توجيه تاريخي لفوز حماس في انتخابات عام 2006. نجحت حماس في تحقيق نجاح كبير، خصوصاً في الدوائر الانتخابية. رد فعل فتح وإسرائيل ورباعية الوساطة: عرقلة.
المقدمة
في 11 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2004، توفي عرفات، والذي كان في حالة صحية حرجة، في مستشفى عسكري في باريس بعمر يناهز 75 عاماً. ووفقاً لكثير من الفلسطينيين، قضى مسموماً من قبل إسرائيل؛ وتأكدت وجهات نظرهم عندما رفضت السلطات الفرنسية إعطاء تقرير عن سبب الوفاة. وخرج آلاف من الفلسطينيين إلى الشوارع أثناء نقل جثته على متن مروحية إلى رام الله. ودفن في ضريح بسيط في أرض المقاطعة. ويتفق الصديق والعدو بأن عرفات (أبو عمار) كان أحد القادة التاريخيين للحركة الوطنية الفلسطينية.
بعد ذلك بوقت قصير، في 9 يناير/كانون الثاني عام 2005، أجريت انتخابات رئاسية، قاطعتها هذه المرة حماس والجهاد الإسلامي فقط. ومن بين المرشحين السبعة، تبين فوز الزعيم الجديد لحركة فتح، محمود عباس (أبو مازن)، بنسبة 62,5% من الأصوات القانونية. لكن نظراً لانخفاض نسبة الإقبال (43%؛ وكانت 72% تقريباً عام 1996)، استطاع عباس أن يحصل على دعم ربع المواطنين الفلسطينيين الممنوحين حق الاقتراع. وجاء مصطفى البرغوثي في المركز الثاني بنسبة 19,5% من الأصوات، وهو مؤسس مشارك لواحدة من المنظمات غير الحكومية الأكثر أهمية في فلسطين عام 1979، وهي جمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية، وقيادي سابق في حزب الشعب (الشيوعي) الفلسطيني، ومن ثم زعيم الحركة السياسية الجديدة (المبادرة). وفاز كل من مرشحي التشكيلات اليسارية بـ 3% من الأصوات.
في نفس ذلك العام – بعد فترة وجيزة من سحب إسرائيل قواتها ومستوطنيها من قطاع غزة – جرت أول انتخابات بلدية منذ أوسلو. لم تكن مشاركة حماس مفاجئة، كون الانتخابات البلدية سبق وأجريت قبل أوسلو. فازت حماس بشكل ملحوظ وسيطرت على المجالس البلدية في مختلف المدن الكبيرة، في قطاع غزة والضفة الغربية. ومما لاشك فيه، ونتيجة لنجاحها بشكل جزئي، قررت حماس بعد ذلك دخول انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني للمرة الأولى والتي كانت ستجري في 25 يناير/كانون الثاني عام 2006 (مع أنها لا تزال مرتبطة بأوسلو بشكل غير منفصل).
بموافقة حركة فتح، تم تعديل قواعد انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني. أولاً – ازداد عدد المقاعد من 88 إلى 132 (مع ستة مقاعد مخصصة للمسيحيين). علاوة على ذلك، تم الإبقاء على نظام مختلط هذه المرة: تم توزيع نصف المقاعد (66 مقعداً) على مختلف المرشحين على أساس قائمة وطنية وعلى أساس عدد الأصوات المكتسبة، وتم تقسيم الـ 66 مقعداً المتبقية والموزعة على 16 منطقة وفقاً لنظام التصويت.
نتيجة الانضباط الصارم في صفوفها، وعلى عكس حركة فتح التي كان الشقاق داخلها يزداد، وتنامي المعارضة بشدة لسياسة أوسلو في السلطة الوطنية الفلسطينية والتي كانت حركة فتح مهيمنة عليها، تمكنت حماس من الفوز بعدد كبير من المقاعد، ولا سيما في الدوائر الانتخابية. وحصلت حماس على أغلبية مطلقة في المجلس التشريعي الفلسطيني بـ 74 مقعداً من أصل 132. وكما بات من الواضح مرة أخرى، كان الحزب يتمتع بتأييد كبير ليس في قطاع غزة فقط، وإنما أيضاً في الضفة الغربية. وفتح كانت ثاني أكبر حزب بـ 45 مقعداً. ونجحت ثلاث تشكيلات يسارية بالفوز بسبعة مقاعد في المجموع. لكن رغم عدم وجود ما يقال عن فوز حماس، فإن النتائج تعطي صورة مشوهة عن توازن القوى الحقيقي. فالفرق في عدد الأصوات كان 30,000 بواقع 440,000 صوت لحماس و410,000 صوت لفتح (النسبة 44.5% و 41.5% على التوالي). وكانت نسبة الإقبال نحو 75%. ووفقاً لمراقبين دوليين، كانت الانتخابات نزيهة.
فتح، إسرائيل واللجنة الرباعية: العقبة
رفضت حركة فتح، والتي كانت المسؤولة ضمن الحركة الوطنية الفلسطينية على مدى عقود، الاستسلام للهزيمة الانتخابية. وكان موقفها مدعوماً من قبل إسرائيل وما يسمى باللجنة الرباعية (الولايات المتحدة والإتحاد الروسي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة). ومن أجل فرض حججها، أوقفت إسرائيل تحويل العائدات الضريبية إلى الحكومة الفلسطينية المتشكلة حديثاً والتي كانت تحت سيطرة حماس. كما أوقفت الحكومات الغربية دعمها المالي للسلطة الوطنية الفلسطينية، ورفضت الدخول في حوار مع حماس ما لم تلبِّ الشروط الثلاثة التالية مقدماً: الاعتراف بدولة إسرائيل، ونبذ جميع أشكال العنف، وتأييد جميع المعاهدات والاتفاقات التي تم التوصل إليها سابقاً بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. كانت هذه الشروط غير مقبولة بالنسبة لحماس – كما للكثير من الفلسطينيين الذين لا ينتمون لحركة حماس. كانت إسرائيل في عملية تحديد حدودها في إطار أوسلو. إذاّ، إلى أية إسرائيل كانت هذه الشروط تشير؟ كما أن شرط التخلي عن جميع أعمال العنف – والذي هو أكثر من مجرد وقف لإطلاق النار بشكل مؤقت أو دائم – لم يتم وضعه في حالات أخرى من الاحتلال. وكذلك شرط الالتزام بجميع المعاهدات السابقة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية – والتي اعترف فيها عرفات وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية بأنها كانت مضرة في مجالات كثيرة ومهمة – لم تكن تنم عن مقاربة متوازنة.
في ربيع عام 2007، وعن طريق وساطة قامت بها المملكة العربية السعودية، تم تأسيس حكومة عاملة من حماس/فتح في نهاية المطاف. ولكن لم يكتب لها البقاء لفترة طويلة. فقد كانت فتح تعمل على خطة لطرد حماس من قطاع غزة باستخدام العنف بالتعاون مع الولايات المتحدة ومصر والأردن (مخطط دايتون). حيث ظهرت التفاصيل في وقت لاحق وتم إثباتها بأدلة دامغة. وبعد علمها بهذه الخطط، قامت حماس بدورها بطرد فتح من قطاع غزة بهجوم عسكري قصير ودامٍ في يونيو/حزيران عام 2007. وبالمقابل، أعلن رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس حلّ حكومة إسماعيل هنية. وتم تشكيل حكومة جديدة، والتي سيطرت في الواقع على الضفة الغربية فقط. وقبل ذلك، أصيب المجلس التشريعي الفلسطيني، والذي كانت حماس تسيطر عليه، بالشلل بعد أن اعتقلت إسرائيل العشرات من أعضاء المجلس التشريعي (وعدداً من وزراء حماس).
منذ ذلك الحين، كان كل من الجزئين اللذين يشكلان فلسطين يُحكمان من قبل إدارتين منفصلتين. وبالتالي اتخذت تجزئة فلسطين بعداً جديداً. ولتقويض نفوذها في الضفة الغربية، أغلقت السلطة الوطنية الفلسطينية مؤسسات الرعاية الاجتماعية التابعة لحماس واعتقلت أعضاء حماس وأنصارها. وبالمقابل، تم تقييد الأنشطة السياسية لفتح في قطاع غزة بشكل كبير.