وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

النزاع الفلسطيني الإسرائيلي: الفصل العنصري

يغطي بشمولية مفهوم الفصل العنصري في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وتعريفاته الدولية، تطبيقه، تأثيره على حقوق الفلسطينيين، وتقارير من منظمات حقوق الإنسان.

الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين
مستوطن إسرائيليّ يمشي عبر منزلٍ فلسطينيٍّ ذو شرفاتٍ مغطاةٍ ومتداخلة تحمل واحدة منها لافتة احتجاجية كُتِب عليها باللغة الإنجليزية “العرب ممنوعون. هذا هو الفصل العنصري”، على طول شارع الشهداء الذي تسيطر عليه إسرائيل (والذي يتم إغلاق مدخله الرئيسي) في مدينة الخليل في الضفة الغربية المحتلة في 28 كانون الثاني 2020. المصدر: HAZEM BADER/AFP

مذكرة تحريرية

جريمة الفصل العنصري، كما تمارسه إسرائيل، أثارت اهتمام العالم المتزايد. هذا القسم هو جزء من تغطيتنا لموضوع حقوق الإنسان والقانون الدولي ضمن ملف الالنزاع الفلسطيني الإسرائيلي.

الفصل العنصري

يعرَف نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية:

 “جريمة الفصل العنصري” بأنها أي أفعال لا إنسانية تُرتكب في سياق نظام مؤسسي قوامه الاضطهاد والسيطرة المنهجيين  من جانب جماعة عرقية واحدة إزاء أية جماعة أو جماعات عرقية أخرى، وتُرتكب بنيَة الإبقاء على ذلك النظام”.

تسيطر إسرائيل بفعالية على حياة ما يُقارب الـ 14 مليون نسمة، بمن فيهم اليهود الإسرائيليين والفلسطينيين في جميع أنحاء الضفة الغربية، فضلًا عن القدس الشرقية وقطاع غزة وإسرائيل. وحتى المستوى من الحكم الذاتي الممنوح للفلسطينيين في أجزاءٍ من الضفة الغربية وقطاع غزة، يخضع للسيطرة الإسرائيلية على الحدود وفي المجال الجوي وعملية التنقّل والأمن وتسجيل السكان. وقد استُخدِمت هذه السيطرة لغرس نظام يعطي الأولوية لحياة الإسرائيليين اليهود بينما يميّز ضد الفلسطينيين.

وفي حين قامت مجموعات حقوق الإنسان بتوثيق القوانين والسياسات والإجراءات التي تنتهجها السلطات الإسرائيلية والتي تبرهن وجود هذا النظام، فقد أكّد بعض المسؤولين الإسرائيليين هذا الطموح قولًا. فعلى سبيل المثال، وفيما يتعلّق بتجديد قانون الجنسية العنصري، قال رئيس الوزراء السابق أرييل شارون، “لا حاجة للاختباء وراء الحجج الأمنية. هناك حاجة لوجود دولة يهودية “. وكذلك صرّح بنيامين نتنياهو، الذي كان في ذلك الوقت وزير المالية، “بدلًا من تسهيل الأمر على الفلسطينيين الذين يرغبون بالحصول على الجنسية، يجب علينا أن نجعل العملية أكثر صعوبة لضمان أمن إسرائيل والأغلبية اليهودية فيها.”

بل إن إسرائيل كانت تنفذ منذ البداية سياسات تعزز مصالح السكان اليهود وحقوقهم على حساب الفلسطينيين. وكفل قانون الجنسية الإسرائيلي لعام 1952 مسارًا لليهود المهاجرين إلى إسرائيل للحصول على الجنسية بشكل تلقائي، وهو ما لا ينطبق على الفلسطينيين. وفي عام 2003، أصدر الكنيست أيضًا أمرًا مؤقتًا بشأن قانون الجنسية والدخول إلى إسرائيل. وقد تمّ تمديد هذا القانون بنجاح في السنوات المقبلة كوسيلة لحرمان الفلسطينيين، الموجودين في الضفة الغربية وقطاع غزة المتزوجين من مواطنين إسرائيليين أو مقيمين إسرائيليين، من وضع قانوني طويل الأمد أو من الحصول على الجنسية. إلا أنّ هذا القيد لا ينطبق على المتزوّجين من اليهود الإسرائيليين من أيّ جنسية أخرى غير إسرائيلية؛ الذين يتمّ منحهم وضع قانوني فوري.

وكانت هيمنة اليهود الإسرائيليين على إسرائيل وفلسطين أكثر توطيدًا عندما أصدر الكنيست قانون الدولة القومية في عام 2018، معلنًا إسرائيل “الدولة القومية للشعب اليهودي”. وأعلن القانون مدينة القدس عاصمةً لإسرائيل، وتبع ذلك إعلان العبرية لغة رسمية وحيدة وتخفيض مرتبة اللغة العربية على الرغم من أنّ أكثر من 20 بالمئة من سكان إسرائيل يتحدّثون بها.

وهناك مادة في القانون تنص على ما يلي: “إنّ الدولة تنظر إلى تطوير الاستيطان اليهودي باعتباره قيمة وطنية، وسوف تعمل على تشجيع وتعزيز تأسيسه وتوطيده”. ولا يتم ذكر المساواة في هذا القانون؛ فبصفته أحد القوانين الأساسية لإسرائيل والذي يُعد بمثابة دستور فعليّ لها، فهو يخالف إعلان الاستقلال لعام 1948 الذي وعد “بالمساواة الكاملة في الحقوق الاجتماعية والسياسية لجميع سكان [إسرائيل]”، بغض النظر عن دينهم أو عرقهم أو جنسهم.

مساءلة إسرائيل

يتابع العالم عن كثب جريمة الفصل العنصري التي ترتكبها إسرائيل.

استنتجت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (ESCWA) في آذار 2017 في تقرير لها أنّ إسرائيل كانت ترتكب أعمالًا من جرائم الفصل العنصري. وعلى الرغم من أنّ الأمم المتحدة لم توافق على التقرير بصفتها هيئة، إلّا أنّه اعتُبِر رائدًا حيث كانت أوّل وكالة تابعة للأمم المتحدة تقوم بذلك.

وفي كانون الثاني 2021 أصدر مركز بتسيلم الحقوقي الإسرائيلي، ورقة موقف جاء فيها أن وضع النظام في كل فلسطين التاريخية (وتشمل إسرائيل نفسها، وقطاع غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية) يكرّس لعلوّ حقوق اليهود على حساب الحقوق الأساسية للفلسطينيين إلى حد يرقى لكونه نظاماً للفصل العنصري. كما ذكر بتسيلم أن قانون الدولة القومية الصادر في عام 2018 كرّس السيادة اليهودية في القانون الأساسي، وجعلها مبدأ دستورياً؛ أي إن الطعن فيه لا يجوز.

ووفقًا لما ذكرته هيومن رايتس ووتش في تقريرٍ لها في نيسان 2021، فإنّ التجريد من الملكية والحبس والانفصال القسري يجعل الفلسطينيين مواطنين من الدرجة الثانية، والمعاملة التي يتعرّضون لها ترقى إلى جرائمٍ ضدّ الإنسانية وتحديدًا الفصل العنصري والاضطهاد. وتقول المنظّمة غير الحكومية أنّ إسرائيل تدير نظامًا للتمييز المؤسّسي من خلال “النقل القسري”، و”مصادرة الممتلكات العقارية”، و”إنشاء احتياطيات وأحياء سكنية منفصلة”، وحرمانهم من “حق المغادرة والعودة إلى بلدهم، والحق في الحصول على جنسية”.

وشمل هذا النظام حصر السكان الفلسطينيين وسلطتهم السياسية بتقييد حقّهم في التصويت أو الانتقال إلى إسرائيل. كذلك يشمل سياسة الدولة المتمثّلة في فصل الفلسطينيين بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ومنع حركة الناس والبضائع داخل فلسطين، و”تهويد” المناطق التي يوجد فيها عدد كبير من السكان الفلسطينيين في إسرائيل وتركهم يعيشون في المناطق الفقيرة.

وحتى في القدس الشرقية المحتلة، التي تعتبرها إسرائيل جزءًا من أراضيها ذات السيادة، فإنّ الوضع القانوني للفلسطينيين بوصفهم “مقيمين دائمين” أمر محفوف بالمخاطر؛ فقد جُرِّد الفلسطينيون في القدس الشرقية من هذا الوضع لمنع تزويدهم بـ “مركز للحياة” في القدس.

كما وصفت منظمة العفو الدولية، في تقرير أصدرته في شباط 2022، الوضع في فلسطين بأنه نظام فصل عنصري، وحددت أربعة عناصر أساسية اتبعتها إسرائيل لتنفيذ سياستها:

–       العزل (فصل الفلسطينيين بعضهم عن بعض).

–       نزع ملكية الأراضي والممتلكات (الاستيلاء التمييزي على الأراضي والممتلكات – هدم المنازل – التهجير القسري).

–       التفرقة والسيطرة.

–       الحرمان من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية (تعمًد إفقار الفلسطينيين).

و يختلف تقرير منظمة العفو الدولية عن تقارير المنظمات الأخرى من ناحية مطالبته بضرورة اعتراف إسرائيل بحق العودة وضمان تعويض الفلسطينيين ممّن نُزعت ممتلكاتهم منذ عام 1948. وهكذا، فإن منظمة العفو، باعتبارها إحدى كبرى المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان، قد بيّنت للعالم سياسات الفصل العنصري الإسرائيلية التي يتبعها النظام منذ لحظة التأسيس. ويدعو التقرير إلى محاسبة إسرائيل على جرائمها ضد الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة،بما في ذلك داخل إسرائيل نفسها أيضاً.

وصحيح أن منظمات حقوق الإنسان الدولية قد فضحت  ممارسات نظام الفصل العنصري ليصبح ذلك معلوماً لكثير من الناس في كل أنحاء العالم، لكن منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية، ومن بينها مؤسسة الحق ومركزي عدالة و الميزان ، كانت تحاول منذ سنوات إثبات تلك الحقيقة، وهي أن إسرائيل تعتمد سياسة الفصل العنصري في المناطق الخاضعة لسيطرتها. وقد أصبحت تلك الحقيقة هي السردية السائدة الآن عند منظمات حقوق الإنسان الدولية، وهو ما يضع مزيداً من الضغط على إسرائيل وداعميها الرئيسيين.

Advertisement
Fanack Water Palestine