كانت أصول الصهيونية الحديثة في روسيا، في ما يسمى بـ "مناطق الاستيطان"، وهي منطقة في روسيا القيصرية كان اليهود يجبرون على العيش فيها.
المقدمة
في العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر، ازدادت شعبية حركة في الأوساط اليهودية في أوروبا تدعم عودة اليهود من الشتات إلى أرض إسرائيل. وكانت أصول الصهيونية الحديثة في روسيا، في ما يسمى بـ “مناطق الاستيطان”، وهي منطقة في روسيا القيصرية كان اليهود يجبرون على العيش فيها. اندلعت في هذه المنطقة سلسلة من الهجمات (المذابح) على اليهود، وقد كانت الحكومة الروسية تتغاضى عنها، إن لم تكن توحي بها، لإلهاء سخط الفلاحين الروس على الحكم.
وقد أسفرت المذابح عن رحيل ما لا يقل عن 1,5 مليون يهودي روسي، هاجر معظمهم إلى الولايات المتحدة. ولكن مجموعات صغيرة من اليهود الشباب، معظمهم من الطلاب، تطلعوا إلى الاستيطان في فلسطين. وقد وجدوا الإيحاء في كتاب ابن جلدتهم بينسكر Y.L. Pinsker، “التحرر الذاتي”، نشر عام 1881، والذي أوحى بفكرة استعادة أرض إسرائيل. فأسسوا عدة مستوطنات زراعية بدعم مالي من اليهود المحسنين في أوروبا الغربية، بما في ذلك المصرفي الفرنسي إدموند دوروتشيلد.
في تسعينات القرن التاسع عشر، نشر الصحفي اليهودي النمساوي تيودور هرتزل، كتابه “الدولة اليهودية”، والذي وضع فيه الفكر السياسي للصهيونية. كما كان هرتزل القوة الدافعة وراء المؤتمر الصهيوني الأول، الذي عقد في بازل، سويسرا، حيث رأت المنظمة الصهيونية العالمية النور. وقد قررت المنظمة الصهيونية العالمية عام 1903، النضال لإقامة وطن لليهود في فلسطين. في البداية دعمت المنظمة بناء مستوطنات على نطاق صغير في فلسطين وركزت في نفس الوقت على تنظيم حركة صهيونية عالمية.
بين عامي 1900 و 1918، ارتفع عدد المستوطنات اليهودية في فلسطين من 19 إلى 47، في ذلك الوقت، كان عدد سكان فلسطين حوالي 700,000 نسمة، أكثر بقليل من 10% منهم من اليهود. وبعد وفاة هرتزل المبكرة عام 1904، أصبح حاييم وايزمان، مهاجر يهودي روسي في لندن، الزعيم والإيديولوجي الأكثر نفوذاً للمنظمة الصهيونية العالمية.
في آب عام 1914، اندلعت الحرب العالمية الأولى في أوروبا بين القوى المركزية (ألمانيا، والنظام الملكي المزدوج النمسا وهنغاريا، والإمبراطورية العثمانية) والحلف الثلاثي (بريطانيا العظمى، فرنسا، روسيا). وقد حولت مشاركة العثمانيين، والتي قررتها القسطنطينية في مرحلة متأخرة جداً (تشرين الثاني/نوفمبر عام 1914)، منطقة سوريا الكبرى (بلاد الشام) إلى ساحة حرب.
عانت المنطقة بشكل كبير، ليس فقط من الخراب الذي سببه القتال الفعلي، وإنما أيضاً بسبب المجاعات والأوبئة التي قضت على السكان في بعض أجزاء من البلاد، والتدابير القاسية التي اتخذها العثمانيون ضد الفلسطينيين الذين كانوا يشتبه بهم بأنهم من القوميين العرب. ووقعت ثلاث معارك رئيسية على خط غزة- بئر السبع. وبعد شهر واحد، دخل القائد البريطاني الجنرال السير إدموند اللنبي القدس. وفي العام التالي، تمت السيطرة على ما تبقى من فلسطين من قبل الحلفاء، وبدأ الحكم العسكري البريطاني على المنطقة.