Chronicle of the Middle East and North Africa

المصالحة الفلسطينية تحت الاختبار

المصالحة الفلسطينية تحت الإختبار
حكومة الوفاق الوطني الجديدة, بعد حلفها في رام الله, 2 حزيران/يونيو 2014 / Photo HH

بعد مرور سبع سنوات من الانقسام الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس الذي بدأ في عام 2007  و مع تزايد الغضب الشعبي تجاه قيادات الفصائل المنقسمة بسبب تدهور الأحوال الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية في فلسطين جراء هذا الانقسام الفلسطيني الذي مزق نسيج المجتمع الفلسطيني وشتت أهداف الشعب الفلسطيني في التحرر من الإحتلال الإسرائيلي و تأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة  على حدود 67.

وقَع أخيراً طرفي الانقسام خلال شهر نيسان 2014 إتفاق المصالحة التاريخي الذي عرف فيما بعد باسم “اتفاق الشاطئ” ، و نتيجة لهذا التوقيع اتفق الطرفان على تشكيل حكومة وفاق وطني تتألف من 17 وزيراً من بينهم أربعة وزراء من قطاع غزة الذين لم يتمكنوا من التواجد بشكل مباشر أمام الرئيس الفلسطيني لحظة الادلاء بالقسم بسبب منع إسرائيل لسفرهم للضفة الغربية عبر معبر ايرز آنذاك، مما جعلهم يضطرون لأن يقسموا اليمين عبر تقنية الفيديو كونفرس من قطاع غزة. أما بقية الوزراء فقد كان معظمهم من الضفة الغربية ومن بينهم عدد من الوزراء في الحكومة المستقيلة، حيث احتفظ نائباً رئيس المجلس محمد مصطفى وزياد أبو عمرو، ووزير الخارجية رياض المالكي بمراكزهم. ويرأس هذه الحكومة الوطنية رئيس الوزراء، رامي الحمد لله ،الذي احتفظ أيضاً بنفس مركزه السابق.

و تتميز حكومة الوفاق الوطني  بأن كافة أعضائها هم من الشخصيات المستقلة التي حصلت على دعم متبادل من قبل حركتي فتح وحماس، وذلك من أجل أن تنال هذه الحكومة اعترافا دوليا من قبل أعضاء المجتمع الدولي الذين رحب بالفعل معظمهم  بهذه الحكومة، بالرغم من المحاولات الإسرائيلية لإفشالها.

لكن ما يثير الانتباه هنا ، هو مدى إندهاش الشعب الفلسطيني وفي ذات الوقت عدم اكتراثه من سرعة توقيع اتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس المتنافستين على الحكم بشكل ملحوظ، لا سيما أنه قد حدث بالسابق العديد من  النقاشات  و الاجتماعات في غزة وخارجها من أجل إدارة الخلافات الجوهرية بين  الحركتين عبر لجان المصالحة الفلسطينية  وعبر وساطات عربية  و التي كانت تنتهي في كل مرة  بالفشل المؤكد مما جعل المواطنين الفلسطينيين يشعرون بالإحباط وخيبة الأمل.

لكن هذه المرة فقد كان الأمر مختلفاً كلياً، حيث وقَع بالفعل ممثلي حركة فتح وحماس  إتفاق المصالحة التاريخي خلال يوم واحد فقط ، الأمر الذي يدعونا هنا للتساؤل حول الأسباب الحقيقية التي أدت الي موافقة الطرفين للتصالح بشكل جدي و سريع  وتشكيل حكومة جديدة بعد عدة محاولات متعثرة بالسابق.

حركة حماس

Palestinian Doctors of the formerly Hamas-run government in the Gaza Strip protest to demand their salaries, 24 June 2014 / Photo APAimages/REX
يتظاهر أطباء لحكومة حماس السابقة في قطاع غزة ليطالبون برواتبهم, 24 حزيران/يونيو 2014 / Photo APAimages/REX

لذا لو أردنا التحدث عن أسباب موافقة حركة حماس للتنازل عن حكومتها بقطاع غزة و التصالح مع فتح ، نستطيع القول بأن حركة حماس تكبدت أثناء إدارتها لقطاع غزة الكثير من الخسائر و الأعباء المالية  من أجل توفير رواتب شهرية لموظفين حكومتها السابقة الذين لم يتقاضوا رواتبهم الشهرية بشكل كامل  منذ ستة أشهر. و مع اغلاق الإنفاق الحدودية مع مصر و تراجع تمويل بعض الدول الاسلامية  لحركة حماس ، بدأت تشعر الحركة مؤخراً  بالضغط و بعجز مالي لتلبية متطلبات إدارتها  لقطاع غزة،  لذلك رأت قيادات الحركة بأنه من الأفضل أن تتخلى حماس عن مسئوليتها المالية  والادارية تجاه القطاع و أن تنقل تلك المسئولية الجسيمة إلي الحكومة الجديدة مع الاحتفاظ  في ذات الوقت بنفس الهيكلية الأمنية التي أسستها حماس في القطاع ، مما سوف يجعل الحركة تركز أكثر على تمويل عناصر المقاومة التابعة لأجنحتها العسكرية  من أجل الاستعداد لحرب التحرير المقبلة  ضد إسرائيل حسب اعتقاد ورؤية حركة حماس لقضية الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني.

ومن الأسباب الأخرى التي جعلت حماس توافق أيضاً على هذه المصالحة ،هو رغبتها بتحسين صورتها في الشارع الفلسطيني بعد أن تم اتهامها من قبل بعض الفصائل السياسية بأنها احدى  أسباب الانقسام الفلسطيني وتشتت القضية الفلسطينية. لذلك ترغب حماس  بمصالحتها هذه مع فتح بأن  ترفع من  شعبيتها عند الشعب الفلسطيني، خاصة في الضفة الغربية، بحيث تسوق نفسها بأنها مشروع مقاومة  فقط بالرغم من عدم اخفاء نيتها بالترشح للرئاسة في حال حدوث أية انتخابات رئاسية جديدة ، حيث كشف مسؤول العلاقات الخارجية بحركة حماس الدكتور أسامة حمدان لصحيفة الرسالة عن توجه لدى الحركة بدراسة المشاركة في الإنتخابات الرئاسية الفلسطينية.

حركة فتح

أما بالنسبة لحركة فتح ، فمن أهم أسباب لجؤها للمصالحة مع حماس هو تعثر مفاوضات السلام بين السلطة الفلسطينية و الحكومة الاسرائيلية ، حيث مازالت اسرائيل تطالب الرئيس محمود عباس بضرورة الإعتراف بيهودية الدولة وبتقديم مزيد من التنازلات في قضية القدس و الحدود، الأمر الذي رفضه عباس بشدة خاصة مع رفض اسرائيل الافراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى،  مما أدى الي شعور حركة فتح بخيبة الأمل من اجراءات الحكومة الاسرائيلية. ووجدت الحركة أن المخرج الوحيد لها من أجل عدم فقدان شرعيتها في الشارع الفلسطيني هو التصالح مع حركة حماس وتقديم لها بعض التنازلات المتعلقة بإدارة الشئون الأمنية لقطاع غزة  وامكانية دفع رواتب موظفي حكومة حماس السابقة.

لذلك نستطيع القول بأن إتفاق المصالحة الفلسطينية كان بالنسبة للرئيس عباس وحركته فتح بمثابة تحدي لحكومة نتانياهو ورد قوي على بعض أعضاء الحكومة الإسرائيلية الذين اتهموه  مرارا بأنه لا يحكم غزة ، لكن بعد توقيع إتفاقية المصالحة و إنشاء حكومة التوافق الوطني برئاسة عباس، يمكننا  القول بأن عباس قد أرسل رسالة مباشرة للإسرائيليين مفادها أنه يحكم غزة أيضاً  و لا يوجد الأن أي حجة أو مبرر أمامهم  لعدم التفاوض معه في المستقبل ، فقد اعتادت الحكومة الاسرائيلية  بالسابق للترويج  لفرضية  أن عباس فاقد الشرعية و لا يمثل  كافة أفراد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية و القطاع.

التحديات القادمة

Israeli soldiers walk past a Palestinian house in the hills of Halhoul, near Hebron, in a military operation to find three kidnapped Israeli settlers, 22 June 2014 / Photo eyevine/HH
جنود إسرائيليون قرب من منزل فلسطيني في حلحول, قريب من الخليل, في الحملة العسكرية للبحث عن ثلاثة مستوطنين مختطفين, 22 حزيران/يونيو 2014 / Photo eyevine/HH

ومع تدهور الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة، وغليان الشارع الغزي وتصاعد الإحتجاجات من قبل موظفي حركة حماس الذين لم يتقاضوا رواتبهم بالكامل منذ عدة أشهر ، تمر المصالحة الوطنية وحكومتها في هذه الفترة بإختبار صعب، فقد تم إغلاق البنوك  بغزة نتيجة غضب موظفي حكومة حماس السابقة ومطالباتهم  للحكومة الجديدة بدفع رواتبهم كاملة مثلما  يتم دفع رواتب موظفي السلطة الفلسطينية القدامى، الأمر الذي يشكل أكبر تحدي أمام هذه الحكومة الجديدة من أجل توفير رواتب لحوالي 46 ألف موظف جديد اضافة لموظفي السلطة القدامى، و تجد حكومة الوفاق الوطني أيضا صعوبات أخرى أمامها تتلخص في قضيتي التفاوض مع الجانب المصري من أجل فتح معبر رفح البري و التنقل بين الضفة الغربية وقطاع غزة،حيث تمنع  السلطات الاسرائيلية أعضاء حكومة التوافق من السفر عبر معبر ايرز.

أما على الصعيد الأمني فهناك تحديات كبيرة أخرى أمام المصالحة الفلسطينية وحكومتها  حدثت بسبب تدهور الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية  مؤخراً نتيجة لاختطاف ثلاثة مستوطنين إسرائيليين،  الأمر الذي أدى الي اشتعال الأوضاع الأمنية في الضفة ، و جعل إسرائيل تقوم بحملة عسكرية كبيرة في الخليل وكافة أنحاء الضفة الغربية  مسببة بذلك احراجاً كبيرا للرئيس عباس الذي طالبته بشكل مباشر بالتعاون معها بناءً على اتفاقيات التنسيق الأمني المبرمة  بين الحكومة الاسرائيلية و السلطة الفلسطينية  ، الأمر الذي يضع المصالحة الفلسطينية مرة أخرى في اختبار أصعب من ناحية صمودها واستمرارها مع تزايد الاتهامات الموجهة من قبل الفلسطينيين ضد  السلطة الفلسطينية بأنها  تتعاون مع الاحتلال الاسرائيلي في قضية إعادة المختطفين الاسرائيليين. وقد أعلن الرئيس عباس بشكل صريح أثناء مؤتمر وزراء خارجية الدول الاسلامية  بجدة أن التنسيق الأمني مع إسرائيل هو ضروري ولمصلحة الشعب الفلسطيني حسب تعبيره  و أنه سوف يحاسب الجهة التي اختطفت المستوطنين ، لأنه يعتقد أن هدف هذه العملية هو إعادة الفوضى لأراضي السلطة الفلسطينية  ، وهنا نلمح إشارة واضحة بأنه هناك إحتمالية كبيرة لتفكك المصالحة بين حركتي فتح وحماس  خاصة أن السلطة الفلسطينية برام الله بدأت تشعر بأن حماس قد تخطط لإحداث انتفاضة فلسطينية ثالثة في الضفة الغربية من شأنها أن تزعزع استقرار حكمها في الضفة الغربية و أن تخلط الأوراق السياسية في المنطقة.

و أخيراً، لا أحد يستطيع أن يحكم الأن على هذه المصالحة الفلسطينية بالنجاح و الإستمرار، بل هي معرضه لخطر التفكك و الانشقاق ،وقد يتم افشالها في أي لحظة من قبل احدى الطرفين ، فالجميع يترقب وينتظر ما ستؤول اليه الأوضاع الأمنية المشتعلة في الضفة الغربية و الأوضاع الاقتصادية المتردية  في قطاع غزة ، الأمر الذي سينعكس بشكل مباشر على اتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس. لذلك فإن  السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل ستستطيع حكومة المصالحة الفلسطينية الصمود أمام كل هذه التحديات الكبيرة التي تواجها حاليا على كافة الأصعدة السياسية و الاقتصادية و الأمنية ؟

Advertisement
Fanack Water Palestine