المقدمة
ينبغي النظر إلى التطور التاريخي لحدود فلسطين في الإطار الأوسع لمنطقة بلاد الشام بالكامل. ففي معظم تاريخها، كانت فلسطين تشكل جزءً إقليمياً مما يسمى بـ “سوريا الكبرى“. ولبضعة قرون فقط، كانت فلسطين تتألف من ممالك أكبر منفصلة؛ ولكن خلال معظم تاريخها كانت تشكل منطقة سوريا التاريخية الإقليمية.
في الآونة الأخيرة فقط تم تقسيم بلاد الشام إقليمياً إلى أربع دول منفصلة، وذلك كنتيجة للمصالح السياسية – الجغرافية الغربية إلى حد كبير. وهذه الدول اليوم هي: سوريا ولبنان والأردن وإسرائيل، وتم إقامة الدولة الأخيرة فوق التراب الفلسطيني عام 1948. تقلصت سوريا بحد ذاتها إلى منطقة تغطي أقل من 60% من حجمها الأصلي، وفلسطين إلى ثلث ما كانت عليه من قبل. كما خضعت فلسطين إلى مزيد من التقسيم عام 1948 عندما أصبح ثلاثة أرباع ما تبقى منها تحت سيطرة دولة إسرائيل الناشئة حديثاً.
فلسطين في بلاد الشام
صورة فضائية لإسرائيل والبلدان المجاورة Photo Eosnap/Chelysتم تحديد حدود فلسطين إلى حد كبير من خلال تضاريس الجبال والوديان الواقعة بين البحر المتوسط والصحراء الشرقية. تمتد حدود فلسطين طولاً من الشمال إلى الجنوب، وتغطي شريطاً أضيق من الغرب إلى الشرق. يشكل شق الوادي الطولي لنهر الأردن الذي يجري من الشمال إلى الجنوب بين سلسلتين جبليتين متوازيتين العمود الفقري للبلاد. ويتفرع من كلا الجانبين العديد من الوديان الصغيرة، تنحدر غرباً وشرقاً. وفي بعض الأماكن تصبح هذه الوديان أعرض وأكبر، مشكّلة ودياناً أكبر تقطع السلاسل الجبلية. وهي مستويات التضاريس الرئيسية للجبال والوديان التي يمكن أن تتحول الحدود الطبيعية فيها بسهولة إلى حدود إقليمية إدارية.
فلسطين السورية
عرفت بلاد الشام عبر تاريخها الطويل روابط ثقافية ولغوية قوية. وتعرف باسم كنعان وسوريا، إشارة إلى هويتها الثقافية والجغرافية. ولاحقاً، بعد ضمها إلى الكومنولث العربي الإسلامي، أصبح الشرق السوري يعرف باسم “بلاد الشام، والذي ينطوي على مفهوم “الشمال” أو “اليسار”، كما يرى من منظور مدينة مكة”.
حتى القرن التاسع عشر، كان يفهم من الشام أو سوريا كل المنطقة الواقعة بين البحر المتوسط والصحراء، من لواء إسكندرون في الشمال إلى خليج العقبة في الجنوب. وكان مركزها دمشق، المعروفة بشكل عام في المنطقة بأسرها باسم “الشام” ، والتي عملت كمدخل رئيسي لجميع المناطق الإقليمية والبلدان الأبعد. وعلى الرغم من قواعدها الموحدة، تعرضت سوريا أيضاً لقوى تقسيم قوية، وبشكل أساسي في المجالين الديني والسياسي.
تم ضم معظم ممالك المدن القديمة في العصر البرونزي في ممالك إقليمية أكبر في العصر الحديدي. وأصبحت سوريا تتألف من المنطقة الشمالية والجنوبية، وجبال لبنان ومنطقة دمشق في الوسط. وكانت هذه المناطق بحد ذاتها مقسمة إلى جزء غربي على طول الساحل والذي تميز بالمدن التجارية، وجزء شرقي من المناطق الريفية الأقل اكتظاظاً بالسكان في المناطق الجبلية الداخلية.
الرومان
الامبراطورية الرومانيةأصبحت المنطقة الجنوبية معروفة بأسماء مختلفة وفق وجهة النظر المعتمدة. فقد أصبحت المنطقة الساحلية المتحضرة تدعى فلسطين. وعادة فاقت هذه التسمية الأسماء التي كانت تعرف بها المناطق الريفية الداخلية. ولكن، في الفترات التي كان لهذه المناطق نفوذ كبير فيها، كانت أسماؤها تطلق على المنطقة بأكملها. وقد حدث هذا بشكل واضح في العصر الهلنستي عندما سيطرت مملكة يهوذا الكهنوتية على معظم فلسطين السورية، مضيفة اسمها إلى المقاطعة التي شكلها الرومان عندما ضموا المملكة إلى الإمبراطورية.
تم إعادة التسمية السابقة، بعد قمع ثورة اليهود عام 70 م، وأعاد الرومان تسمية المقاطعة باسم منطقة فلسطين الساحلية. وكانت تغطي جنوب سوريا من شاطئ البحر الأبيض إلى الصحراء الشرقية.
فلسطين في الإمبراطورية العربية
أقر الخلفاء العرب الذين خلفوا حكام الإمبراطورية البيزنطية الحدود الإقليمية للإمبراطورية إلى حد كبير، مع مجرد إضافة وحدة إدارية تسمى “الأردن” إلى الشمال الشرقي من فلسطين. وعند انهيار الخلافة في العصور الوسطى، احتل فرسان الفرنجة غرب الساحل السوري، والذين أحدثوا عدداً من الإمارات الصليبية حيث تحتل مملكة القدس مكاناً بارزاً بينها، والتي امتدت عبر أجزاء من فلسطين.
نجحت سلالات إسلامية جديدة، غالباً من أصل تركي، تدعى بالمماليك، بطرد الصليبيين في القرن الثالث عشر وتوحيد سوريا ومصر. وقاموا بإدخال نظام حديث أكثر تعقيداً للإدارة الإقليمية. وكان يتألف من محافظات إقليمية أكبر، سميت باسم العواصم الإدارية الإقليمية. أصبحت فلسطين مقسمة إلى محافظتين إقليميتين: غزة وصفد، مع تخصيص المنطقة الجبلية الداخلية لمحافظة دمشق الأكبر.
في القرن السادس عشر، اكتسبت سلطنة الأتراك العثمانيين الهيمنة الإقليمية ووسعت مملكتها لتشمل معظم أنحاء العالم العربي. غيرت السلالة الجديدة قليلاً في النظام الحالي للولايات الإقليمية. وهذه تم تقسيمها إلى أحياء (سناجق) وأحياء فرعية (أقضية). وأصبح الجزء الجنوبي من سوريا إيالة دمشق، وتشمل كل من فلسطين التاريخية على جانبي نهر الأردن، والقدس و نابلس وعكا و غزة كسناجق رئيسية.
تجزئة سوريا
في القرن التاسع عشر، بدأت تركيا العثمانية، التي كان ينظر إليها على أنها “رجل أوروبا المريض”، تخسر الأراضي لصالح بريطانيا وفرنسا وروسيا في مناطق ذات أهمية إستراتيجية. وأصبحت ولاياتها السورية وبلاد ما بين النهرين، الواقعة على طول الطرق الرئيسية إلى إفريقيا والشرق الأقصى، أهدافاً رئيسية للتدخل الغربي الجغرافي السياسي. وتمت السيطرة على كلا المنطقتين ديموغرافياً من قبل الأقليات الدينية، والتي دفعت الصراعات فيها تركيا للقيام بتدابير كثيراً ما كانت تشجب في العواصم الغربية على أنها قمعية.
بالنتيجة قامت تركيا العثمانية بفصل مناطق ساحلية عن ولاية دمشق في القرن التاسع عشر لممارسة سيطرة محكمة واسترضاءً للإمبراطوريات الأوروبية. نتج عن ذلك نشوء ولاية بيروت المنفصلة وسنجق القدس المنفصل وسنجق جبل لبنان، والتي منذ ذلك الحين كانت تحكم مباشرة من قبل اسطنبول. وتم منح كل من السنجقين حقوقاً مجتمعية دينية خاصة، والتي عادلت الحكم الذاتي لجبل لبنان. ونتيجة لذلك، تم تقسيم فلسطين إلى جزء شمالي تحت ولاية بيروت، وجزء أوسط تتم إدارته مثل سنجق القدس، وجزء شرقي عبر نهر الأردن بقي مع ولاية دمشق الأصلي.
دولة إسرائيل
كانت الحدود المفروضة قد قلصت فلسطين التاريخية إلى حوالي نصف حجمها الأصلي. وحدث تقليص كبير آخر نتيجة توصية الأمم المتحدة عام 1947 بتقسيم فلسطين إلى دولة يهودية ودولة عربية. أعقب انتهاء الانتداب البريطاني لفلسطين في أيار/مايو عام 1948 إعلان دولة إسرائيل.
تم فرض اتفاقية هدنة إجبارية بعد عدة جولات من الأعمال العدائية بين إسرائيل والقوات العربية المسلحة، والتي نتج عنها ما يسمى بخطوط الهدنة عام 1949. وهذا ما قلّص فلسطين العربية إلى 22% فقط من حجمها الأصلي، وهو أقل من نصف الحصة التي وضعتها خطة تقسيم الأمم المتحدة. فصلت هذه الخطوط إسرائيل عن أراضي الدول العربية المجاورة، وسيطرت دولتان منها على المناطق الفلسطينية غير المحتلة من قبل إسرائيل. والتي شملت قطاع غزة الذي تديره مصر في الغرب، وما أصبح يدعى بالضفة الغربية التي ضمتها المملكة الأردنية الهاشمية.
عنى غياب السلام بين إسرائيل وجيرانها العرب أن تحل خطوط هدنة عام 1949 محل الحدود الدولية التي وضعتها بريطانيا العظمى وفرنسا بعد الحرب العالمية الأولى. وتعود الحدود الغربية مع مصر إلى عام 1906، والحدود الشمالية مع سوريا و لبنان إلى عام 1923، والحدود الشرقية مع الأردن إلى عام 1920.
بصرف النظر عن فلسطين، تبعت خطوط هدنة عام 1949 بشكل قريب مسار الحدود الدولية الموضوعة سابقاً، ما عدا في الشمال حيث تمكنت سوريا من الاحتفاظ بأراضٍ مقابل القوات الإسرائيلية في عدد من الأماكن، واستعادة الوصول التقليدي إلى نهري اليرموك والأردن الأعلى والجزء الشمالي الشرقي من بحيرة طبريا.
اشترطت اتفاقية الهدنة بين إسرائيل وسوريا عدداً من المناطق المنزوعة السلاح والتي أصبحت مناطق نزاع حامية عندما حاولت إسرائيل السيطرة عليها. وسريعاً ما تصاعدت المناوشات على هذه المناطق إلى اشتباكات عنيفة حول مناطق مصبات نهري اليرموك والأردن في بحيرة طبريا، والتي حولتها إسرائيل إلى احتياطي مياه استراتيجي خاص لري النقب الشمالي، بينما قصفت السدود الأردنية والسورية والقنوات التي كان يجري بناؤها لضمان حصتيهما من هذه المياه. ولم تنته أحداث العنف إلا عندما غمرت كامل المنطقة حرب حزيران/يونيو عام 1967.
حرب حزيران/يونيو عام 1967
أسفرت حرب حزيران/يونيو عام 1967 عن احتلال إسرائيل للضفة الغربية للأردن (التي احتلتها في الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948-1949) وقطاع غزة (الذي احتلته مصر عام 1948-1949) وصحراء سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية. وتم استبدال خطوط هدنة عام 1949 بمجموعة جديدة من الخطوط مرفقة باتفاقات وقف إطلاق النار لعام 1967. مرّت هذه الخطوط على طول قناة السويس في الغرب ونهر الأردن في الشرق ومرتفعات الجولان في الشمال.
في بداية الثمانينات، أعادت إسرائيل سيناء مقابل معاهدة سلام مع مصر. وكانت هذه أول حدود معترف بها قانونياً مع واحدة من الدول المجاورة. وبعد ذلك بوقت قصير، ضمت إسرائيل القدس الشرقية والمناطق المحيطة بها ومرتفعات الجولان. وقد أدان المجتمع الدولي كل من عمليتي الضم وأعلن بطلانهما.
نشأت الاضطرابات في الشمال وتصعّدت عندما غزت إسرائيل لبنان عام 1982 واحتلت الجزء الجنوبي منه حتى عام 2000 عندما أجبرت المقاومة المسلحة لحركة حزب الله، المتأصلة في السكان الشيعة المحليين، إسرائيل على الانسحاب – مع أنه لم يكن كاملاً. ولا تزال إسرائيل تحتل قرية الغجر وما يدعى بمزارع شبعا المجاورة، والتي تطالب لبنان بكل منهما. لا تزال مشكلة الحدود الشمالية معلقة نتيجة المطالبات اللبنانية، والتي تشكل مصدر توتر يؤدي إلى حالة حرب دائمة، كما حدث في صيف 2006.
في بداية حرب الخليج وما يسمى بمحادثات مدريد، كانت الظروف مواتية للتوصل إلى حل للخلافات الإقليمية العالقة مع الأردن، والذي سهّل له قرار ملكي (تموز/يوليو 1988) بالتخلي عن كل المطالبات بالضفة الغربية. ووقعت كلا الدولتين معاهدة سلام عام 1994 (انظر اتفاقات أوسلو في المفاوضات العربية الإسرائيلية). أما النزاعات الحدودية الوحيدة الباقية فهي مع لبنان و سوريا وفلسطين.
التوسع الإقليمي
اشترط اتفاق أوسلو عام 1993 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية إجراء مفاوضات بين الجانبين بهدف التوصل إلى وضع دائم متفق عليه لفلسطين، في انتظار إيجاد حل لقضايا مثل القدس و المستوطنات اليهودية و المياه والأمن واللاجئين والحدود.
منذ احتلال الضفة الغربية و قطاع غزة عام 1967، لم تظهر إسرائيل اعتباراً للتسوية، وفق الجانب الفلسطيني. بل على العكس، فبالاسترشاد بما يسمى بخطة ألون، حددت إسرائيل أمنها الجغرافي السياسي بطريقة تلغي التماسك الجغرافي الفلسطيني بشكل فعال. في المقام الأول، عن طريق عزل فلسطينيي الضفة الغربية عن مجتمع اللاجئين الفلسطينيين الأكبر حجماً في الأردن بسلسلة من المستوطنات في وادي الأردن. وفي المقام الثاني، عن طريق تغليف القدس الشرقية بحزام من المستوطنات حول المدينة. وفي المقام الثالث، من خلال فتح داخل الضفة الغربية للاستيطان من قبل اليهود بهدف تفتيت المناطق الفلسطينية المأهولة.
أشار بناء إسرائيل لما يسمى بـ “جدار الفصل” (فيما بعد الجدار)، والذي بدأ عام 2002، إلى مسار جديد فيما يتعلق بخطة ألون الأولية. والتبرير الرسمي له هو الحاجة لمنع التفجيرات الانتحارية الفلسطينية، ويشير مسار الجدار الفعلي فوق الضفة الغربية إلى أهداف إقليمية إضافية. وعلى الرغم من بنائه في المقام الأول ضمن الضفة الغربية، إلا أنه يتبع جزئياً ما يسمى بالخط الأخضر (خط الهدنة بين إسرائيل والضفة الغربية)، ويسبب مساحات فراغ عميقة في أماكن متعددة، ويضع المستوطنات الأكبر في “الجانب الإسرائيلي” من الجدار.
يأخذ الجدار حوالي 7% من منطقة الضفة الغربية، ويدمج أكثر من 80% من المستوطنات اليهودية، فضلاً عن عدد من القرى الفلسطينية وأحياء القدس الشرقية. يفرض الجدار مع المناطق المغلقة لوادي الأردن تكويناً إقليمياً يحمل كل مزايا خطة ألون الأصلية لإسرائيل وعيوبها للفلسطينيين. وهذا ما أثار مخاوف ضمن المجتمع الدولي حول ما إذا كان يمكن اعتبار الجدار متوافقاً مع حل الدولتين المستهدف، والذي يشترط سلامة الفلسطينيين بنفس أهمية أمن إسرائيل.
تفكيك المستوطنات اليهودية في قطاع غزة والضفة الغربية
جزئياً استجابة للانتقادات الدولية، سعى القادة السياسيون الإسرائيليون إلى موازنة بناء الجدار مع مبادرات الانسحاب من فلسطين. وقد تمكن رئيس الوزراء أرائيل شارون، ذو السمعة الحربية النافذة إلى حد بعيد، من حشد ما يكفي من الدعم الداخلي للشروع في ما يسمى بـ “فك الارتباط أحادي الجانب”. رفض شارون الفرص للتوصل إلى اتفاقية مع القادة الفلسطينيين حول مدى الانسحاب الإسرائيلي، مؤيداً جلاء المستوطنات من المناطق الفلسطينية ذات الكثافة السكانية العالية التي تعتبر غير ذي صلة بالمخطط الشامل لخطة ألون. في صيف عام 2005، قامت وحدات الجيش الإسرائيلي بإخلاء جميع المستوطنات اليهودية في قطاع غزة وعدد رمزي في شمال الضفة الغربية.
اكتملت عملية إزالة 8500 مستوطن يهودي من 21 مستوطنة يهودية من قطاع غزة في آب/أغسطس 2005. إلا أنه وفق شبكة المنظمات غير الحكومية المعنية بقضية فلسطين (UNISPAL)، لم يضع سحب إسرائيل للمستوطنات والمنشآت العسكرية الدائمة نهاية لسيطرة إسرائيل على غزة، وإنما غيّر من طريقة تنفيذ مثل هذه السيطرة. وتواصل إسرائيل سيطرتها على قطاع غزة عن طريق:
- السيطرة التامة على المجال الجوي والمياه الإقليمية للقطاع؛
- سيطرة محكمة على معابر القطاع الأرضية؛
- سيطرة على الأرض عن طريق شن غارات وتواجد قوات برية بشكل متقطع (مناطق محظورة)؛
- السيطرة على سجل عدد السكان الفلسطينيين (إضافة إلى “المقيمين” في قطاع غزة)؛
- السيطرة على السياسة الضريبية وتحويل عائدات الضرائب؛
- السيطرة على قدرة السلطة الوطنية الفلسطينية ممارسة مهامها الحكومية؛
- وعلى الضفة الغربية التي تشكّل مع قطاع غزة وحدة إقليمية واحدة.
فك الارتباط أحادي الجانب
إيهود أولمرت- تحت الضغط
فقدت سياسة “فك الارتباط أحادي الجانب” زخمها عندما أصيب شارون بسكتة دماغية شديدة، مما اضطر نائبه، إيهود أولمرت، إلى قبول تولي مسؤولياته. ولافتقاره إلى هيبة سلفه، تعرض أولمرت للضغط من جميع الجبهات الممكنة. ردت حكومته بتهور على عملية مسلحة لحزب الله، وذلك بالبدء بهجمات جوية مكثفة على بيروت وجنوب لبنان (صيف 2006). محققاً لا شيء سوى الفوضى المدمرة، ودمر الفشل في هزيمة حزب الله على الأرض مكانة أولمرت السياسية.
وأصبح سقوطه محتماً عندما تكرر غزو لبنان بغزو مماثل لقطاع غزة (كانون الأول/ديسمبر 2008 – كانون الثاني/يناير 2009)، والذي زاد من عزلة إسرائيل السياسية. وربما متأثراً بمنصبه المزعزع وكتعويض عن عداء الإسرائيليين، حاول أولمرت تحقيق تقدم دبلوماسي بخطة لإقامة دولة فلسطينية كانت ستعيد نسبة إقليمية من المناطق التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967.
تصورت خطته، والتي تم الكشف عنها عام 2008، دمج المناطق غربي الجدار ضمن إسرائيل والمحيطة بالقدس مقابل مناطق متساوية من الأراضي الإسرائيلية المتاخمة لجنوب الضفة الغربية وقطاع غزة.
مع أن خطة أولمرت كانت غير مسبوقة بتسليط الضوء على مساواة إقليمية لكلا الجانبين، إلا أن عيوبها كانت خطيرة في عيون الفلسطينيين
المزيد من التوسع الاستيطاني: بنيامين نتنياهو
قد تكون نسب تبادل الأراضي متساوية في خطة أولمرت، إلا أن قيمة الأراضي لم تكن كذلك. حيث تحصل إسرائيل على أراضي التنمية الحضرية الثمينة في وسط البلاد، في حين تحصل فلسطين على الأراضي الهامشية في المناطق النائية التي تفتقر لأية إمكانية للتنمية الحضرية الملحة اللازمة.
ذهبت خطة أولمرت معه عندما ترك منصبه ليفسح المجال لخليفته بنيامين نتنياهو، والذي تحدث عن مزيد من التوسع الاستيطاني بدلاً من مزيد من الانسحاب الإسرائيلي.
لكن هناك أدلة على أن خطة أولمرت أثارت بعض الاهتمام بين السياسيين الأمريكيين الذين يشعرون بنفاذ صبر متزايد تجاه ما يبدو تعنتاً إسرائيلياً، والذي يعتبر التزاماً لأهداف واشنطن الجغرافية السياسية في المنطقة.
هناك بعض الشك لدى أمريكا بأن الجدار لا يمكن أن يستمر كحدود نهائية بين الدولتين. ويبدو أن مبدأ تبادل الأراضي بشكل متساو دون تجاوز لبعض النسب يلاقي تأييداً في واشنطن والعواصم الأوروبية. وسيتطلب تقليص إسرائيل للمنطقة المأخوذة عن طريق الجدار وتكيّف القادة الفلسطينيين لوجوده بأبعاد مخفضة.
أشار الفلسطينيون في رأيهم إلى موقف تسوية بعيد الوصول إليه. فقد أظهروا استعداداً للتخلي عن أكثر من نصف المناطق ذات الأهمية الحيوية في القدس الشرقية وما حولها مقابل أرضٍ قاحلة لا قيمة لها أبداً من الناحية العملية.
حتى الآن، فشل القادة الإسرائيليون بتقديم أية تسوية أخرى غير التراجع إلى ما وراء الجدار، والذي يعتبر على أنه تمادياً في الأوساط ذات النفوذ العسكري والسياسي. فالتخلي عن وادي الأردن سيلغي نصف خطة ألون، والتي تعتبر مفيدة لحماية أمن إسرائيل.
الحدود الفلسطينية المؤقتة
دون الانفتاح على الأفق الدبلوماسي، يولى المزيد من الاهتمام بحل مؤقت آخر من شأنه أن يجيب على الهدف السياسي لدولة فلسطينية ضمن حدود مؤقتة، والمنصوص عليها في خارطة الطريق عام 2005 وفي خطة موفاز لعام 2009، على اسم وزير الدفاع السابق شاؤول موفاز. تعترف جميع الأطراف المعنية، بما فيها إسرائيل، بمزايا مثل هذه الخطوة، ولكن يعيقهم الثمن السياسي الذي يجب دفعه.
أعلن زعماء فلسطينيون عن استعدادهم لإقامة دولة مستقلة عام 2011، والمطالبة باختتام المفاوضات المستمرة وغير المثمرة حتى الآن للتوصل إلى حل الدولتين المستهدف. والشيء الوحيد الذي يبدو أكيداً، هو أنه يجب أن يكون للدولة الفلسطينية المرتقبة حدود أخرى وأفضل من تلك التي لأرخبيل الأجزاء الإقليمية الحالي الذي صاغته أوسلو. ولكن هناك علامات على أن الطريق نحو الدولتين يمكن أن يستكمل دون التوصل إلى اتفاق بشأن قضايا مثل القدس و المستوطنات اليهودية و اللاجئين الفلسطينيين و المياه والحدود.
في حين جاء إعادة الانتشار الإسرائيلي في اتفاقيات أوسلو على شكل أوامر أعطت للفلسطينيين خيارات قليلة أخرى غير التوقيع عليها، يمكن لفك الارتباط أحادي الجانب، المرحب به في العواصم الغربية، البدء بمزيد من إعادة الانتشار الإسرائيلي دون الحاجة للتوقيع الفلسطيني لتمكين السيادة الفلسطينية العملية وإنما المحدودة في الضفة الغربية بين الجدار ووادي الأردن.
اتفاقية جنيف
من أكثر الخطط تأثيراً والتي أثيرت في مفاوضات السلام هي اتفاقية جنيف بتاريخ 12 تشرين الأول/أكتوبر 2003، التي وضعها الوزير الإسرائيلي السابق (يوسي بيلين)، وشخصية بارزة في منظمة التحرير الفلسطينية/السلطة الوطنية الفلسطينية (ياسر عبد ربه).
وكانت العناصر الرئيسية للاتفاقية: تنازل الفلسطينيين عن حق العودة، على أن تكون لهم حرية الإقامة في الدولة الفلسطينية المقامة حديثاً، وإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة على أساس حدود 1967 مع تعديلات الحدود الناتجة عن ضم الكتل الاستيطانية الكبيرة (الذي يعوّض عنها بالأراضي التي كانت جزءً من إسرائيل في 1948-1949)، وجعل القدس بأكملها عاصمة غير مقسمة للدولتين، وإنما منقسمة إدارياً بين اليهود والفلسطينيين، وحماية دولية للأماكن المقدسة