وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

قضية اللاجئين بعد اتفاقات أوسلو

مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين
مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين في لبنان / Photo HH / Photo HH

المحتويات

نحو تكيف اللاجئين على المدى الطويل
التشكيك في حق اللاجئين في العودة
الدول العربية المضيفة
ملاحظات ختامية

لم تعالج اتفاقات أوسلو في أيلول/سبتمبر 1993 قضية اللاجئين بشكل مباشر، كما لم تؤثر على وضعهم. وعلى غرار “قضايا الوضع الدائم” الأخرى، مثل القدس والمستوطنات والترتيبات الأمنية والحدود والعلاقات والتعاون مع دول مجاورة أخرى و “قضايا أخرى ذات الاهتمام المشترك”، تم تأجيل قضية اللاجئين إلى مرحلة ثانية من المفاوضات الثنائية الفلسطينية الإسرائيلية التي كانت ستبدأ خلال السنة الثالثة من الفترة الانتقالية. وبالتالي بقي الوضع القانوني للاجئين دون تغيير، ما عدا اللاجئون المقيمون في الضفة الغربية و قطاع غزة الذين حصلوا مع السكان الأصليين لهذه الأراضي على بطاقات هوية جديدة منحتها لهم السلطة الوطنية الفلسطينية التي أنشئت حديثاً (عام 1994). لكن عن طريق البدء بفترة انتقالية مدتها خمس سنوات، والتي كان من المقرر أن تُحل مع نهاية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني – بما في ذلك مسألة اللاجئين -، أحيت اتفاقات أوسلو النقاش حول المكونات السياسية والإنسانية لقضية اللاجئين.

نحو تكيف اللاجئين على المدى الطويل

قضية اللاجئين

واصلت البلدان المضيفة الرئيسية في الشرق الأوسط، والتي كانت تعزز موقفاً تمييزياً “إيجابياً” تجاه اللاجئين الفلسطينيين، منذ تعليق محادثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية عام 2001، سياسة موازية: تكييف الوجود طويل الأمد للاجئين وفق متطلبات جدول أعمال التحديث الاقتصادي الاجتماعي التي أثارتها العولمة. تجسدت هذه السياسة بشكل رئيسي من خلال مشاريع إعادة التأهيل التي تهدف إلى رفع مستوى البنية التحتية المادية والاجتماعية لمخيمات اللاجئين.

لأن وضعهم المؤقت (في انتظار تنفيذ حق العودة) كان لا بد من الإبقاء عليه، ظلت مخيمات اللاجئين مستبعدة من سياسات التنمية المحلية والوطنية للبلدان المضيفة. وبالتالي ظلت مخيمات اللاجئين مناطق مهملة وفقيرة بعد عدة عقود على إنشائها. وفي عام 2005 أجرت جامعتا جنيف و Louvain-la-Neuve مسحاً مقارناً على اللاجئين الفلسطينيين في مناطق عمل الأونروا الخمسة. وأظهرت معظم البيانات أن الظروف المعيشية للاجئين داخل المخيمات كانت أسوأ من خارجها، ما عدا في قطاع غزة. هذا هو الحال، على سبيل المثال، في ثلاثة مجالات رئيسية، وهي: الفقر (النسبي)، وظروف السكن (الاكتظاظ في وحدة سكنية)، والتحصيل التعليمي (انظر الجدول 5). لكن في المقابل، يستفيد سكان المخيمات من بعض المزايا، بالمقارنة مع فقراء ‘مستوطنات اللاجئين غير الرسمية’، فهناك: السكن رخيص – أو مجاني لسكان المخيمات الأصليين – وتحتوي المخيمات على مجموعة كاملة من شبكة الأونروا للمرافق الإنسانية (المدارس والمراكز الصحية ومراكز توزيع المؤن)، الأمر الذي لا يتوفر في أماكن أخرى.

كما يمكن نسب حالة فقر مخيمات اللاجئين إلى مقاومة اللاجئين العنيفة لأية خطة تنموية يمكن أن تمس فرصهم في العودة إلى الوطن في نهاية المطاف. على سبيل المثال، استغرقت الأونروا والسلطات المضيفة عشر سنوات تقريباً (1951-1961) لإقناع جميع اللاجئين باستبدال خيامهم بثكنات ومباني إسمنتية. واستغرق الأمر عشرات السنين لتحقيق دخول كامل للخدمات البلدية إلى المخيمات. فعلى سبيل المثال، كان نصف المساكن فقط مرتبطاً بأنظمة مياه البلدية عام 1980 (مقارنة بـ 10% عام 1967) ولم يتحقق التوصيل شبه الكامل إلا في الفترة 1990-2000.

لكن من أوائل الستينات، بدأ اللاجئون بترميم وتوسيع وحداتهم السكنية بدعم تقني ومالي من الأونروا. وقد تم تسهيل الانتقال نحو تطبيع الأمر الواقع في المخيمات (الحضرية) عن طريق الاندماج التدريجي للاجئين، منذ عام 1967، في الاقتصاد المحلي والإقليمي في الشرق الأوسط، وخاصة دول الخليج وإسرائيل للاجئي الضفة الغربية وقطاع غزة. كما أدى الدخل المتزايد إلى تحسينات في ملاجئ المخيمات، حيث امتدت هذه النزعة إلى فلسطين خلال الثمانينيات.

حينها وافق معظم اللاجئين، خلافاً للاعتقاد الراسخ منذ الخمسينيات، على أن تحسين ظروفهم المعيشية لا ينبغي اعتباره تخلياً عن المطالبة بالعودة إلى ديارهم الأصلية. وينبغي أن نضع في الاعتبار أن معظم اللاجئين لم يذهبوا قط إلى فلسطين عند حلول الثمانينيات، كما أن سكان الضفة الغربية وقطاع غزة الذين سُمح لهم الذهاب إلى مدنهم وقراهم الأصلية بعد عام 1967، أدركوا أن تلك الأماكن لا تتفق مع راويات آبائهم وأجدادهم. ولكن إذا كانت فكرة العودة الفعلية أقل إثماراً مما كانت عليه في السنوات الأولى من المنفى، لما كان معظم، إن لم يكن جميع اللاجئين اتفقوا على أنه، بانتظار التوصل إلى اتفاق سلام عادل، لا بد من الحفاظ على المخيمات كمذكّر بالأبعاد الإنسانية والسياسية لقضية اللاجئين.

اتضح قبول برامج إعادة التأهيل إلى حد كبير حتى ذلك الوقت طالما أن المخيمات حافظت على طابعها المؤقت وأن الأونروا، الشريك الرئيسي، بقيتْ الفاعل الرئيسي في عملية إعادة التأهيل. وبالإضافة إلى ذلك، أدركت منظمة التحرير الفلسطينية في الثمانينيات أن تحسّن الظروف المعيشية في المخيمات سيكون وسيلة لضمان بقاء اللاجئين على قيد الحياة، خاصة في سياق محاولات سلطات الاحتلال الإسرائيلي لإعادة إسكان لاجئي فلسطين خارج المخيمات.

تطوير المخيمات

بقيت نزعة إعادة التأهيل هذه غير منتظمة، تبعاً لتطور الصراع العربي الإسرائيلي وتداعياته في كل بلد من البلدان المضيفة. فالجيل الأول من مخططات إعادة تأهيل المخيمات الذي صادقت عليه الأمم المتحدة بشكل كامل استهدف فلسطين أولاً ضمن سياق الانتفاضة الأولى (1987-1993). عام 1988، تم إطلاق ‘برنامج المساعدة الموسّع (EPA)’ الذي هدفَ إلى تحسين البنية التحتية المادية للمخيمات (الطرق وشبكات المياه والملاجئ والمرافق الصحية والتعليمية). في إطار عملية أوسلو، عزّز “برنامجُ تنفيذ السلام (PIP)” “برنامجَ المساعدة الموسّع (EPA)” على نطاق واسع بغية المساهمة ‘في الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في الأراضي المحتلة’، وبشكل أكثر تحديداً السلطة الوطنية الفلسطينية حديثة الإنشاء. عززت دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية هذا التوجه التنموي في 1996-1997 من خلال إنشاء لجان خدمات في كل مخيم في فلسطين والمفوضة حتى تاريخه بتنفيذ مشاريع تنموية، بالتنسيق مع الأونروا، بما في ذلك إعادة تأهيل الطرقات وأنظمة المياه والكهرباء. منذ أوائل الألفية الثالثة، تم تنفيذ مساعي إعادة تأهيل مماثلة في البلدان المضيفة الأخرى، وذلك بدعم واضح للسكان المعنيين. بقيت فكرة أن مثل هذه المقاربة لتطوير المخيمات قد تشجع إعادة التوطين الدائم، تغذي المناقشات العامة بين اللاجئين وضمن المجتمعات المضيفة لهم. لكن فكرة أن وضع المخيمات المؤقت بحاجة إلى تحسين لمصلحة الجميع لا تزال سائدة. ففي هذا الصدد تعتبر الأردن أجرأ البلدان المضيفة. فمنذ عام 2000، أدرجت السلطات من جانب واحد مخيمات اللاجئين في سياسات التنمية الوطنية للبلاد، بهدف تحسين الظروف المعيشية في المناطق الأكثر فقراً في المملكة.

سوريا: مخيما النيرب – عين التل

قضية اللاجئين

ساعدت السلطات السورية الأونروا في تنفيذ إعادة التأهيل على نطاق واسع فيما يخص المياه والمياه العادمة في عدة مخيمات في البلاد. برنامج سوريا الرئيسي هو المشروع المزدوج لإعادة تأهيل مخيمات النيرب/عين التل (بالقرب من حلب). يضمن هذا المشروع الذي بدأ في عام 2001 نقل 300 عائلة من مخيم النيرب المكتظ وتصميم مخطط حضري جديد يهدف إلى تأمين السكن الملائم والأماكن العامة لسُكانها. وتم تسكين العائلات المُرحّلة في مخيم عين التل المجاور وغير الرسمي، في وحدات سكنية نموذجية جديدة تلائم كل الاحتياجات الأساسية للأسر. وكان الاعتماد على نهج المشاركة واحداً من أكثر الجوانب البارزة لمشروع النيرب/عين التل المتطور، حيث تم إشراك لاجئي مخيم النيرب في تفصيله وتنفيذه.

كما استخدم نهج المشاركة هذا من قبل الأونروا ضمن عمليات إعادة إعمار المخيمات لما بعد انتهاء حالة الطوارئ. أمثلة على ذلك، إعادة بناء تلك المناطق من مخيم جنين (الضفة الغربية) التي تم هدمها من قبل الجيش الإسرائيلي في نيسان/أبريل 2002 ومخيم نهر البارد في لبنان الذي دمّر خلال الاشتباكات بين فصيل فتح الإسلام الأصولي والجيش اللبناني عام 2007. نجم عن مشروعي إعادة الإعمار تصاميم حضرية جديدة تضمن مساحات سكنية وعامة مناسبة لسكان المخيمات. وأخيراً، حتى لبنان أصبح أكثر تأييداً لمشاريع إعادة تأهيل المخيمات منذ عام 2005، بما في ذلك المخيمات التي تسيطر عليها منظمة التحرير الفلسطينية في جنوب لبنان، والتي كان الحصول على مواد البناء فيها مقيداً.

أيدت الجامعة العربية رسمياً هذه الأساليب الجديدة في تطوير المخيمات عام 2002 عندما دعت الأونروا إلى التنسيق، مع السلطات المحلية، لمشاريع متعلقة بالبنية التحتية في مخيمات اللاجئين. ومع ذلك، لا ينبغي اعتبار هذا التطور كخطوة نحو استيعاب عمومي للاجئين في البلدان المضيفة. أولاً وقبل كل شيء، أصرت سلطات البلدان المضيفة مراراً وتكراراً على أن عمليات إعادة التأهيل المنفذة في المخيمات لم تكن تحمل أية دلالات سياسية، بل كانت تستند إلى أسباب إنسانية بحتة. فضلاً عن ذلك، فإن إعادة التأهيل المذكور أعلاه لم تحل مشكلة المخيمات الرئيسية، والتي تنبع من ضغط النمو السكاني إلى جانب القيود المفروضة على توسيع المخيم. أدى هذا إلى كثافة سكانية عالية للغاية ومعدلات اكتظاظ مرتفعة (انظر الجدول 5 أعلاه): في الأردن على سبيل المثال، تنوعت الكثافة السكانية في المخيمات من 34,000 إلى 103,000 شخص/كم2، مقارنة مع أقل من 30,000 شخص في “مدن مكتظة بالسكان” مثل كالكوتا ومومباي في الهند.

تضاعفت المشاكل الصحية والاجتماعية التي تلت بسبب الافتقار للتخطيط الحضري الملائم: في البداية توسّعت أماكن السكن الأصلية أفقياً، ومن ثم عمودياً، وقد بناها اللاجئون أنفسهم  بشكل فوضوي. لم تتحمل الأونروا ولا البلدان المضيفة مسؤولية إدارة تطور المساكن في المخيمات. في حين أن تدخلات إعادة تأهيل البنية التحتية المادية المذكورة أعلاه أتاحت للاجئين الاستفادة بشكل أفضل من الخدمات البلدية، لا تزال المخيمات تعاني مع ظروف بيئية غير مرضية من حيث التهوية وضوء الشمس والرطوبة والخصوصية وعدم وجود مناطق ترفيهية. فقد ساعدت تلك الظروف المتردية على إثارة العنف المنزلي وتوفير بيئة دراسية رديئة للأطفال بحيث أنها تشجع على ازدياد التسرب المدرسي وارتفاع نسبة الأمية.

الحياة في مخيم الأونروا في النيرب

الصورة من أرشيف الأونروا. قم بزيارة https://www.unrwa.org/arabic.php للمزيد من المعلومات عن مخيمات الأونروا.

الوضع الراهن للاجئين

قضية اللاجئين

إن إصرار البلدان العربية المضيفة على الحفاظ على وضع اللاجئين أحياء يتضح من موقفهم تجاه الأونروا. حيث لا يزال يُنظر إلى الوكالة، ولأسباب اجتماعية واقتصادية وسياسية، على أنها الشريك الرئيسي الذي يعمل في أوساط اللاجئين، وعلى الأخص في المخيمات. وحتى الأردن، الذي بدأ بمشاريع إعادة تأهيل المخيمات خاصة به في السنوات الماضية، واصل الإصرار على أن الأونروا يجب أن توسع نطاق أنشطتها المعتادة. وقد شكا ممثلو الأردن، باعتباره أكبر مستقبل للاجئين الفلسطينيين، مراراً وتكراراً أن ميزانية الأونروا في الأردن هي الأدنى على الإطلاق: 57 دولار مقارنة مع 100 دولار في سوريا و 117 دولار في الضفة الغربية و 155 دولار في قطاع غزة و 168 دولار في لبنان. وأكثر من ذلك، في السنوات الأخيرة عارضت الدول العربية أية إصلاحات لأوضاع اللاجئين الداخلية. فعلى سبيل المثال، في آذار/مارس 2005، رفضت اقتراح الرئيس الفلسطيني أبو مازن بأن على البلدان المضيفة منح الجنسية للاجئين الفلسطينيين بانتظار التوصل إلى اتفاق حول الوضع الدائم.

في الواقع، فشل عملية السلام، إلى جانب رفض إسرائيل التراجع أمام حق العودة أو الاضطرابات الداخلية التي من شأنها أن تخلق أي تغير على وضع اللاجئين الفلسطينيين، لم يترك للبلدان العربية أي خيار آخر سوى الحفاظ على الوضع الراهن. وإلى حد ما، ينطبق هذا أيضاً على السلطة الوطنية الفلسطينية. فقد تم إحباط نيتها الأولى الرامية إلى تطبيع وجود اللاجئين في أعقاب اتفاقات أوسلو بسبب إصرار اللاجئين على إبقاء المخيمات ككيانات إدارية منفصلة. وبسبب هذا، لم يشارك لاجئو المخيمات، باستثناء بعض المناطق في قطاع غزة، في الانتخابات البلدية لعام 2005.

التشكيك في حق اللاجئين في العودة

قضية اللاجئين
ياسر عرفات يحتفل بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية من قبل الأمم المتحدة عام 1974
Photo HH

منذ عام 1948 شكلت قضية اللاجئين الفلسطينيين عنصراً أساسياً في الضمير السياسي “للفلسطينيين والعرب”، حيث تخللت خطاباتهم السياسية مفهوم حق العودة. وقد تضاعفت أهميتها بنشوء الحركة الوطنية الفلسطينية. فبعد بروز منظمة التحرير الفلسطينية على الساحة الدولية في الستينيات، واعتراف الأمم المتحدة الذي أعقب ذلك بالفلسطينيين كشعب، تم تحويل حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة الفردية إلى قضية وطنية ضمن الإطار الأوسع لحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم. وقد صادقت الأمم المتحدة  تماماً على مفهوم حق العودة في عام 1974، حينما أعادت جمعيتها العامة التأكيد في قرارها رقم 3236 (XXIX) بتاريخ 22 نوفمبر/تشرين الثاني من نفس السنة على: ‘حق الفلسطينيين غير القابل للتغيير في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي شُرّدوا واقتلعوا منها، وطالبت بإعادتهم’. في نفس الوقت، تم الاعتراف في نهاية المطاف بمنظمة التحرير الفلسطينية من قبل الجامعة العربية والأمم المتحدة بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وحقوقه، بما في ذلك حقهم في العودة.

أدى التحول اللاحق لمنظمة التحرير الفلسطينية إلى “كيان بيروقراطي ما قبل قيام دولة فلسطين” والوعي المتزايد بأن إسرائيل لا يمكن هزيمتها تماماً، خصوصاً بعد حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973 العربية الإسرائيلية، إلى إعادة تعريف مفهوم تحرير فلسطين بإقامة دولة فلسطينية في أي جزء من المناطق المحتلة التي انسحبت منها إسرائيل. وهذا يعني ضمنياً إقامة دولة تقتصر على أراضي الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة. لم يتم التعامل في الحال مع الآثار المترتبة على هذا التحول الاستراتيجي في مفهوم حق العودة وتنفيذه. كان الحفاظ على الوحدة الوطنية، في الوقت الذي كانت فيه منظمة التحرير الفلسطينية لا تزال مرؤوسة من قبل لاجئي المنفى، يتطلب التستر على أية مسألة قد تثير الانقسام بين الفلسطينيين.

إعلان الاستقلال

قضية اللاجئين
ياسر عرفات في القمة العربية في الجزائر عام 1988
Photo Magnum/HH

من خلال إحياء مشروع الدولة الفلسطينية في فلسطين، حوّلت الانتفاضة الأولى (1987-1993) أولويات منظمة التحرير الفلسطينية بشكل واضح إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وترسيخ مؤسساتها في هذه الأراضي. ونتيجة لذلك، خسرت قضية اللاجئين بعض من أهميتها في السياسة الفلسطينية. لم يذكر القرار السياسي للمجلس الوطني الفلسطيني التاسع عشر، الذي تضمن إعلان الاستقلال الفلسطيني (تشرين الثاني/نوفمبر 1988)، حق العودة ولا قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 (III). وعند التطرق لموضوع اللاجئين، اكتفى بتأييد ‘تسوية قضية اللاجئين الفلسطينيين وفق قرارات الأمم المتحدة’.

علاوة على ذلك، فالمؤتمر الدولي الذي دعا إليه استند فقط على قراري مجلس الأمن رقم 242 (22 تشرين الثاني/نوفمبر 1967) ورقم 338 (22 تشرين الأول/أكتوبر 1973)، اللذين أشارا أساساً إلى ‘ضرورة تحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين’. وقد ذهبت القيادة الفلسطينية إلى حد إعادة تفسير القرار 194 (III) بطريقة انحرفت عن مفهوم ‘حق العودة’ التقليدي الذي كان معروفاً حتى ذاك الوقت. في أواخر عام 1988، أعاد رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات إلى الذاكرة رسمياً – على نحو لافت للنظر أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ – بأن القرار 194 (III) يشترط أيضاً التعويض كبديل عن حق العودة.

بعد عامين، اعترف أبو إياد، أحد أبرز أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية، لمجلة “السياسة الخارجية” الأمريكية (عدد ربيع  1990)، بأن العودة الكاملة للاجئين لم تكن ممكنة، خاصة وأن إسرائيل قد دمرت كلياً وبشكل منهجي أكثر من 400 بلدة وقرية بين عامي 1948 و 1949. كما أنه لم يكن من المؤكد أن ترضى أعداد كبيرة من الفلسطينيين بالعيش تحت الحكم الإسرائيلي، خاصة في حال وجدت دولة فلسطينية كبديل. ولذلك حث إسرائيل على قبول مبدأ حق العودة والتعويض، مع ترك تفاصيل هذه العودة مفتوحة للتفاوض.

وقد اكتسبت هذه البراغماتية الجديدة التي تتمحور حول فكرة وجود فرق بين مبدأ حق العودة (غير القابل للتفاوض) وتنفيذه (القابل للتفاوض)، قبولاً بين منظمة التحرير الفلسطينية وغيرها من الشخصيات القيادية الفلسطينية لتصبح شعارهم الرسمي في مفاوضات الوضع الدائم مع إسرائيل منذ أواخر التسعينيات. على هامش قمة أنابوليس (27 تشرين الثاني/نوفمبر 2007)، قال سري نسيبة، عميد جامعة القدس (القدس الشرقية) وممثل السلطة الوطنية الفلسطينية في القدس، لوسائل الإعلام الإسرائيلية بأن الفلسطينيين يفضلون مقايضة حق العودة بالانسحاب الإسرائيلي الكامل إلى حدود عام 1967.

من جانبه، اعترف رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن) بأن العودة الجماعية للاجئين إلى إسرائيل من شأنه أن يدمر البلاد؛ وبالتالي تتعلق العودة إلى فلسطين بشكل أساسي بأراضي الدولة الفلسطينية المستقبلية التي ستقتصر على الضفة الغربية و قطاع غزة والعيش بسلام مع إسرائيل.

لكن مع غياب أية خطوات تصالحية متبادلة من طرف إسرائيل، والتي أصرت على مواقفها المتعنتة برفض أي حق عودة للاجئين الفلسطينيين، سواء كان ذلك من حيث المبدأ أو من حيث الممارسة، فشلت مواقف منظمة التحرير الفلسطينية العملية في ضم اللاجئين ككل. كما تميزت السنوات التي تلت إطلاق عملية أوسلو بالتوتر الشديد بين القيادة الفلسطينية، على رأس السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، واللاجئين، وبخاصة في فلسطين. ليس لأن اللاجئين لا يشاطرون القيادة الفلسطينية مواقفها البراغماتية.

كما أظهرت عدة استطلاعات أن معظم اللاجئين غير مستعدين للعودة إلى ديارهم الأصلية وأن يصبحوا مواطنين إسرائيليين، لو أعطيت لهم حرية الاختيار للقيام بذلك. ومع ذلك، فإن الغالبية العظمى منهم يدافع بشدة عن فكرة الاعتراف بحق العودة من قبل جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك إسرائيل، وفق أحكام القانون الدولي ذي الصلة. في نهاية المطاف، حق الاختيار بين العودة إلى مكان الإقامة الأصلي والتعويض عن إعادة التوطين على النحو الموصى به في القرار 194 (III) للجمعية العامة للأمم المتحدة يعود في المقام الأول إلى اللاجئين أنفسهم، ولا ينبغي التحايل عليه من أجل دولة فلسطينية. وفي غضون ذلك، ينبغي للأونروا أن تستمر في أداء أنشطتها الإنسانية.

إن التقدم الضئيل الذي حققته عملية السلام خلال المرحلة الانتقالية والتدابير التي اعتمدتها السلطة الوطنية الفلسطينية من جانب واحد من أجل ‘تطبيع’ وضع اللاجئين في فلسطين أثار المخاوف بين اللاجئين من أن المفاوضين الفلسطينيين كانوا على وشك بيع قضيتهم. الأمر الذي دفع بهم إلى التعبئة من أجل وضع حق العودة في قمة جدول الأعمال الوطني الفلسطيني. ووقعت أعنف حملة تعبئة في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث اكتسب اللاجئون نفوذاً سياسياً من خلال مشاركتهم في الانتخابات العامة عام 1996. بين عامي 1995 و 2000  انطلقت حملة تعبئة واسعة النطاق تحت رعاية العديد من مؤسسات الدفاع عن اللاجئين، بما في ذلك مظاهرات وعرائض، بل وحتى محاولات مؤسساتية لإنشاء هيئة مستقلة تمثل اللاجئين في مفاوضات الوضع الدائم. ليس من المستغرب أن يكون معظم الناشطين اللاجئين أصلهم من مخيمات اللاجئين. فالدولة التي توختها القيادة الفلسطينية كسنغافورة الشرق الأوسط لم تؤكد حق لاجئي المخيمات والدور الذي يمكن أن يلعبوه في مثل هذه الدولة المرتقبة. وبالمقارنة، أُعتبر لاجئو المخيمات الأكثر فقراً والأقل علماً والأشد محافظة عبئاً –  أو حتى تهديداً – على عملية تشكيل الدولة الفلسطينية. اكتسب هذا التصوير شعبية بين سكان فلسطين غير القاطنين في مخيمات. وشهدت فترة ما بعد عام 1993 توترات بين المجموعتين في الضفة الغربية (بين جهاز السلطة الوطنية الفلسطينية ولاجئي المخيمات) بشأن مثل هذه القضايا، مثل توزيع الخدمات البلدية (الكهرباء والماء) أو حيازة الأسلحة من قبل سكان المخيمات. بصفة عامة، اشتكى لاجئو المخيمات، على غرار لاجئي المخيمات في البلدان المضيفة الأخرى، من أن “السكان الأصليين” مارسوا التمييز الاجتماعي ضدهم. وفي قطاع غزة استاء اللاجئون – سكان المخيمات وغير المخيمات – من حقيقة أن قوّتهم داخل المجتمع مرهون بوضعهم.

تمكّنت القيادة الفلسطينية من إعادة بسط سلطتها السياسية على اللاجئين عن طريق الاعتراف علناً، في أوائل عام 1996، بأهمية حق العودة ودور لاجئي المخيمات داخل حركة المقاومة الفلسطينية. وتخلت  عن خططها باندماج مخيمات الضفة الغربية ضمن البلديات المجاورة وتولي بعض مهام الأونروا قبل اتفاق السلام الدائم مع إسرائيل. ومع ذلك، وكما لوحظ أعلاه، فإن ذلك لم يغير من موقفها التوفيقي فيما يتعلق بحق العودة لصالح إقامة دولة فلسطينية. وعلاوة على ذلك، ما زالت هناك عدة مسائل حاسمة غائبة بشكل صارخ عن البرنامج التفاوضي للقيادة الفلسطينية. وتشمل هذه المسائل جملة أمور، منها القدرة الاستيعابية للضفة الغربية وقطاع غزة وكيفية التعويض ، وربما الأهم من ذلك، الوضع الدائم للاجئين الفلسطينيين الذين سيبقون في الدول العربية، بما في ذلك طبيعة صلاتهم بالدولة الفلسطينية المستقبلية.

الدول العربية المضيفة

كان لاتفاقات أوسلو آثاراً ضارة على مجتمعات اللاجئين المقيمين في البلدان العربية المضيفة. بعد إبعادهم من محادثات عملية السلام الثنائية، وجد اللاجئون أنفسهم في موقف لا يحسدون عليه بفرض مخططات إعادة التوطين عليهم، بغض النظر عن التحديات السياسية والمالية التي ستترتب عن تلك المخططات. لم تكن فقط المبالغ المالية المترتبة عن تولي خدمات الأونروا في خطر، وإنما أيضاً إعادة توطين لاجئي المخيمات.

من شأن التسوية الدائمة للاجئين (السابقين) إحداث إعادة تحديد شامل لوضعهم القانوني الذي من المحتمل أن يغير ميزان القوى الذي ضَمن حتى ذلك الوقت الوضع السائد بين السكان الأصليين واللاجئين على المستويين المحلي والوطني. وستكون هذه هي القضية بشكل خاص إذا منحوا مواطنة رسمية، كما في الأردن، بدلاً من، أو بالإضافة إلى الجنسية الفلسطينية.

دفعت هذه التحديات المهولة البلدان المضيفة في البداية لتشديد موقفها من قضية اللاجئين الفلسطينيين. فهذا ينطوي أولاً على إعادة تأكيد التزامهم بحق اللاجئين في العودة، وإعادة تأكيد للبعد الدولي لهذه القضية. وبأخذ ذلك بعين الاعتبار، اعتمدت جامعة الدول العربية قراراً في آذار/مارس 2007 يشدد على المشاركة النشطة للأمم المتحدة في عملية اتفاق الوضع الدائم من خلال الأدوار المتزايدة للأونروا ولجنة التوفيق. وفي الوقت نفسه في أواخر التسعينات، رفضت البلدان المضيفة بشكل قاطع الخطط الغربية غير الرسمية التي كانت تهدف إلى إعادة التوطين الدائم للجزء الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين في مكان إقامتهم آنذاك (ما عدا لبنان) على الرغم من الحزم المالية الكبيرة المقترحة.

حتى الأردن، الذي وقع معاهدة سلام مع إسرائيل عام 1994 وركز إلى حد كبير على ضرورة توطين اللاجئين، أظهر لا مبالاة تجاه محاولة اللحظة الأخيرة التي قامت بها إدارة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون لإنقاذ عملية أوسلو في ديسمبر/كانون الأول 2000 (ما يسمى بمعايير كلينتون). معيداً إلى الذاكرة أن اللاجئين المقيمين في أراضيه هم مواطنون بكامل العضوية، أكد رئيس الوزراء الأردني على المصالح الخاصة للأردن، وخاصة فيما يتعلق بحق الفلسطينيين في العودة وتعويضهم. وهذا يعني أن الأردن كان لا بد من أن يعتبر شريكاً أساسياً في عملية أوسلو. تجمَّعت معظم الدول العربية منذ عام 2002 وراء مبادرة سلام عربية غير مقيدة. تم إطلاق هذه المبادرة خلال قمة الجامعة العربية في بيروت (28 آذار/مارس 2002)، وكررت الدعوة إلى ‘التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتم الاتفاق عليه وفق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194′ في إطار ما يسمى بحل الدولتين. لكن كيفية تنفيذ ذلك القرار، ولاسيما فيما يتعلق بمعضلة العودة/التعويض وإعادة التوطين الدائم، لم يتم التطرق إليها.

لبنان

قضية اللاجئين
مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين في بيروت
Photo HH

في الوقت ذاته، سعت البلدان المضيفة الرئيسية لتعزيز التمييز الرسمي وغير الرسمي ضد اللاجئين. ففي لبنان، لجأت السلطات إلى ذرائع مختلفة – انطلاقاً من ضرورة الحفاظ على حق العودة إلى ضرورة احترام التوازن الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في البلاد، كما هو منصوص عليه في اتفاقات الطائف عام 1989 – إلى فرض قيود قانونية ضد اللاجئين الفلسطينيين، وخاصة فيما يتعلق بحقوق الميراث والملكية الخاصة. ونتيجة لذلك، وتمشياً مع توجه السلطات اللبنانية، انخفض عدد اللاجئين الفلسطينيين المقيمين فعلياً في لبنان بشكل كبير: ففي حين وصل عدد اللاجئين المسجلين لدى الأونروا إلى نحو 392,000 عام 2003، قدّر عدد المقيمين فعلياً فيه بأقل من 200,000. وعلى كل حال، سعت الحكومة اللبنانية منذ 2005 إلى تخفيف معاناة اللاجئين بالسماح للاجئين المسجلين المولودين في لبنان بالعمل في الوظائف اليدوية والمكتبية والحصول على تصاريح عمل كانت مرفوضة سابقة. مع أنهم لا يزالون محرومون من الوصول إلى المهن الحرة.

الأردن

قضية اللاجئين
ياسر عرفات يصافح الملك حسين عاهل الأردن عام 1970، في نهاية أيلول الأسود
Photo Keystone/HH

برز في الأردن في النصف الأخير من التسعينيات حركة قومية غير رسمية تخوفاً من أن تتحول الأردن تدريجياً إلى وطن بديل للفلسطينيين. شككت الحركة علناً في ولاء اللاجئين للنظام الملكي الهاشمي، وأدانت هيمنتهم على القطاع الخاص من الاقتصاد. وفي البرلمان، أصر رجال السياسة الذين كانوا يؤيدون الحركة، في حال التوصل إلى اتفاق سلام، على وجوب تعويض الأردن ليس فقط عن المبالغ المالية المترتبة عن التوطين الدائم للاجئي المخيمات، وإنما أيضاً عن جميع الخدمات التي قدمها الأردن لكل اللاجئين منذ عام 1948.

بالمثل، تقريباً كل خطوة اتخذتها السلطات لتحسين الظروف المعيشية للنّازحين “الغزاويين” (غير الأردنيين)، مثل منح بطاقات الإقامة في عام 2004 التي كانت تهدف إلى تسهيل المعاملات اليومية، تعرضت لانتقادات من نفس الأوساط السياسية خوفاً من تمهيد الطريق لإعادة التوطين الدائم لهؤلاء السكان وللاجئين ككل. وتراجعت هذه الحركة منذ تعليق عملية أوسلو في الفترة 2000-2001، وإطلاق برامج الإصلاح على نطاق الأمة اعتباراً من عام 2002، مثل ‘الأردن أولاً’ (2002) و ‘كلنا الأردن’ (2006)، والتي هدفت إلى تعزيز التلاحم بين مختلف شرائح المجتمع الأردني، أياً كان أصلها، حول مفهوم الهوية الوطنية الأردنية.

المشاكل الناجمة عن وجود هوية فلسطينية مستقلة في الأردن، وبشكل أكثر تحديداً من خلال معالجة الوضع المزدوج للاجئ الفلسطيني/المواطن الأردني، لا تزال تغذي الجدل السياسي، وخاصة فيما يتعلق بتمثيل اللاجئين الفلسطينيين في المؤسسات العامة، ولكن لهجة تلك المناقشات أصبحت أكثر هدوءً مما كانت عليه خلال ذروة عملية السلام في أواخر التسعينيات.

ليبيا

قضية اللاجئينلكن في ليبيا والعراق، البلدان المضيفان الصغيران نسبياً من حيث عدد اللاجئين الذي يستضيفونهم، اتضح ضعف الفلسطينيين. ففي عام 1995، وفي خضم حملة طرد العمال غير الشرعيين، هدد الزعيم الليبي معمر القذافي بطرد جميع الفلسطينيين الذين كانوا يعيشون في البلاد والبالغ عددهم 30,000 من أجل إثبات عدم جدوى اتفاقات أوسلو وعدم فعالية السلطة الوطنية الفلسطينية التي أنشئت حديثاً.

ي نهاية المطاف، وعلى الرغم من الاحتجاجات في العالم العربي والمجتمع الدولي، تم طرد 2,500 لاجئ أنهيت عقود عملهم من قبل السلطات الليبية من البلاد وأُرسلوا إلى البحر. علق معظمهم لعدة أشهر، لأنه لم تكن أية دولة عربية (بما في ذلك السلطة الوطنية الفلسطينية) مستعدة لقبولهم. وفي النهاية، علّق القذافي أوامر الطرد وسُمح لمعظم الفلسطينيين في العودة إلى ليبيا، باستثناء حوالي 200 منهم – بما في ذلك الأسر الفقيرة – الذين ظلوا عالقين على الحدود الليبية المصرية لبضع سنوات، يعيشون على بعض المساعدة في مخيم سلوم المؤقت.

العراق

قضية اللاجئين

بعد عقد من الزمن، تدهور وضع اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في العراق، والبالغ عددهم 30,000، بسرعة بعد سقوط النظام البعثي لصدام حسين عام 2003. فبعد اتهامهم بالتواطؤ مع الأخير وجماعات تنظيم القاعدة، عانى العديد منهم من أعمال عنف من جانب السلطات أو الميليشيات الشيعية، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية والتعذيب والقتل. ومنذ عام 2003، فر نحو 21,000 منهم من البلاد. وبقيت بضع مئات من الأسر (حوالي 3,000 لاجئ) عالقة في مخيمات مؤقتة تديرها المفوضية العليا للاجئين في المناطق الحدودية مع سوريا ( مخيميْ التنف والوليد) والأردن (مخيميْ الرويشد والكرامة). ورفض كلا البلدين احتواءهم، في حين أنهما منحتا حق اللجوء لحوالي 1.5 مليون لاجئ عراقي. الترحيل نحو مناطق نائية خارج منطقة الشرق الأوسط، مثل السودان وأوروبا الغربية (الدنمرك وهولندا وأيسلندا) وأمريكا اللاتينية (البرازيل وشيلي) أو نيوزيلندا، فرض نفسه على أنه الحل الأنسب والوحيد لمحنتهم الإنسانية على المدى الطويل. وعلى أية حال، وبعد ستين عاماً على خروجهم عام 1948، ترمز تجربتهم إلى استمرارية المأزق السياسي والإنساني للاجئين الفلسطينيين من حيث كونهم بدون جنسية، والحرمان من الحقوق المدنية، وعدم استقرار الأحوال المعيشية. كما تشير إلى فشل اتفاقات أوسلو ومشروع تشكيل الدولة الذي كان من المتوقع أن تحققه تلك الاتفاقات.

ملاحظات ختامية

إن قضية اللاجئين الفلسطينيين هي قضية ذات شقين: فعلى الصعيد الدبلوماسي، هي واحدة من أعقد مواضيع الخلاف بين الإسرائيليين والفلسطينيين في محادثات السلام الدائم. أما على المستوى الداخلي للبلد المضيف، فقد شكلت معضلة بالنسبة للسلطات المحلية: كيفية دمج اللاجئين وفقاً للمعايير السياسية والاجتماعية والاقتصادية المحلية مع الحفاظ على “حقهم في العودة”. على الرغم من أنه لم يتم توضيح كيفية تنفيذ هذا الحق بشكل واضح – من عودة انتقامية لجميع اللاجئين إلى ديارهم، إلى عودة سلمية إلى الوطن تقتصر على أراضي الدولة الفلسطينية – فقد شكّل كمبدأ عقيدة سياسية حاشدة في العالم العربي.

اشترطت خصائص البلدان المضيفة ومصالحها، إلى جانب موقفها الخاص تجاه إسرائيل، الوضع الرسمي/غير الرسمي الممنوح للاجئين الفلسطينيين: فمن مواطنة رسمية في الأردن (باستثناء اللاجئين النازحين من قطاع غزة) إلى بدون جنسية (ما عدا استثناءات بسيطة) في بلدان مضيفة أخرى، ومن نظام تمييز اجتماعي واقتصادي في لبنان إلى معاملة على قدم المساواة مع سكان البلد المضيف في مجالات العمالة والحصول على الخدمات الحكومية في سوريا، ومن القمع في أوقات الصراع مع منظمة التحرير الفلسطينية – في الأردن (1969-1971) وفي لبنان (1975-1989) – إلى علاقات روتينية تدور حول احترام مشترك لحكم القانون بحق العودة للاجئين.

الوكالة

قضية اللاجئين
ثمة سمة مشتركة بين بلدان الشرق الأوسط العربية المضيفة وهي تواجد الأونروا في كل مكان. وقد لعبت الوكالة دوراً حاسماً في مساعدة كل من البلدان المضيفة ومجتمعات اللاجئين للحفاظ على الوضع الراهن إلى حين التوصل إلى حل كامل للصراع العربي الإسرائيلي. وقد أمنت خدماتها المختلفة أولاً البقاء والرفاه لأجيال من اللاجئين، بينما خففت من آثار السلبية المحتملة للاجئين على الاقتصاديات المضيفة.

كما ساهمت في إحداث أجيال من اللاجئين الفلسطينيين المتعلمين الذين لعبوا دوراً حاسماً في تطوير منطقة الشرق الأوسط ككل. ومع مرور السنين، أصبحت وصاية الأونروا تُفسر من قبل اللاجئين وممثليهم على أنها دليل التزام المجتمع الدولي لحقوقهم.

فراغ سياسي

قضية اللاجئين
الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، ورئيس الحكومة الإسرائيلية اسحق رابين وزعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات يتصافحان في 13 أيلول/سبتمبر 1993 في واشنطن
Photo HH

قضية اللاجئين

مزّقت اتفاقات أوسلو عام 1993، بين منظمة التحرير الفلسطينية و إسرائيل، التوازن السياسي الذي تقوم عليه العلاقات بين اللاجئين والسلطات المضيفة. ففي الضفة الغربية وقطاع غزة كان لابد للاجئين أن يضمنوا حقهم في العودة في إطار محادثات السلام التي ترتكز في المقام الأول على إقامة دولة فلسطينية. حيث لم يشككوا في ضرورة وجود مثل هذه الدولة، وإنما رفضوا التضحية بقضيتهم في المقابل. ولأنها لم ترغب أن تتحمل وحدها النتائج المترتبة على إعادة التوطين الدائمة للاجئين على أراضيها، لذلك أصرت السلطات المضيفة العربية أيضاً على حقوق اللاجئين الراسخة. ولكن هذا الموقف السياسي رافقه عموماً تشديد الوضع القانوني التمييزي بصفة رسمية وغير رسمية على اللاجئين.

زادت الصعوبات المتزايدة التي واجهتها الأونروا في الميزانية منذ عام 1993-1994، بالإضافة إلى زوال المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية لمنظمة التحرير الفلسطينية في الشتات، من تفاقم أوضاع اللاجئين المعيشية وعززت مخاوفهم بشأن وضعهم الدائم. فالنزعة نحو إعادة تأهيل البنية التحتية المادية في مخيمات اللاجئين في جميع أنحاء الشرق الأوسط منذ أواخر التسعينيات وبداية الألفية الثالثة لم يفعل الكثير لتهدئة مثل هذه المخاوف.

اليوم، اللاجئون عالقون في فراغ سياسي. فبينما منظمة التحرير الفلسطينية، وهي المؤسسة المسؤولة عن الفلسطينيين بشكل عام، في طور السبات، انقسمت السلطة الوطنية الفلسطينية في فلسطين منذ عام 2007 بين حركة فتح الوطنية (المهيمنة في الضفة الغربية) وحركة حماس الإسلامية (التي تسيطر على قطاع غزة).


Advertisement
Fanack Water Palestine