وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تاريخ بابل الطويل: من إحدى عجائب الدنيا السبع إلى قائمة التراث العالمي لليونسكو

Iraq- babylon
معبد الإله نابو في موقع بورسيبا الأثري بالقرب من الحلة في محافظة بابل العراقية، في 21 يوليو 2019. Photo: Haidar HAMDANI / AFP

تعد مدينة بابل واحدة من أحدث المواقع التي ستضاف إلى قائمة التراث العالمي لليونسكو، كما أعلنت لجنة التراث العالمي في 5 يوليو. فمدينة بلاد ما بين النهرين القديمة، التي تقع على بعد 85 كيلومتراً جنوب بغداد، عاصمة العراق، عُرضة للخطر وفي وضعٍ بائس.

انضم الموقع الذي يبلغ عمره 4000 عام إلى قائمة اليونسكو للتراث العالمي بعد حملة استمرت لـ26 عاماً من قِبل العراق. وكما هو موضح في قائمة اليونسكو، بابل “تتكون من آثار المدينة التي كانت، بين عامي 626 و539 قبل الميلاد، مركز الإمبراطورية البابلية الحديثة.” وأضافت القائمة أن بابل “تضم قرى ومناطق زراعية تحيط بالمدينة القديمة” وأن “الأسوار الداخلية والخارجية للمدينة، والأبواب، والقصور، والمعابد – شهادة فريدة على واحدة من أكثر الإمبراطوريات نفوذاً في العالم القديم. كانت بابل مقراً لعدد من الإمبراطوريات المتعاقبة، بقيادة حكام مثل السلطان حمورابي أو الملك نبوخذ نصر… وكان لارتباط المدينة بواحدة من عجائب الدنيا السبع في العالم القديم – حدائق بابل المعلقة – تأثيراً على أشكال الثقافة الفنية والشعبية والدينية على مستوى العالم.”

فقد كانت الحدائق المعلقة، وفقاً للاعتقاد الشائع، واحدةً من عجائب الدنيا السبع في العالم القديم، كما هو مُدرج في الثقافة الهيلينية، ووصفت بأنها “إنجازٌ هندسي رائع تتكون من سلسلة تصاعدية من الحدائق المتدرجة وتحتوي على مجموعة واسعة من الأشجار، والشجيرات، والكروم، وتشبه جبلاً أخضر كبير مبني من الطوب الطيني.” ووفقاً لأحد الأساطير، كان الملك نبوخذ نصر الثاني، الذي حكمها بين 605 و562 قبل الميلاد، قد بناها لزوجته الملكة أميتس الميدونية، لأنها كانت تفتقد التلال والوديان الخضراء في وطنها.

بصرف النظر عن الأساطير، تعتبر بابل رمزاً لثقافة بلاد ما بين النهرين وتحتاج إلى الحماية من هجماتٍ أكثر حداثة، مثل القصر طبق الأصل الذي بُنيّ على أنقاض المدينة والذي أمر ببناءه صدام حسين عندما كان رئيساً للعراق، لأنه أراد أن يحمل الموقع بصماته لتقديس شخصه. أراد أن تضيء أشعة الليزر صورته وصورة الملك القديم، فضلاً عن الجدران التي يبلغ ارتفاعها 60 قدماً، التي تحمل جميع قطع الطوب عليها رسالة تقول: “في عهد القائد المنصور بالله صدام حسين، أُعيد بناء هذا القصر الذي كان قد بناه نبوخذ نصر.” في وقتٍ لاحق، سحقت القوات العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة في المنطقة خلال حرب العراق الأرصفة القديمة بمركباتها وملأت أكياس الرمل بمواد حملت بقايا أثرية، مما زاد من تعرض موقعٍ تالفٍ بالفعل للخطر.

Iraq- Babylon iraq
منظر عام لموقع بابل الأثري القديم، جنوب العاصمة العراقية بغداد، 2019. Photo: Hussein FALEH / AFP

يُعتقد أن اسم المدينة جاء من باف- إل أو باف- إليم، والتي تعني باللغة الأكادية في ذلك الوقت “بوابة الإله” أو “بوابة الآلهة.” قد تنحدر أيضاً من “بابلون،” وهي كلمة يونانية. ووفقاً لموسوعة التاريخ القديم، تأسست بابل في مرحلة ما قبل عهد سرجون الأكدي (المعروف أيضاً باسم سرجون العظيم)، وهو الملك الذي حكم في الفترة ما بين 2334-2279 قبل الميلاد وادعى أنه بنى معابد في بابل (تُشير مصادر قديمة أخرى إلى أن سرجون نفسه قد أسس المدينة). يمكن القول أن نهاية عهد بابل حل بعد وفاة الإسكندر الأكبر في بابل عام 323 قبل الميلاد، بعد اقتتال خلفائه على إمبراطوريته بشكلٍ عام والمدينة على وجه التحديد، لدرجة أن السكان فروا للحفاظ على سلامتهم.

وبحلول الوقت الذي حكمت فيه الإمبراطورية البارثية المنطقة في عام 141 قبل الميلاد، كانت بابل مهجورة وباتت طي النسيان، وعند الفتح الإسلامي عام 650 ميلادي، كان ما تبقى من بابل قد تم جرفه وتغطيته بالرمال. تم اكتشاف أنقاض المدينة في القرنين السابع عشر والثامن عشر، لكن تم التنقيب عنها بالكامل في القرن التاسع عشر.

بالنسبة إلى قحطان العبيد، مدير متحف البصرة للآثار والتراث الذي كان جزءاً من فريق العمل الذين دافعوا عن إدراج بابل أمام اليونسكو، كان الاعتراف بالموقع ضرورياً للغاية، إذ قال لنا في فَنَك بعد إدراج بابل على قائمة اليونسكو “سيكون الموقع تحت سيطرةٍ أفضل بموجب خطة الإدارة المرفقة مع ملف الترشيح أثناء عملية التجهيز.” وأضاف “هذا يعني أن الأمر سيتم وفقاً للمعايير الدولية وكل هذا الضغط سيدفع الحكومة إلى تدريب وبناء قدرات موظفيها، لحماية القيمة العالمية المتميزة في الموقع.” بينما قال الرئيس العراقي برهم صالح أن المدينة، التي تعتبر اليوم موقعاً أثرياً، أعيدت إلى “مكانتها التي تستحقها” في التاريخ من خلال إدراجها على قائمة اليونسكو، بعد سنوات من الإهمال من قبل القادة السابقين.

يمكن في النهاية تلبية حاجة بابل الماسة لإعادة ترميمها وأن تحظى بالاحترام الذي تستحقه وإدراك أهميتها لتاريخها الطويل وأهميتها الثقافية من خلال هذا الترشيح، وتوفير الميزانية لتأمين استدامةٍ أطول للموقع. على المدى المتوسط، يمكن أن تصبح مدينة بابل القديمة نقطة جذبٍ سياحية عراقية بارزة.

اليوم، تضم قائمة التراث العالمي لليونسكو، التي أطلقت عام 1978، أكثر من 1100 موقع من “التراث الثقافي والطبيعي ذات الأهمية الخاصة للجنس البشري.” تشارك بابل قائمة هذا العام مع مواقع صناعة تعدين الحديد القديمة في بوركينا فاسو، ومتنزه فاتناكوكول الوطني- الطبيعة الديناميكية للنار والجليد في أيسلندا، ومجامع مدينة مومباي الفكتورية المشيدة على الطراز القوطي الحديث وأسلوب الزخرفة، ومدينة جايبور وهي مدينة من القرن الثامن عشر في الهند تشتهر بهندستها المعمارية الرائعة. كما تمت إضافة ثمانية مباني للمهندس المعماري الأمريكي الشهير فرانك لويد رايت، بما في ذلك متحف سولومون غوغنهايم في مدينة نيويورك، إلى القائمة.

Advertisement
Fanack Water Palestine