كان الفلسطينيون سريعين في الرد على أفعال شارون، وذلك بالخروج إلى الشوارع في مختلف الأماكن. كانت الانتفاضة الثانية ذات طابع عسكري قوي منذ اليوم الأول، على نقيض الانتفاضة الأولى التي كانت مدعومة من اللجان المحلية والتي كان فيها العصيان المدني والتظاهرات مركزية.
خارطة الطريق
بعد انهيار “أوسلو” واندلاع الانتفاضة الثانية، تحول تركيز المبادرات السياسية الأمريكية تجاه إسرائيل والفلسطينيين إلى إدارة الصراع. وقد دعا تقرير ميتشل في 30 نيسان/أبريل 2001 إلى وقف العنف، وتجميد كل النشاط الاستيطاني، وتعزيز تدابير بناء الثقة، واستئناف المفاوضات. وأكدت خطة تينيت في 13 حزيران/يونيو 2001 على التعاون الأمني بين إسرائيل وقوات الأمن العائدة للسلطة الوطنية الفلسطينية. إلى حد كبير، ينطبق نفس الشيء على خارطة الطريق للسلام في الشرق الأوسط، وهي خطة من ثلاث مراحل، بدأت في 30 نيسان/أبريل 2003 تحت إشراف “اللجنة الرباعية” (الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، والأمم المتحدة). وتمت المصادقة على الخطة في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1515 بتاريخ 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2003.
في المرحلة الأولى من خارطة الطريق، كان على الفلسطينيين إيقاف جميع أعمال العنف ونزع سلاح الجماعات المتورطة فيها. وكان على إسرائيل ضبط النفس عسكرياً ضد “الانتفاضة” وتجميد عمليات بناء المستوطنات اليهودية. خلال المرحلة الثانية، يتم تنظيم مؤتمر عالمي وإقامة دولة فلسطينية “بحدود مؤقتة”. وفي المرحلة الثالثة تبدأ المفاوضات حول الأوضاع النهائية لعدد من القضايا (الحدود، والقدس، والمستوطنات، واللاجئين). على أن تحسم هذه المفاوضات قبل نهاية 2005.
وافق الفلسطينيون على خارطة الطريق، رغماً عنهم. وكذلك فعلت إسرائيل. غير أن الحكومة الإسرائيلية قدمت ما لا يقل عن 14 تحفظاً (التحفظات الإسرائيلية على خارطة الطريق بتاريخ 25 أيار/مايو 2003). وقُدمت الخطة لمجلس الأمن الدولي. وبدعم من الولايات المتحدة، أقر مجلس الأمن قراراً أكد فيه “رؤية منطقة تعيش فيها دولتان، إسرائيل وفلسطين، جنباً إلى جنب ضمن حدود آمنة ومعترف بها” (قرار مجلس الأمن الدولي 1397 بتاريخ 12 آذار/مارس 2002). وكانت هذه هي المرة الأولى التي تلتزم فيها الولايات المتحدة رسمياً بإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
رغم مباغتتها بالتطورات الحاصلة على أرض الواقع – الانتفاضة، واستمرار بناء المستوطنات، وبناء ما يسمى بالجدار، وعدم الوفاء بالموعد النهائي المقرر في 2005 – إلا أن اللجنة الرباعية الدولية أعادت مراراً تأكيد التزامها بخارطة الطريق.
انتفاضة الأقصى
في 28 سبتمبر /أيلول عام 2000، قام الجنرال السابق والسياسي (سيء السمعة) أرئيل شارون بزيارة الحرم الشريف – وهو ثالث أكثر الأماكن قدسية بالنسبة للمسلمين بعد مكة والمدينة. وقد كانت الزيارة استفزازاً متعمداً، في الوقت الذي كان فيه التوتر مرتفعاً بالفعل، ولا سيما في ضوء حقيقة أن شارون قد وجد أرضية مشتركة مع المستوطنين اليهود المتشددين الذين كانوا يعتقدون أنه ينبغي على المسجد الأقصى وقبة الصخرة أن يفسحوا المجال للهيكل الثالث. ففي وقت سابق، كانوا قد أثاروا حوادث في الحرم الشريف على أمل إشعال فتيل هذه الأحداث. وفي سبتمبر/أيلول عام 1996، اندلعت أعمال شغب خطيرة بعد قيام الحكومة الإسرائيلية بفتح نفق للعموم والذي مرّ تحت المجمّع.
كان الفلسطينيون سريعين في الرد على أفعال شارون، وذلك بالخروج إلى الشوارع في مختلف الأماكن. كانت الانتفاضة الثانية ذات طابع عسكري قوي منذ اليوم الأول، على نقيض الانتفاضة الأولى التي كانت مدعومة من اللجان المحلية والتي كان فيها العصيان المدني والتظاهرات مركزية. فعلى سبيل المثال، في الأيام القليلة الأولى، قامت إسرائيل بقتل أربعة عشر من فلسطينيي الداخل كانوا قد نزلوا إلى الشوارع من أجل إعلان تضامنهم مع فلسطينيي الضفة والقطاع. وانضمت جماعات مسلحة من الفلسطينيين – لم تكن مرتبطة بحماس والجهاد الإسلامي فحسب، وإنما أيضاً تنتمي إلى كتائب شهداء الأقصى، والتي كانت مرتبطة بحركة فتح – إلى المعركة في مواجهة مع قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين الإسرائيليين.
الرد الإسرائيلي
بذلك، استطاع السياسيون الإسرائيليون أن ينقلوا إلى الغرب انطباعاً بأن عرفات كان العقبة في طريق التوصل إلى اتفاق سياسي بين إسرائيل والفلسطينيين، وأن المشكلة ليست في استمرار الاحتلال أو استمرار الاستيطان في فلسطين على سبيل المثال. وفي نهاية مارس/آذار عام 2002، حاصر الجيش الإسرائيلي مقر السلطة الوطنية الفلسطينية في رام الله (المقاطعة)، وتعرض البناء لدمار شديد. وبعد ذلك، حاصر الجيش الإسرائيلي المجمع بشكل مستمر، وتم وضع عرفات في الواقع قيد الإقامة الجبرية.