المقدمة
في فلسطين، أعاق التنافس التقليدي بين عائلتي القدس القديمتين والطموحتين، الحسيني والنشاشيبي، والتي شغل أعضاؤها مراكز حكومية في العهد العثماني، فعالية المقاومة العربية ضد الحكم البريطاني والنفوذ المتزايد للحركة الصهيونية. قادت عائلة الحسيني معظم الجماعات العربية، والتي كانت معادية لبريطانيا بشدة. ومع ذلك، عام 1921، عيّن المندوب السامي البريطاني أمين الحسيني كمفتي عام للقدس ورئيساً للمجلس الإسلامي الأعلى الجديد، والذي كان يدير الأموال التي تجمع من قبل الأوقاف الدينية الخيرية.
كانت المنظمة الصهيونية العالمية تعتبر الوكالة اليهودية الفعلية التي دعا إليها الانتداب. ولأن رئيس المنظمة الصهيونية العالمية، حاييم وايزمان، بقي في لندن، أصبح ديفيد بن غوريون المهاجر البولندي المولد الزعيم الفعلي للمجتمع اليهودي في فلسطين، يشوف Yishuv. أسس المجتمع اليهودي مجلسه الوطني (Vaad Leumi) والحركة العمالية والمدارس والمحاكم والنظام الضريبي والخدمات الصحية وعدد من المؤسسات الصناعية. كما شكّل التنظيم العسكري، الهاغانا.
تمت السيطرة على الوكالة اليهودية من قبل مجموعة ضمن المنظمة الصهيونية العالمية، دعيت بالصهيونية العمالية. وكانوا يهدفون إلى التعاون مع بريطانيا والفلسطينيين على حد سواء. وقد عارضت الصهيونيةُ العماليةُ الصهيونيةَ التصحيحية، والتي تأسست عام 1925 بقيادة فلاديمير جابوتنسكي. لم يقبل الصهاينة التصحيحيون بفكرة وطن قومي لليهود في جزء من فلسطين. فقد أرادوا دولة يهودية في كامل فلسطين، بما في ذلك شرق الأردن. كما شكلوا فرعهم العسكري الخاص، Irgun Zvai Leumi (المنظمة الوطنية العسكرية).
التصعيد
مرت السنوات 1923- 1929 بهدوء نسبياً، ويعود ذلك جزئياً إلى انخفاض الهجرة اليهودية. عام 1927، تجاوز عدد النازحين اليهود عدد المهاجرين. وفي عام 1928، لم يتجاوز صافي الهجرة اليهودية أكثر من عشرة أشخاص. وفي آب/أغسطس عام 1929، عطلت الاشتباكات الطائفية الخطيرة في القدس وصفد والخليل الهدوء النسبي بين المجتمعات بعد خلاف حول الوصول إلى الجزء الغربي من حائط المبكى الغربي في القدس، راح ضحيتها 133 يهودياً و 116 فلسطينياً. عزت اللجنة الملكية البريطانية الاشتباكات إلى حقيقة أن “العرب لا يرون الهجرة اليهودية تهديداً لرزقهم فقط وإنما أيضاً الحاكم المطلق المحتمل في المستقبل”.
وقد ذكرت لجنة ثانية في تقريرها أنه لم يكن في ذلك الوقت أراضٍ هامشية متوفرة للاستيطان الزراعي من قبل المهاجرين الجدد. وشكلت التقارير أساس كتاب باسفيلد الأبيض تشرين الأول/أكتوبر عام 1930، والذي دعي فيه إنشاء الوطن القومي لليهود في فلسطين بـ “اعتبار” والذي “لم يكن مركز اهتمام حكم الانتداب”. ودعت الوثيقة إلى الحد من الهجرة اليهودية. كما أوصت بأن يتم بيع الأراضي فقط للفلسطينيين الذين لا يملكون أرضاً.
رداً على احتجاجات اليهود الفلسطينيين وصهاينة لندن، أرسل رئيس الوزراء البريطاني رامزي ماكدونالد في شباط/فبراير عام 1931 برسالة إلى حاييم وايزمان تبطل كتاب باسفيلد الأبيض. وقد أقنعت هذه الرسالة العرب بأن كل التوصيات الواردة في صالحهم قد تلغى عن طريق النفوذ الصهيوني في لندن.
منذ أوائل الثلاثينات فصاعداً، بدأت التطورات في أوروبا مرة أخرى تفرض نفسها بقوة على فلسطين. أعطى تبوّؤ النظام النازي السلطة في ألمانيا والاضطهاد الواسع النطاق لليهود في جميع أنحاء أوروبا الشرقية والوسطى، قوة دفع للهجرة اليهودية: 30,000 عام 1933، 42,000 عام 1934، 61,000 عام 1935. وبحلول عام 1936، بلغ عدد السكان اليهود في فلسطين 370,000، ثلث العدد الإجمالي، وارتفع امتلاك اليهود للأراضي إلى سبع الأراضي الصالحة للزراعة في فلسطين.
كما نما عدد السكان الفلسطينيين في فلسطين بسرعة، وبشكل طبيعي إلى حد كبير. واصل حوالي 90% من الفلسطينيين العمل في الزراعة، رغم تدهور الاقتصاد. ولكن في منتصف الثلاثينات، انضم العديد من الفلسطينيين الذين لا يملكون أراضٍ إلى طبقة العمال العرب المتزايدة والذين يعملون كعمال بناء في المراكز الحضرية المتنامية. وهذا ما سبب تغييرات جذرية في أسس الحياة الاقتصادية والاجتماعية الفلسطينية والتي كان لها آثار دائمة.