المقدمة
انتهى حكم المماليك عام 1516 من قبل مجموعة أخرى من الغزاة من الشرق، الأتراك العثمانيين، الذين كانوا قد تحولوا إلى الإسلام. في القرون الأربعة التالية (مع توقف قصير في النصف الأول من القرن التاسع عشر)، شكلت فلسطين جزءً من الإمبراطورية التركية العثمانية. في البداية امتدت الإمبراطورية من البلقان والشرق الأوسط إلى شمال إفريقيا. فقد كانت واسعة إلى حد بعيد لاستعمارها من قبل الأتراك، وفي أحسن الأحوال كان يمكن إبقاءها تحت نفوذهم بقوة السلاح وبمساعدة موظفي الخدمة المدنية (المحليين جزئياً). وكانت تحكم من اسطنبول، والتي كانت تعرف سابقاً باسم القسطنطينية.
كان السلطان هو رأس الإمبراطورية التركية العثمانية، والذي حلّ محل الخلفاء العرب ولعب دور أعلى سلطة دينية في الأمة. وكان الإسلام هو العامل الإيديولوجي الرابط في الإمبراطورية العثمانية المتعددة الأعراق. وحافظت الطوائف الدينية المنتمية إلى “أهل الكتاب” على وضع الحماية اعتماداً على نظام ما يسمى بـ “الملة”، والاستقلال الذاتي عندما يتعلق الأمر بالمسائل الداخلية.
بلاد الشام
في القرون التالية، انقسمت بلاد الشام – أهم منطقة عربية في الإمبراطورية – مراراً وتكراراً إلى مناطق إدارية. واختفت تسمية جند فلسطين. وفي القرن التاسع عشر، أبقت حكومة اسطنبول على مصطلح أرض فلسطين. وفي الانقسام الأخير، في ثمانينات القرن التاسع عشر، اندمج القسم الشمالي لفلسطين مع محافظة بيروت. في حين أصبح الجزء الجنوبي سنجق القدس، والذي كان يدار مباشرة من اسطنبول.
القدس
كان إنشاء منطقة القدس المنفصلة بتحريض قوي من القوى الغربية (المسيحية): بريطانيا العظمى وفرنسا وروسيا، والتي كانت قد أسست علاقات وثيقة مع مختلف الطوائف المسيحية. وتمكنت عن طريق هذه الطوائف من اختراق الإمبراطورية العثمانية التركية، وقد تيسر لهم ذلك من واقع أن الإمبراطورية العثمانية، وبعد قرون من النمو، كانت في انحدار، مما أدى من بين أمور أخرى إلى خسارة أرض البلقان. وازداد الأمر صعوبة على اسطنبول للدفاع عن نفسها مقابل رغبة القوى الغربية بالتوسع.
إعادة التنظيم
في محاولة للحفاظ على تماسك دولتهم، قام الأتراك العثمانيون بإعادة تنظيم شامل للإمبراطورية في النصف الأول من القرن التاسع عشر (التنظيمات). وقد ركزت على قدر أكبر من مركزية الإدارة، بانتظار أن يعطي هذا دفعة قوية للاقتصاد. وتم إعادة تنظيم جباية الضرائب بشكل جذري وخصخصة الممتلكات. كما تم إدخال الخدمة العسكرية الإلزامية. في البداية، كان للتدابير المتخذة، إلى جانب زيادة العلاقات التجارية مع الغرب، أثراً ايجابياً بالفعل.