وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

العلاقات الخارجية والنزاعات السورية تحت حكم حافظ الأسد

المقدمة

حافظ الأسد
صورة للرئيس السوري حافظ الأسد في 12 ديسمبر 1970 في دمشق. (Photo by AFP)

كان حافظ الأسد يهتم بالسياسة الخارجية أكثر من الشؤون الداخلية، وكان يعتبر على نطاق واسع كلاعب رئيسي على الساحتين الإقليمية والدولية. على الصعيد الإقليمي، كانت آفاق سوريا ملونة بتاريخها ككيان جغرافي يشمل جميع بلاد الشام، التي كانت مقسمة بين الفرنسيين والبريطانيين بعد الحرب العالمية الأولى، والتي تم تقسيمها أكثر في ظل الانتداب الفرنسي. وفي عهد الأسد، سعت دمشق باستمرار إلى الهيمنة على الدول المجاورة، وحتى عندما لم تتمكن من السيادة، أثبتت قوة كافية لإحباط الخطط ضدها.

أما على صعيد المنطقة، سعت سوريا إلى علاقات مع دول الخليج الغنية بالنفط التي كانت مصادر هامة للمساعدات، ومع مصر، الدولة الأكثر عدد سكان وقوة في المنطقة، رغم عدم استئناف العلاقات مع القاهرة حتى تشرين الثاني/نوفمبر عام 1989، بعد عقد من قطع دمشق علاقاتها معها بسبب توقيع الرئيس المصري أنور السادات معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979، والتي اعتبرتها سوريا بحق خرقاً كبيراً للتضامن العربي الذي من شأنه أن يسمح لإسرائيل بتحييد خصومها الآخرين الواحد تلو الآخر.

كانت علاقاتها مع العراق، التي كان يحكمها حزب البعث المنافس، متوترة جداً بشكل عام، والعلاقات مع تركيا، جارتها الشمالية، مضطربة. تمتعت سوريا بعلاقات وثيقة مع طهران بعد الثورة الإسلامية عام 1979، إذ جمع بينهما العداء المشترك تجاه العراق وإسرائيل وعدم الثقة تجاه الغرب.

ما وراء المنطقة، تم تحديد موقف سوريا وفق أولوياتها في المنطقة. وحتى انهيار الشيوعية في أواخر ثمانينات القرن العشرين، سعت سوريا إلى علاقات وثيقة مع الاتحاد السوفييتي كوسيلة لمواجهة دعم الغرب العلني لإسرائيل، والتي ارتبط تأسيسها عام 1948 بالاستيلاء على فلسطين والتطهير العرقي لشعبها. استضافت دمشق الآلاف من المستشارين العسكريين والمدنيين السوفييت والأوروبيين الشرقيين، وتم اضفاء صفة رسمية على العلاقة عام 1987 في معاهدة الصداقة والتعاون لعشرين عاماً.

أصبح الاتحاد السوفييتي المورّد العسكري الرئيسي لسوريا، وقام بإنشاء منشأة بحرية في طرطوس. واحتفظت دمشق بخطوط مفتوحة على الدوام مع الولايات المتحدة وأوروبا. وكان انهيار الكتلة السوفييتية في أواخر ثمانينات القرن العشرين نقطة تحول بالنسبة لسوريا، فقد حرمها من حلفائها الرئيسيين. وكانت ردة فعل الأسد تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة.

في الوقت ذاته، تحركت سوريا لتطوير علاقاتها مع أوروبا والاتحاد الأوروبي، والذي اعتبرته مصدراً حيوياً للمساعدات المالية ووسيطاً في النزاع مع إسرائيل قد يكون أقل انحيازاً من الولايات المتحدة الأمريكية.

استخدمت سوريا – في كثير من الأحيان وبشكل روتيني – العنف كأداة للسياسة الخارجية في ثمانينات القرن العشرين، مع أنها دفعت الثمن بعقوبات سياسية واقتصادية غربية، مما عزز بلا شك التصور الدولي لسوريا كدولة لا يمكن تجاهلها.

حرب حزيران/يونيو 1967

شاحنات مدمرة للجيش السوري
Photo HH / اضغط للتكبير

منذ الاستقلال، كانت إسرائيل ومصير الشعب الفلسطيني أولويات حاسمة في السياسة الخارجية، مع ربط الأنظمة السورية المتعاقبة شرعيتها بقدرتها على الدفاع عن الحقوق الفلسطينية والعربية ضد الإسرائيليين، واستعادة حقوق اللاجئين الفلسطينيين، ومواجهة إسرائيل ككيان استعماري، ومقاومة الهيمنة الإسرائيلية. وقّعت سوريا، التي كانت قد لعبت دوراً محدوداً وغير مؤثر في حرب عام 1948 في فلسطين بالتزامن مع إقامة دولة إسرائيل، اتفاقية هدنة مع إسرائيل عام 1949، إلا أنها بقيت في حالة حرب رسمية معها. حدثت اشتباكات عرضية على الحدود، غالباً بسبب استفزازات إسرائيلية.

كان تحرير فلسطين محور خطاب البعثيين الذين تولوا السلطة في دمشق عام 1963، إلا أن إنجازاتهم الفعلية كان محدودة. تعثرت سوريا في حرب حزيران/يونيو عام 1967 مع إسرائيل؛ وذلك في وقت كانت فيه قواتها المسلحة، غير المجهزة بالمعدات الكافية والضعيفة بسبب تطهيرها سياسياً من بعض الضباط، غير مهيأة للمعركة. وضعت الهزيمة العربية، التي أفقدت سوريا مرتفعات الجولان ومصر قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء والأردن الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، نهاية للجناح المدني الراديكالي لحزب البعث، الذي حكم دمشق منذ عام 1966. فقام حافظ الأسد، الذي كان وزيراً للدفاع في وقت الهزيمة عام 1967، بـ “حركته التصحيحية” في تشرين الثاني/نوفمبر عام 1970.

حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973

كانت استعادة الكرامة العربية والأراضي التي احتلتها إسرائيل أهداف حرب تشرين الأول/أكتوبر عام 1973 التي شنتها سوريا بالتنسيق مع مصر. لم تستعد أي منهما أي أرض، إلا أن القوات المصرية والسورية، التي تحسنت قدرتها منذ عام 1967 بفضل برامج المساعدات العسكرية السوفييتية الكبيرة، ألحقت بشكل مشرّف خسائر كبيرة بالإسرائيليين. واستعيدت الكرامة العربية، واعتبرت الحرب بمثابة انتصار في المنطقة، مما زاد من شعبية الأسد. وانتهت بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 338، الذي جسّد القرار رقم 242 الذي أنهى حرب عام 1967 وأكد على حق “كل دولة في المنطقة” في العيش في سلام. وكانت سوريا قد رفضت سابقاً القرار رقم 242، وبقبولها القرار رقم 338، قبلت رسمياً بحق إسرائيل في الوجود للمرة الأولى.

استعادة مرتفعات الجولان

مراقبو الأمم المتحدة في مرتفعات الجولان
photo Shutterstock / اضغط للتكبير

منذ ذلك الحين، أصبحت استعادة مرتفعات الجولان الهدف الرئيسي لسوريا، مع أن دمشق، التي اعترفت بالهيمنة العسكرية لإسرائيل، حاولت تجنب الصراع العسكري المباشر. وبينما دعمت دمشق محاربة الميليشيات اللبنانية والفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي للبنان، إلا أنها ركزت على الحلول الدبلوماسية لقضية الجولان. وخلال تسعينات القرن العشرين، أشار السوريون بوضوح إلى شرط التوصل إلى تسوية بانسحاب إسرائيل الكامل من هضبة الجولان مقابل توقيع معاهدة سلام رسمية معها.

وشاركت سوريا في محادثات فاشلة بهدف ضمان التوصل إلى تسوية شاملة للسلام بين العرب وإسرائيل، والتي بدأت في مدريد في تشرين الأول/أكتوبر عام 1991؛ واستمرت المفاوضات بين سوريا وإسرائيل، وذلك بوساطة أمريكية بشكل أساسي، لوقت طويل في تسعينات القرن العشرين. وأدى فوز كتلة الليكود المتشدد في انتخابات أيار/مايو عام 1996، برئاسة بنيامين نتنياهو، إلى توقف المحادثات بين سوريا وإسرائيل، لأن نتنياهو تعهد باحتفاظ إسرائيل بالجولان. وأدت عودة حزب العمل الإسرائيلي في انتخابات أيار/مايو عام 1999 إلى إحياء المحادثات مع سوريا، وجرت مفاوضات مكثفة قبل نهاية ذلك العام شملت لقاءً في واشنطن بين وزيري خارجية البلدين واجتماع قمة في جنيف بين الرئيسين بيل كلينتون وحافظ الأسد في آذار/مارس عام 2000.

ورغم فشل سوريا وإسرائيل في التوصل الى اتفاق، حيث كانت العقبة مطلب إسرائيل بضم شريط ضيق من الأراضي السورية على الشاطئ الشرقي لبحيرة طبريا (من شأنه أن يعطي إسرائيل سيطرة كاملة على حوض تصريف البحيرة بموجب القانون الدولي)، إلا أن التزام سوريا بالتوصل إلى تسوية عن طريق المفاوضات كان واضحاً.

السياسة تجاه الفلسطينيين ولبنان

دائماً ما كانت سوريا تصوّر نفسها على أنها نصيرة الفلسطينيين، غير أنها كانت تعمل بلا كلل للهيمنة على حركة الفدائيين الفلسطينية التي نشأت في منتصف ستينات القرن العشرين بعد الفشل الذريع للحكومات العربية في استرداد أي جزء من الأراضي أو الحقوق الفلسطينية. وصممت سوريا على ألّا تكون معزولة عن أية تسوية تتم بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، لذلك صُعقت باتفاقات أوسلو المشؤومة، التي تم التفاوض والتوقيع عليها بسرية تامة في واشنطن في أيلول/سبتمبر عام 1993.

كان لبنان، الذي كانت الأنظمة السورية تعتبره جزءً من أرض الوطن اقتطعه الفرنسيون، المحور الرئيسي الآخر لتدخلات الرئيس الأسد في المنطقة. اندلعت الحرب الأهلية في لبنان عام 1975، واضعة التحالف المسيحي/اليميني، المدعوم من إسرائيل، ضد التحالف المسلم/الفلسطيني/اليساري المدعوم من دمشق. وخوفاً من ظهور دولة يسارية متطرفة على حدوده واحتمال أن يسبب ذلك تدخلاً إسرائيلياً، أرسل الأسد بجيشه إلى لبنان فى حزيران/يونيو عام 1976 بطلب من الحكومة اللبنانية، وذلك للمساعدة في عكس ما حققه التحالف المسلم، ونجح في ذلك. وبقي هناك حتى أجبر على مغادرة البلاد بعد اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري عام 2005.

تطوّر الصراع المعقد في لبنان على نحو متزايد إلى صراع بين سوريا وإسرائيل، وذلك من خلال وكلائهم المحليين. وصل النفوذ الإسرائيلي ذروته عام 1982 بغزو واسع النطاق وتنصيب نظام ماروني في بيروت. تمكنت سوريا وحلفاؤها المحليون، وخاصة ميليشيا حزب الله المدعومة من إيران، من تحويل المسار ببطء وإصرار. وفي أيلول/سبتمبر عام 1990، تم فرض تسوية سياسية جديدة أعطت قدراً أكبر من التمثيل للمسلمين، وفي تشرين الأول/أكتوبر من ذلك العام، تم سحق آخر مقاومة عسكرية مسيحية. تكرست الهيمنة السورية على لبنان في معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق التي وقعها حافظ الاسد ونظيره اللبناني في ذلك الوقت الياس الهراوي في 22 أيار/مايو عام 1991. وفي أيار/مايو عام 2000، انسحبت القوات الإسرائيلية من لبنان، بعد ان قاست الخسائر في حرب العصابات المتواصلة.

Advertisement
Fanack Water Palestine