وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

القانون الدولي والجدار

استمر بناء الجدار منذ أن أصدرت محكمة العدل الدولية رأيها الاستشاري أن على إسرائيل التوقف مباشرةً عن بناء الجدار وإصلاح جميع الأضرار التي سببتها. وتبرز الحالة الراهنة التحديات الجيوسياسية المعقدة وصعوبة ترجمة الآراء القانونية إلى تغييرات ملموسة على أرض الواقع.

المقدمة

في كانون الأول/ديسمبر 2003، طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة من محكمة العدل الدولية في لاهاي إعطاء رأيها الاستشاري حول العواقب القانونية لبناء إسرائيل للجدار في فلسطين. في 9 تموز/يوليو 2004 صاغت المحكمة رأيها بأن (أولاً) على إسرائيل التوقف مباشرة عن بناء الجدار وأن تلغي أو تبطل كل التدابير المتخذة والتي تحدَ أو تعرقل بشكل غير قانوني ممارسة سكان الضفة الغربية لحقوقهم؛ (ثانياً) إسرائيل ملزمة بإصلاح كل الأضرار التي تسببتها.

الجدار

القانون الدولي والجدار
اضغط للتكبير أو حمّل نسخة pdf

قامت الحكومة الإسرائيلية منذ عام 1996 ببحث عدَة خطط لوضع حدَ لعمليات التسلل من الضفة الغربية. وقررت في 14 أبريل/نيسان 2002 إنشاء “حاجز فاصل” (فيما بعد الجدار) (قرار 64/ ب) في أعقاب الإنتفاضة الثانية التي شهدت ارتفاعاً حادَاً في عدد الهجمات الإرهابية (على المدنيين). وقد تم تأكيد وتحديد هذا القرار من خلال القرارات التي اتخذتها الحكومة الإسرائيلية في كل من 23 يونيو/حزيران 2002 و 14 أغسطس/آب 2002. وفي 1 أكتوبر/تشرين الأول 2003، وافقت الحكومة الإسرائيلية على مسار الجدار الكامل في قرارها رقم 883.

في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2003، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض/الفيتو ضد مشروع القرار المقدم إلى مجلس الأمن والذي يدين إقامة الجدار. وخلال الجلسة الخاصة الطارئة العاشرة التي عقدت يوم 27 أكتوبر/تشرين الأول 2003، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار ES-10/13 الذي “طالبت فيه بأن تقوم إسرائيل بوقف بناء الجدار في فلسطين وهدم ما بني منه، بما في ذلك القدس الشرقية وما حولها، والذي يعدّ انحرافاً عن خَط الهدنة لعام 1949 ويتعارض مع أحكام  القانون الدولي ذي الصلة”. كما طلبت أيضاً من الأمين العام تقديم تقرير دوري عن مدى الامتثال لهذا القرار.

في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2003 قدّم الأمين العام تقريره الأول (UNDoc A/ES-10/248)، حيث وصف فيه طبيعة ما أسماه بـ “الجدار” والمسار المقرر له، والذي يتألف جزئياً من منظومة أسيجة مزودة بأجهزة إستشعار الكترونية وخنادق وطرق للدوريات وحواجز من الأسلاك الشائكة، وجزئياً من جدران اسمنتية مسلحة، وبشكل خاص في المناطق التي تقع فيها تجمعات السكان الفلسطينيين على الحدود مع الأراضي الإسرائلية، مثل مدينتي طولكرم وقلقيلية وأجزاء من مدينة القدس. كما أشار إلى أن قدراً كبيراً من الجدار، كما هو مخطط له أو كما تم إنجازه بالفعل، ينحرف عن الخط الأخضر (خط الهدنة لعام 1949)، ويضم مستوطنات يهودية و/أو يشكّل جيوباً فلسطينية. كما يصف عواقبه الانسانية والاجتماعية والاقتصادية على سكان فلسطين.

بشكل خاص وصف وضع الفلسطينيين في الجيوب بأنه “قاس جداً” نظراً لفصلهم على الأغلب عن أراضيهم الزراعية ووضع عراقيل جمة في وجه وصولهم إلى الأسواق والخدمات. وفي ملاحظاته الختامية قال بأن إسرائيل لم تمتثل لطلب الجمعية العامة. وفي حين أقر تماماً بحق إسرائيل وواجبها في حماية شعبها من الهجـمات الإرهابية، إلا أنه تبنى وجهة النظر القائلة إن القيام بهذا الواجب لا ينبغي أن يتم بشكل يتعارض مع القانون الدولي ويمكن أن يلحق الضرر بآفاق السلام الطويل الأمد في المنطقة.

الموقف الإسرائيلي والفلسطيني

لخّص الأمين العام في ملحق التقرير (A/ES-10/248) الذي أصدره مواقف كل من حكومة إسرائيل و منظمة التحرير الفلسطينية. حيث بررت إسرائيل بناء الجدار على أنه حق مشروع في الدفاع عن النفس كما ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة وأعراف القانون الدولي، وادّعت أن هذا الجدار قد ساهم في تخفيض عدد الهجمــــات داخل البلاد.

أما في ما يتعلق بمسار هذا الجدار، فقد أعلنت أنه لا الخط الأخضر ولا خط الهدنة قد تم تثبيتهما كحدود دولية في أيَة وثيقة قانونية كانت، وأن الوضع القانوني لفلسطين مازال محلَ نزاع. كما نفت إسرائيل إمكانية تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة أو مواثيق حقوق الإنسان على هذه الأراضي؛ وبصورة عامة، فالتدابير المتخذة بخصوص سكان فلسطين كانت متناسبة ومتماشية مع متطلبات أمنها ووفقاً لما يتطلبه القانون الإنساني الدولي. كما شدَدت إسرائيل على الطابع المؤقت لهذا الإجراء.

من جهتها لم تنكر منظمة التحرير الفلسطينية حق إسرائيل في اتخاذ إجراءات لحماية مصالحها الأمنية المشروعة، لكنها أكدت أن مثل هذه التدابير يجب أن تتماشى مع القانون الدولي لحقوق الإنسان ومع القانون الإنساني. وبالتالي يمثّل بناء الجدار خرقاً لهذا القانون لأنه لا مبرر له من حيث وجود ضرورة عسكرية، كما أنه ليس متناسباً مع الغرض منه.

وأنه كان من الأرجح تحقيق هذا التناسب من خلال بناء الجدار داخل الأراضي الإسرائيلية أو حتى على الخط الأخضر وكذلك من خلال إجلاء الرعايا المدنيين الإسرائيليين المقيمين حالياً في الضفة الغربية المحتلة بشكل يتناقض مع القانون الدولي. ونتيجة للمسار الحالي المخطط له، يمثّل الجدار فرضاً لواقع ضم هذه الأراضي، مما يشكل بالتالي تدخلاً في حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.

الاستئناف أمام محكمة العدل الدولية

بعد الإطلاع على تقرير الأمين العام، أصدرت الجمعية العامة في 8 ديسمبر/كانون الأول 2003 قراراً جديداً (ES-10/14) تطلب فيه من محكمة العدل الدولية أن تبدي بصورة عاجلة رأياً استشارياً يتعلق بالسؤال التالي:

“ما هي العواقب القانونية الناشئة عن بناء الجدار من قبل إسرائيل، القوة المحتلة، في فلسطين، بما في ذلك القدس الشرقية وما حولها، كما ذكر في تقرير الأمين العام، مع الأخذ في الحسبان أحكام القانون الدولي ومبادئه، بما في ذلك اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة الوثيقة الصلة بالموضوع؟”

إن صلاحية محكمة العدل الدولية (فيما بعد “المحكمة”) في إبداء مثل هذا الرأي الاستشاري  منصوص عليها في المادة 65، الفقرة 1 من قانون النظام الأساسي للمحكمة؛ ووفقاً لهذه المادة “يمكن للمحكمة إبداء رأي استشاري حول أية مسألة قانونية بطلب من أيَة هيئة مخولة وفق ميثاق الأمم المتحدة بتقديم مثل هذا الطلب”. وتخوَل المادة 96، الفقرة 1 الجمعية العامة ومجلس الأمن صلاحية تقديم مثل هذا الطلب. ويمكن للمحكمة، ولأسباب مختلفة سيتم ذكرها لاحقاً، رفض الامتثال للطلب.

إن الرأي الاستشاري غير ملزم، وإنما له وزن كبير لأنه يتضمن تفسيراً رسمياً للقانون، كونه صادر عن “الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة” (مادة 92 من ميثاق الأمم المتحدة). في حال التقدم بطلب إبداء رأي استشاري، يمكن للدول الأعضاء في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة الإدلاء بإفادات خطيَة للمحكمة، وفي حال قررت المحكمة عقد جلسة علنية بشأن القضية، فيمكن الترافع شفوياً.

الإجراءات

ضمن المهلة التي حددتها المحكمة، أدلى 49 بلداً ومنظمة بإفادات كتابية. أما إسرائيل فتقدمت بإفادة خطية شاملة تحتوي على أكثر من 120 صفحة و 24 ملحقاً، ادعت فيها أن المحكمة لا تملك الصلاحية القضائية، وبأنها ـ ولأسباب قانونية – يجب أن تمتنع عن إبداء الرأي الاستشاري المطلوب بأي حال من الأحوال.

حثت عدد من الدول ـ نذكر منها بشكل خاص الولايات المتحدة (التي صوَتت ضدَ القرار ES 10/14) والدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي (التي امتنعت عن التصويت) – المحكمة على عدم إبداء الرأي الاستشاري المطلوب لأن ذلك “قد لا يساعد جهود الطرفين للبدء مجدداً بالحوار السياسي، ولذا فإنه غير مناسب” وقد يعرقل التقدم المحرز في تنفيذ عملية خارطة الطريق للوصول إلى حلَ دائم للدولتين. وعلى حين لم تنكر الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي أن بناء الجدار لا يتماشى والقانون الدولي (هذه الدول صوَتت لصالح القرار ES 10/13)، إلاَ أنها ارتأت أن رأي المحكمة غير مناسب لأسباب سياسية.

في الفترة من 23 إلى 25 فبراير/شباط 2004 تم عقد جلسات استماع قدم فيها ممثلو خمس عشرة دولة ومنظمة مرافعاتهم. ولم تشارك إسرائيل ولا الولايات المتحدة، اللتان كانتا ضد إصدار رأي استشاري من قبل المحكمة، في جلسات الاستماع هذه.

صلاحيات المحكمة

أصدرت المحكمة رأيها الإستشاري يوم 6 أيار/مايو 2004 (تقارير محكمة العدل الدولية 2004 ص 136 وما يليها). وقد تناول أولاً مسألة صلاحية المحكمة القضائية في إبداء رأي استشاري. فقد زعمت إسرائيل في هذا الصدد أنه لما كان مجلس الأمن يلعب دوراً نشطاً في معالجة الوضع في الشرق الأوسط، فإن الجمعية العامة قد تجاوزت حدود صلاحياتها لما طلبت من المحكمة إبداء رأيها في العواقب القانونية في بناء الجدار.

وقد رفضت المحكمة هذا الإدعاء؛ إن حقيقة أن توكل المادة 24 من الميثاق لمجلس الأمن المسؤولية “الأولى” في حفظ السلام والأمن الدوليين لا تعني أن تلك المسؤولية “حكر” عليه. وأشارت المحكمة إلى وجود نزعة متزايدة لدى الهيئتين الرئيسيتين للأمم المتحدة للتعامل بصورة متوازية مع نفس مسألة حفظ السلام والأمن الدوليين، وأن مجلس الأمن يميل على الأغلب إلى التركيز على تلك الجوانب لمثل هذه المسائل المتعلقة بالسلم والأمن الدوليين بالمعنى الضيق للكلمة، في حين أن للجمعية نظرة أوسع، آخذة بعين الاعتبار أيضاً الجوانب الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية (فقرة 27).

وارتأت المحكمة أن هذه الممارسة تتفق مع أحكام ميثاق الأمم المتحدة، وأن للمحكمة السلطة للنظر في القضية الراهنة.

الجوانب السياسية

كانت الحجة الأخرى التي أثيرت ضدَ صلاحية المحكمة أن الطلب الذي تم تقديمه إلى المحكمة لم يكن طلباً “قانونياً” كما هو منصوص عليه في الميثاق، وإنما طلب يغلب عليه الطابع “السياسي”.

وفي هذا الصدد اعتمدت المحكمة على قراراتها الصادرة سابقاً، وبالتحديد على أنه “أياً كانت الجوانب السياسية، لا يمكن للمحكمة رفض الإعتراف بالطابع القانوني لطلب يدعوها إلى تأدية مهمة قضائية في جوهرها، أي تقييم شرعية سلوك محتمل لدول من حيث قيامها بالالتزامات المفروضة عليها بموجب القانون الدولي… إن الطبيعة السياسية للدوافع التي يمكن القول إنها أثارت الطلب، والآثار السياسية التي يمكن أن تنجم عن الرأي الاستشاري لا علاقة لها بإثبات الصلاحية القضائية للمحكمة لإبداء مثل هذا الرأي.” (فقرة 41).

السلطة التقديرية

تتعلق المسألة الهامة الثانية المهمة فيما إذا كانت المحكمة تتصرف قضائياً بشكل حكيم ولائق بالرد على طلب الجمعية العامة. وفي هذا الصدد أشارت المحكمة إلى أنه بموجب المادة 65 من نظامها الأساسي فإن لديها سلطة تقديرية في رفض إبداء رأي استشاري حتى لو تمَ استيفاء الشروط القضائية، غير أن ردها على طلب ما “يمثّل مشاركتها في أنشطة المنظمة (منظمة الأمم المتحدة)، وهو طلب لا يجب رفضه من حيث المبدأ”. الأسباب المقنعة وحدها ينبغي أن تؤدي إلى رفض إبداء رأي استشاري من قبل المحكمة، وهذا ما لم تختبره المحكمة الحالية (فقرة 43).

بدون شك، ارتأت المحكمة أنه من المفيد معالجة الحجج المختلفة التي قدمتها عدة دول، لاسيما إسرائيل وعدد من أعضاء المجموعة الغربية. وتمثلت الحجة الأولى في أن المسالة كانت تشير إلى أمر يشكل في الواقع نزاعاً ثنائياً بين إسرائيل وفلسطين، وأن الطرفين لم يوافقا أبداُ على إيجاد تسوية قضائية لهذا النزاع (كما يتطلب النظام الأساسي)، ولكنهما وافقا على وجوب تسوية هذه القضايا عن طريق التفاوض. غير أن المحكمة ارتأت وجوب اعتبار بناء الجدار من ضمن الاهتمامات المباشرة للأمم المتحدة من حيث أن مصدر مسؤوليتها قائم على الانتداب و قرار التقسيم الصادر في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1947. ولذلك فأن المسألة تقع في إطار أوسع بكثير من كونها مجرد نزاع ثنائي (فقرة 50).

تمثلت الحجة الأخرى في أن رأي المحكمة الاستشاري قد يتدخل في عملية “خارطة الطريق” السياسية. غير أن المحكمة لم ترَ إمكانية أي تأثير لرأيها على هذه المفاوضات حيث أن المشاركين في محضر الجلسة أعربوا عن وجهات نظر مختلفة في هذا الصدد (فقرة 53).

كانت الحجة الثالثة التي أثيرت هي احتمال افتقار الرأي الاستشاري إلى أية غاية مفيدة طالما أن الجمعية العامة قد حددت مسبقاً العواقب القانونية من خلال مطالبتها إسرائيل بوقف بناء الجدار وهدم ما بني منه. فلماذا إذن تحتاج الجمعية العامة إلى رأي قانوني في هذا الصدد؟ إلا أن المحكمة ارتأت أنه لا يمكنها استبدال تقييمها حول مدى فائدة الرأي المطلوب بتقييم الهيئة التي طالبت به، أي الجمعية العامة، وأن الأمر كان عائداً للجمعية لتحديد الاستنتاجات التي ينبغي لها أن تستخلصها من رأي المحكمة. علاوة على ذلك، رأت المحكمة أن الجمعية لم تحدد بعد كل العواقب المحتملة لقرارها الخاصَ (فقرة 62 ).

كانت الحجة الأهم التي قدمت للمحكمة بشأن احتمال رفض ممارسة صلاحيتها القضائية هي افتقارها إلى الحقائق والأدلة اللازمة التي تمكنها من الوصول إلى استنتاجاتها. ولقد قيل في هذا الشأن، ولاسيما من قبل إسرائيل، إن المحكمة لا يمكنها إبداء الرأي في قضايا تثير تساؤلات حول واقع لا يمكن توضيحه دون الإستماع إلى كل أطراف النزاع، وإن أحد هذه الأطراف (إسرائيل) كانت قد رفضت معالجة جوهر القضية. ومع ذلك ارتأت المحكمة أن الملف الذي لديها كان يتضمن معلومات وأدلة كافية لتمكينها من إبداء الرأي الاستشاري المطلوب منها. كما أشارت المحكمة إلى أن حقيقة قيام الآخرين بتقييم هذه الحقائق أو تفسيرها بطريقة ذاتية أو سياسية لا يمكن أن تتخذ ذريعة لتخلي المحكمة عن أداء مهمتها القضائية (الفقرة 58).

وبعبارات أخرى، فإن رفض دولة ما تزويد المحكمة بمعلومات تعدها تلك الدولة ضرورية لا يمثل سبباً لعدم قيام المحكمة بوظيفتها. ومما لا شك فيه، كان الإفتقار المزعوم لدليل حقيقي أساسي وكاف هو الحجة الرئيسية المستخدمة ضدَ الرأي الاستشاري في حال صدوره.

هكذا رأت المحكمة (بالإجماع) أنها ليس فقط تملك الصلاحية القضائية، وإنما أيضاً عدم وجود أسباب مقنعة (14 صوتاً مقابل صوت واحد) تدفع بالمحكمة إلى استخدام سلطتها التقديرية لعدم إبداء الرأي المطلوب (فقرة 65).

التحليل الواقعي

بعد ذلك اتجهت المحكمة إلى معالجة جوهر السؤال المطروح من قبل الجمعية العامة. أشارت المحكمة أولاً أن جزءً من الجدار قد بني أو تم التخطيط  لبنائه على الأراضي الإسرائيلية؛ ولما كان السؤال يشير بوضوح إلى “الجدار الذي يتم بناؤه في فلسطين“، فإن المحكمة لن تدرس العواقب القانونية الناجمة عن بناء ذلك الجزء من الجدار. كما أشارت المحكمة إلى أنه، قبل معالجة العواقب القانونية لبناء الجدار ‘داخل’ فلسطين، عليها أولاً تحديد إذا ما كان التشييد بحدَ ذاته يشكل انتهاكاً للقانون الدولي.

ثم قدمت المحكمة تحليلاً للوضع القانوني لهذه الأراضي. فأشارت إلى الانتداب على فلسطين بعد الحرب العالمية الأولى وانتهائه سنة 1948. ثم وضعت رسماً بيانياً موجزاً لإعلان استقلال إسرائيل والنزاع المسلح بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، وكذلك اتفاقات الهدنة لعام 1949 التي كان من بين نتائجها رسم الخط الأخضر. كما أشارت المحكمة إلى حرب حزيران/يونيو عام 1967 (المعروفة في الغرب بحرب الأيام الستة) التي احتلت فيها إسرائيل كامل الأراضي التي كانت تشكل فلسطين تحت الإنتداب، وخاصة تلك الأراضي الواقعة إلى الشرق من الخط الأخضر والمعروفة في الوقت الحاضر بالضفة الغربية.

ومن ثم وصفت المحكمة، بصورة مقتضبة أيضاً، الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل، ولا سيما القانون الأساسي الصادر بتاريخ 30 يوليو/تموز 1980 والذي تم فيه إعلان القدس “الكاملة والموحدة” عاصمة لإسرائيل، وإدانة هذا القانون من قبل مجلس الأمن بوصفه انتهاكاً للقانون الدولي، ومعاهدة السلام سنة 1994 بين إسرائيل والأردن، واتفاقات 1993 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية.

أشارت المحكمة أنه وفق القانون الدولي المعمول به، تعتبر الأراضي محتلة عندما “تقع فعلياً تحت سلطة جيش معاد” أثناء نزاع مسلح أو نتيجة له، وأن إسرائيل احتلت سنة 1967 الضفة الغربية أثناء نزاع مسلح؛ ولذلك فإن إسرائيل في وضع قوة محتلة في هذه الأراضي وأن الأحداث اللاحقة لم تغير شيئاً في هذه الوضعية (فقرة 78).

الشرعية: القوانين والمبادئ

بعد تقديم تحليل واقعي لمسار الجدار كما تم تحديده من قبل الحكومة الإسرائيلية وآثاره الحالية والمحتملة على سكان الضفة الغربية، قامت المحكمة بتحديد القواعد والمبادئ المتعلقة بتقييم شرعية التدابير التي اتخذتها إسرائيل. وأولى هذه المبادئ هي أن “أي اكتساب لأراضٍ نتيجة التهديد أو استخدام القوة لا يمكن إقراره بوصفه عملاً قانونياً (الجمعية العامة ـ قرار 2625 (XXV) بتاريخ 24 أكتوبر / تشرين الأوَل 1970)؛ ويتعلق المبدأ الثاني بتقرير الشعوب لمصيرها، إلى جانب مبادئ وأحكام القانون الدولي الإنساني التي نصَت عليها مختلف المعاهدات المتعلقة بقانون الحرب، ولا سيما إتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 ذات الأهمية البالغة لأنها تعنى بحماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب.

وبالرغم من أن إسرائيل طرف في هذه المعاهدة، إلا أنها كانت دائماً ترفض تطبيقها على الضفة الغربية، لأن الأخيرة لم تكن تنتمي أبداً من الناحية القانونية إلى الأردن، الطرف الآخر في النزاع وفي الإتفاقية أيضاً، والتي كانت تسيطر فعليَاً على الضفة الغربية بين 1948 و1967. واعتباراً من عام 1967، أصبحت تلك قضية ساخنة متنازعاً عليها بين إسرائيل والأمم المتحدة، ولذلك كان من المهم للغاية أن تستخلص المحكمة بشكل لا لبس فيه إلى أن اتفاقية جنيف الرابعة يمكن تطبيقها على أيَ أرض محتلة في حال وقوع نزاع مسلح بين طرفين من أطراف هذه الإتفاقية، وذلك بغض النظر عن مسألة ما إذا كانت تلك الأراضي تشكل، وبصفة قانونية، جزءً من الطرف الآخر (الأردن) قبل إندلاع النزاع (الفقرة 101).

حقوق الإنسان

آخر حزمة من القواعد والمبادئ التي حددتها المحكمة هي تلك الواردة في اتفاقيات حقوق الإنسان. وهنا أيضاً، كانت إسرائيل ترفض على الداوم تطبيق تلك المبادئ على الضفة الغربية، لأن المقصود من معاهدات حقوق الإنسان في رأيها هو حماية المواطنين من حكوماتهم الخاصة، ولذلك فإن هذه الإتفاقيات تنطبق فقط على داخل الدولة وليس خارج أراضيها؛ وبالإضافة إلى ذلك فإن وجهة النظر الإسرائيلية ترى أنها تنطبق فقط في أوقات السلم، في حين ينطبق القانون الإنساني في أوقات الحرب.

وفي هذا الصدد، كررت المحكمة ما أوردته سابقاً في رأيها الاستشاري حول ‘شرعية التهديد أو استخدام الأسلحة النووية (1996)’، أي أن الحماية التي توفرها معاهدات حقوق الإنسان لا تتوقف في حالة نشوب نزاع مسلح. وفيما يتعلق بادعاء إسرائيل بأن معاهدات حقوق الإنسان تنطبق فقط داخل أراضيها، وجدت المحكمة أن هذه المعاهدات ليس الغرض منها السماح للدول بالتهرب من التزاماتها عندما تمارس سلطتها خارج ترابها الوطني. ولما كانت إسرائيل تفرض سلطاتها على الضفة الغربية منذ أكثر من 37 سنة، فإنه يجب اعتبار معاهدات حقوق الإنسان قابلة للتطبيق داخل فلسطين (فقرة 122).

الشرعية: تطبيق الوقائع

من ثم تابعت المحكمة في تحديد ما إذا كان تشييد الجدار فيه انتهاك للأحكام والمبادئ التي رأتها قابلة للتطبيق. وهكذا طبقت الأحكام على الحقائق. وعندما قامت المحكمة بذلك لم يكن في وسعها تجنب الخوض في المسألة الشائكة المتعلقة بشرعية المستوطنات اليهودية. وبهذا تطرقت المحكمة إلى مسألة شرعية المستوطنات اليهودية؛ فأشارت إلى أن المسار المتعرج للجدار قد تم رسمه بطريقة ضمت تلك المنطقة الواقعة بين الخط الأخضر والجدار (المنطقة المسماة بالمنطقة المغلقة)، أي معظم المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية (بما في ذلك القدس الشرقية). ثم أشارت المحكمة بعد ذلك إلى المادة 49، الفقرة 6، من اتفاقية جنيف الرابعة: “يجب على القوة المحتلة ألا تقوم بترحيل أو نقل عدد من سكانها المدنيين إلى داخل الأراضي التي تحتلها”. وبهذا فإن المحكمة استخلصت إلى أن المستوطنات اليهودية التي تم إنشاؤها تشكل انتهاكاً للقانون الدولي (فقرة 120).

ثم واصلت المحكمة بالإشارة إلى أن المنطقة المغلقة تضم أكثر من 16%  من أراضي الضفة الغربية، وأنه بعد إتمام بناء الجدار العازل فإن 80% من المستوطنين، أي نحو 320 ألف يهودي سيستوطنون تلك المنطقة إضافة الى 237 ألف فلسطيني، في حين أن 160 ألف فلسطيني آخرين سيقيمون في مجتمعات مطوقة بالكامل تقريباً. وتستخلص المحكمة إلى أنه على الرغم من التأكيد الإسرائيلي بأن الجدار له طابع مؤقت ولذلك لا يمكن احتسابه ضماً، إلا أن بناءه والنظام المرتبط به يخلقان “أمراً واقعاً” على الأرض، ومن المحتمل أن يستمر، وبذلك يعادل الضم بحكم الأمر الواقع (فقرة 121).

كما أن المسار الذي تم اختياره قد يساهم في المزيد من التغيرات في الوضع الديموغرافي ورحيل الفلسطينيين من عدة مناطق. ولهذا فإن بناء الجدار لا يمثل فقط تعبيراً آخر عن التدابير غير القانونية التي أقدمت عليها إسرائيل بشأن القدس (الضم) والمستوطنات، ولكنه أيضاً يعيق بشدة ممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير مصيره، وهو ما يشكل خرقاً للالتزام المترتب على إسرائيل بإحترام ذلك الحق (فقرة 122).

القانون الدولي الإنساني

ثم قامت المحكمة بتطبيق عدد من أحكام القانون الدولي الإنساني ووثائق حقوق الإنسان على الحقائق. وبناء على المعلومات المقدمة إليها، استنتجت المحكمة، من بين استنتاجات أخرى، أن بناء الجدار الفاصل أدى إلى تدمير الممتكات أو الاستيلاء عليها، وإلى فرض قيود كبيرة على حرية تنقل السكان في فلسطين، الأمر الذي يتناقض مع الالتزامات المترتبة على إسرائيل بموجب القانون الإنساني. وكمثال على ذلك ذكرت قلقيلية، وهي مدينة يقطنها 40 ألف نسمة، والتي يطوقها الجدار بالكامل، ولا يمكن لسكانها دخولها أو مغادرتها إلاَ عبر حاجز عسكري يفتح من الساعة 7:00 صباحاً إلى الساعة 19:00 مساءً.

ونتيجة لبناء الجدار، أشارت المحكمة أيضاً إلى العوائق التي تحول دون ممارسة الحق في العمل والصحة والتعليم والمستوى المعيشي اللائق، كما تنص عليه مختلف معاهدات حقوق الإنسان. وأشارت المحكمة إلى أن القانون الإنساني الدولي المعمول به يتضمن أحكاماً تخوّل الأخذ في الاعتبار الضرورات العسكرية في بعض الظروف المعينة، إلا أنها اعتبرت التدابير المتخذة لم تقتضِ القيام بعمليات عسكرية على نحو قاطع؛ كما أن المحكمة لم تقتنع على وجه العموم بأن المسار المحدد الذي تم اختياره للجدار كان ضرورياً لتحقيق أهداف إسرائيل الأمنية  (فقرة 135).

حق إسرائيل في الدفاع عن النفس

ثم تناولت المحكمة مسألة ما إذا كان بناء الجدار يمكن تبريره من خلال حق إسرائيل الطبيعي في الدفاع عن النفس (كما ادعت إسرائيل) أو كحالة ضرورية في ضوء الهجمات الارهابية العشوائية التي تنطلق من الضفة الغربية ضدَ سكانها. واعترفت المحكمة بحق إسرائيل، وبواجبها بالطبع، في الردَ على هذه الأعمال لحماية حياة مواطنيها، إلا أنها أشارت إلى وجوب انسجام التدابير المتخذة مع القانون الدولي.

ولم تعتبر المحكمة حق الدفاع عن النفس قابلاً للتطبيق (استنتاج مثير للجدل إلى حد ما، حتى داخل المحكمة نفسها). (الفقرة 139).

كما أن المحكمة لم تقتنع بأن تشييد الجدار على طول المسار الذي تم اختياره كان الوسيلة الوحيدة للحفاظ على مصالح إسرائيل ضدَ الخطر الذي ذكرته كمبرر لذلك البناء (الفقرة 140). وكان الاستنتاج النهائي بأن بناء الجدار والنظام المرتبط به يتعارضان مع القانون الدولي (فقرة 142).

حكم المحكمة

بعد التوصل إلى إستنتاج أن بناء الجدار، والنظام المرتيط به، مخالف لاستنتاج القانون الدولي، أصبح بإمكان المحكمة أن تجيب أخيراً على السؤال الذي طرحته الجمعية العامة والمتعلق بالعواقب القانونية لانتهاك إسرائيل لإلتزماتها القانونية. وفي هذا الصدد، وجدت المحكمة أولاً أن على إسرائيل التوقف فوراً عن تشييد الجدار وأن تلغي أو تبطل كل التدابير المتخذة والتي تحدَ أو تعرقل بشكل غير قانوني ممارسة سكان الضفة الغربية لحقوقهم؛ ووجدت المحكمة من ناحية ثانية أن إسرائيل ملزمة بإصلاح كل الأضرار التي تسببتها.

علاوة على ذلك، وجدت المحكمة أن كل الدول الأخرى ملزمة بعدم الاعتراف بالوضع غير القانوني الناتج عن تشييد الجدار وعدم تقديم يد المساعدة أو الدعم للإبقاء على الوضع الناشئ عن هذا التشييد. أما بالنسبة للأمم المتحدة، وخاصة مجلس الأمن والجمعية العامة، فينبغي على هذه الهيئات أن تنظر في ماهية الإجراءات الإضافية اللازمة لوضع حدَ للوضع غير القانوني الناجم عن بناء الجدار.

أخيراً، دعت المحكمة كلاً من إسرائيل و فلسطين إلى التقيد بدقة بإلتزاماتهما بموجب القانون الإنساني، حيث “حماية حياة المدنيين أحد أهدافه السامية”، كما حثت المحكمة الأمم المتحدة على مضاعفة جهودها للوصول إلى حلَ سريع وتفاوضي للصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني (فقرة 163).

من الجدير بالذكر أن كل النتائج تقريباً التي أصدرتها المحكمة قد تم اعتمادها بالإجماع وبنزاهة، وتحديداً بأغلبية أربعة عشر صوتاً مقابل صوت واحد. حيث ارتأى القاضي الأمريكي أنه كان على المحكمة أن تمارس سلطتها التقديرية وأن ترفض إبداء الرأي الاستشاري المطلوب. وتبعاً لذلك، كان عليه أيضاً أن يصوَت بشكل جوهري ضدَ كل النتائج التي خرجت بها المحكمة، نظراً لأن الإمتناع عن التصويت (ولعله كان الأنسب) غير ممكن بموجب القانون الأساسي للمحكمة. إلاَ أنه أعرب صراحة بأن تصويته السلبي “لا ينبغي اعتباره انعكاساً لوجهة نظره بأن تشييد الجدار (…) لا يثير تساؤلات جديَة بوصفه مسألة تتعلق بالقانون الدولي”.

كما شعر بأن المحكمة لم يكن أمامها القواعد الواقعية الضرورية “للأحكام الكاسحة” التي أصدرتها، مع أنه يتفق مع الكثير مما ورد في الرأي الاستشاري. كما انتقد المحكمة (وشاركه في ذلك ثلاثة قضاة آخرين) على الأكثر لأنها لم تدرس بجديَة طبيعة الهجمات الارهابية القادمة من فلسطين وتأثيرها على إسرائيل وعلى شعبها؛ وارتأى أن مصداقية الرأي الاستشاري كانت ستصبح أقوى لو كانت المحكمة أخذت في عين الاعتبار بشكل كاف المخاوف الإسرائلية المشروعة.

القرار رقم A/ES-10/15

أصدرت المحكمة رأيها الاستشاري في 6 أيار/مايو2004. اجتمعت الجمعية العامة في الفترة ما بين 16 إلى 20 يوليو/تمَوز 2004 لدراسة هذا الرأي ومناقشته. وفي نهاية المداولات اعتمدت الجمعية العامة القرار رقم A/ES 10/15 الذي “أقرّت” فيه بالرأي الاستشاري الذي قدمته المحكمة وطالبت إسرائيل بأن تمتثل للالتزامات القانونية التي حدَدها الرأي الاستشاري. وقد تم اعتماد القرار بأغلبية 150 صوتاً مقابل 6 وامتناع 11 عن التصويت. وكان من بين الذين صوتوا ضدَ القرار إسرائيل والولايات المتحدة، أما الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي فقد صوَتت لصالح القرار على الرغم من بعض التحفظات فيما يتعلق بعدد من الفقرات التي تضمنها الرأي الاستشاري للمحكمة، ولا سيما بشأن حق الدفاع عن النفس.

في الفقرة 4 النافذة المفعول من القرار ES-10/15 طلبت الجمعية العامة من الأمين العام تحضير سجل بالأضرار التي تعرض لها كل الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين الذين لهم الحق بالتعويض وفقاً للفقرات المتعلقة بذلك في الرأي الاستشاري. وبعد تقديم تقرير الأمين العام، أنشأت الجمعية العامة “سجل الأمم المتحدة للأضرار التي سببها بناء الجدار في فلسطين (UNRoD)”، وذلك بموجب القرار ES-10/17 (الذي اعتُمد بأغلبية 162 صوتاً مقابل 7 أصوات، وامتناع 7 عن التصويت)، بتاريخ 15 ديسمبر/كانون الأول 2006. تدير هذا السجل لجنة ثلاثية تتكون من خبراء تم تعيينهم نظراً لكفاءاتهم الشخصيَة (من فنلندا واليابان والولايات المتحدة الأمريكية)، ومقرها الرئيسي في مقر الأمم المتحدة في “فيينا”. وتتمتع اللجنة بصلاحيات مطلقة في تحديد إدراج المطالبات بالضرر في السجل.

حكم المحكمة الإسرائيلية العليا

هذا وقد علقت المحكمة العليا الإسرائيلية إلى حد كبير في سياق حكمها الصادر يوم 15 سبتمبر/أيلول 2005 على الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، وذلك في قضية الشكاوى التي رفعها عدد من الفلسطينيين ضدَ الحكومة الإسرائيلية. حيث رفضت المحكمة الرأي الصادر من محكمة العدل الدولية، وذلك لعدَة أسباب كان من أهمها استناد محكمة العدل الدولية على معلومات ووقائع غير دقيقة وغير كافية، وأنها لم تأخذ في الحسبان وبصورة ملائمة المبرر الأمني والعسكري للضرر الذي أصاب حقوق الفلسطينيين المقيمين.

وبالتالي، يبدو أن الفرق الرئيسي بين الموقف الذي اتخذته محكمة العدل الدولية وموقف المحكمة العليا الإسرائيلية يتمحور في الاختلاف في وجهة نظرهما حول شرعية المستوطنات اليهودية والعواقب الناتجة عن ذلك. وذكرت المحكمة العليا أنه “قد تم السماح للقائد العسكري ببناء جدار في المنطقة وذلك بهدف حماية حياة وسلامة كل شخص متواجد في المنطقة”، حتى وإن كان ذلك الشخص لا يندرج ضمن فئة ما يعرف بـ “الأشخاص المحميين” كما ورد في اتفاقية جنيف الرابعة، وإنما مستوطن يهودي. وحسب وجهة نظرها فإن المستوطنين أيضاً ينتمون إلى السكان المحليين الذين يجب حماية سلامتهم.

في سياق استنتاجها هذا لا ترى المحكمة العليا أنه من الضروري دراسة ما إذا كان النشاط الاستيطاني يتوافق مع القانون الدولي أو ينتهكه، ولذلك فهي لم تتخذ أيَ موقف تجاه هذه المسألة. ولكن تلك هي النقطة بالتحديد التي يتوقف عليها كل شيء، طالما في الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية تتوقف شرعية مسار الجدار، بما أنه يمتد إلى الشرق من الخط الأخضر إلى حد كبير عن الغرض منه لحماية المستوطنات غير القانونية داخل المنطقة المغلقة. وعلى العموم، تعتبر المحكمة العليا شرعية مسار الجدار أمراً مفروغاً منه.

وهي تدرس فقط، كل جزء على حدة، إذا كان هناك توازن نسبي بين الحاجة الأمنية ـ العسكرية وحقوق السكان المحليين، طالما أن مثل هذا التوازن، حسب رأيها، هو ما يحرّمه القانون الإنساني الدولي على الاحتلال العسكري. وعندما ترى عدم وجود هذا التوازن، حينها تأمر المحكمة السلطات بإعادة توجيه مسار الجدار، وقد قامت فعلاً بذلك في عدَة مناسبات. وحسب تصريح لممثل إسرائيل في الجمعية العامة سنة 2006، فإن المحكمة العليا نظرت أيضاً في 140 شكوى رفعها الفلسطينيون، وأمرت بدفع تعويضات بلغت نحو 1,5 مليون دولار أمريكي.

الوضع الحالي

القانون الدولي والجدار
اضغط على الصورة للتكبيرحمّل نسخة pdf

استمر بناء الجدار منذ أن أصدرت محكمة العدل الدولية رأيها الاستشاري. ووفقاً لتقرير الأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2009 (وثيقة الأمم المتحدة A/64/517 )، امتد الجدار مسافة تبلغ نحو 200 كم وذلك منذ إصدار الرأي الاستشاري، أي أن 58% من المسار المزمع تنفيذه (709 كم) قد تم تشييده حالياً. ووفقاً للتقرير ذاته، بعد إتمام بناء الجدار ستقع نسبة 85% منه في الضفة الغربية وليس على طول الخط الأخضر.

القانون الدولي والجدار

Advertisement
Fanack Water Palestine