وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مبادرة السلام العربية في عداد الموتى

باتت مبادرة السلام العربية، التي اقترحها السعوديون في مارس 2002 لحل الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي في عداد الموتى.

Specials- Mohammed bin Salman
فلسطينيون يستعدون لإشعال النار في علم إسرائيل وصور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال احتجاج على السياج الحدودي مع إسرائيل ، في شرق خان يونس جنوب مدينة غزة ، 13 أبريل 2018. Photo AFP

باتت مبادرة السلام العربية، التي اقترحها السعوديون في مارس 2002 لحل الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي في عداد الموتى. فقد تم الإعلان عن المبادرة لأول مرة في قمة الجامعة العربية في العاصمة اللبنانية بيروت، حيث اعتبرها العديد من المراقبين الغربيين عرضاً يصعب على إسرائيل رفضه.

كانت بنود المبادرة بسيطة: ستقيم الدول العربية علاقاتٍ دبلوماسية كاملة مع إسرائيل مقابل قيام دولة فلسطينية على طول حدود الأراضي المحتلة منذ عام 1967. وللحصول على موافقة إسرائيل، تبنت مبادرة السلام العربية موققاً متبايناً تجاه حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وهو شرطٌ يعتبره أكثر من 4 ملايين فلسطيني يعيشون في المنفى غير قابلٍ للتفاوض.

وبعد مرور ستة عشر عاماً، بات مصير مبادرة السلام العربية الفشل بعد أن طلب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من الفلسطينيين “قبول السلام” أو الصمت. فقد أدلى ولي العهد بملاحظاته هذه في اجتماعٍ عُقد في مارس 2018 في نيويورك مع المنظمات اليهودية الأمريكية. وتابع قوله بأن القضية الفلسطينية لم تعد أولويةً للمملكة بسبب القضايا الأكثر إلحاحاً في المنطقة.

فقد قالت نادية حجاب، وهي رئيسة شبكة السياسات الفلسطينية “الشبكة،” لفَنَك، إن غالبية الفلسطينيين لم يفاجأوا بتصريحات محمد بن سلمان، نظراً لمسار النظام السعودي الجديد. وأضافت أن أي آمالٍ متبقية بحصول السلطة الفلسطينية على الدعم السياسي قد تلاشت الآن.

فقد قالت لنا في رسالةٍ عبر البريد الإلكتروني “كان [التصريح] بمثابة ناقوس خطرٍ بالنسبة للقيادة الفلسطينية لإعادة بناء مصادر قوتها من الداخل.” وأضافت “ينبغي أن تتثمل خطواتهم الأولى بإنهاء التنسيق الأمني مع إسرائيل، والتعلم من إخفاقات الماضي، فضلاً عن التحالف مع المجتمع المدني [الفلسطيني].”

ويعتقد خبراء آخرون أن مصير مبادرة السلام العربية كان مُقدرٌ لها الفشل منذ لحظة إعلانها. فقد رفضها أرييل شارون، رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، بالمجمل. وفي وقتٍ لاحق، رحب خليفته إيهود أولمرت، بالاقتراح إلا أنه جادل بأن على الفلسطينيين تقديم المزيد من التنازلات.

إلا أن القادة الفلسطينيين، الذين سئموا من اتفاقياتٍ أوسلو الفاشلة، تساءلوا عما يمكن تقديمه من تنازلاتٍ أخرى محتملة. وكتب الدكتور جودت بهجت، مدير دراسات الشرق الأوسط في جامعة أنديانا، أن إسرائيل اعتقدت أنها تستطيع تطبيع العلاقات مع العالم العربي في الوقت الذي تستطيع فيه إجبار الفلسطينيين على التخلي عن كفاحهم من أجل إقامة دولة.

وفي نهاية المطاف، نجح رهان إسرائيل. فلم تبني إسرائيل المزيد من المستوطنات غير القانونية فحسب، بل أجرت أيضاً محادثاتٍ علنية وسرية على حد سواء مع دول الخليج مثل المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة.

وأشار الصحفي رمزي بارود إلى أن إسرائيل لطالما سعت إلى توقيع اتفاقات سلامٍ مع الدول العربية لإنهاء عزلتها الإقليمية، بدلاً من مناقشة تسويةٍ سلمية مع الفلسطينيين. وقال إن تلك الإستراتيجية كانت حجر الأساس في سياسة إسرائيل الخارجية منذ تأسيس الدولة اليهودية.

فبدايةً، تم توقيع معاهدة السلام مع مصر في 26 مارس 1979، ليتم بعدها اغتيال الرئيس المصري أنور السادات على يد حركة الجهاد الإسلامي المصرية بعد عامين لتوقيعه على المعاهدة. ثم جاء اتفاق السلام مع الأردن، الذي وقعته إسرائيل والملك حسين في 23 أكتوبر 1994.

واليوم يبدو تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل وشيكاً. ويتمثل دافع المملكة الرئيسي للقيام بذلك بخلق تحالفٍ ضخم ضد إيران، العدو اللدود لكلا البلدين.

وقال ياكوف نايجل، المستشار الأمني السابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لصحيفة التلغراف البريطانية اليومية، إن المملكة العربية السعودية مستعدة للتوقيع على أي اتفاقات سلامٍ إسرائيلية- فلسطينية مهما كانت غير مواتية للفلسطينيين.

وأضاف “كان ينبغي عليهم [السعوديين] فقط القول بأن هناك اتفاقاً بين إسرائيل والفلسطينيين، فهم لا يهتمون ولا يبالون بطبيعة ما سيكون عليه الاتفاق، كانوا بحاجة فقط للقول إن هناك اتفاقاً من أجل اتخاذ الخطوات المقبلة”.

غير أنه يشكك بقدرة المملكة العربية السعودية امتلاك ما يكفي من النفوذ لإجبار السلطة الفلسطينية على قبول اتفاق السلام. وقد صرّح مسؤولون فلسطينيون أنهم سيقاومون أي ضغوطاتٍ من الرياض من شأنها إجبارهم القبول بصفقةٍ تنحرف عن بنود مبادرة السلام العربية.

وبالفعل هذا ما فعله الرئيس الفلسطيني محمود عباس عندما زار محمد بن سلمان في ديسمبر 2017. وأفادت الأنباء أن ولي العهد أخبر عباس بأن يقبل بإتفاقٍ أسوأ من جميع المقترحات التي حاولت الولايات المتحدة الأمريكية، الحليف الأكثر قرباً من اسرائيل، التوسط بها في الماضي.

وقال مسؤولون فلسطينيون وعرب وأوروبيون لصحيفة نيويورك تايمز إن محمد بن سلمان اقترح تسويةً سلمية من شأنها أن تمنح الفلسطينيين سيطرةً محدودة على مناطق غير متجاورة في الضفة الغربية.

وعلاوة على ذلك، سيتم حرمان الفلسطينيين من القدس الشرقية كعاصمةٍ لدولتهم، بينما ستبقى جميع المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية قائمةً، كما لا يحق للاجئين الفلسطينيين في الدول العربية المجاورة العودة إلى ديارهم. وعندما سُئل عما إذا كانت السعودية ستطرح الخطة بالفعل، رفض المسؤولون في المملكة التعليق.

وبالطبع، هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها الضغط على الفلسطينيين للقبول بصفقةٍ خاسرة. فمنذ أن فر الفلسطينيون أو طُردوا من ديارهم عام 1948، لم تعترف إسرائيل مطلقاً بفكرة التنازل عن السيادة الكاملة لهم.

وأوضحت نادية حجاب أنه “بعد توقيع اتفاقات أوسلو، أوضح إسحاق رابين- الذي وصف بصانع السلام العظيم- أنه أياً كان الاتفاق الذي أبرم مع الفلسطينيين، فإنه لن يكون هناك دولة فلسطينية ذات سيادة، وأن إسرائيل ستحتفظ بالسيطرة الأمنية.”

وبالتالي، كانت مبادرة السلام العربية أكثر عرضٍ مقبولٍ قُدم للفلسطينيين في السنوات الأخيرة، بالرغم من أنها حدّت من حق العودة للاجئين الفلسطينيين. ولطالما أشار محمود عباس إلى مبادرة السلام العربية باعتبارها أفضل إطارٍ لضمان التوصل إلى سلامٍ عادل.

ولكن اليوم، ومع تزايد تقارب محمد بن سلمان من الجانب الاسرائيلي، يُزعم أن الأخير أقل ميلاً لقبول تسوية سلامٍ من أي وقتٍ مضى في التاريخ الحديث.

وبالرغم مما ذكر آنفاً، لا تزال الولايات المتحدة الأمريكية تزوّد إسرائيل بأكثر من 3 مليارات دولار سنوياً من المساعدات العسكرية، بينما تواصل المستوطنات غير القانونية توسعها دون أي تبعاتٍ من قِبل المجتمع الدولي. كما نقلت الولايات المتحدة سفارتها إلى القدس في 14 مايو 2018، وهو نفس اليوم الذي شهد أطلاق الجيش الإسرائيلي النار على ما لا يقل عن 60 متظاهراً سلمي في غزة مما تسبب في مقتلهم.

خلاصة القول هي أن جميع التحركات السابقة الذكر وضعت المسمار الأخير في نعش مبادرة السلام العربية.

Advertisement
Fanack Water Palestine