على الرغم من حقيقة أن المناطق الفلسطينية ليست دولة مستقلة بذاتها، ولا تمتلك حدود خاصة بها، إلا أنّ الأراضي الفلسطينية (القدس الشرقية، والضفة الغربية، وقطاع غزة) تستقطب عدد كبير من الزوار سنوياً، وذلك لزيارة الأماكن والمواقع الدينية والتاريخية الفريدة من نوعها في العالم.
تعد فلسطين مهد حضارات تاريخية عديدة كنعانية و بابلية وآشورية ويونانية وفينيقية ورومانية وعبرية ومسيحية وإسلامية، مما أكسبها نموذجاً حضارياً وثقافياً مميزاً، خلّف وراءه كنوزاً ثمينة من الآثار التاريخية والدينية، تخصها دون سواها، إضافةً إلى كون مدنها مدناً سياحية بحد ذاتها. ساعد المناخ المعتدل صيفاً والدافئ شتاءً أن تكون فلسطين محجاً لكل الهوايات والأذواق من مختلف الأجناس، ولقد شكلت التضاريس المختلف تنوعها، على الرغم من صغر بقعتها الجغرافية الى تنوع حيوي مذهل في المنتجعات الطبيعية الباهرة، فهناك المناطق الساحلية على شواطئ البحر المتوسط، وهناك منطقة البحر الميت المتميز بملوحته الشديدة- أخفض بقعة على سطح الأرض، بالاضافة الى الجبال والسهول الواسعة، وأقدم مدينة بناها الانسان “أريحا“.
هذه المعطيات أعطت فلسطين ميزة قلما توجد في آماكن أخرى، ولذا تُقسم السياحة في فلسطين إلى عدة انواع، أهمها السياحة الدينية المتعلقة بزيارة الاماكن الدينية والتي يُقدسها أبناء الديانات السماوية الثلاث (الإسلام والمسيحية واليهودية) ، والقسم الثاني المتعلق بالسياحة الثقافية وزيارة المناطق الـثرية، أما القسم الثالث فهو متعلق بالسياحة العلاجية في حوض البحر الميت.
فتعتبر فلسطين مركز يضم أقدس الكنائس لدى أتباع الديانة المسيحية؛ وثالث أعظم المساجد لدى المسلمين. ففي مدينة بيت لحم هناك كنيسة المهد، وفي القدس الشريف توجد كنسية القيامة، وكلٌ من المسجد الاقصى المبارك، مسرى النبي محمد، وقبة الصخرة المشرفة. ويقع المسجد الأقصى على جبل الهيكل، أقدس المواقع في الديانة اليهودية، إذ يوجد عند سفحه الحائط الغربي، أو حائط المبكى كما هو معروف، أقدس مكان يتوجه إليه اليهود للصلاة.
الوضع السياحي الحالي في فلسطين
مناطق الجذب الدينية والأثرية والطبيعية المذكورة أعلاه، عززت المكانة الاقتصادية والثقافية للأراضي الفلسطينية وكذلك الهوية الفلسطينية. فعلى سبيل المثال، باتت الكوفية الفلسطينية المزركشة باللونين الأبيض والأسود، رمزاً عالمياً للتراث والهوية الفلسطينية منذ عقود.
وعلى الرغم من العمل الدؤوب من قبل السلطة الفلسطينية من أجل رفع مستوى قطاع السياحة في فلسطين، ومنها جهود وزارة السياحة والاثار لفتح أسواق جديدة مع عدد من دول العالم في أمريكا اللاتينية وروسيا وأوروبا، إلا أن قطاع السياحة عام 2015 قد شهد تراجعاً حاداً بعد بداية مشجعة في النصف الاول من العام، ويرجع السبب في المقام الاول للمواجهات التي إندلعت في الضفة الغربية والقدس الشرقية منذ بداية شهر أكتوبر للعام الماضي. حيث أورد تقرير نُشر في وكالات الاعلام الفلسطينية بأن نسبة إنخفاض السياحة في فلسطين بلغت حوالي 11% إلى 2,23 مليون زائر، مقارنةً مع ما يقرب من 2,53 مليون زائر عام 2014. شكل هذا بحد ذاته تراجعاً عن الأعوام السابقة بسبب الحرب الاسرائيلية على غزة والتي امتدت طوال الصيف.
وفي بيان صادر عن وزارة السياحة الفلسطينية أوضحت وزيرة السياحة والأثار، رولا معايعة “بأن الأحداث التي تشهدها فلسطين أدت إلى تراجع أعداد السياح القادمين الى أقل من مليونين ونصف المليون سائح وهو عدد قليل مقارنة بالعام 2104″، حيث كان من المتوقع وصول أعداد كبيرة من السياح إلى فلسطين خاصة بعد إلغاء العديد من الدول الأوروبية لمواطنيها حظر السفر للمناطق الفلسطينية، الذي فرض بعد الحرب على غزة عام 2014، ولكن مع تصاعد الاحداث في الضفة الغربية والقدس تم تسجيل عدد كبير من إلغاء أو تأجيل الحجوزات.
التراجع في أعداد السياح رافقه تراجع حاد أيضاً في ليالي المبيت في فلسطين، حيث أقام خلال العام 2015 في الاراضي الفلسطينية 981.315 سائحاً مقابل 1.211.561 في العام الذي سبقه. فمن منظورٍ اقتصادي، لن تستطيع هذه الفنادق الصمود في ظل ارتفاع تكاليف تشغيل الفنادق، سيما أجور الموظفين، إذا كانت معدلات الإشغال منخفضة. هذه الارقام تدل على حجم الخسائر التي يتكبدها قطاع السياحة الذي يشكل ما يقارب من حوالي 15% من اجمالي مصادر الدخل القومي الفلسطيني.
المعيقات أمام تطور السياحة في فلسطين
يعتبر قطاع السياحة في فلسطين من القطاعات المهمة في الناتج القومي الفلسطيني، ولكنه يُصنف بالقطاع “غير المستغل” بالشكل الأمثل. فمنذ إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994 تم الاهتمام بالقطاع السياحي كونه يمكن أن يشكل مصدر دخل مهم من مجموع الناتج المحلي، وعليه تم إنشاء وزارة خاصة تحمل إسم وزارة السياحة والأثار لتعزيز السياحة والحفاظ على المواقع الأثرية.
كغيرها من المؤسسات الفلسطينية الآخرى، أصطدمت الوزراة بمجموعة من المعيقات والعراقيل الإسرائيلية التي وضعت أمام السائح الاجنبي لدخول مناطق السلطة الفلسطينية مثل الاستجواب المطوّل عند الوصول والمغادرة، كما فرضت الشركات السياحية الإسرائيلية شروطًا على المجموعات السياحية القادمة من مختلف بقاع العالم لزيارة الأراضي المقدسة، ومن ضمنها الإقامة في فنادق إسرائيلية. وبالتأكيد فإن هذا ممكن بسبب سيطرة إسرائيل على المجال الجوي، إذ يعتبر مطار بن غوريون في تل أبيب نقطة الوصول الجوية الوحيدة، فضلاً عن سيطرة سلطات الاحتلال على الحدود والمعابر مع الدول المجاورة. يؤثر هذا إلى حدٍ كبير على تنمية قطاع السياحة ويؤدي إلى تقلبات مستمرة في أعداد الزائرين والدخل.
بسبب المعيقات التي تفرضها سلطات الاحتلال الاسرائيلية عملت السلطة الوطنية الفلسطينية جاهدة، منذ أن تم الاعتراف بدولة فلسطين بصفة دولة “غير عضو في الأمم المتحدة” نهاية عام 2012، من أجل الإنضمام لعضوية منظمة السياحة العالمية لكي تتمكن من تجاوز العقبات التي يفرضها الاحتلال أمام تطور وانتشار السياحة الفلسطينية. ولقد إنضمت فلسطين بشكل رسمي لعضوية منظمة السياحة العالمية وتم الاعلان عنه بالمؤتمر الدولي للسياحة العالمية الذي عقد بتاريخ 15 يونيو 2015 في مدينة بيت لحم، حيث حضر اللقاء شخصيات سياسية عالمية ومن دول عديدة.
بعيداً عن الاسباب السياسية والأمنية التي ترافق الوضع في فلسطين، فأن مما لا شك فيه بأن قطاع السياحة في فلسطين يعتبر هش وفي بداياته. فهناك ضعف واضح في الإستثمار السياحي المتمثل في المنشآت والفنادق والمطاعم السياحية، وهناك ضعف في البنية التحتية في الأماكن والمدن السياحية، ما يؤدي الى قصر إقامة السائح الأجنبي في الأراضي الفلسطينية، وهناك نقص في القدرات والخبرات السياحية المؤهلة، وضعف في التسويق الخارجي للسياحة الفلسطينية، وهناك غياب واضح للوعي بأهمية السياحة عند المواطنين، يضاف إلى ذلك كله عدم القدرة على منافسة الشركات السياحية الإسرائيلية. كل ذلك يؤثر على جودة القطاع السياحي ويشير الى الحجم الكبير الذي ينتظر قطاع السياحة للعمل عليه.