السينما الأمريكية فردت مساحة كبيرة للأفلام المناصرة للصهيونية تاريخياً. ولم تترك سوى مساحة بسيطة لأفلام مناصرة لهم لم تحمل الأثر الكبير في تشكيل رأي عام أمريكي ينظر بطريقة عادلة تجاه القضية الفلسطينية.
نبيل محمد
المقدمة
لطالما لعبت هوليوود دوراً محورياً في تشكيل الوعي الغربي وخصوصاً الأمريكي تجاه القضية الفلسطينية. ولم يقتصر دور هوليوود على إنتاج الأفلام التي تناولت الصراع الفلسطيني الإسرائيلي فحسب، بل إن نجوم هوليوود كان لهم أثرٌ على الجمهور ورأيه عبر تصريحاتهم المرتبطة بهذا الصراع. وفي الوقت الذي يدعو فيه بعض النجوم الجمهور للوقوف إلى جانب الفلسطينيين، فإن البعض الآخر يطالب معجبيهم بتأييد إسرائيل في عملياتها ومخططاتها داخل فلسطين.
وعلى سبيل المثال، لاقت أحداث حي الشيخ جرّاح في القدس وما تبعها من اشتباكات في غزة، حضوراً على لسان كبار نجوم العالم. وشكّل حينذاك وقوف عددٍ كبير من النجوم في صفّ الفلسطينيين ظاهرة استثنائية، سيّما وأن هذا الأمر غير معتاد في عاصمة السينما العالمية. وتضم قائمة المشاهير الذين تضامنوا مع القضية الفلسطينية كلاً من فيولا ديفيس، الحائزة على جائزة أوسكار، ولينا هيدي، وجاك فالاهي، ومارك رافالو، والإسرائيلية ناتالي بورتمان، وغيرهم من نجوم وصنّاع السينما في هوليوود.
تاريخياً، وقف غالب إنتاجات السينما الأمريكية في صالح إسرائيل، مقابل أفلام قليلة كانت تنتج بين حين وآخر، تتميز بنظرة مختلفة للصراع ككل. وقد يعود السبب في ذلك إلى ارتباط شركات الإنتاج في هوليوود بإسرائيل. وتشير كتبٌ ودراسات كثيرة إلى تأسيس اليهود المهاجرين من أوروبا لعشرات شركات الإنتاج والإستديوهات في هوليوود.
اليهود في السينما الأمريكية المبكّرة
لا يمكن التطرق إلى مقاربة هوليوود للقضية الفلسطينية دون ربط ذلك بتطوّر شخصية اليهودي سينمائياً هناك. ففي مطلع القرن الماضي، لم تخل سينما هوليوود الصامتة من حضور الشخصية اليهودية فيها. واستوحيت تلك الشخصية من الصورة النمطية لليهود في العقلية الغربية بشكل عام. واتسمت شخصية اليهودي في الأفلام بصفاتٍ معينة، فاليهودي يتّسم بالدهاء ويمتلك المال، أما اليهود فهم غرباء يبثون الخوف في نفوس الآخرين[1]. كما شابت شخصية اليهودي المرسومة في السينما مبالغات جسديّة واضحة، فاليهود ذوو أنوف كبيرة، وظهور منحنية، وملامح حادّة.
مرت العشرات من الشخصيات اليهودية في السينما الصامتة. ومن الأمثلة على تلك الأفلام الفيلم القصير مخطط إعلانات كوهين المنتج سنة 1904، والحظ اليهودي المنتج سنة 1925. تلك الصورة ساهمت بتعميمها أدبياتٌ أوروبية تعود إلى فترات سابقة مثل مسرحية تاجر البندقية الشهيرة، للمسرحي الإنكليزي وليم شيكسبير والتي قدمت شخصية المرابي اليهودي شايلوك. تلك الشخصية كانت ممعنة بنمطيتها، حيث انعكست بسماتها على مئات الشخصيات الأخرى في أعمال سينمائية وتلفزيونية في عصور لاحقة.
هذه الصورة تغيّرت تدريجياً مع دخول رجال الأعمال اليهود المهاجرين إلى الولايات المتحدة، وعملهم بل وتأسيسهم كبريات شركات الإنتاج السينمائي. وتتضمن القائمة شركات MGM وParamount وColumbia وWarnerBros، وغيرها من الشركات التي ما زالت حتى يومنا هذا تتصدّر الإنتاجات الضخمة، بمختلف أشكال الأعمال الفنية.
تغيّر الصورة أزاح نمطية التاجر الغني والبخيل والاستغلالي، إلى شخصيات يهودية يمكن التعاطف معها[2]. ومن الأفلام التي أظهرت الانزياح الحاصل في تصوّر الشخصية اليهودية في السينما الأمريكية فيلم خيوط المصير المنتج سنة 1915، وفيلم مغني الجاز المنتج سنة 1927.
الشخصية اليهودية غابت عن هوليوود في عقدي الثلاثينات والأربعينات. ويردّ بعض الباحثين السبب وراء ذلك إلى الرغبة اليهودية بدمج اليهود في المجتمع الأمريكي[3]، وعدم إظهارهم كشخصيات مميزة، تجمعها الصفة اليهودية ونمطياتها.
بعد هذا اعتنت السينما الأمريكية أكثر بظهور اليهود كضحايا خاصة بعد “الهولوكوست“، ثم بمشروع إسرائيل في فلسطين. وكان لعشرات الأفلام دورٌ في تشكيل صورة إسرائيل، وصورة العرب والمسلمين أيضاً في الذهنية الأمريكية والغريبة عموماً. في المقابل، لم تعد هناك صورة نمطية في الشخصية اليهودية، إلا في مجال عرضها ضمن المشروع السياسي الإسرائيلي وفي بعض الاستثناءات القليلة.
في عقد الأربعينات، لم تنصب جهود هوليوود على إنتاج أفلام مؤيدة لإسرائيل وهجرة اليهود إلى فلسطين فحسب، إنما على الحملات الداعمة لإسرائيل، والتي قادتها كبار الشركات والشخصيات في هوليوود. وضغطت هذه الحملات على إنكلترا للرضوخ للمطالب اليهودية. كما تم تنظيم حملات لدعم العصابات اليهودية التي اشتهرت بإجرامها تجاه الفلسطينيين، مثل منظمة إرغون التي ثبتت مسؤوليتها تاريخياً عن مجازر ضد الفلسطينيين.
النجم العالمي مارلون براندو كان من المتحدثين الدائمين في تلك الحملات، والداعين المنتظمين لجمع التبرعات للمنظمة. على الرغم من أن براندو عرف فيما بعد بمواقف مختلفة ومناصرة للفلسطينيين، وبكونه فناناً يدافع عن القضايا الإنسانية العادلة، وضد التمييز بين الأعراق.
سينما ما بعد الحرب العالمية الثانية
اتجهت السينما الأمريكية ما بعد الحرب العالمية الثانية لأخذ القضية اليهودية بصورة أكثر جديّة. وبدأ اليهود القائمون على إنتاج السينما في هوليوود بتطوير أدواتهم في طريقة عرض الأفكار والقصص والشخصيات. وركّزت الأفلام بشكل أكبر على عدة قضايا مترابطة، كقضية الهروب والاختباء من النازيين[4]، وقضية اللاجئين اليهود في المخيمات في الولايات المتحدة وغيرها، والهجرة إلى الوطن الجديد. النقطة الأخيرة كانت بلا شك من أكثر النقاط التي وظِّفت للدفاع عنها أفلام شتّى بكاميرات مخرجين يهود وغير يهود.
سنة 1948 قدّم المخرج الأمريكي الحائز على جائزة الأوسكار فريد زينيمان فيلم البحث. ويروي الفيلم قصة أم تشيكية يهودية تبحث عن ابنها الضائع جرّاء الحرب. وتعرض القصة مأساة الأطفال اليهود في أوروبا، والمسؤولية الإنسانية تجاههم. ويظهر الأطفال وهم يعتريهم الخوف حتى من الفرق الإسعافية التي تريد مساعدتهم ما تعرّضوا له من جرائم من قبل النازيين.
ولا يندرج الفيلم ضمن قائمة الأفلام الأمريكية التي تركّز على جانب الشفقة على اليهود، إنما يذهب باتجاه عرض قضية تبحث عن حلّ. ويقدّم الفيلم آلاف الأطفال الذي يبحثون عن مأوى، بصيغة فنية تقارب الاعتذار من الضحايا، وضرورة تحديد المسؤوليات عن المستقبل القادم.
في عقد الخمسينيات، حضرت مجموعة من الأفلام التي روّجت لقضية بناء الدولة اليهودية في فلسطين. وقدّمت تلك الأفلام قصصها بطريقة كلاسيكية لا تخلو من الأسلوب الدعائي. وانصبت رسالة تلك الأفلام على هروب اليهود من الهولوكوست وضرورة بناء وطن لهم في فلسطين. في تلك الفترة، ظهرت فلسطين دائماً بصورة متوافقة مع الدعاية اليهودية التاريخية ومع الرواية الموجودة في الأدبيات الصهيونية. ففلسطين أرضٌ تكاد تكون خاوية من السكان. ويقطنها بعض من الجهلة الذي لا يملكون دولة حقيقية.
فيلم المشعوذ المنتج سنة 1953 عن رواية ميشيل بلانكفورت، يعتبر نموذجاً عن تلك الدعاية، وهو أول فيلم يتم تصويره كاملاً في فلسطين. ويرصد الفيلم حياة أحد الهاربين من المحارق النازية، والذي يلتمس وطنه الجديد في فلسطين.
Exodus الفيلم الأكثر تأثيراً
في عام 1960، قدّم المخرج اليهودي أوتو بريمنغير فيلمه الذي بات أهم الأفلام التي تقدم الرؤية الأمريكية لإسرائيل. ويقوم فيلم نزوح، المستوحى عن رواية ليون يوريس التي تحمل نفس الاسم، بسرد قصة آلاف اليهود النازحين من أوروبا باتجاه فلسطين. ومن بين هؤلاء آري بن كنعان، القيادي في عصابات هاغانا اليهودية.
الفيلم يمثل رحلة نضال لمجموعة كبيرة من “المظلومين نحو وطنهم القومي في فلسطين، وكفاحهم لأجل تحقيق حلمهم، وصراعهم ضد الإنكليز لنيل حقوقهم”.
يصنّف الفيلم بأنه من أهم أفلام الدعاية الصهيونية تاريخياً، ومن أكثرها قدرةً على التأثير في الجمهور الغربي، وخلق التعاطف مع اليهود الهاربين من جحيم المذابح، إلى أرض لا يريدون فيها سوى الاستقرار. وتصطدم تلك الإرادة في النهاية بـ “وحشية” الفلسطينيين، الذي يريدون قتل كل من جاء على متن السفن إليهم، لكن إيمان اليهود بالصهيونية يجعلهم ينتصرون في النهاية.
مشاهد الفيلم تدور أثناء سفر المهاجرين اليهود في البحر واحتجازهم في إحدى الجزر، ووضعهم في السجون، ليصلوا في نهاية المطاف إلى الخلاص. ببساطة يتنقّل الفيلم بين مراحل متعددة من الكفاح، لتحقيق الانتصار في النهاية. والانتصار هو بناء الدولة اليهودية.
لاقى الفيلم اهتماماً نقدياً كبيراً، وثناءً من قبل التجمعات اليهودية في هوليوود، ورشح لنيل عدة جوائز أوسكار، حصد منها جائزة أفضل موسيقى. وكانت موسيقى الفيلم لاعباً أساسياً في تقريب قصته من الجمهور، وفي اللعب على وتر العاطفة، خاصة في المشاهد المفصليّة.
ومع عدم تعرّض النقّاد إلى التوجه الدعائي الواضح في الفيلم، فإن أثره بقي واضحاً في السينما. فلا يمكن أن يذكر تاريخ الدور الصهيوني في السينما الأمريكية، إلا بالمرور على هذا الفيلم، كمحطة رئيسية.
إسرائيل في السينما الأمريكية الحديثة
لم تنقطع الأفلام التي تحاكي الدعاية الصهيونية في إحدى مكوناتها عن استوديوهات هوليوود. واختلف عدد هذه الأفلام بين عقدٍ وآخر. لكنها بالتأكيد لم تعد أفلاماً ذات أثر كبير، مقارنة بتلك الأفلام التي بدأت تنظر للقضية من منظور آخر. وبدأ هذا المنظور الجديد برصد أهمية عدم الانسياق المباشر خلف الصور النمطيّة، وخلف الدعاية السياسية الفاقعة. وعلى هذا النحو، فقد تحوّلت القضية في العقدين الأخيرين لتكون جزءاً من إنتاجات حديثة، كان لها حضورٌ وأثرٌ كبير في المجتمع الغربي، أو الأمريكي على أقل تقدير.
ويعد المخرج الأمريكي ستيفن سبيلبرغ من المخرجين البارزين الذين قدموا أفلاماً تناولت هذا الجانب. ولعل فيلمه ميونيخ المنتج سنة 2005 من أهم الأفلام التي قاربت الصراع العربي الإسرائيلي من منظور مختلف نسبياً عن الكلاسيكيات المعهودة في هوليوود.
الفيلم لاقى انتقادات من مختلف الأطراف الإسرائيلية والفلسطينية. فهو من جانب قدّم الإسرائيليين كضحايا تاريخيين بسبب ما مرّوا به. ويحضر في الفيلم بعض من ضحايا الهولوكوست وهم يدافعون عن وجودهم وينجبوا أبناء يكملون مسيرة آبائهم في الدفاع عن الدولة اليهودية. ومن جانب آخر، يقدّم الفيلم مفهوم الانتقام و”الرد على الإرهاب بالإرهاب” من خلال عمليات الاغتيال المتتالية للقادة الفلسطينيين المسؤولين عن تنفيذ عملية ميونيخ 1972 التي قتل فيها 11 إسرائيليا رياضياً كانوا سيشاركون في دورة الألعاب الأولمبية القائمة في المدينة الألمانية حينذاك.
الفيلم مختلف ولا يندرج ضمن أفلام الدعاية الصهيونية المعروفة في هوليوود. فالنقطة الأساسية التي يركّز عليها هي موضوع “مكافحة الإرهاب بالإرهاب”. وينظر الفيلم لجميع ممارسي عمليات الاغتيال بنظرة متعادلة تقريباً. ومع ذلك، فإن ممارس العنف الإسرائيلي يتمتع بسمات نفسية وجسديّة وفكرية أكثر اتزاناً وصلابة. وفي نهاية المطاف، يتطرق الفيلم إلى أحداث 11 أيلول في إشارة إلى نتائج العنف والعنف المضاد.
وقد يكون سبيلبرغ من أهم المخرجين الذين ناقشوا قضية المحارق اليهودية والظلم التاريخي الذي جعل اليهود يتطلعون إلى بناء دولة في فلسطين وفق رؤيته ووفق بعض الأدبيات الغربية. لكنه في ميونيخ، يدخل إلى التفاصيل التي تظهر جميع اللاعبين السياسيين كمجرمين لن تؤدي ممارساتهم إلا إلى مزيد من العنف. وقد لا يصل الفيلم بشكل شبه كلي إلى العدالة المغيبة التي ينتظرها الفلسطيني في السينما الغربية، إلا أنه لا ينساق خلف الدعاية السياسية التي كانت عنواناً للسينما الأمريكية لعقود طويلة.
فيلم ميرال المنتج سنة 2010 للمخرج الأمريكي جوليان شنابل، يختلف كلياً عن إنتاجات هوليوود الخاصة بقضية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وتوجّه شخصيات وأحداث الفيلم أصابع الاتهام لإسرائيل بكل الدمار الإنساني الذي يعتري الفلسطينيين. وتظهر الشخصية الفلسطينية بمختلف تجلياتها في الفيلم، شخصية إنسانية، تنشد قضية عادلة وتتمحور حول إيواء الأطفال وتعليمهم.
الفيلم يعتمد على السيرة الذاتية للصحفية رولا جبريل التي ترعرعت في أحد دور رعاية الأطفال التي أنشأتها ناشطة إنسانية فلسطينية. وتدور أحداث الفيلم حول جبريل الطفلة وحوالي ألفين من الأطفال الفلسطينيين المحرومين الذين كان عليهم مواجهة الجرّافات الإسرائيلي أثناء بنائها للمستوطنات.
الفيلم عُرض في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وواجه انتقادات إسرائيلية كثيرة، بل وشكاوى رسمية واتهامات بتواطؤ في الأمم المتحدة لتسويق الفيلم. ولم يكن الفيلم هوليوودياً بحتاً، بل كان من إنتاج فرنسي إسرائيلي إيطالي هندي مشترك. ولا يمكن اعتبار الفيلم انطلاقة نحو سينما أكثر عدالة فيما يخص القضية الفلسطينية، بل يمكن ببساطة تصنيفه كاستثناء غير وحيد، وسط سينما عالمية ترى المشهد الفلسطيني بعين إسرائيلية.
ناتالي بورتمان
يمكن اعتبار تجربة الممثلة الإسرائيلية الأمريكية ناتالي بورتمان حالة جدليّة في هوليوود حتى يومنا هذا. فالفنانة الحائزة على جائزة أوسكار، معروفةٌ بمواقفها المناهضة للممارسات الإسرائيلية في فلسطين. ورفضت بورتمان جائزة إسرائيلية بقيمة مليون دولار عام 2018، احتجاجاً على سقوط ضحايا فلسطينيين في غزة برصاص الجيش الإسرائيلي.
بورتمان تحاول بين حين وآخر إثبات موقفها السياسي. ويأتي إخراجها لفيلم قصة الحب والظلام عن قصة الكاتب الإسرائيلي عاموس عوز في إطار هذا التوجه.
الفيلم يحكي قصة والدة الكاتب التي عاشت في إسرائيل. ويدور الحدث فيه خلال فترتي ما قبل وما بعد تأسيس دولة إسرائيل. ويميل الفيلم إلى تصوير علاقات ودية بين العرب واليهود، وهو أهم المآخذ التي تناولها النقاد العرب عن الفيلم، حيث تم تقديم هذه الرؤية بطريقة جاهزة، وغير مقنعة. وفي أحداث الفيلم، يقول الكاتب الصغير لجارته العربية في إحدى المشاهد “إن المكان هنا يتسع للجميع”. وتظهر الجملة الأساسية كمحاولة لإظهار إمكانية الحياة المشتركة بين العرب واليهود في فلسطين على لسان طفل بعمر 7 سنوات.
عربياً لم يكن الفيلم مقنعاً، على الرغم من مواقف مخرجته المعروفة بمناهضتها لأفلام الدعاية الصهيونية. وتظهر في الفيلم المظلومية اليهودية التي أدت إلى إنشاء دولة إسرائيل. ويغيّب الفيلم الرواية الفلسطينية للحدث، وينظر إلى كل ما جرى من عين كاتب يهودي. بل ويروي التاريخ أيضاً من مرجع الرواية.
الفيلم يوجّه أصابع الاتهام للأوربيين في الحرب بين العرب واليهود في فلسطين، وهي أيضاً كلاسيكية هوليوودية ركّزت عليها عشرات الأفلام. ووفق نقّاد سينمائيين عرب وغربيين، فإن هذه الكلاسيكية تهدف إلى إظهار الطرفين كضحايا. وهي رواية مثلما لا تلقى تأييداً في الأدبيات وكتب التاريخ العربية، لا تلقى تأييداً أيضاً لدى كثير من المنظرين الإسرائيليين، سيّما وأنّ هذه الرؤية تلغي فكرة عدائية الفلسطينيين لهم، ورفضهم لمفهوم “الحق التاريخي”.
لم يحظ الفيلم بمراجعات هامّة أو بشعبية كبيرة، بل إنّ أغلب الأقلام دعت بورتمان للاكتفاء بمهنتها كممثّلة، بعيداً عن الوقوف خلف الكاميرا.
وفي نهاية المطاف، يمكن القول إن السينما الأمريكية فردت مساحة كبيرة للأفلام المناصرة للصهيونية تاريخياً. وكانت الرسالة مستمرة البث هي دعم حق الصهاينة بتأسيس دولتهم ومناصرة هذه الدولة ودعم كل ما تقوم به من أعمال. وفي الوقت الذي سعت فيه هذه السينما إلى تبرير سلوكيات إسرائيل، فإنها شيطنت الفلسطينيين ولم تترك سوى مساحة بسيطة لأفلام مناصرة لهم لم تحمل الأثر الكبير في تشكيل رأي عام أمريكي ينظر بطريقة عادلة تجاه القضية الفلسطينية.
[1] – Nathan Abrams, The New Jew in Film, Rutgers University Press, 2012
[2] Hanan Omary, Israeli Character Depictions in Hollywood Films, (1948-2008) (American University in Cairo), 2016.
[3] Nathan Abrams – مرجع سابق
[4] Hanan Omary – مرجع سابق