يتبع الآلاف من المسلمين العرب والأكراد على حدٍّ سواء النقشبندية الخزنوية في سوريا باعتباره من أهم الطرق الصوفية المنتشرة.
علي العجيل
تعتبر النقشبندية الخزنوية من أهم الطرق الصوفية المنتشرة في سوريا بشكل عام ومنطقة الجزيرة السورية بشكل خاص. ويتبع هذه الطريقة الصوفية الآلاف من المسلمين العرب والأكراد على حدٍّ سواء، رغم الخلافات والاختلافات الكثيرة بينهم حالياً.
وعرفت سوريا التصوف الإسلامي منذ فترة قديمة جداً. وعاش فيها العديد من أعلام الصوفية عبر القرون. ومن أشهر هؤلاء شهاب الدين السهروردي صاحب “الإشراقات” والذي يقع مقامه في مدينة حلب. وتضم القائمة محيي الدين بن عربي صاحب “الفتوحات المكية“، ويقع مقامه في حي الصالحية بمدينة دمشق. وهناك أيضاً عماد الدين نسيمي الذي عاش الفترة الأخيرة من حياته في شمال سوريا، وتوفي ودفن في حلب.
أصل التسمية
تنسب المدرسة الخزنوية للطريقة النقشبندية، والتي سميت بهذا الاسم نسبة إلى أحد شيوخها، وهو محمد بهاء الدين شاه نقشبند. وتعود الخزنوية في الأصل إلى الشيخ أحمد الخزنوي المولود في قرية خزنة شمال سوريا. وتعلم الخزنوي العلوم الشرعية في عدّة مدارس دينية تركية، ليعود إلى سوريا لنشر العلم والاشتغال بالدعوة إلى للنقشبندية والدين الإسلامي الحنيف. وبحسب مريدي الطريقة الخزنوية، فإن دعوة الخزنوي الجديدة جاءت بعد تفشي البدع والخرافات في منطقة الجزيرة السورية نتيجة الجهل والأمية.
وقام الشيخ أحمد الخزنوي ببناء مدرسة دينية كخطوة أولى. وبمساعدة مريديه وأتباعه، اشترى الخزنوي الكثير من الأراضي ووسع منطقة دعوته، بهدف استقطاب المزيد من الناس والتسويق للمدرسة أكثر. وظلّ على هذا الحال إلى أن توفي عام 1950 تاركاً خلفه أولاداً كثرأً. ومنهم هؤلاء الأبناء الشيخ معصوم، والشيخ علاء الدين، والشيخ عز الدين، والشيخ عبد الغني. وتجدر الإشارة إلى أن الخزنوي لم يقم بتسليم أحد أبنائه الخلافة على المدرسة بصفةٍ رسمية.
وبعد وفاته، انحصرت الخلافة ما بين الشيخ عبد الغني والشيخ عز الدين. وفي نهاية المطاف، تسيّد الشيخ عز الدين زعامة الطريقة. وقام هذا الأخير ببناء معهد شرعي، ووسع دائرة مريديه لتشمل الكثير من المناطق المجاورة وخاصة في العراق وتركيا القريبة من منطقة الجزيرة. وحققت الطريقة الخزنوية على يد الشيخ عز الدين انتشاراً هائلاً. وباتت الطريقة الخزنوية تحظى بمكانة كبيرة في قلوب الناس، وتصل إلى درجات لم يكن من المتوقع أن تصل إليها.
الشيخ عز الدين توفي في عام 1969 وعهد بخلافة الطريقة من بعده لابنه محمد. ودفن الشيخ عز الدين في القبة في تل معروف، إلى جانب والده وأخويه.
ويعتبر محمد مطاع الخزنوي اليوم الممثل الوحيد والشرعي للطريقة الخزنوية. واليوم، يمتلك الشيخ محمد مطاع الخزنوي مئات الآلاف من المريدين في سوريا وبضعة ملايين داخل تركيا وآخرين موزعين في أنحاء العالم.
ومع انطلاق الثورة السورية، رفض الشيخ محمد مطاع الدخول في السياسة، متحججاً بأنه لا يريد أن يغير من منهج الطريقة وما ورثه عن والده وجده من قبله. وأدى هذا الموقف إلى انخفاض نسبة انتشار الطريقة في بداية الحراك الذي شهدته سوريا في عام 2011.
تل عرفان
تعتبر قرية تل عرفان المقر الذي يرتاده أبناء الطريقة النقشبندية الخزنوية. وتقع هذه القرية على بعد 26 كم عن مدينة الحسكة السورية. وقام الشيخ محمد مطاع بتأسيسها من الصفر عام 2007، فقد كانت القرية قبل ذلك خالية تماماً. وسميت بهذا الاسم اشتقاقاً من المعرفة والشكر. وبحسب القائمين على التل، فإن للاسم أصلاً في مصطلحات الصوفية، فكأنه يشير إلى العلم والمعرفة بالله وإلى الاعتراف بفضل الله ومنّه وكرمه.
ويقيم في تل عرفان الشيخ محمد مطاع. وباتت القرية مركزاً علمياً هاماً للراغبين بأخذ العلوم الشرعية وعلوم اللغة العربية، وذلك لوجود معهد العرفان الخزنوي للعلوم الشرعية والعربية فيها. وتنبع أهمية المعهد المذكور من وجود عشرات الفروع له في المدن التركية المختلفة والتي تروِّج بدورها للشيخ وطريقته.
وكانت قرية تل معروف المقر الرئيس للطريقة منذ عام 1920 حتى تأسيس قرية تل عرفان. وجرت عادة الزوار والمريدين زيارة القرية التي أقامها مؤسس الطريقة الشيخ أحمد الخزنوي على أراضٍ كانت في السابق ملكاً لأحد شيخ قبيلة طيء الموجودة في المنطقة.
طرق الخزنوية النقشبندية والمراتب
تشبه الطريقة الخزنوية النقشبندية الكثير من الطرق الصوفية الأخرى، كالقادريّة، من حيث طريقتها وآلية عباداتها. ولعل أبرز ما يجمع الخزنوية النقشبندية بالطرق الصوفية الأخرى مفهوم التوبة بين المريدين. فالتوبة يجب أن تكون دائماً وحصراً للشيخ الذي يحمل سمة الإمام بكل ما تحمله الكلمة من معنى لهذا المريد.
في المقابل، تختلف حلقات الذكر عند الخزنوية النقشبندية عن بقية الحركات المتصوفة. وجرت عادة مريدي الخزنوية النقشبندية عقد حلقات الذكر الخاصة بهم في يومي الخميس والأحد، أي ليلة الجمعة والاثنين. وبصورة مغايرة لما عليه الحال في الطرق الأخرى، فإن صوت مريدي الطريقة لا يُسمع في حلقات الذكر، وإنما يتم سحب المسابح وذكر اسم الله والآيات القرآنية بحركة الشفاه فقط.
كما لا يقوم المريد بإطفاء النور أو خفته كما تفعل بقية الطرق، بل يلجأ إلى تغطية رأسه ووجهه بقماش. وهنا، يتجول الشيخ المسؤول عن حلقة الذكر فوق الرؤوس. ويصحب تجواله بقراءة بعض الأشعار في الأخلاق الحميدة التي يجب أن يكون عليها المريد.
وفي سوريا، لا يضرب أصحاب الطريقة أنفسهم بالأسياخ والسيوف والرماح أو يأكلون الزجاج ويمشون على الجمر، مثلما يفعل البقية. أما في العراق، فلا زالت بعض هذه الطقوس سارية المفعول، وإن كانت على نطاق ضيّق.
أما فيما يخص المراتب بين المريدين والفقهاء، فقد تختلف قليلاً أو تتشابه مع مثيلاتها من بقية الطرق. ويحتل الشيخ أعلى مرتبة دينية في الطريقة. وذكر بعض المريدين بأنهم يتدرّجون في المراتب، فيبدأ المريد بتصنيفه كصوفي، ومن بعدها يصبح عريفاً ومن ثمّ رقيباً فخليفة. وهذه المرتبة الأخيرة يصل إليها المريد عندما يصبح خليفة شيخ الطريقة في مدينةٍ ما أو موقعٍ ما.
التحول الديني نحو السياسة
أثناء تسلّم الشيخ محمد عز الدين الخلافة بزغ نجم شقيقه الشيخ معشوق، الذي كان يحظى بحبّ الأكراد. وزادت الحظوة التي يتمتع بها الشيخ معشوق بعد أن شارك نشطاء المجتمع المدني في سوريا منتدياتهم الثقافية في حقبة “ربيع دمشق“. وتحلّق حينذاك العديد من النشطاء الإسلاميين الأكرد حوله، لتبدأ مرحلة وليدة من النشاط الحزبي الديني في منطقة الجزيرة السورية.
وساهم اسم عائلة الشيخ معشوق وثراؤه وصفته الدينية ومطالبه والأفكار التي كان يطرحها في جعل العديد من الأحزاب تتشارك وإياه أهدافها وتنسق نشاطاتها معه. وتعزّز الأمر بعد طرحه فكرة الحوار مع الإخوان المسلمين في محاضرةٍ له في مركز الدراسات الإسلامية في دمشق. وللمعلومية، فقد كانت تلك الأحزاب إما محظورة من ممارسة أعمالها أو غير مرخصة.
واختفى الشيخ معشوق في ظروف غامضة، بالتزامن مع مقتل شقيقه الشيخ محمد بحادث سير في المملكة العربية السعودية، وكان ذلك في مايو 2005. وفي يونيو 2005، تم الإعلان عن مقتل الشيخ معشوق. وقامت مسيرةٌ كبيرة في مدينة القامشلي دعت إليها الأحزاب الكردية التي طالبت السلطات السورية بالكشف عن الجناة الحقيقيين. وأكد حينذاك مرشد، ابن الشيخ معشوق، أنّ العائلة تسلّمت جثة والده وآثار التعذيب بادية عليه قبل القتل.
ودخلت الطريقة بعد ذلك في حالة من التخبط والضياع. وفقدت الكثير من مريديها. كما قامت الكثير من المظاهرات التي تطالب بالثأر للشيخ المغدور، الأمر الذي تطلّب تدخل قوات الأمن السورية. وقامت هذه الأخيرة بتشديد قبضتها على منطقة الجزيرة بشكل عام. وشنت حملة اعتقالات دامت لثلاثة أشهر. وبقي الحال على ذلك حتى تمت تسمية الشيخ محمد مطاع خليفةً لوالده، وهو كما أسلفنا كان صاحب قرار الابتعاد عن السياسة وتحريم دخولها على أهله ومريديه.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك من يتهم أفراد من عائلة الخزنوي نفسها باغتيال الشيخ معشوق، وعلى رأسهم الشيخ محمد مطاع. وما يساعد على تأييد هذه الفرضية، هو تحريم ذكر الشيخ المغدور في المجالس وبين المريدين.
الخزنوية وبارزاني العراق
تنتمي العائلة البارزانية في العراق، وإلى يومنا هذا، إلى المدرسة النقشبندية الخزنوية. وكان الشيخ عبد السلام شقيق الزعيم الكردي المعروف مصطفى البارزاني، ومن بعده الشيخ أحمد البارزاني أحد شيوخ الطريقة النقشبندية الخزنوية.
وللعلم، فإنّ الشيخ أحمد البارزاني وقف على الحياد أثناء حرب مصطفى البارزاني مع الحكومة العراقية بين عامي 1961 و1963 شرط أن تترك الحكومة العراقية منطقة بارزان ومريديه من السكان وشأنهم.
واليوم، وبعد عدّة أعوام على حصول إقليم كردستان العراق على الحكم الذاتي، يلاحظ المراقبون تنامي الطريقة النقشبندية الخزنوية فيه وغلبتها على الطريقة القادرية، التي كانت أكثر انتشاراً فيما مضى. وباتت الخزنوية تحظى بعددٍ أكبر من الداعمين ومن المساجد التي تبنى هذه الطريقة.
وفي الوقت الراهن، يبدي الكثير من المقيمين في كردستان العراق اعتزازهم بتجربة الشيخ معشوق ويقارنونها بتجربة مسعود البارزاني.
جدلٌ دائم
يدور جدلٌ دائم في الأوساط الإسلامية حول الطرق الصوفية بشكلٍ عام والطريقة النقشبندية الخزنوية بشكلٍ خاص. ويعتقد أغلب الشيوخ أن طقوس الطريقة تخالف معتقد أهل السنة والجماعة في مسائل الإيمان، وأصول العقيدة، وأنّ لها ممارسات مبتدعة كغيرها من الطرق الصوفية. ووفقاً لهؤلاء، فإنه ينبغي الحذر من الطرق الصوفية وعدم الدخول فيها.
وحارب تنظيم “الدولة الإسلامية” الطريقة النقشبندية الخزنوية وغيرها من الطرق الصوفية. واستهدف التنظيم قرية تل عرفان والعديد من مراكز النقشبندية الخزنوية أثناء سيطرته على المنطقة. واعتبر التنظيم كل ما يقوم به الخزنويون باطلاً ولا أساس له من الدين.