قالت تسيبي هوتوفيلي مساعدة وزير الخارجية الإسرائيلي أن “حلمها” هو رؤية علم إسرائيل يرفرف فوق الحرم القدسي الشريف أو كما يُطلقون عليه “جبل الهيكل،” ودعت الحكومة الإسرائيلية السماح لليهود بالصلاة هناك. وبالإدلاء بهذه التصريحات على القناة التلفزيونية التابعة للكنيست في 26 أكتوبر 2015، صبت هوتوفيلي (الشؤون الخارجية) المزيد من الزيت على النقاش المحتدم بالفعل حول جبل الهيكل. وفي اليوم نفسه، سارع المتحدث باسم رئيس الوزراء نتنياهو إلى القول بأن التزام اسرائيل بالوضع الراهن لجبل الهيكل سيظل دون تغيير، وحثّ هوتوفيلي إلى إعادة صياغة تصريحها باعتباره “شخصياً.”
وجاءت تصريحات هوتوفيلي كضربة لجهود نتنياهو في الحفاظ على صورة إسرائيل بالتزامها بالوضع الراهن، الذي ينص على السماح للمسلمين فقط بالصلاة في المكان في حين يُسمح للأفراد من الديانات الأخرى زيارة المكان فقط. وقبل يومٍ واحدٍ فقط، اتفق رئيس الوزراء مع الأردن والولايات المتحدة بالسماح بوضع كاميرات مراقبة في الحرم القدسي الشريف، من أجل تقديم أدلة بالفيديو على الانتهاكات المحتملة للوضع الراهن.
كان جبل الهيكل النقطة المحورية في اندلاع أعمال العنف واسعة النطاق في إسرائيل وفلسطين التي أسفرت عن مقتل 11 إسرائيلي و75 فلسطيني منذ منتصف سبتمبر 2015. يخشى العديد من الفلسطينيين أن إسرائيل تريد تغيير الوضع الراهن والسماح لليهود بالصلاة في الموقع، أو ما هو أسوأ، الاستيلاء على جزء من الموقع لهم. فقد سبق وأصبح هذا الكابوس واقعاً قبل 20 عاماُ في مدينة الخليل، عندما تم تقسيم الحرم الإبراهيمي إلى شقيّن للمسلمين واليهود. وعلى الرغم من جهود نتنياهو، إلا أن تصريحات نائب وزير الشؤون الخارجية تقلق الفلسطينيين.
جبل الهيكل، أو الحرم القدسي الشريف– كما يُطلق عليه المسلمون، هو هضبة تقع في القدس الشرقية. يحتوي الموقع مزارين مقدسيّن للمسلمين، قبة الصخرة والمسجد الأقصى اللذان يهيمنا على مشهد الجبل. يعتبر اليهود الموقع الأكثر قُدسية في دينهم، ذلك أنه كان موقع معبد يهودي إلى أن تم تدميره على يد الرومان قبل ألفي سنة.
وفي عام 1967، عندما احتلت اسرائيل الضفة الغربية، وضِع العلم الإسرائيلي ليرفرف أعلى جبل الهيكل، ولكن لمنع التوترات الدينية بين المسلمين واليهود، أمر موشيه دايان، وزير الدفاع، بإنزال العلم ونقل سلطة الإشراف على الموقع للأوقاف الأردنية.
يصوّر جبل الهيكل بشكلٍ روتيني باعتباره “ثالث أقدس المواقع في الإسلام،” ولكن هذا مضلل وفقاً لحميد دباشي من مركز هاغوب كيفوركيان، أستاذ الدراسات الإيرانية والأدب المقارن في جامعة كولومبيا، في مقالة له على موقع الجزيرة. ووفقاً لدباشي فإن تصوير امتلاك الموقع أهمية دينية بالنسبة للفلسطينيين يخدم المصلحة الاسرائيلية للحد من الصراع كحرب دينية التي يميل فيها المسلمون إلى الانفجار غضباً عندما يلمس أياً كان موقعاً مقدساً بالنسبة لهم. ويقول دباشي أن الفلسطينيين “يثورون ليس لأنهم مسلمون أو مسيحيون أو ملحدون أو ينكرون وجود الله، بل يثورون لأنهم فلسطينيون سلبت أرضهم من بين أيديهم.”
هذه ليست المرة الأولى التي يلعب فيها جبل الهيكل دوراً في اندلاع المواجهات، ففي عام 2000، زار أرييل شارون الحرم عندما كان مرشحاً لرئاسة الوزراء. ويُنظر إلى هذه الزيارة، إلى حدٍ بعيد، باعتبارها السبب الرئيسي في نهاية المطاف لإندلاع شرارة الانتفاضة الثانية، التي قُتل فيها آلاف الفلسطينيين والاسرائليين. وبالتالي، تعتبر أي زيارة من قِبل أي سياسي إسرائيلي للحرم استفزازية بالنسبة للفلسطينيين.
ووفقاً لبن وايت، وهو صحفي وناشط في حقوق الإنسان متخصص في الشأن الفلسطيني – الاسرائيلي، فإن الجهود المبذولة من قِبل نتنياهو والتي تكرر الالتزام الإسرائيلي بالوضع الراهن مجرد أقوال. ويقول وايت أن اسرائيل تفرض قيوداً متزايدة حول السماح بدخول أعمار محددة للمصلين المسلمين، حيث تم فرض هذا الإجراء ثلاث مرات فقط عام 2012 ولكن في عام 2014 فرض لـ41 مرة. وفي هذه الأثناء، فإن عدد اليهود الذين يزورون الجبل “قد ارتفع بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة،” من 5,658 في عام 2009 إلى 10,906 في عام 2014.
ويختتم وايت قوله بأن نتنياهو يستطيع إدعاء “التحريض” كما يريد، إلا أن الأرقام واضحة. وأضاف “عندما يتعلق الأمر بالأقصى، كما هو حال باقي أنحاء القدس الشرقية والضفة الغربية المحتلة، غيّرت اسرائيل بالفعل الحقائق على أرض الواقع، ولم تظهر أي إشارات على توقفها.”
تاريخياً، يحرّم الحاخامات اليهود على المصلين اليهود أن تطأ أقدامهم أرض جبل الهيكل، لأنهم بذلك يخاطرون بالدوس على قدس الأقداس. ومع ذلك، فإن هناك أعداد بسيطة ولكن متزايدة من اليهود المتدينيين، يجادلون بأن لليهود حقاً لا يمكن التنازل عنه لا يتمثل فقط بزيارة الموقع المقدس، بل أيضاً الصلاة فيه. حتى أنّ العناصر الأكثر تطرفاً داخل هذه المجموعة تدعو لإعادة بناء الهيكل اليهودي، وهذا يعني أنّ واحداً على الأقل من المواقع المُقدسة للمسلمين سيختفي. إحدى هذه المجموعات المسماة “معهد الهيكل” مدعومة من قِبل الحكومة الاسرائيلية.
ولا تقتصر الرغبة في بناء معبد يهودي ثالث على اليهود المتشددين، ففي الأسبوع الماضي، أوردت صحيفة هآرتس الاسرائيلية تقريراً عند مدرسة دينية في القدس حيث يتم تدريس الأطفال الصلاة لإعادة بناء الهيكل.
يساهم كل هذا في تأجيج مخاوف الفلسطينيين، والسؤال المطروح هو ما إذا كان تركيب كاميرات في الموقع من شأنه أن يخفف من حدة التوتر. فقد عارض الفلسطينيون بالفعل هذا الإجراء، خوفاً من احتمالية استخدام الاسرائليين أي شريط فيديو كدليل ضدهم. ويرى اليمين الاسرائيلي مثل رئيس الكنيست يولي ادلشتاين يوئيل، أن الفلسطينيين سيعدلون الفيديوهات لتبدو إسرائيل سيئة.
وحتى الآن، يبدو أن الكاميرات ستوضع خارج الأضرحة فقط، وليس داخل المسجد الأقصى. ولا يوجد سوى بعض الأسباب الوجيهة لافتراض أن التوترات حول الموقع ستهدأ في المستقبل المنظور، كذلك الأمر بالنسبة للعنف في كلٍ من فلسطين واسرائيل.