Chronicle of the Middle East and North Africa

الجزء الثالث: ما بعد اتفاقات أوسلو

تطور الصراع العربي- الفلسطيني- الاسرائيلي بعد اتفاقات أوسلو.

انهيار اتفاقات أوسلو

الملك حسين واسحق رابين يتصافحان بحضور كلينتون
الملك حسين واسحق رابين يتصافحان بحضور كلينتون / Photo Rex/HH

كما هو الحال في القرارين 242 و 338، لم تستند اتفاقيات أوسلو إلى القانون الدولي. وكان المسار التفاوضي غامضاً، مثله مثل الهدف النهائي (ومع ذلك، لم يكن بقدر آمال الفلسطينيين: إقامة دولة مستقلة في الضفة الغربية و قطاع غزة، وهي نسبة 22٪ من فلسطين التاريخية، مع القدس الشرقية عاصمة لها، وإيجاد حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين). وفي ظل هذه الظروف، كان الطرف الأقوى في وضع فرض تأويلاته على الاتفاقات الأساسية. ومن أجل سد الثغرات، وُضع اقتراح مفصل صيغ ضمن المفاوضات غير الرسمية بين محمود عباس ويوسي بيلين (وثيقة بيلين – أبو مازن بتاريخ 31 تشرين الأول/أكتوبر 1995).

معاهدة السلام بين إسرائيل والأردن

كانت عملية أوسلو بالنسبة للأردن العقبة الأخيرة في وجه إبرام اتفاق سلام مع إسرائيل. وبالفعل، توصل البلدان في الثمانينات إلى اتفاق حول الإجراءات (اتفاقي لندن بتاريخ 11 نيسان/أبريل 1987). وفي 14 أيلول/سبتمبر 1993، بعد يوم واحد من توقيع “إعلان المبادئ” تم الإعلان عن جدول الأعمال الأردني الإسرائيلي المشترك. وأخيراً، وبحضور الرئيس كلينتون، في 26 تشرين الأول/أكتوبر 1994، تم توقيع معاهدة السلام بين إسرائيل والأردن في وادي عربة (إسرائيل)، على مقربة من الحدود مع الأردن (راجع أيضاً إعلان واشنطن بتاريخ 25 تموز/يوليو 1994).

المفاوضات الإسرائيلية السورية

منظر لبحيرة طبريا من مرتفعات الجولان المحتلة Photo Magnum/HH
منظر لبحيرة طبريا من مرتفعات الجولان المحتلة Photo Magnum/HH

تعثرت كافة المفاوضات مع سوريا منذ “مدريد”، رغم كل محاولات الوساطة الأميركية (اجتماع بين الرئيس كلينتون والرئيس السوري حافظ الأسد في 16 يناير/كانون الثاني 1994 في جنيف، وزيارة كلينتون لدمشق في 27 تشرين الأول/أكتوبر 1994، وثلاث جولات من المحادثات الإسرائيلية السورية في اتفاقية واي ريفر (ميريلاند) بين 27 كانون الأول/ديسمبر 1995 و3 آذار/مارس 1996، ومحادثات في واشنطن في 15 و 16 كانون الأول/ديسمبر 2000، ومحادثات شيبردستاون (غرب فيرجينيا) من 3 إلى 17 كانون الثاني/يناير 2000، وأخيراً لقاء كلينتون والأسد في جنيف في 26 آذار/مارس 2001).

مقابل اتفاق سلام، طالبت سوريا في هذه المحادثات بالانسحاب الإسرائيلي الكامل من مرتفعات الجولان (وتفكيك المستوطنات اليهودية البالغ عددها 35 مستوطنة هناك). وعرضت إسرائيل، من جانبها، انسحاباً تدريجياً على مراحل، يعتمد على الخطوات التي تتخذها سوريا في سبيل تطبيع العلاقات بين البلدين. وأصرت إسرائيل على الاحتفاظ بالسيطرة الكاملة على الجزء السوري من شاطئ بحيرة طبريا، وبالتالي السيطرة القانونية على البحيرة، وفرضت شروطاً تتعلق بالوضع المستقبلي لهضبة الجولان (منطقة منزوعة السلاح، ومحمية طبيعية). بالنسبة لسوريا كانت – ولا تزال – هذه الشروط غير مقبولة. وفي عام 2008، مهدت تركيا لمحادثات غير مباشرة بين إسرائيل وسوريا، توقفت بعد الهجوم واسع النطاق الذي شنته إسرائيل على قطاع غزة في كانون الأول/ديسمبر من نفس العام.

نظراً إلى النفوذ السوري القوي في لبنان، لم يبرم بعد أي اتفاق سلام بين إسرائيل ولبنان منذ “مدريد”. وفي 24 أيار/مايو 2000، تحت ضغط المقاومة المسلحة لحزب الله ومنظمات أخرى، انسحبت إسرائيل من جانب واحد من الأراضي اللبنانية، التي احتلتها منذ غزوها الأول في آذار/مارس 1978 (قرار مجلس الأمن الدولي رقم 425 بتاريخ 19 مارس 1978).

مذكرة واي ريفر

Arafat, Clinton and Ehud Barak at Camp David in July, 2000 / Photo The New York Times/HH
عرفات وكلينتون وإيهود باراك في كامب ديفيد في تموز/يوليو 2000
Photo The New York Times/HH

حدث تقدم قليل على المسار الإسرائيلي الفلسطيني. استمرت أعمال البناء في المستوطنات اليهودية بوتيرة متسارعة، نتج عنها نمو كبير في عدد المستوطنات من حيث الحجم وعدد المستوطنين خلال المرحلة الانتقالية التي استمرت خمس سنوات. وانتظم حشد الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية و قطاع غزة من جديد عوض الانسحاب. وتدهورت الحالة الاقتصادية، وأخذت التوترات السياسية في التصاعد مجدداً. وأدى ذلك إلى تصعيد العنف (إطلاق نار، وهجمات انتحارية، وعمليات قتل خارج نطاق القضاء). وعاجلاً، صار تدخل الولايات المتحدة ضرورياً لمنع انهيار عملية أوسلو (بروتوكول الخليل بتاريخ 15 كانون الثاني/يناير 1997، ومذكرة واي ريفر بتاريخ 23 تشرين الأول/أكتوبر 1998).

كان المجلس الوطني الفلسطيني في ذلك الوقت أزال بالفعل آخر العقبات الرسمية أمام التوصل إلى اتفاق، مثل تعديل ميثاقه، وإلغاء جميع المواد المعادية لإسرائيل (الميثاق الوطني الفلسطيني (المعدل) بتاريخ 26 نيسان/أبريل 1996، رسالة عرفات – كلينتون بتاريخ 13 كانون الثاني/يناير 1998). وبعد انتهاء المرحلة الانتقالية رسمياً بتاريخ 4 أيار/مايو 1999، طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك (حزب العمل) بدء مفاوضات الوضع النهائي (مذكرة شرم الشيخ بتاريخ 4 أيلول/سبتمبر 1999)، لكن ذلك لم يكسر الجمود.

كامب دافيد الثانية

نظم الرئيس كلينتون لقاء قمة في كامب ديفيد بين باراك وعرفات من 11 إلى 25 تموز/يوليو 2000، في محاولة أخيرة للتوصل إلى اتفاق شامل قبل انتهاء ولايته. وفشلت هذه المفاوضات أيضاً في تحقيق نتائج، وذلك بسبب سوء التحضير والضغط؛ لأن الحد الأقصى الذي كان على إسرائيل تقديمه لا يفي بالحد الأدنى من مطالب الفلسطينيين (بيان كلينتون – باراك المشترك بتاريخ 19 تموز/يوليو 1999، وبيان قمة كامب ديفيد الثلاثية بتاريخ 25 تموز/يوليو 2000). وفيما بعد، اتفق الخبراء والمشاركون في المفاوضات على إلقاء اللائمة، عن دون استحقاق، على عرفات في فشل المحادثات.

جرت محادثات غير رسمية في طابا (مصر) من 18 إلى 28 كانون الثاني/يناير 2001، استناداً إلى معايير كلينتون، وثّق نتائجها الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي ميغويل موراتينوس (وثيقة موراتينوس، آب/أغسطس 2001)، ولكنها أتت متأخرة جداً مما أفقدها أي تأثير. وفوق ذلك، منذ 28 أيلول/سبتمبر 2000، اندلعت انتفاضة أخرى في الضفة الغربية وقطاع غزة، مما أدى إلى تصعيد العنف. وبحلول ذلك الوقت، كان عدد متزايد من الفلسطينيين قد أثار علامات استفهام كبيرة بالفعل فيما يتعلق بالإستراتيجية السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية/السلطة الوطنية الفلسطينية في عملية أوسلو. ونتيجة لذلك، اكتسبت حماس، المعارض القوي لأوسلو من البداية، دعماً سياسياً.

حرب إسرائيل وحزب الله عام 2006

في منتصف عام 2000، اضطرت القوات الإسرائيلية إلى الانسحاب من معظم أراضي جنوب لبنان بسبب الخسائر المتصاعدة التي تجرعتها على يد حزب الله. عام 2000، غادر آخر الجنود الإسرائيليين الأراضي اللبنانية – رغم أن حزب الله مازال يطالب بمزارع شبعا بوصفها أرض لبنانية لا تزال تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي.

ظل الوضع في منطقة الحدود متوتراً بعد ذلك. بينما كان حزب الله يتحرك في التلال والقرى جنوب الحدود، اعتقدت إسرائيل أنها في مأمن بفضل ما لديها من تكنولوجيات الدفاع الحدودية الفائقة، والمدعمة بأحدث أجهزة الاستشعار الذكية ومحطات الأسلحة الأوتوماتكية والدوريات الدائمة. ولكن لطالما أثبتت الحرب أنه ليس من المحبذ الاعتماد على الأنظمة الآلية المتطورة وحسب؛ فمن الخطأ التقليل من شأن إبداع العقل البشري الذي له من الحيلة ما لا تصل إليه الآلة البكماء. وعام 2006، استهانت إسرائيل بحزب الله.

عام 2005 أعلن الجنرال دان حالوتس، أعلى سلطة عسكرية إسرائيلية، عن مبدأ قواته المسلحة: “نريد أن نكون أول من يعرف، وأول من يفهم، وأول من يقرر، وأول من ينفذ”. ووفق “مفهوم العمليات” هذا، أصبح بإمكان جيش الدفاع الإسرائيلي اختيار الوقت والمكان للتدخل بحزم ضد جميع الأعداء، بما في ذلك حزب الله. وقال حالوتس: ” يتيح لنا التدريب والتكنولوجيا فرصة شن الهجوم على الإرهابيين وقائياً بمجرد اقترابهم من الحدود اللبنانية”.  أظهرت تصريحات حالوتس قدراً كبيراً من الثقة.

كمين حزب الله

يتيح لنا التدريب والتكنولوجيا فرصة شن الهجوم على الإرهابيين وقائياً بمجرد اقترابهم من الحدود اللبنانية”.  أظهرت تصريحات حالوتس قدراً كبيراً من الثقة.
غير أن هذه الثقة انهارت مع تمكن مغاوير حزب الله في 12 تموز/يوليو عام 2006 من اختراق حاجز التكنولوجيا الفائقة على الحدود اللبنانية وتخريب إحدى الكاميرات. وعندما اقتربت دورية إسرائيلية تم استدعاؤها من جهاز الاستشعار العاطل، انطبق الفخ. ولقي ثمانية جنود إسرائيليين مصرعهم في الكمين وأسر اثنين آخرين.

بعد أحداث هذا الكمين، أشار المعلقون العسكريون الإسرائيليون إلى أن الحدود ذات التكنولوجيا الفائقة كانت بمثابة ‘خط ماجينو’، وأن القوات المسلحة الإسرائيلية كانت تثق بها أكثر من اللازم. ولم يقتصر هذا “التفاؤل التقني” على وسائل الدفاع على الحدود وحسب، بل امتد أيضاً إلى برنامج الصياد (Tzayad)، الرقمنة الكاملة للجيش. وشكا جنرالات إسرائيل أن الميزانية المخصصة لمثل هذه البرامج الوهمية دائماً ما تكون على حساب تمويل البرامج التدريبية العادية.

ردة الفعل الإسرائيلية

Israeli Merkava tank (2009) / Photo idf-armor.blogspot.com
دبابة ميركافا إسرائيلية (2009)
Photo idf-armor.blogspot.com

من وجهة نظر تكتيكية، يُعد هذا الكمين الذي نفذه حزب الله نجاحاً. وقد تلاه المزيد. فعلى سبيل المثال، واجهت وحدة المشاة الإسرائيلية النخبة Egoz (البذرة، بالعربية)، المتخصصة بحرب العصابات، مقاومة شديدة عندما عبرت الحدود تحت جنح الظلام لاحتلال بلدة بنت جبيل. ومن الواضح أن مقاتلي حزب الله كانوا أيضاً مزودين بنظارات للرؤية الليلية، مما أتاح لهم تتبع صفوف الجنود الإسرائيليين مع اقترابهم. واستغرق الاستيلاء على القرية ثلاثة أيام رغم أنها على بعد بضعة كيلومترات من الحدود. وقد استخدم حزب الله الصواريخ المضادة للدبابات على نطاق واسع، وألحقوا أضراراً بدبابات ميركافا الإسرائيلية، التي يعتبرها بعض المحللين الأفضل في العالم.

لم يلبث أن بدأ الرد الإسرائيلي العنيف. فشرع سلاح الجو الإسرائيلي في قصف معقل حزب الله في بيروت. وتحولت المناطق المجاورة إلى أنقاض. وتمكنت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية من تحديد موقع أكبر مَنصّات إطلاق الصواريخ العائدة لحزب الله. وتمكنت طائرات من طراز F-16 وF-15 من تدمير هذه المنصات في مرحلة مبكرة. ولم تسقط صواريخ في قلب إسرائيل.

في مثال آخر على عدم استعداد إسرائيل، لم تتمكن القاذفات المقاتلة، والرادارات المضادة للمدفعية، والمدفعية، والمركبات الجوية بدون طيار، من إيقاف أو حتى التصدي  لوابل الصواريخ الأصغر التي وصلت إلى الأراضي الإسرائيلية، والتي بلغت أكثر من 200 في اليوم – حتى المرحلة الأخيرة من الحرب. وانفجر معظمهما دون التسبب بأضرار. لكن عدة آلاف مواطن إسرائيلي هربوا إلى الأجزاء الجنوبية من البلاد، نتيجة الهجمات الصاروخية.

مازال الجدل قائماً حول إذا ما كانت جرأة حزب الله قد حققت نجاحاً استراتيجياً. وبعد وقف إطلاق النار (14 آب/أغسطس)، ثبت أن 250 من مقاتلي حزب الله لقوا مصرعهم، وليس أقل من 1200 من المدنيين اللبنانيين. وأصيبت البنية التحتية بأضرار جسيمة. كما لقي 121 إسرائيلي مصرعهم.

عودة إلى الأعلى

خارطة الطريق

19 March 2003, Moscow (l to r): Quartet special envoy Tony Blair, US Secretary of State Hillary Clinton, Russian Foreign Minister Sergei Lavrov, UN Secretary-General Ban Ki-moon and EU Foreign Policy Chief Catherine Ashton / Photo Gamma/HH
19 آذار/مارس، موسكو (من اليسار إلى اليمين): توني بلير (مبعوث اللجنة الرباعية الخاص)، وهيلاري كلينتون (وزير خارجية أمريكا)، وسيرجي لافروف (وزير خارجية روسيا)، وبان كيمون (الأمين العام للأمم المتحدة)، وكاترين أشتون (رئيسة السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي)
Photo Gamma/HH

بعد انهيار “أوسلو” واندلاع الانتفاضة الثانية، تحول تركيز المبادرات السياسية الأمريكية تجاه إسرائيل والفلسطينيين إلى إدارة الصراع. وقد دعا تقرير ميتشل في 30 نيسان/أبريل 2001 إلى وقف العنف، وتجميد كل النشاط الاستيطاني، وتعزيز تدابير بناء الثقة، واستئناف المفاوضات. وأكدت خطة تينيت في 13 حزيران/يونيو 2001 على التعاون الأمني بين إسرائيل وقوات الأمن العائدة للسلطة الوطنية الفلسطينية. إلى حد كبير، ينطبق نفس الشيء على خارطة الطريق للسلام في الشرق الأوسط، وهي خطة من ثلاث مراحل، بدأت في 30 نيسان/أبريل 2003 تحت إشراف “اللجنة الرباعية” (الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، والأمم المتحدة). وتمت المصادقة على الخطة في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1515 بتاريخ 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2003.

في المرحلة الأولى من خارطة الطريق، كان على الفلسطينيين إيقاف جميع أعمال العنف ونزع سلاح الجماعات المتورطة فيها. وكان على إسرائيل ضبط النفس عسكرياً ضد “الانتفاضة” وتجميد عمليات بناء المستوطنات اليهودية. خلال المرحلة الثانية، يتم تنظيم مؤتمر عالمي وإقامة دولة فلسطينية “بحدود مؤقتة”. وفي المرحلة الثالثة تبدأ المفاوضات حول الأوضاع النهائية لعدد من القضايا (الحدود، والقدس، والمستوطنات، واللاجئين). على أن تحسم هذه المفاوضات قبل نهاية 2005.

وافق الفلسطينيون على خارطة الطريق، رغماً عنهم.  وكذلك فعلت إسرائيل. غير أن الحكومة الإسرائيلية قدمت ما لا يقل عن 14 تحفظاً (التحفظات الإسرائيلية على خارطة الطريق بتاريخ 25 أيار/مايو 2003). وقُدمت الخطة لمجلس الأمن الدولي. وبدعم من الولايات المتحدة، أقر مجلس الأمن قراراً أكد فيه “رؤية منطقة تعيش فيها دولتان، إسرائيل وفلسطين، جنباً إلى جنب ضمن حدود آمنة ومعترف بها” (قرار مجلس الأمن الدولي 1397 بتاريخ 12 آذار/مارس 2002). وكانت هذه هي المرة الأولى التي تلتزم فيها الولايات المتحدة رسمياً بإقامة دولة فلسطينية مستقلة.

رغم مباغتتها بالتطورات الحاصلة على أرض الواقع – الانتفاضة، واستمرار بناء المستوطنات، وبناء ما يسمى بالجدار، وعدم الوفاء بالموعد النهائي المقرر في 2005 – إلا أن اللجنة الرباعية الدولية أعادت مراراً تأكيد التزامها بخارطة الطريق.

مبادرات أخرى

الملك عبد الله
الملك عبد الله

oslo accords the geneva accordنظراً إلى دعم العديد من الأطراف القوية، ألقت خارطة الطريق، بعد إطلاقها، بظلها على العديد من المبادرات الأخرى التي اعتمدت جميعها على مقاربة الدولتين. مثال على ذلك مبادرة الأمير عبد الله ولي عهد المملكة العربية السعودية التي صادقت عليها جامعة الدول العربية أثناء قمتها في بيروت (مبادرة السلام لجامعة الدول العربية بتاريخ 28 آذار/مارس 2002). ومثل خطة فهد لعام 1981، طالبت بـ “الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي المحتلة منذ 1967” (الضفة الغربية شاملة القدس الشرقية، وقطاع غزة، ومرتفعات الجولان)، وإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، و “حل عادل” لقضية اللاجئين. وعلى خلاف خطة فهد، عرضت الدول العربية على نحو واضح في المقابل “تطبيع العلاقات مع إسرائيل” في سياق سلام شامل. وقد أكدت جامعة الدول العربية هذه المبادئ مجدداً في قمتها في الرياض (المملكة العربية السعودية) في 29 آذار/مارس 2007.

نسيبة وآلون

مثال آخر وثيقة نسيبة – آلون بتاريخ 27 تموز/يوليو 2002، على اسم الأكاديمي الفلسطيني سري نسيبة ورئيس المخابرات الإسرائيلية السابق عامي آلون. وكانت عناصرها الرئيسية: “دولتان لشعبين”، دولة فلسطينية في الضفة الغربية و قطاع غزة على أساس حدود 1967 (مع “تعديلات على الحدود”، أي ضم الكتل الاستيطانية الكبرى)، و “القدس عاصمة الدولتين”، وعودة اللاجئين “لدولة فلسطين فقط”.

اتفاقية جنيف

تم تسليط المزيد من الأضواء على اتفاقية جنيف بتاريخ 12 تشرين الأول/أكتوبر 2003، التي وضعها الوزير الإسرائيلي السابق (يوسي بيلين)، وشخصية بارزة في منظمة التحرير الفلسطينية/السلطة الوطنية الفلسطينية (ياسر عبد ربه). وكانت العناصر الرئيسية للاتفاقية: تنازل الفلسطينيين عن حق العودة، على أن تكون لهم حرية الإقامة في الدولة الفلسطينية المقامة حديثاً، وإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة على أساس حدود 1967 مع تعديلات الحدود الناتجة عن ضم الكتل الاستيطانية الكبيرة (الذي يعوّض عنها بالأراضي التي كانت جزءً من إسرائيل في 1948-1949)، وجعل القدس بأكملها عاصمة غير مقسمة للدولتين، وإنما منقسمة إدارياً بين اليهود والفلسطينيين، وحماية دولية للأماكن المقدسة.

الانسحاب من غزة

Israeli army in Gaza in 2004
الجيش الإسرائيلي في غزة عام 2004

لتحرير نفسها من السيطرة المباشرة لعدد كبير من الفلسطينيين وتعزيز قبضتها على الضفة الغربية، قررت حكومة الليكود الإسرائيلية برئاسة آرييل شارون فك الارتباط من جانب واحد من قطاع غزة (خطة شارون لفك الارتباط أحادية الجانب في كانون الثاني/يناير 2005). تلا ذلك انسحاب إسرائيلي في آب/أغسطس 2005. وعلى الرغم من الانسحاب، واصلت إسرائيل فرض السيطرة المباشرة على قطاع غزة. وبموجب القانون الدولي، ظلت إسرائيل القوة المحتلة.

في 15 آب/أغسطس، قال شارون أنه على الرغم من أمله بإبقاء إسرائيل على مستوطنات غزة، إلا أن الواقع حتّم العكس: “اتخاذ هذه الخطوة أمر خارج عن الإرادة وليس ضعفاً”. تم الإعلان عن دوافع إسرائيل بالانسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة برسالة شفوية من مكتب رئيس الوزراء. وفق الرسالة، ليس لإسرائيل شريك فلسطيني ثقة للتفاوض معه، وتعتقد أن الانسحاب من غزة سيؤدي إلى وضع أمني أفضل. ومن جهة أخرى، كان يعني الانسحاب أيضاً بأن المدن والقرى في الضفة الغربية ستبقى جزءً من إسرائيل.

جرى الانسحاب الإسرائيلي في آب/أغسطس. ورغم الانسحاب، استمرت إسرائيل بفرض سيطرة مباشرة على قطاع غزة. ووفق القانون الدولي، بقيت إسرائيل القوة المحتلة.

الجدار

Construction of the Wall in the West Bank
بناء الجدار في الضفة الغربية

عام 2004، اعتبرت محكمة العدل الدولية في لاهاي في رأيها الاستشاري (رأي محكمة العدل الدولية الاستشاري بتاريخ 9 تموز/يوليو 2004) بناء جدار الفصل الإسرائيلي في الضفة الغربية (“الجدار”) خارج ما يسمى بـ “الخط الأخضر” انتهاكاً للقانون الدولي. وإنه لابد من هدم هذا الجزء من الجدار ودفع تعويضات للفلسطينيين عن أي ضرر لحق بهم من جرائه. وعلاوة على ذلك، أعلنت محكمة العدل الدولية عدم شرعية المستوطنات اليهودية.

في الشهر التالي، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة (150 مقابل 6، وامتناع 10 أعضاء عن التصويت) قراراً دعت فيه إسرائيل “القوة المحتلة” إلى الوفاء بالتزاماتها القانونية على النحو المذكور في الرأي الاستشاري (القرار الخاص برأي محكمة العدل الدولية الاستشاري بشأن الجدار بتاريخ 2 آب/أغسطس 2004). وحتى يومنا هذا، لم تمتثل إسرائيل. واستمرت أعمال بناء “الجدار” بوتيرة متسارعة.

أنابوليس

لقاء الرئيس الأمريكي جورج بوش مع محمود عباس في واشنطن عام 2008
لقاء الرئيس الأمريكي جورج بوش مع محمود عباس في واشنطن عام 2008

قبل بضعة أشهر من حكم محكمة العدل الدولية، كان الرئيس الأمريكي جورج بوش قد كتب لرئيس الوزراء شارون أن الولايات المتحدة قد تقبل احتفاظ إسرائيل ببعض المستوطنات: “في ضوء الحقائق الجديدة على أرض الواقع، ومن ذلك المراكز السكانية الإسرائيلية الكبيرة القائمة بالفعل [المستوطنات اليهودية]، فإنه من غير الواقع توقع أن تكون نتيجة مفاوضات الوضع النهائي عودة كاملة إلى خطوط الهدنة لعام 1949” (رسائل بوش – شارون بتاريخ 14 نيسان/أبريل 2004).

في تشرين الثاني/نوفمبر 2007، مع قرب انتهاء فترة رئاسته، نظم بوش قمة في أنابوليس (ميريلاند) بغية إحياء خارطة الطريق. وإلى جانب إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية/السلطة الوطنية الفلسطينية، حضرت اللقاء دول عربية رئيسية. وكانت النتيجة تعهد بالتوصل إلى اتفاق بشأن القضايا الرئيسية قبل نهاية عام 2008 (مؤتمر أنابوليس 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2007). سلسلة من المفاوضات السرية تلت ذلك، وإنما دون التوصل إلى أية نتائج ملموسة. في كانون الثاني/يناير 2011، تم تسريب مضمون المفاوضات ونشرها باسم “أوراق فلسطين”.

الانقسام الفلسطيني الداخلي

جدول زمني: في الانتخابات الثانية للمجلس التشريعي الفلسطيني، في كانون الثاني/يناير 2006، فازت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بنسبة 44,5 ٪ من الأصوات، أي ما يعادل 74 مقعداً من إجمالي 132 مقعداً في المجلس، منها 29 مقعداً وفقاً لنظام التمثيل النسبي، وما لا يقل عن 45 مقعداً في الدوائر الانتخابية. أما حركة فتح، أهم قوة سياسية في صفوف الفلسطينيين آنذاك، فقد حصلت على نسبة 41,4٪ من الأصوات، أي ما يعادل 45 مقعداً: 25 بموجب نظام التمثيل النسبي و 17 في الدوائر الانتخابية. وفي الانتخابات، ترأس إسماعيل هنية قائمة حماس تحت شعار “التغيير والإصلاح”. وقد عينه الرئيس الفلسطيني محمود عباس رئيساً للوزراء في 29 آذار/مارس 2006. لكن في 14 حزيران/يونيو من العام التالي، قام عباس بعزل هنية في ذروة الاشتباكات الداخلية في قطاع غزة بين قوات حماس وفتح، وكانت نتيجتها أن آلت السيطرة الكاملة على قطاع غزة إلى حماس.

أدى هذا الصراع الحاد إلى شلل أداء المؤسسات الفلسطينية. وقام عباس بتعيين سلام فياض رئيساً للوزراء، بعد أن كان وزيراً للمالية. ولكن المجلس التشريعي الفلسطيني، بأغلبية حماس، لم يوافق على هذا التعيين وظل معترفاً بهنية رئيساً للوزراء.

بسبب النزاع، بدت جلسات المجلس التشريعي والانتخابات الجديدة لرئاسة الجمهورية (2009) وانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني (2010) معلقة إلى أجل غير مسمى، وقد زاد الانقسام الداخلي الفلسطيني من تعقيد المفاوضات مع إسرائيل، فصارت شبه متوقفة تماماً.

Advertisement
Fanack Water Palestine