لاحت الحرب في أفق أوروبا، وقد حث هذا التهديد الحكومة البريطانية على مراجعة سياستها تجاه فلسطين مرة أخرى. فإذا اضطرت بريطانيا على خوض الحرب، قد يكون للعداء العربي تجاه بريطانيا في المنطقة انعكاسات خطيرة. وفي أيار/مايو عام 1939، أصدرت الحكومة البريطانية كتاباً أبيضاً نص على أن “حكومة جلالته تعتقد أن واضعي الانتداب الذي تجسد فيه وعد بلفور لم يقصدوا وجوب تحويل فلسطين إلى دولة يهودية رغماً عن إرادة السكان العرب في البلاد”.
ومن ثم أعلنت الحكومة أنه “من المؤكد أن وجوب تحويل فلسطين إلى دولة يهودية لم يكن جزءً من سياستها. وقد اعتبروا ذلك بالفعل تعارضاً مع التزاماتهم تجاه العرب تحت الانتداب، بالإضافة إلى التأكيدات التي أعطيت للعرب في الماضي، بوجوب جعل سكان فلسطين العرب رعايا في الدولة اليهودية رغماً عنهم”. وستحصل فلسطين على استقلالها حوالي عام 1949، وستتضمن “وطناً يهودياً”.
وضع الكتاب الأبيض قيوداً صارمة على الهجرة اليهودية في فلسطين والتي كانت ينبغي أن تكون بمعدل “إذا كانت القدرة الاقتصادية الاستيعابية تسمح بذلك، بجعل عدد
السكان اليهود يصل إلى ما يقارب ثلث مجموع السكان الإجمالي للبلد (…) وهذا سيسمح بقبول (…) حوالي 75,000 مهاجر في السنوات الأربعة القادمة”. وبهذا، كانت هجرة اليهود ستتطلب موافقة الفلسطينيين عليها.
رفض الفلسطينيون والحركة الصهيونية على حد سواء الكتاب الأبيض. وعندما تم إعلان الحرب في أوروبا في أيلول/سبتمبر عام 1939، قال زعيم الوكالة اليهودية في فلسطين، ديفيد بن غوريون، بأنه “علينا (نحن اليهود) أن نخوض هذه الحرب كما لو لم يكن هناك كتاب أبيض، وسنحارب الكتاب الأبيض كما لو لم يكن هناك حرب”. إلا أن التعاون النسبي بين البريطانيين واليهود في فلسطين وصل إلى نهايته.