم مكشوفة تم تشييدها على عمود رخامي قصير يحمل نصاً إغريقياً. وكان الفارس الروماني آزودوروس قد وقع في هذا المكان وكسر قدمه، ليقوم بعد تعافيه من الإصابة ببناء هذا المعبد تكريماً للإله إيزيس.

دير سانت كاترين

دير سانت كاترين في سيناء
قداس ليلي بمناسبة عيد الغطاس في دير سانت كاترين في سيناء، مصر.
(Photo by Celestino Arce/NurPhoto) (Photo by Celestino Arce / NurPhoto / NurPhoto via AFP)

يقع الدير أسفل جبل سيناء، ويشبه حصون القرون الوسطى. وتم بناء هذا الدير بين عامي 548 و565 م، حيث يعتبر من أقدم الأديرة المسيحية العاملة في العالم. كما تتواجد فيه أقدم المكتبات العاملة في العالم.

الآثار المصرية في الحقبة الإسلامية

فتح القائد العربي عمرو بن العاص مصر عام 641 م لتدخل بذلك مصر في الحقبة الإسلامية. ويمكن تقسيم الحقبة الإسلامية إلى السلالات التالية: عصر الخلفاء الراشدين (632 – 661 م) والعصر الطولوني (868 ــــــــــ 905 م) والعصر الفاطمي (969 – 1171 م) والعصر الأيوبي (1171 ــــــــ 1250 م) وعصر المماليك (1250 ـــــــــ 1517م) والعصر العثماني (1517 – 1805 م) وعصر سلالة محمد علي الذي ظهرت خلاله الدولة المصرية الحديثة.

جامع عمرو بن العاص

يعتبر جامع عمرو بن العاص البناء الإسلامي الأول في مصر وأقدم جوامع إفريقيا. وقام عمرو بن العاص بتأسيسه في الفسطاط، وهي المدينة التي تأسست من معسكر الجيش العربي فيما بات يعرف اليوم بالقاهرة.

مسجد أحمد بن طولون

شيده أحمد بن طولون كمسجد فخم من القرميد الأحمر على ربوة صخرية تدعى “جبل يشكر” في القاهرة وهو مؤسس الأسرة الطولونية (868 – 905).

قلعة صلاح الدين

قلعة صلاح الدين
قلعة صلاح الدين التي شيّدها صلاح الدين الأيوبي على الطراز المعماري الإسلامي في القرن الثاني عشر في القاهرة، وقد ظلّت مقراً للحكم حتى نهاية القرن التاسع عشر. وقد كانت قصراً حكومياً وملكياً طيلة سبعة قرون وأكبر قلعة في الشرق الأوسط، وهي ضمن قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي.
Picture by Manuel Cohen (Photo by Manuel Cohen / Manuel Cohen / Manuel Cohen via AFP)

تم تأسيس القلعة كحصن إسلامي من حصون القرون الوسطى على ربوةٍ من جبل المقطم بالقاهرة. وتم تحصين هذه القلعة في عهد صلاح الدين الايوبي بين عامي 1176 و1183 م لحمايتها من الصليبيين.

البوابات الأثرية حول القاهرة القديمة

تجسّد هذه البوابات فنون العمارة الحربية الفاطمية، حيث أمر ببنائها القائد جوهر الصقلي في عام 968 م، وهو القائد المولود في صقلية وأمر ببناء القاهرة. ولم يتبق منها إلا باب النصر وباب الفتوح في شمال القاهرة، في حين يتواجد باب زويلة في الجنوب.

المتحف المصري

يزخر المتحف المصري بمجموعة من أهم أبرز الآثار المصرية في العالم. وبصورةٍ مغايرة للمتاحف الأخرى الموجودة في مصر التي كانت قصور في عصورٍ سابقة، فقد قام المعماري الفرنسي مارسيل دورجنو بتصميم البناء على الطراز الكلاسيكي الجديد في عام 1897 م. ويعتبر هذا المتحف من أول المتاحف التي تم تصميمها وتنفيذها لتؤدي وظيفة المتحف.

المصادر

.جيمس بيكى، الآثار المصرية في وادي النيل، ترجمة: نور الدين الزرارى، الجزء الرابع، الجزء الخامس، القاهرة، بدون دار نشر، وتاريخ نشر

.جيمس بيكى، الآثار المصرية في وادي النيل، ترجمة: لبيب حبشي وشفيق فريد، الجزء الأول، القاهرة، بدون دار نشر، وتاريخ نشر

.جيمس بيكى، الآثار المصرية في وادي النيل، ترجمة: لبيب حبشي وشفيق فريد، الجزء الثاني، القاهرة، بدون دار نشر، وتاريخ نشر

.جيمس بيكى، الآثار المصرية في وادي النيل، ترجمة: لبيب حبشي وشفيق فريد، الجزء الثالث، القاهرة، بدون دار نشر، وتاريخ نشر

James Baikie, Egyptian antiquities in the Nile Valley : a descriptive handbook, London : Methuen, 1932.

د. أحمد فخري، الأهرامات المصرية، ترجمة: د. أحمد فخري، مكتبة الأنجلو المصرية ــ القاهرة، مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر ــ نيويورك، 1963

د. سليم حسن، أبو الهول، ترجمة: جمال الدين سالم، القاهرة، مكتبة الأسرة، 1999

وزارة الثقافة المصرية، المجلس الأعلى للآثار، المتحف المصري، القاهرة، مطابع المجلس الأعلى للآثار، 1999

أنغام عبد المنعم ناجي وهدي عبد المنعم ناجى، المعالم الأثرية والسياحية في مصر، القاهرة، دار نهضة الشرق، 2002

Advertisement
Fanack Water Palestine