على الرغم من أن بعض الباحثين ينتقدون الاحتفال الشائع برأس السنة السورية الجديدة، إلا أن كثيرين آخرين يعتبرونه أقدم عطلة مسجلة في تاريخ الشرق الأدنى.
يوسف شرقاوي
يدور جدلٌ منذ سنوات حول عيد رأس السنة السورية المُسمى بـ “أكيتو بريخو“. ويمكن ردّ محاولات الإثبات والنفي لهذا العيد أو الطقس إلى عدّة أسبابٍ تاريخية ودينية. ويمكن القول إن هذا العيد لا يوجد إجماع عليه؛ سواءً أكان ذلك على المستوى الشعبي أو على المستوى الأكاديمي.
ويرى البعض أنّ تداول الاحتفال بعيد رأس السنة السورية أمرٌ غير مفيد. ومن هؤلاء بشار خليف، وهو باحثٌ مختص في تاريخ المشرق. ووفقاً لخليف، فإنّ السعي للاحتفال بأكيتو بريخو “ناتجٌ عن الحنين إلى الماضي نتيجة الحاضر”.
الأكيتو والأصول
عيد الأكيتو هو عيد رأس السنة الآشورية والبابلية. كما احتفل بهذا العيد الأكاديون والكلدانيون في غابر الأزمان. وجرت العادة على أن تبدأ الاحتفالات بهذا العيد، الذي يسمّى اصطلاحاً بعيد رأس السنة السورية، في الأول من إبريل من كلّ عام. وتستمر الاحتفالات على امتداد اثني عشر يوماً. وبحسب الدكتور جوزيف زيتون، وهو باحثٌ مختص في تاريخ سوريا والشؤون الكنسية، فإنّ هذا العيد هو “أقدم الأعياد المسجلة في تاريخ الشرق الأدنى”.
وجاءت أقرب إشارة لهذا العيد في منتصف الألفية الثالثة قبل الميلاد في مدينة أورو. وكان “ُيقام لإله القمر السومري (نانا)” وفقاً لموقع الباحثون السوريون. أما عند البابليين، كان العيد مرتبطاً بمناسبة دينية هامة هي انتصار الإله مردوخ على الآلهة تيامات.
وفي العصر البابلي، جرت العادة على أن تكون الأيام الأربعة الأولى من الاحتفالات مخصصة لممارسة الطقوس الدينية. واعتاد البابليون تقديم الصلوات والذبائح وقراءة قصة الخلق البابلية (اينوما ايليش). أما الأيام المتبقية من الاحتفالات، فكانت تتضمن، إلى جانب الشعائر الدينية، بعض الطقوس المرتبطة بالحياة الاجتماعية والسياسية.
يقول الباحث خزعل الماجدي إنّ السومريين احتفلوا بهذا العيد في 21 مارس من كل سنة وهو بداية التقويم السنوي عندهم. أما الأكاديون ومن ثم البابليون والآشوريون، فقد احتفلوا بعيد الأكيتو في بداية شهر إبريل، حيث بداية التقويم السنوي عند الساميين عموماً.
التسمية
لا يتفق المؤرخون حول معنى دقيق لكلمة أكيتو. ومع ذلك، حاول الباحث العراقي خزعل الماجدي أن يفسرها في كتابيه “متون سومر” و”أديان ومعتقدات ما قبل التاريخ“.
وتعني كلمة أكيتو وفقاً للماجدي اسم العيد والمكان الذي تقام فيه الاحتفالات. وظهرت الكلمة في النصوص السومرية المتأخرة على هذا النحو: a – ki – it.
ويُعتقد أن الكلمة سومرية الأصل. العلامة “آ” تعني المطر، و”كي” تعني الأرض، و”إت” فعل بمعنى يقرب. فيكون بذلك معنى الكلمة كاملاً تقريب الماء إلى الأرض.
ووفقاً للدكتور جميل م. شاهين، فإن اسم هذا العيد ورد في العديد من اللغات القديمة. وعلى سبيل المثال، فإن هذا العيد يحمل اسم “أكيتو” بالآرامية و”أكيتي سنونم” بالسومرية و”ريش شاتين” بالأكادية و”خا بنيسان” بالآشورية. وتعني كلمة “خا بنيسان” بالعربية “الأول من نيسان” أو “الأول من إبريل”. أما كلمة “ريش شاتين”، فتعني بالعربية “رأس السنة”.
من جانب آخر، يشير الدكتور محمود حسين الأمين في كتابه “اكيتو، أو أعياد رأس السنة البابلية وعقيدة الخلود والبعث بعد الموت” أنه كان للاحتفالات مكان معين يعرف ببيت الاحتفالات “اكيتو”، ويكون خارج المدينة.
ويشير مصطلح “بيت أكيتو” أيضاً إلى المكان الذي تسكن به الآلهة على الأرض، في المعتقدات القديمة. لذا فالمعنى الخفي للاحتفال هو “الاحتفال بوقت اختيار الآلهة مدينة محددة لتقيم بها مؤقتاً، والغرض من هذا البيت هو أن يحرسها ويحميها من تلك اللحظة حتى نهاية الكون”.
تسمية التقويم السوري وكذبة إبريل
يرى الدكتور جوزيف زيتون أنّ تسمية التقويم بالسوري أدق من تسميته بالآشوري، لأنّ الأقوام في سوريا وبلاد الرافدين كلها اعتمدته. كما يقول إنّ السنة السورية القديمة تبدأ في الأول من إبريل، و”ظلّ هذا التقويم قائماً عند الحضارات السورية المتعاقبة، ومنها ممالك أوغاريت وإيبلا وماري وتدمر ودمشق. وبقي السوريون يبدؤون سنتهم في الأول من إبريل حتى وقت قريب. وانتقل إلى التقويم الغربي بشكل نهائي في بداية القرن العشرين في عهد الانتداب الفرنسي”.
يجمع زيتون أيضاً طقوسياً بين عيد رأس السنة السورية وكذبة إبريل، عبر طقس “إهانة الملك” من اليوم الخامس في الاحتفال. ويقول زيتون: “المثير حقاً أن «الكذبة الكونية» كانت ضمن طقوس الاحتفال، وفيها كان يتنازل الملك عن عرشه لمجرمٍ حكم عليه بالموت. ويصبح العبد سيد البيت. ويتنكر الناس بأزياء وأقنعة تخفي حقيقتهم، إلى أن يصحو الشعب من هذه الكذبة”.
أما حنا صومي، مسؤول الجمعية الثقافية السريانية في سوريا، فيقول: “بعد أن يجلس الشعب في مكان الملك، يختفي الملك بين عامة الشعب. تحدث فوضى عارمةً في بابل، وفي 1 إبريل يتم العثور على الملك، وتعم الأفراح في المنطقة. وكذبة إبريل الشهيرة جاءت من هنا، أي مفادها إن الملك لم يختف اختفاءً حقيقياً بل كان هناك تمثيلية”.
فيما يقول الدكتور جميل م. شاهين عن ذلك: “حتى عام 1564 للميلاد، كان التقويم السوري مُعتمداً في معظم دول العالم. في فرنسا، كانت الاحتفالات تبدأُ يومها في 21 آذار وتنتهي في 1 إبريل تماماً، كما كان الآشوريّون والبابليون يفعلون قبل آلاف السنين”. وبعد تبني الملك شارل التاسع للتقويم الغريغوري الجديد، “أصبحت الاحتفالات تبدأ في 25 كانون الأول وتنتهي في 1 كانون الثاني بداية السنة الجديدة”. ومع ذلك، فقد استمّر العامة بالاحتفال في الأول من إبريل، فسخر النبلاء منهم “لأنهم يصدّقون كذبة أبريل”.
قيمة تاريخية أم موجة مؤقتة
واحدٌ من الآراء حول تناسي هذا العيد وتحريفه، للدكتور شاهين. ويُرجع شاهين ذلك إلى أنّ “عملية محاربة أصحاب الحضارات القديمة” وصلت لحد تحريمه.
ويضيف: “جرى هذا التحريم وما زال حتى فترة قريبة. الحجة أنّه عيدٌ وثني. التحريم جاء من الحكومات المتتالية ومن معظم رجال الدّين المختلفين. والسبب وجود طقوس وابتهالات ونصوص دينية تُسيء لأصحاب الديانات السماوية”.
ويقول شاهين: “هناك عودةٌ للاحتفال بعيد أكيتو وسط الجاليات الآشورية والكلدانية والسريانية في بلاد الاغتراب، خاصة مع توفّر الحرية الدينية والقومية هناك. هل ستعود القيمة التاريخية لأكيتو، أم هي موجة مؤقتة تتلاشى مع الزمن؟”.