وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

المطالبات الإسرائيلية والمطالبات المضادة

المحتويات

المطالبات الإسرائيلية المضادة
اليهود والدول العربية
المطالبات والمطالبات المضادة
الرد الفلسطيني
المطالبات الفلسطينية والجبر التعويضي الألماني

المطالبات الإسرائيلية المضادة

إلى جانب استخدام التعريفات القانونية للتقليل من أهمية الخسائر الفلسطينية، حاولت إسرائيل بشدة، حتى قبل عام 1948، تخفيض أو حتى إلغاء مبلغ التعويضات الذي قد يُطلب منها دفعه للفلسطينيين. لهذه الغاية استخدمت إسرائيل منذ مؤتمر لوزان عام 1949 مجموعة كاملة من المطالبات المضادة، مثل أضرار الحرب التي تعرضت لها إسرائيل جراء الهجوم عليها من قبل الدول العربية في عام 1948. من ثم فإن أهم هذه المطالبات المضادة تتعلق بخسائر الممتلكات والحسابات المصرفية التي تكبدها اليهود العرب في الدول العربية منذ أصبحوا مواطنين في دولة إسرائيل.

تتعلق هذه القضية بتلك الممتلكات المفقودة بعد هدنة عام 1949 في الضفة الغربية والقدس الشرقية بعد ضمها من جانب الأردن، فضلاً عن الممتلكات التي فُقدت في قطاع غزة عندما خضع للحكم المصري. أما النوع الثاني من الخسارة فيتعلق بالمطالبات المضادة لتلك الممتلكات التي خلفها اليهود وراءهم في مختلف الدول العربية بعد هجرتهم إلى إسرائيل عام 1948.

الأملاك اليهودية في الدول العربية

إلى جانب المطالبات بالممتلكات التي تملكها المؤسسات اليهودية في الضفة الغربية، تتعلق أهم مطالبة مضادة قدمتها إسرائيل بالممتلكات والحسابات المصرفية التي تركها اليهود في الدول العربية بعد هجرتهم إلى إسرائيل. استخدمت إسرائيل المطالبات المضادة المتعلقة بهذه الممتلكات بطريقتين. تمثلت الطريقة الأولى في الدفاع عن فكرة تبادل السكان التي كانت واحدة من المبادئ الأساسية للصهيونية: حيث يتعين إعادة توطين عرب فلسطين واستيعابهم في البلدان العربية مقابل استيعاب اليهود العرب في الدولة اليهودية الجديدة التي أنشئت لهذا الغرض عام 1948. أيد موشيه شاريت، وزير خارجية إسرائيل عام 1951، رسمياً تبادل السكان العرب واليهود. يقول دون بيرتس، أستاذ العلوم السياسية في جامعة State University في نيويورك، إن شاريت أجرى مقارنة بين تبادل السكان والهجرة الجماعية للسكان التي وقعت بعد الحرب العالمية الأولى في اليونان وبلغاريا وتركيا، وبعد الحرب العالمية الثانية من بولندا وتشيكوسلوفاكيا إلى ألمانيا، وفي العصر الحديث بين الهند وباكستان. ولم يحدث استعادة لحالات سابقة في هذه البلدان، ولن يكون هناك سبب يستدعي حدوثه في فلسطين. استخدمت إسرائيل فكرة تبادل السكان مراراً وتكراراً كحل لقضية اللاجئين الفلسطينيين والمطالبات الفلسطينية.

ثانياً، تعتبر إسرائيل الممتلكات اليهودية التي تركها اليهود من الدول العربية بين عامي 1948 و 1953 أساساً لمطالبة مضادة ترد بها على التعويضات التي يطالب بها الفلسطينيون الذين هجروا أراضيهم عام 1948. وفق المنطق الإسرائيلي، فإن مصير المطالبات الفلسطينية يرتبط بمصير المطالبات اليهودية. ومنذ عام 1948 فصاعداً، ردت إسرائيل على مطالبات الفلسطينيين بالقول بأنه يجب خصم قيمة الممتلكات اليهودية المصادرة من المبلغ الذي كان لا بد من دفعه للاجئين الفلسطينيين. وكانت إحدى الحجج التي تستخدمها إسرائيل لإلغاء المطالبات الفلسطينية تتمثل في أنه كان عليها تحمل نفقات استيعاب اليهود المستضعفين القادمين من الدول العربية والذين هاجروا إلى إسرائيل. ولما كان الممتلكات التي خلفها اليهود في العراق هي الأكبر من بين ممتلكات اليهود القادمين من الدول العربية الأخرى، فقد أصبحت هذه الممتلكات نقطة محورية في المحادثات بشأن تعويضات الفلسطينيين. وصرّح الوزير شاريت أنه “سيتم خصم مبلغ مناسب من أية تعويضات ستدفعها إسرائيل [للفلسطينيين] مقابل الممتلكات اليهودية المجمدة في العراق”.

الأملاك اليهودية في الضفة الغربية وقطاع غزة

بعد الحرب العالمية الأولى، قامت منظمات صهيونية وأفراد بشراء أراضٍ في بعض الدول العربية. إلا أن اكتسابها كان متركزاً فيما يسمى اليوم بفلسطين (الضفة الغربية، بالإضافة إلى القدس الشرقية وقطاع غزة) وإسرائيل (التي كانت حينها واقعة تحت الانتداب البريطاني). في أيار/مايو عام 1948، تم إجلاء المستوطنات اليهودية المقامة على هذه الأراضي (باستثناء إسرائيل). وبعد حرب عام 1948، كما فقد أفراد ومؤسسات مدنية ودينية وبعض الشركات اليهودية عقارات في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة.

كان للحركة الصهيونية علاقات سرية مع الملك عبد الله عاهل الأردن قبل إنشاء دولة إسرائيل. وبالتالي، وبالتالي عام 1949 تم التوصل إلى اتفاق سلام سري بين إسرائيل والأردن. وقد تناول الاتفاق، من بين الأمور الأخرى، حدود كل من البلدين وتبادل الممتلكات والحسابات المصرفية الموجودة في إسرائيل والتي كانت للفلسطينيين الذين كانوا يعيشون آنذاك في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وبالمقابل، تم التعامل مع ممتلكات اليهود الإسرائيليين التي وقعت تحت السيطرة الأردنية بعد حرب 1948.

لاقت المعاهدة الثنائية بين الأردن وإسرائيل معارضة شديدة منفي العالم العربي. وبالتالي تم اعتبار الملك عبد الله خائناً لاستعداده تقبل خسارة فلسطين مقابل ممتلكات فلسطينيين في الأردن بعد الهدنة. انتهت المحادثات بين البلدين مع اغتيال الملك عبد الله على يد فلسطيني في تموز/يوليو من عام 1951.

في الخمسينات والستينات، نشرت الأردن في الصحف الحكومية الرسمية قوائم القرى والمناطق في الضفة الغربية والممتلكات الفردية التي كانت قد وضعت تحت سيطرة “حارس أملاك العدو”. ولم تميز القائمة بين الممتلكات اليهودية وغير اليهودية، حيث كانت بعض هذه الممتلكات تخص العرب الفلسطينيين الذين أصبحوا مواطنين في دولة إسرائيل بعد الهدنة. كما سجلت القوائم ممتلكات تخص أشخاص ومؤسسات أنشئت في إسرائيل أو لديها علاقات معها. يخبر فيشباخ أنه “على عكس التشريعات الإسرائيلية بخصوص أراضي اللاجئين الفلسطينيين، فقد حافظ القانون الأردني على الحقوق القانونية لملاك الأراضي ‘الأعداء’ ولم يسمح ببيعها”. وقد تم تأجير بعض هذه الأراضي في وقت لاحق لآخرين، بما في ذلك منظمة الأونروا و اللاجئين الفلسطينيين الذين سُمح لهم بالاستيطان في الحي اليهودي من مدينة القدس القديمة المدمرة.

بعد الحرب العالمية الأولى حاولت منظمات صهيونية أيضاً شراء أراضٍ في سورية ونجحت في الحصول على بعض الأراضي في مرتفعات الجولان بعد الحصول على إذن بذلك من الحاكم العثماني في اسطنبول. ومع ذلك، فقد عملت معارضة حكام سوريا والسكان على عرقلة إنشاء مستعمرات يهودية على هذه الممتلكات. وبعد استقلالها عام 1946، سنت سوريا قانوناً يحظر على الأجانب تملك الأراضي في المناطق الريفية، وبالتالي رفض هذا القانون تملك المنظمات الصهيونية للأراضي. وعلاوة على ذلك، جعل المرسوم التشريعي السوري رقم 189 لعام 1952 من المستحيل على الأجانب الذين يملكون أراضٍ في المناطق الريفية تركها لورثتهم. بعد وفاة المالك، تستحوذ الدولة السورية على الملكية ويتم بعد ذلك دفع تعويض لها من قبل إدارة أراضي الدولة. بعد عام 1948، قامت المنظمات الصهيونية بتحويل الملكية القانونية للأراضي التي تملكها في سورية إلى دولة إسرائيل، والتي نقلتها بدورها إلى الصندوق القومي اليهودي.

اليهود والدول العربية

لعدة قرون عاش مئات الآلاف من اليهود في البلدان العربية بين العرب المسيحيين والمسلمين والدروز. والبعض كان من نسل اليهود الذين طردوا من أسبانيا عام 1492، وآخرون من اليهود الأوروبيين الذين هاجروا إلى مختلف البلدان العربية، وخاصة إلى مصر وفلسطين. وكان لظهور الصهيونية والعداء الشديد للسكان العرب تجاه هذه الحركة أثره على العلاقة بين اليهود من الدول العربية وبقية السكان. ففي بعض الأحيان وُجهت المعارضة للحركة الصهيونية ضد اليهود الذين يعيشون في البلدان العربية بغض النظر فيما إذا شاركوا في الأنشطة الصهيونية أم لم يشاركوا.

بعد عام 1948 تدهور موقف اليهود. حيث سنت العديد من الدول العربية تشريعات تسمح بمصادرة الممتلكات اليهودية، وبعد حرب عام 1949، كانت مصادرة الممتلكات الإسرائيلية تتم كنوع من الانتقام من مصادرة إسرائيل للأراضي الفلسطينية. من خلال إدخال هذه القوانين، أرادت هذه البلدان أيضاً منع أن تصبح الممتلكات اليهودية مفيدة بطريقة ما للدولة المعادية – دولة إسرائيل. وكانت خسارة اليهود العراقيين والمصريين لممتلكاتهم هي أكبر الخسائر اليهودية الموثقة.

تختلف العديد من المصادر حول عدد اليهود الذين كانوا يعيشون في مختلف البلدان العربية عام 1948، وعدد أولئك الذين هاجروا إلى إسرائيل، وعدد اليهود الذين لا يزالون يعيشون في هذه البلدان. يقدر الخبير الاجتماعي الفلسطيني جان أبو شقرة عدد اليهود الذين غادروا الدول العربية المجاورة عام 1948 بـ 700,000 يهودي. وحوالي 500,000 يهودي هاجروا إلى إسرائيل، أما البقية فقد استقرت في أوروبا والولايات المتحدة وكندا وأمريكا اللاتينية. كما يذكر أبو شقرة أنه بالإضافة إلى ما يقرب من 110,000 من اليهود العراقيين الذين هاجروا إلى إسرائيل، هناك 180,000 يهودي قدموا من المغرب، وأكثر من 50,000 من اليمن، و 30,000 من ليبيا، و20,000 من تونس، و 16,500 من مصر، و12,000 من سوريا ولبنان.

مصر

قبل عام 1948، كان يعيش في مصر حوالي 75,000 يهودي. وبعد الانقلاب الذي قام فيه “الضباط الأحرار” وثورة 1952، أطاح الإصلاح الزراعي وتأميم جميع القطاعات الغنية في المجتمع المصري. وبالإضافة إلى ذلك، تم سن قوانين مختلفة تسمح بمصادرة ممتلكات الأشخاص المعتقلين بتهم أمنية. وكان من بين المعتقلين يهود يُشك بدعمهم لإسرائيل، والبعض الآخر ينتمي إلى الحزب الشيوعي الذي كان محظوراً من قبل الحكومة الثورية الجديدة. غادر مصر العديد من المصريين، من بينهم يهود وأجانب أثرياء، بعد تأميم شركاتهم كجزء من سياسة جمال عبد الناصر الذي حاول تحديث مصر وتحويلها إلى دولة اشتراكية بعد أن أصبح رئيساً عام 1954. وتم طرد الرعايا البريطانيين والفرنسيين وكذلك اليهود الذين بدون جنسية من مصر بعد مصادرة ممتلكاتهم. وقد منعت القوانين المصرية تصدير الأشياء الثمينة. غادر حوالي 23,000 يهودي مصر بين عامي 1956 و 1958. وحدثت الموجة الثالثة من مصادرة الممتلكات بعد الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967. وأُجبر مئات من اليهود على مغادرة مصر من دون ممتلكاتهم. حيث بلغ إجمالي اليهود الذين هاجروا من مصر إلى إسرائيل بين عامي 1948 و 1972 ما يقارب 30,000 يهودي.

العراق

عام 1948، كانت تعيش في العراق جالية يهودية من السكان الأصليين عددها 135,000 نسمة. وفي آذار/مارس عام 1950، صدر قانون في العراق بشأن سحب الجنسية العراقية. وكان الهدف من القانون منع اليهود العراقيين من الهجرة إلى إسرائيل وهم لا يزالون يحملون الجنسية العراقية. وبموجب القانون الجديد، سُمح اليهود من مغادرة العراق بعد عام واحد من التوقيع على وثيقة من وزارة الداخلية، الأمر الذي أدى إلى فقدانهم للجنسية العراقية. ولم يكن فقدان الجنسية العراقية يعني فقدان ملكيتهم لأية ممتلكات كانت لهم في العراق. إلا أن آلاف اليهود العراقيين استفادوا وبشكل غير متوقع من هذا القانون، وغادروا البلاد بمساعدة من الحكومة الإسرائيلية.

في محاولة لوقف هجرة رأس المال الناجمة عن هجرة اليهود الأثرياء، أصدرت الحكومة العراقية قانوناً آخر عام 1951 كانت له عواقب وخيمة ليس فقط على اليهود الراغبين في مغادرة البلاد، وإنما أيضاً على أولئك الذين كانوا قد غادروا بالفعل بعد كانون الثاني/يناير 1948. حيث سمح هذا القانون الجديد بتجميد أموال اليهود العراقيين سابقاً ومصادرة ممتلكات اليهود الذين ما زالوا ينتظرون مغادرة العراق. ورغم اختلاف العديد من المصادر حول قيمة الممتلكات التي تركها اليهود وراءهم في العراق، إلا أن الأمر المؤكد هو أن قيمة الممتلكات المقدرة كانت ضخمة.

ليبيا

تطورت العلاقة القوية بين يهود ليبيا والصهيونية في ظل الإدارة العسكرية البريطانية (1943-1951). قبل عام 1948 بفترة طويلة، أبدت الحركة الصهيونية اهتماماً بيهود ليبيا، وشجعتهم على الهجرة إلى فلسطين. وقد أصبحت حركة “الريادة الصهيونية” بين الشباب اليهودي الليبي مصدراً هاماً للطاقة البشرية للتجنيد من قبل الجيش الصهيوني، الهاغانا. وكانت العلاقة بين السكان اليهود والحركة الصهيونية سبباً أساسياً للعداء بين اليهود الليبيين وبقية السكان، نتج عنه في تشرين الثاني/نوفمبر 1945 أعمال شغب في طرابلس وتوابعها والتي راح ضحيتها ما يقرب من 130 يهودياً.

من بين الأربعين ألف يهودي الذين كانوا يعيشون في ليبيا، انتقل 30,000 منهم إلى إسرائيل بين عامي 1948 و 1951، تاركين ممتلكاتهم. وبعد أن أصبحت البلاد ملَكِية مستقلة عام 1961، سُنت قوانين تسمح بمصادرة الممتلكات. ولم تؤثر القوانين صراحةً على الممتلكات اليهودية لكنها استهدفت ممتلكات الذين يشتبه بعلاقاتهم مع إسرائيل. وفق فيشباخ: “سمح القانون بتجميد الممتلكات والحسابات المصرفية للأشخاص أو المؤسسات الذين كانوا في إسرائيل، أو الذين كانوا مواطنين إسرائيليين، أو الذين يشتبه بهم بالعمل لصالح إسرائيل”. وفي وقت الانقلاب الذي قام به العقيد معمر القذافي عام 1969، تم تخفيض عدد اليهود في ليبيا إلى 500. ووفق بعض المصادر، صادر القذافي ممتلكات اليهود وألغى جميع الديون المستحقة على اليهود. ويعتقد بأنه ليس هناك يهود في ليبيا بعد.

سوريا ولبنان

بعد حرب عام 1948، غادر 30,000 من اليهود السوريين البلاد وهاجروا إلى لبنان وإيطاليا وإسرائيل. وقد نجحوا في تصفية ممتلكاتهم على الرغم من تجميد حساباتهم المصرفية من قبل الحكومة السورية عام 1949. وليس من الواضح ما إذا كانت حكومة الدولة المستقلة حديثاً قد جمدت الحسابات المصرفية لجميع المواطنين الذين غادروا البلاد بعد الاستقلال أو إذا كان هذا التدبير لم يُطبق إلا على اليهود.

لم يتخذ لبنان أي إجراء ضد أعضاء الجالية اليهودية اللبنانية والبالغ عددها 5,000 نسمة.

اليمن

شجعت الحركة الصهيونية اليهود اليمنيين ويهود عدن على الهجرة إلى إسرائيل، وقامت بتهريب ما يقرب من 49,000 منهم إلى الدولة اليهودية بعملية البساط السحري بين عامي 1949 و 1950. وفق فيشباخ، لا تتوافر أية معلومات عن الممتلكات المفقودة المزعومة لليهود اليمنيين. ويبلغ عدد أعضاء الجالية اليهودية الذين لا يزالون يعيشون في اليمن 200 يهودي. وعلى الرغم من محاولة إقناعهم بشتى الوسائل بالهجرة إلى إسرائيل، وعلى الرغم من تدهور الوضع السياسي في البلاد، يبدو أن بقايا الجالية اليهودية في اليمن يرفضون مغادرة اليمن. ووفق موشيه ناحوم، رئيس الاتحاد الإسرائيلي لليهود اليمنيين، “يتمثل أحد العوامل الرئيسية لمنع هذه الجالية الصغيرة من الهجرة إلى إسرائيل في المساعدات المالية التي يقدمها لهم أعضاء جالية الساتمار اليهودية في الولايات المتحدة، والمعروفة بموقفها الراديكالي ضد الصهيونية ودولة إسرائيل”. وثمة سبب آخر للبقاء في اليمن هو الخوف من فقدان الممتلكات.

المطالبات والمطالبات المضادة

Jewish refugees arriving by ship in Israel/ Photo RBO/HH
اللاجئون اليهود يصلون بالسفن.
تصوير RBO/HH

تأسست المنظمة العالمية لليهود العرب عام 1975. تتيح هذه المنظمة، التي انتهت عام 1999، لليهود الذين كانوا يعيشون أصلاً في بلد عربي وفقدوا ممتلكاتهم المادية عند مغادرتهم إمكانية ملء استمارات بتفاصيل ممتلكاتهم التي فقدوها لمطالبات مستقبلية. وأشارت منظمة اليهود العرب إلى أن غياب الوثائق أو التفاصيل الدقيقة لا يمنع بأي حال من الأحوال التسجيل الأصولي للإقرار بالمتلكات المفقودة.

على الصعيد الدولي، يحظى الرابط بين ممتلكات اليهود العرب والأراضي الفلسطينية المهجورة بالمزيد من الدعم. عام 2000، ربط الرئيس الأميركي بيل كلينتون مطالبات اللاجئين الفلسطينيين بمطالبات اليهود القادمين من الدول العربية. حيث طرح فكرة إنشاء صندوق دولي لتعويض كل من اللاجئين الفلسطينيين واليهود. وفي نيسان/أبريل 2008، أقر مجلس النواب الأميركي قراراً غير ملزم يحث على أن تُقابل كل إشارة إلى اللاجئين الفلسطينيين تُثار في المحافل الدولية بإشارة صريحة مماثلة للجاليات اليهودية التي اقتلعت من الدول العربية.

في شباط/فبراير عام 2010، اعتمد البرلمان الإسرائيلي، الكنيست،

الرد الفلسطيني

معظم الفلسطينيين يرفضون بشدة، ولأسباب قانونية وسياسية، قبول الربط بين مطالبات التعويض للاجئين الفلسطينيين ومصير الممتلكات اليهودية التي تُركت في البلدان العربية. وقد ذكروا أنهم ليسوا مسؤولين عن سياسة الدول العربية الفردية تجاه مواطنيهم اليهود. ولذلك لا يجوز ربط خسائر اليهود من الدول العربية بمبالغ التعويضات المستحقة للفلسطينيين من إسرائيل ولا يكون لها أي تأثير على مطالباتهم.

يتمثل الموقف الثابت لمنظمة التحرير الفلسطينية بشأن هذه المطالبات في الإصرار على رفض إجراء مناقشات بشأن هذا الموضوع في المفاوضات الثنائية مع إسرائيل. وقد تم تكرار وجهة النظر هذه من قبل الوفود الفلسطينية في جميع المناسبات كلما طرحت إسرائيل هذا الموضوع. وكان هذا هو رد فعل مجموعة عمل اللاجئين التي تشكلت كجزء من محادثات السلام المتعددة الأطراف في أعقاب مؤتمر مدريد المنعقد في تشرين الأول/أكتوبر عام 1991. وفي الجلسة العامة الثانية في أوتاوا رفض الفلسطينيون، أولاً، التصريح الإسرائيلي بأن عملية تبادل السكان التي جرت أدت إلى الاستعاضة عن الفلسطينيين الذين فروا عام 1948 بمهاجرين يهود من العالم العربي.

ثانياً، رفض الربط الذي ادّعاه الوفد الإسرائيلي بين تعويضات الفلسطينيين وتعويضات اليهود من الدول العربية. وقد عللوا رفضهم بأنه ينبغي أن تثار هذه المسألة مع دول المنشأ العربية للمهاجرين اليهود، وليس مع التمثيل الفلسطيني. وكرر داود بركات، رئيس قسم شؤون اللاجئين بمنظمة التحرير الفلسطينية، هذا الموقف عام 1999 حيث قال: “لا رابط في هذا الشأن. وعلى إسرائيل التفاوض مباشرة مع لبنان والمغرب ومصر، وأنا لا أمثل تلك البلدان”.  كما كرر مفاوض منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه، في مفاوضات كامب ديفيد الثانية، هذه الحجة: “ليس لنا علاقة بهذه المشكلة، ناقشوها مع السلطات المغربية واليمنية وغيرها”.

’أسطورة‘

إلى جانب رفض الربط بين المسألتين، يقول بعض العلماء الفلسطينيين بأن اليهود لم يُطردوا من الدول العربية. إن استخدام مصطلحات “الأسطورة” و “إغواء صهيون” لوصف هجرة اليهود من الدول العربية، يكشف كيف ينظرون إلى أساس هذه المطالبات. يلاحظ العلماء أن هجرة اليهود إلى الدولة اليهودية المستقبلية كانت دائماً الفكرة الأساسية للصهيونية، وأن إسرائيل قد فعلت كل ما بوسعها لجعل اليهود من الدول العربية، كما من دول العالم، يغادرون بلادهم الأصلية ويأتون إلى إسرائيل. ولولا الهجرة اليهودية إلى إسرائيل، لكانت الصهيونية فشلت.

لذا، ووفقاً لهؤلاء الخبراء، فإن معظم اليهود الذين غادروا الدول العربية لم “يُطردوا”، وإنما غادروا طواعية وبضغط من إسرائيل. ومع ذلك، فهم يوافقون على فكرة أن ولادة الصهيونية قد تسببت في تفاقم موقف اليهود في الدول العربية، لا سيما بعد حرب عام 1948. قال السير فرنسيس همفري، السفير البريطاني في العراق عام 1948: “بذرت الصهيونية الشقاق بين اليهود والعرب، وتنامت الكراهية بين الشعبين، الأمر الذي لم يكن قبل ذلك”. يصف الخبير في الشؤون العامة نعيم جلعادي الحرية والثقافة والسياسة المزدهرة والحياة الاقتصادية التي كان يتمتع بها اليهود في العراق قبل عام 1948. وانتهى اندماجهم بالمجتمع العراقي بعد أن أصبحت أهداف الحركة الصهيونية مكشوفة في العراق والدول العربية الأخرى. وبعد الحرب التي تلت والأعمال العدائية، هاجر الكثير من اليهود إلى إسرائيل.

عملية علي بابا

وفق أبو شقرة، ثمة عوامل عدة تكمن وراء الهجرة الجماعية لليهود من العراق. منها الضغوط التي كانت تمارسها بريطانيا العظمى والولايات المتحدة لنقل أو تبادل السكان. ففي ظل هذا السيناريو، تم إعادة توطين حوالي 100,000 فلسطيني في العراق مقابل إعادة توطين 100,000 من اليهود العراقيين في إسرائيل. يقول أبو شقرة بأن قوانين الحرمان من حقوق المواطنة، التي صدرت في العراق والتي تجرد أي عراقي يريد مغادرة البلاد من الجنسية العراقية، صدرت تحت ضغوط من قبل بريطانيا العظمى على الحكومة العراقية آنذاك. وقد أدت هذه القوانين إلى هجرة 40,000 يهودي إلى إسرائيل، وتحويل 10 مليون دينار عراقي، مما تسبب في استنزاف الاقتصاد العراقي بصورة غير متوقعة. أعقبت قوانين الحرمان من حقوق المواطنة  قوانين جمدت أموال اليهود الذين تقدموا بطلبات للتنازل عن جنسيتهم العراقية. غادر الآلاف من اليهود العراق ونقلوا إلى إسرائيل من خلال حملة إسرائيلية منظمة أُطلق عليها اسم “عملية علي بابا”. كان المقصود من هذه العملية تشجيع اليهود العراقيين على الهجرة إلى إسرائيل، وقد استخدمت لذلك دعاية واسعة النطاق على الصعيد الدولي وداخل الجالية اليهودية في العراق. ويبدو أن العنصر الهام في عملية “علي بابا” تمثل في سلسلة من الهجمات بالقنابل على خمسة أهداف يهودية من نيسان/أبريل 1950 حتى حزيران/يونيو 1951. وبعد عام واحد، ثبت أن عملاء الموساد وضباط بريطانيين كانوا المسؤولين عن الهجمات، في حين أكدت العديد من المصادر الإسرائيلية أن حملة التفجيرات نفذها القائد الصهيوني الإسرائيلي موردخاي بن بورات. وكان الهدف من ذلك بث الرعب في الجالية اليهودية في العراق بغية تشجيعهم على مغادرة العراق. يشير عباس شبلاق، مؤرخ فلسطيني من مركز دراسات اللاجئين في أوكسفورد، أنه لم يكن ممكناً تنفيذ حملة التفجيرات إلا عند اتخاذ قرارات على مستوى رفيع في الحكومة الإسرائيلية وبعلم إيغال آلون شخصياً، الذي كان آنذاك مسؤولاً عن عمليات الموساد الخارجية، ورئيس الوزراء آنذاك ديفيد بن غوريون. استلزمت “عملية علي بابا” أيضاً خطة إجلاء لجلب الآلاف من اليهود من العراق إلى تل أبيب.

مهما كانت الأسباب التي أدت إلى هجرة اليهود من العالم العربي إلى إسرائيل، فبعض الفلسطينيين، مثل رشيد خالدي، وهو باحث فلسطيني بارز، يعتبرون أن أي ادعاء من أي يهودي عربي غادر أو أُجبر على مغادرة العالم العربي هو “مطالبة مشروعة تماماً، ويمكن حلها جنباً إلى جنب مع تعويضات الفلسطينيين”. يتبادل كل من شلومو غازيت، جنرال متقاعد في جيش الدفاع الإسرائيلي، وليكس تاكنبرغ، النائب السابق لرئيس منظمة الأونروا في سوريا، الرأي القائل بأنه بلا شك يجوز لإسرائيل إثارة مسألة الممتلكات اليهودية المهجورة في البلدان العربية، ولكن لا يمكنها استخدامها كوسيلة لتجنب الاعتراف بالمسؤولية عن خلق مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، أو رفض دفع التعويضات للاجئين الفلسطينيين. وينبغي إثارة هذه المسألة على المستوى الثنائي مع الدول العربية المعنية أو خلال عقد مؤتمر دولي لتناول الجوانب المتعددة الأطراف لمشكلة اللاجئين.

المطالبات الفلسطينية والجبر التعويضي الألماني

من بين الحجج التي استخدمتها إسرائيل في رفض دفع تعويضات للاجئين الفلسطينيين، التكاليف التي كان عليها تحملها لاستيعاب المهاجرين اليهود. لم يعد بإمكان هذه الحجة أن تبقى سارية المفعول بعد مفاوضات عام 1952 بين المؤتمر اليهودي العالمي وجمهورية ألمانيا الاتحادية حول الجبر التعويضي الذي تدفعه ألمانيا عن جرائم النازية ضد اليهود قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية. وتم التوصل إلى اتفاق نهائي بين إسرائيل والقوى الأربع التي كانت تسيطر على ألمانيا في نهاية الحرب العالمية الثانية بحلول نهاية عام 1952. حيث وافقت ألمانيا الغربية على دفع جبر تعويضي لضحايا جرائم النازية يصل إلى مليار دولار ويُسدد على مدى 14 عاماً على شكل بضائع ومخصصات لليهود الذين يعيشون خارج إسرائيل. وتقرر الحصول على ما تبقى من الجبر التعويضي في المستقبل من ألمانيا الشرقية. إلا أن ألمانيا دفعت لإسرائيل أكثر بكثير من مجرد الجبر التعويضي لضحايا جرائم النازية. وفق خبير العلوم السياسية الأمريكي نورمان فنكلشتاين، دفعت ألمانيا لإسرائيل حتى الآن مبالغ يتراوح إجمالها من 60 إلى 80 مليار دولار.

رأى العديد من الأطراف أنه يمكن إنشاء علاقة متوازية بين تعويضات الفلسطينيين ورأس المال الضخم للتعويضات التي حصلت عليها إسرائيل من ألمانيا. اتصلت الدول العربية بالقوى الأربع قبل الاتفاقات بين ألمانيا وإسرائيل، مطالبةً بأنه ينبغي أن يستفيد الفلسطينيون من الجبر التعويضي المستقبلي الذي ستدفعه ألمانيا لإسرائيل. وقد انقسم الإسرائيليون حول هذه القضية، وكذلك الحكومة الأمريكية. في النهاية، لم يستفد الفلسطينيون من دفعات التعويضات الألمانية لإسرائيل. وبعد التوصل إلى اتفاق مع ألمانيا بفترة قصيرة، تبنت إسرائيل موقفاً مفاده أنها غير ملتزمة سياسياً بمساعدة اللاجئين الفلسطينيين، وغير مسؤولة عن خسائرهم. ومن ثم أبدت استعدادها لتقديم المساعدات الإنسانية فقط. غير أن هذا العرض لم يتحقق قط.

Advertisement
Fanack Water Palestine