وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

وثيقة حماس الجديدة: ما بين البراغماتية السياسية والتحديات الإقليمية (2017)

كما اكدت الوثيقة مجموعة من المبادئ التي لا حيد عنها، ومنها انه لا اعتراف بحق إسرائيل في فلسطين، وأنه لا تنازل عن أي جزء من أرض فلسطين. ولكن في نفس الوقت، لا تعارض حماس إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس على خطوط الرابع من يونيو 1967، وأن عودة اللاجئين والنازحين إلى ديارهم التي أخرجوا منها هي "صيغة توافقية وطنية مشتركة."

Hamas charter Khaled Meshal
رئيس المكتب السياسي لحماس، خالد مشعل، يعرض الوثيقة السياسية الجديدة في الدوحة، قطر، الاول من أيار 2014

كشفت حماس النقاب عن وثيقة سياسية جديدة، تخفف من خلالها موقفها تجاه اسرائيل بقبولها بفكرة قيام دولةٍ فلسطينية على الأراضي التي احتلتها اسرائيل في حرب عام 1967. أعلن الوثيقة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، في مؤتمرٍ صحفي من العاصمة القطرية، الدوحة، في الأول من مايو 2017.

وقال مشعل أن الوثيقة، التي استغرق اعدادها أربع سنوات، تهدف لأن تعكس “المبدأ التوجيهي لحماس وتواكب الحقائق الجديدة الناشئة فى مجتمعنا الفلسطيني وصراعنا مع اسرائيل وفي العالم الخارجي.”

وعلى الرغم من أنه من غير الواضح إذا ما كانت الوثيقة الجديدة ستحل محل ميثاق حماس القديم، الذي يعود تاريخه إلى أغسطس 1988، إلا أن الوثيقة الجديدة خضعت لتغييرات جوهرية. ومع ذلك، وكما قال عزام التميمي، مؤلف كتاب، حماس… فصولٌ لم تكتب، “لم يكن مشعل مقنعاً. لو كنت أحد مسؤولي حماس، لن أقبل سوى ببيانٍ واضح يعلن أن الوثيقة الجديدة تلغي الميثاق القديم.”

تعبر الوثيقة الجديدة بوضوحٍ تام عن عددٍ كبير من أدبيات ومواقف حماس السياسية غير الموثقة في السنوات الأخيرة. ومما لا شك فيه أن حركة المقاومة الإسلامية حماس، التي تسيطر على قطاع غزة منذ عام 2007، نشأت بفكر حركة الاخوان المسلمين العالمية، ولكن مع حالة التطور وحالة الخصوصية التي تعيشها حماس في فلسطين، بدأت الحركة في تقنين فكرها وتحديد ملامح أيدولوجيتها السياسية، ومجال أنشطتها على المحاور الرئيسية الاربع: الدعوية، والخيرية، والمقاومة العسكرية، والعمل السياسي، لذا ومع مرور الزمن، نأت حماس بنفسها عن حركة الاخوان المسلمين.

أثارت الوثيقة الجديدة، التي نشرتها قناة الميادين الإخبارية بتاريخ 2 ابريل 2017، سجالاً كبيراً بين المثقفين، ما بين من اعتبرها تحولاً كبيراً في الفكر السياسي للحركة، وبين من قلل من شأنها، وفي ذات الوقت فتحت المجال ايضاً لمقارنة خطوة حماس الحالية، بالخطوة التي أقدمت عليها فصائل منظمة التحرير، وخاصة حركة فتح، التي تسيطر اليوم على الحكومة في الضفة الغربية، على تعديل الميثاق الوطني الفلسطيني عام 1996.

خروج الميثاق القديم ودخول الجديد حيز التنفيذ

الانتقاد الأساسي الذي وجهه إلى ميثاق حماس القديم هو اعتماده بشكل عام على التنظير الإيديولوجي ذي الطابع الدعوي الاسلامي، وافتقاده للمواد السياسية والقانونية الواضحة المعالم. فقد تم صياغة الميثاق القديم من قبل مجموعة من الدعويين الإسلاميين، الذين يفتقرون إلى الحس والتجربة السياسية بشكل أساسي، وجل مطالبهم كانت المقاومة على أساس فريضة الجهاد، ورفض علمانية الدولة، وتبني الإسلام كمنهج حياة.

ومن ناحية عملية، يمكن القول بأن حركة حماس تجاوزت بالفعل منذ سنوات طويلة ميثاقها القديم، وذلك منذ دخولها انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006، وبالتالي وضعت نفسها ضمن الإطار السياسي العام للنظام السياسي الفلسطيني وافرازات اتفاقية اسلو، على الرغم من رفض الوثيقة الجديدة لإتفاقية أسلو، التي كانت تهدف إلى التوصل إلى حل سلمي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بشكلٍ صريح، ولكن دخول حماس المعترك السياسي والانتخابات التشريعية اعتبر أنذاك تحولاً جذريا لحركة حماس في البعد عن التنظير الإيديولوجي الدعوي، والتحاقها بالموكب السياسي.

تعتبر الوثيقة الجديدة، التي تحتوي على 42 بنداً، موزعة على 11 فصلاً، مراجعةً معاصرة لمعتقدات وأهداف حماس. فقد تناولت بشكل واضح موقف الحركة من جميع القضايا السياسية، ومنها تعريف وماهية الحركة والشعب الفلسطيني وقضية القدس، واللاجئين والعودة، والموقف من الاحتلال الإسرائيلي، والتسوية السلمية، والمقاومة، وعلاقتها بالأمة العربية والإسلامية، والقوى الإقليمية والدولية، بالإضافة الى موقفها من قرارات المؤسسات الدولية. وهو أمرٌ واضحٌ أشد الوضوح من خلال اللغة المستخدمة. بينما كانت أولى نقاط انتقاد الميثاق القديم هو اتهام حماس بشكل مباشر بمعاداة السامية، في حين أن الوثيقة الجديدة أكثر اعتدالاً بشكلٍ ملحوظ، وتحاول بالضبط توضيح من هو عدو حماس.

وقال التميمي أنّ هذا أحد أهم جوانب الوثيقة. وأضاف “يعتبر تصحيحاً للخطأ الكبير الذي ارتكب في الميثاق القديم، الذي يصف الصراع بأنه صراع أديان بين المسلمين واليهود. وتؤكد الوثيقة الجديدة أن الصراع مع الاحتلال الصهيوني وليس اليهود.” حركة حماس تُعرف نفسها في الوثيقة الجديدة، بأنها “حركة تحرر ومقاومة وطنية فلسطينية إسلامية،” حيث تم تقديم النزعة الوطنية على المرجعية الإسلامية، وهي بالتالي تهدف لتحرير فلسطين من الاحتلال وليس إقامة الامة والخلافة الإسلامية كما كان يشاع عنها في السابق.

كما اكدت الوثيقة مجموعة من المبادئ التي لا حيد عنها، ومنها انه لا اعتراف بحق إسرائيل في فلسطين، وأنه لا تنازل عن أي جزء من أرض فلسطين. ولكن في نفس الوقت، لا تعارض حماس إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس على خطوط الرابع من يونيو 1967، وأن عودة اللاجئين والنازحين إلى ديارهم التي أخرجوا منها هي “صيغة توافقية وطنية مشتركة.” ومن ناحية أخرى، تقبل الوثيقة بوجود كيان دولة آخرى خارج هذه الحدود، حتى وإن لم تذكر إسرائيل.

الوثيقة الجديدة لحماس التي تم عرضها على لجنة قانونية ونشرت باللغتين العربية والانجليزية، احتوت على مجموعة من الرسائل لجميع الاطراف، حيث يمكن القول بأن حماس استطاعت ان تمسك العصا من المنتصف. فقد أوعزت لمؤيديها الأيديولوجيين بأن حماس ما زالت ترفض الاعتراف بإسرائيل ولم تتنازل عن حق الفلسطينيين في فلسطين التاريخية. أما الرسالة الموجه للسلطة وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، فكانت الإقرار والتأكيد من قبل حماس بأن منظمة التحرير هي الإطار الوطني الرسمي للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، مع ضرورة تطوير المنظمة وإعادة بنائها على أسس ديمقراطية، والايعاز بأن الموقف السياسي لحركة حماس الحالي قد اقترب كثيراً من البرنامج السياسي للمنظمة، وبالتالي لا وجود لخلاف سياسي جوهري بينهم.

رسالة مهمة وجهت أيضاً بأن حماس لا تربطها أي علاقة تنظيمية مع حركة الاخوان المسلمين، التي كانت مرتبطة بها ارتباطاً وثيقاً عندما أنشئت في عام 1987. ومن شأن ذلك أن يحسن العلاقات مع الحكومة المصرية للرئيس عبد الفتاح السيسي الذي أطاح بسلفه الإسلامي محمد مرسي في عام 2013، ومنذ ذلك الحين، قاد حملة دموية ضد الإخوان المسلمين.

هناك أيضاً رسالة مهمة وجهتها حماس للمجتمع الدولي، بأن حركة حماس هي حركة اسلامية وسطية وتنبذ الإرهاب، كما وجهت رسالة للمؤسسات الدولية وخاصة منظمة الأمم المتحدة بأهمية المساعدة في قيام الدولة الفلسطينية، وهو اعتراف ضمني بقرارات الأمم المتحدة، عدا قرار التقسيم الذي اعتبرته حماس بأنه بني على باطل.

أما الرسالة الأقوى كانت موجه نحو إسرائيل، حيث أكدت حماس عدم معارضتها للحل السلمي القائم على حل الدولتين بصيغة مباشرة. على الرغم من الصيغة الحذرة بأن ارض فلسطين هي حق للفلسطينيين ولكن حماس توافق على الاجماع الوطني بإيجاد حل سلمي ينتهي بحل الدولتين.

ردود الفعل المحلية والدولية

في ظل التطورات والتحولات المتراكمة المحلية والإقليمية، آثرت حماس الانصياع لنصائح الدول الصديقة، وخاصة تركيا وقطر، في تغيير الميثاق القديم. فحماس تسعى لترويج الوثيقة السياسية الجديدة، من اجل استجلاب دعم سياسي من قبل القوى الإقليمية والدولية، مما سوف يخدم القضية الفلسطينية في نهاية المطاف.

من جهتهم، رحب بعض كبار قادة حركة فتح، مثل جبريل الرجوب، بالوثيقة الجديدة معتبراً إياها تطوراً مهماً لموقف حماس السياسي وتقريباً للموقف السياسي الذي ينادي به فصائل المنظمة منذ سنوات طويلة. ومع ذلك، تبقى إمكانية التوصل لأنهاء الانقسام السياسي بين فتح وحماس على المحك لإدماج حركة حماس في المنظومة السياسية بشكل نهائي. بينما رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الوثيقة الجديدة قبل نشرها بالكامل، قائلاً أنها تشكل تهديداً لإسرائيل واعتبرها محاولةً لخداع العالم بأن حماس أصبحت أكثر اعتدالاً.

التحديات المستقبلية

بعد رئاسة دورتين متتاليتين، تم استبدال خالد مشعل، باسماعيل هنية كرئيسٍ لحركة حماس في 6 مايو 2017، حيث يواجه هنياً طريقاً ملؤه التحديات. فقد تفاقمت الحالة الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة الناجمة عن الحصار الإسرائيلي المستمر منذ عقد من الزمان منذ إعلان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بخصم جزء كبير من مرتبات موظفي السلطة في غزة في أبريل 2017.

كما يكمن تحدٍ آخر في انعكاس نتائج الانتخابات الداخلية لحركة حماس في قطاع غزة، التي أجريت في فبراير 2017، والتي اسفرت عن فوز القيادي العسكري الذي يُصف بالمتشدد يحيى السنوار لقيادة المكتب السياسي في قطاع غزة. الإشكالية تكمن في أن قيادة حماس الجديدة في القطاع، جلها من أصحاب مدرسة المقاومة العسكرية التي لا تؤمن بالحلول السياسية. ولهذا السبب بالتحديد، سيكون من المثير للاهتمام أن نرى ما إذا كانت الوثيقة الجديدة ستعلن موت ودفن الميثاق القديم أم لا.

Advertisement
Fanack Water Palestine