وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

قطاع الطاقة في العراق

المقدمة

تتربع العراق إلى جانب كل من إيران والكويت والسعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة على قائمة أكبر مجموعة انتاجاً في العالم لودائع النفط والغاز، حيث تحتوي على 60% من احتياطات العالم المعروفة. ومع ذلك، ولسوء حظ العراق فإنها تشارك هذه الاحتياطات مع جيرانها على الحدود، حيث كانت تلك الحدود سبب عدم الاستقرار الذي خنق التنمية لأكثر من 30 عاماً.

ويبدو أن الانتاج المنظم لبعض جيرانها، وعلى وجه التحديد الكويت والمملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة قد تفوّق دوماً على العراق. وبالفعل فقد كان العراق المضطرب والغنيّ بالموارد مركز ثلاث “صدمات” لأسواق النفط الخام العالمية، والأسباب الكامنة التي تشرح الكثير حول الحالة الراهنة لقطاع الطاقة في البلاد.

الخريطة (1): المملكة العربية السعودية وجيرانها. المصدر: Fanack after CIA World Factbook. أنقر لتكبير. ©Fanack ©Fanack CC BY 4.0

قطاع الطاقة في العراق

الصدمة الأمنية الأولى: 1980

بشكل متناقض، مكنّت الثروة النفطية للبلاد صدام حسين، حاكم البلاد لفترة طويلة، تمويل حملة عسكرية للسيطرة على حقول النفط في جنوب غرب إيران في أعقاب الثورة الإيرانية بينما كانت الفوضى تعمّ إيران. تسببت الحرب العراقية الإيرانية عام 1980 بمأساة على نطاق واسع ليس فقط في الأرواح والأموال، بل بتعرّض منشآت انتاج النفط العراقية والإيرانية على حد سواء لأضرار جسيمة.

الصدمة لأمنية الثانية: 1992

في عام1992، سعى نظام صدام حسين مجدداً للاستيلاء مرة أخرى على حقول النفط في دولة مجاورة، ولكن هذه المرة دولة الكويت. تسبب هذا الحدث بحالة من القلق بين المستهلكين خارج الخليج وبلغ ذروته بحشد الولايات المتحدة الأمريكية قواتها العسكرية. وسرعان ما تم صد جيش صدام، ووضع حدّ للمخاوف بشأن توغل الآلة العسكرية العراقية في الأراضي الكويتية وصولاً إلى حقول النفط في المملكة العربية السعودية.

ولكن شكّل هذا بداية الوجود العسكري الضخم للقوات الأمريكية في قلب العالم العربي. وفي كلا الحادثتين، الحرب العراقية الإيرانية وحرب الخليج الأولى، تأثرت مستويات الإنتاج بشدة في كل من الدولة المعتدية والمُعتدى عليها. وتمثلت العواقب على قطاع النفط والغاز بالأضرار التي لحقت بحقول النفط، والحدّ من استثمار حقول النفط، والقيود على التصدير. أنهكت سنوات العنف تلك العراق، ومضى أكثر من 30 عاماً قبل أن تتمكن البلاد مجدداً من الوصول إلى مستويات الانتاج التي حققتها قبل الحرب الإيرانية العراقية (أنظر القسم 2).

الشكل (1): انتاج العراق للنفط منذ عام 1965. أنقر للتكبير. © Fanack ©Fanack CC BY 4.0

الصدمة الأمنية الثالثة: 2003

بعد الإطاحة بنظام صدام حسين البعثي، وبعد أن تم بفعالية منع العراق من الانخراط بهجمات عسكرية ضد جيرانها الغنية بالنفط، برزت تحديات داخلية في البلاد. وربما صرف العداء الخارجي الرأي العام العالمي عن التصدعات الموجودة داخل البلاد. ومع إقصاء احتكار النظام للسلطة، تفاقمت الإنقسامات الداخلية في البلاد، مما دفع التحدي الأمني إلى الواجهة فضلاً عن المساس بفكرة وجود الدولة العراقية (تتم مناقشة الوضع الراهن للبلاد في القسم 4).

يتطلب قطاع الطاقة في أي بلد، بما في ذلك الأنشطة التحضيرية لاستكشاف النفط والغاز، والإنتاج، والنقل، والتكرير، وتوليد الكهرباء، مستويات عالية من الاستثمار على مدى فترات طويلة. تتأثر صحة هذا القطاع بشكلٍ مباشر بتنمية البلاد. ويبلغ عدد سكان العراق حالياً 34,8 مليون نسمة، واستقرار إنتاج النفط والغاز في البلاد، الذي سيمكن زيادة الانتاج، أمر أساسي لتحسين ليس فقط استقرار سوق الطاقة العالمية بل أيضاً تحسين مستوى معيشة العراقيين. يعتمد العراق بشكل كبير على عائدات صادرات النفط والغاز.

الشكل (2): إيرادات النفط كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي في أربعة بلدان من دول الخليج. أنقر للتكبير. © Fanack ©Fanack CC BY 4.0

وفي عام 2011، على سبيل المثال، بلغت عائدات النفط نحو 95% من دخل الحكومة وأكثر من 70% من الناتج المحلي الإجمالي في العراق. تعتبر هذه الأرقام مرتفعة، حتى بمعايير البلدان الأخرى الغنية بالموارد في الشرق الأوسط (الشكل (2)). تبرهن هذه الأرقام، على الرغم من أنها تشكّل معضلة بحد ذاتها، أهمية قطاع النفط والغاز في العراق، أو على الأقل في المرحلة الأولى لنمو البلاد إذا ما أرادت الوصول إلى مستويات جيرانها الأثرياء في الإنتاج.

النفط والغاز

Oil Boom in Iraqi Kurdistan
حفارة في منطقة ميران في إقليم كردستان المتمتع بحكم شبه ذاتي, قازان, العراق Photo Corbis

الأحداث المتتالية من العنف وعدم الاستقرار التي أدت إلى توقف إنتاج النفط العراقي تعني أن البلاد لا تزال رائدة في حدود اقتصاد موارد النفط العالمي، سواء من حيث إعادة التأهيل وتوسيع البُنية التحتية للإنتاج الحالي واحتمالية اكتشافات نفطية جديدة، عندما يُستأنف التنقيب بشكلٍ جدي. ويتضح الحدّ الذي افتقرت فيه العراق إلى ان البلاد استعادت فقط في مارس 2014 ذروة إنتاجها السابق الذي حققته عام 1979- أي بمعدل 3,5 مليون برميل في اليوم (mbpd).

إنّ احتياطات النفط والغاز في العراق هائلة، كما أنّ الانتاج الماضي لا يعكس إمكانات الإنتاج الفعلي (القسم 2). إنّ مزيج الإمكانات الجيولوجية الكبيرة للبلاد فضلاً عن الاستغلال المتواصل للثروات دفع وكالة الطاقة الدولية (IEA) في عام 2012 إلى التركيز في منشورها الرئيسي، إلى حدٍ كبير، توقعات الطاقة في العالم، على العراق (أنظر توقعات الطاقة في العالم لعام 2012). وقد تمحوّرت الأفكار آنذاك في أنّ تدفق رأس المال والخبرات الأجنبية بات واضحاً إلى جانب سلسلة من العقود الطموحة التي أثبتت قدرة الدولة العراقية الجديدة على استيعاب خطط الإنتاج المكثف، وهو ظرفٌ استعصى على العراق منذ سنوات طويلة.

وبعد دراسة 46 حقلاً من حقول النفط الأساسية في العراق، خلُصت وكالة الطاقة الدولية إلى أنه، في حال سارت الأمور وفقاً للجداول الزمنية المنصوص عليها في العقود الحالية، قد تصل الطاقة الإنتاجية للنفط في العراق إلى 14,6 مليون برميل في اليوم بحلول عام 2020. ومع ذلك، يفترض السيناريو المركزي لوكالة الطاقة الدولية، أن من المحتمل أن يرتفع انتاج النفط إلى ما يقرب 6 مليون برميل في اليوم عام 2020، وإلى 8,3 مليون برميل في اليوم عام 2035. ومن المتوقع أن يحدث هذا الإرتفاع بشكلٍ رئيسي من الحقول العملاقة في الجنوب (التي تحتوي احتياطات تتجاوز 5 مليار برميل) (أنظر القسم 2,2). ومنذ ذلك الحين تمت مراجعة هذه التقديرات التي وضعت في عام 2012 لأسباب نقوم بتفصيلها في هذا التقرير ومن المرجح إعادة النظر مرة أخرى بها في ضوء الوضع الأمني الحالي (القسم 4).

كما يمتلك العراق احتياطات غاز رئيسية، على الرغم من أن مستويات انتاج الغاز في العراق تتأخر كثيراً عن مستويات انتاج النفط. ووفقاً لتقديرات مجلة النفط والغاز وشركة بي بي (المعروفة في السابق باسم بريتيش بتروليوم ) بلغت الاحتياطات المؤكدة من الغاز الطبيعي الجاف [1] عام 2010، 3,17 تريليون متر مكعب. وعلى الرغم من أنّ احتياطات العراق صغيرة بالمقارنة بجيرانها مثل إيران وقطر وحتى المملكة العربية السعودية، إلا أنها لا تزال هائلة وفقاً للمعايير العالمية: أي أنها في المرتبة العاشرة عالمياً وأكبر من احتياطات النرويج والمملكة المتحدة مجتمعة. تقع معظم الاحتياطات المؤكدة (71%) في المنطقة الجنوبية التي تم اكتشافها بشكلٍ جيد وحيث يتم إنتاج معظم الغاز العراقي في حقول النفط المصحوبة بالغاز.[2]

و9% من غاز القبة [3]، وذلك بشكل أساسي في حقل نفط الجمبور الشمالي، بينما الـ20% المتبقية من الغاز الحر [4] في تسعة حقول للغاز تقع بشكل أساسي في شمال شرق العراق. ومن بين حقول الغاز غير المصحوبة بالنفط، يوجد حقل واحد فقط منتج، ألا وهو حقل الأنفال الذي يبلغ انتاجه حوالي 5,7 مليون متر مكعب. وبعد جولة سابقة (غير ناجحة على الإطلاق) لعطاءات ثلاثة حقول كبيرة للغاز غير المصاحب للنفط، بدأت جولة جديدة في أكتوبر 2010 (تتم مناقشة جولات عطاءات النفط والغاز بالتفصيل في القسم 2.2.1).

إنتاج الغاز الطبيعي مهم لتوليد الطاقة الكهربائية والصناعة، ولكن معظم الغاز المنتج في حقول النفط المصحوبة بالغاز يُحرق بكل بساطة (باعتباره فائض أو فضلات) خلال عملية انتاج النفط. بلغ متوسط الغاز المحروق في العراق 20 مليون متر مكعب في اليوم على الأقل عام 2010، ويُمثل هذا حوالي 32% من إجمالي إنتاج الغاز اليومي. ووفقاً لتقرير صادر عن الإدارة القومية للمحيطات والغلاف الجوي في الولايات المتحدة الأمريكية (NOAA)، حرق العراق رابع أكبر حجم من الغاز من أي بلد عام 2010. يُعتبر هذا هدراً اقتصادياً إذ يمكن استغلال الغاز الطبيعي لتحسين كفاءة توليد الطاقة الكهربائية وزيادة عائدات النفط للدولة إذ أن العراق، كحال دول الشرق الأوسط الأخرى التي توّلد الكهرباء من النفط، تنفق مبالغ طائلة مقابل الحصول على الكهرباء، حيث أنّ عائدات النفط التي تستخدم لتوليد الطاقة الكهرباية ضائعة.

وباختصار، فإن طموح العراق لتوسيع انتاج النفط والغاز خلال العقود القادمة لا يقتصر على حجم مواردها الهيدروكربونية ولا تكاليف الإنتاج، حيث تعتبر من بين أدنى المعدلات في العالم. بل يقتصر الأمر على قدرة الدولة التعاون مع الصناعة للتمكن من إتمام الاستثمارات المقررة في ظل الأمن والثقة السياسية التي يتطلبها الأمر. وتعني العقود وخطط التنمية الميدانية حتى الآن (القسم 2.2.1) زيادة غير عادية في الإنتاج، إلا أنّ الطريقة التي تتطور فيها هذه الخطط على أرض الواقع سيحددها سرعة إزالة المعوقات أمام الاستثمار ومعوقات الإنتاج الأخرى، ويتم التوصل إلى الوضوح بشأن الترتيبات القانونية بين بغداد وحكومة إقليم كردستان ويتم استيفاء المتطلبات الأمنية، وهي متطلبات تم الوفاء بها جزئياً وموضع شك على الدوام.

البيئة القانونية العراقية الحالية ودورها في أوبك: العلاقة السياسية-الاقتصادية

العلاقة بين السياسة وإنتاج النفط والغاز في العراق واضحة في المقام الأول في التفاعل بين إنتاج النفط وتقلبات الدولة العراقية، وثانوياً فيما يتعلق بمركزها في منظمة أوبك. ومع ذلك، فقد كان العراق خارج نظام أوبك لسنوات عديدة نظرا إلى نظام العقوبات، والحرب والتمرد إذ عنى ذلك أن العراق لم يتمكن من تحقيق الإنتاج تماشياً مع احتياطاته من النفط، مقارنةً بالدول الأخرى الأعضاء في منظمة أوبك.

كان العراق أحد أوائل الدول في المنطقة التي عملت على تأميم بنيتها التحتية المنتجة للنفط والغاز عام 1972، وذلك مع تأسيس شركة النفط الوطنية العراقية (INOC). ومنذ ذلك الوقت وحتى سقوط الدكتاتور العراقي صدام حسين عام 2003، لم يكن هناك سوى القليل من مشاركات الشركات الأجنبية. ومع الإطاحة بالنظام البعثي، تبع ذلك تغيير المُلكية وممارسات التشغيل، مما يتفق مع إعادة التنظيم السياسي في البلاد.

الإطار القانوني الحالي لقطاع الطاقة موجود في دستور عام 2005، الذي يحدد نظام ديمقراطي فيدرالي للحكم، بحيث تُمنح منطقة حكومة إقليم كردستان صفة المنطقة الفيدرالية. المؤسسات الرئيسية في قطاع الطاقة في العراق هي وزارة النفط (لقطاع الهيدروكربونات) ووزارة الكهرباء (لقطاع الطاقة)، وكلاهما يقدم تقريرا إلى نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة. تجمع هذه الوزارات بين صنع السياسات والمهام التنظيمية والتشغيلية، بما في ذلك، في حالة وزارة النفط، التوجيه والإشراف على شركات إنتاج النفط الإقليمية المملوكة للدولة (شركة نفط الجنوب في البصرة، وشركة نفط الشمال في كركوك، وشركة نفط ميسان في ميسان وشركة ميدلاند النفط في بغداد)، وشركة تسويق النفط العراقي الحكومية (سومو)، التي تدير الصادرات والواردات من النفط الخام والمنتجات النفطية، وشركات الغاز الجنوبية والشمالية التي تعالج الغاز.

التأخير في إقرار قوانين النفط والغاز الشاملة التي تغطي العراق على نطاق واسع (وخاصة فيما يتعلق بإقليم كردستان) يعني في الوقت الحالي، أنّ النظام الفدرالي لتنمية الموارد (على أساس عقود الخدمات التقنية، والتي توفر للمقاول مخصصات لكل برميل نفط يتم إنتاجه باعتباره أجراً عن العمل الذي يتم إنجازه، على الرغم من أن توقيت وطبيعة هذا الأجر تختلف اختلافاً كبيراً) يتعايش بصعوبة مع النهج المتبع من قِبل حكومة كردستان (على أساس عقود تقاسم الإنتاج، التي توفر عوائد على أساس قيمة النفط والغاز الموجودة والمُنتجة).

ويتفق الأخير مع التشريعات الخاصة لعام 2007، التي تم التنازع على شرعيتها في عدة مناسبات من قِبل الحكومة الإتحادية. وقد كان اقتراح ما يُسمى بقانون النفط والغاز الذي يحكم التعاقد والتنظيم، قيد المراجعة في مجلس الوزراء منذ 28 أكتوبر 2008 ولكن لم يتم تمريره حتى الآن. وعلى الرغم من عدم وجود قانون للنفط والغاز، وقعت وزارة النفط مع ذلك عقود طويلة الأمد مع شركات النفط الدولية (أنظر القسم 2.2.1) ابتداءً من عام 2008. وبالفعل، فقد تم تحقيق تقدم أساسي في هذا المجال مما مكن من تحقيق مكاسب في الإنتاج للعراق التي استعصت سابقاً على النظام البعثي.

ومع ازدياد الإنتاج العراقي، ازدادت أيضاً المخاوف بشأن دوره المستقبلي في أوبك. وعلق حسين الشهرستاني، وزير النفط في ذلك الوقت، أنه في حال أعاد العراق الإنضمام إلى نظام حصص أوبك في المستقبل، فلن يكون ذلك ممكناً إلى أن يتمكن العراق، على الأقل، من إنتاج 4 مليون برميل في اليوم من النفط الخام العراقي. وكما صرّح في أكتوبر 2010 “نعتقد أن العراق قد حُرِم من نصيبه العادل في سوق الطاقة العالمي وسوق النفط لسنوات عديدة، ويجب أن يتم تعويضه بالإضافة إلى احتياطاته والقدرة على الإنتاج.”

تدوير النفط (الإنتاج والاحتياطيات والاستكشاف)

عدّل العراق تقديراته لاحتياطيات النفط المؤكدة من 115 مليار برميل عام 2011 إلى 141 مليار برميل اعتباراً من الأول من يناير 2014، وفقاً لمجلة النفط والغاز. التقديرات الجديدة للإحتياطيات منح العراق المرتبة الخامسة على مستوى العالم لأكبر احتياطات مؤكدة من النفط، والمرتبة الثالثة كأكبر احتياطات تقليدية [5] مؤكدة من النفط بعد السعودية وإيران.

ووفقاً للبيانات الصادرة عن وزارة النفط، تقع احتياطيات العراق المؤكدة في 66 حقلاً، حيث يتجاوز مجموع النفط القابل للاستخراج من الناحية الفنية في هذه الحقول الـ500 مليار برميل. ومن بين 66 حقل نفط معروف، 20 فقط منها حقول مُنتجة. وتتضمن هذه الحقول بعض الحقول الضخمة جداً بشكلٍ استثنائي:

  • حقل غرب القرنة (احتياطي 43 مليار برميل، جنوب)

  • الرميلة (احتياطي 17,3 مليار برميل، جنوب)

  • مجنون (احتياطي 12 مليار برميل، جنوب)

  • كركوك (احتياطي 9 مليار برميل، شمال)

  • شرق بغداد (احتياطي 8 مليار برميل، وسط)

  • نهر عمر (احتياطي 6 مليار برميل، جنوب)

الخريطة رقم (2): حقول النفط والغاز الأساسية والبنية التحتية المرتبطة بها في جنوب العراق. المصدر: IEA. أنقر للتكبير. © Fanack ©Fanack CC BY 4.0
  • حلفاية (حقل عملاق جداً تقريباً، احتياطي 4,1 مليار برميل، جنوب)

  • جدة(أرامكو السعودية ) 85 ألف برميل في اليوم

حقل الرميلة، الواقع في جنوب شرق العراق (محافظة البصرة) هو أكبر حقل نشط في البلاد، حيث بلغت قدرته الإنتاجية 1,3 مليون برميل في اليوم عام 2012. كما أنّ حقول غرب القرنة والزبير وكركوك (الموجود في الشمال) هي أيضاً من الحقول الكبيرة المساهمة في الإنتاج. تتركز حقول الرميلة وغرب القرنة والزبير ومجنون ونهر عمر في مناطق ذات أغلبية شيعية جنوب شرق البلاد، وتمثل 60% من إجمالي احتياطيات العراق المؤكدة.

يسهل الوصول إلى الحقول الجنوبية عبر مرافق التصدير الساحلية، وذلك من خلال الحفاظ على خطوط أنابيب التصدير الأولية قصيرة نسبياً (الخريطة رقم (2)). يُعتبر هذا القرب من منفذ دولي من الإعتبارات المهمة، ليس فقط من أجل إيصال النفط الخام إلى السوق، بل أيضاً لجلب المعدات وفي هذه الحالة عبر ممر شط العرب المائي الذي يمتد من الخليج إلى ما بعد البصرة. تتناقض سهولة الوصول هذه مع الصعوبات اللوجستية لجلب المعدات الثقيلة في العديد من المناطق حول العالم، على سبيل المثال منطقة بحر القزوين وشمال روسيا.

وتعتبر الحقول العملاقة التي يتم تطويرها في الجنوب أحد أكبر الحقول في العالم، مما يجذب الاقتصادات الكبيرة للعمل على استغلالها. وعلاوة على ذلك، فإن الجيولوجيا أقل تعقيداً من تلك الموجودة في مشاريع كبرى في أجزاء أخرى من العالم، على سبيل المثال حقل كاشاغان في كازاخستان، حيث أن الحقل عميق جداً ويرزح تحت ضغط مرتفع جداً، أو الحقول النفطية في المياه العميقة تحت الطبقات الملحية [6] في البرازيل. الحقول العراقية جميعها برية وغالباً ما تكون، كما في حال الحقول حول البصرة، تقع في تضاريس غير مأهولة نسبياً ومسطحة، مما يحد من تكاليف الآبار وخطوط الأنابيب وغيرها من المرافق.

يهيمن على شمال العراق حقل كركوك العملاق وتلك الحقول التي تقع ضمن اختصاص حكومة إقليم كردستان. وذكرت حكومة كردستان أن الموارد النفطية في المنطقة تبلغ 45 مليار برميل، وبسبب شروط العقد المناسبة، تهتم بها العديد من الشركات الأجنبية.

هناك حالياً خمسة حقول منتجة بموجب عقود تمنحها حكومة إقليم كردستان: طاوكي، طق طق، وقبة خورمالة في حقل كركوك، وحقل شيخان (إنتاج مبكر)، ومكثفات من حقل غاز خور مور (الخريطة رقم (3)). هذه هي السوائل أو السوائل تحت الضغط (البروبان والبيوتان، الخ) التي يتم إنتاجها في آبار الغاز.

وتقع أكبر احتياطيات العراق في الجنوب، بالقرب من الخليج الفارسي، وفي الشمال، بالقرب من مدينة كركوك، ولكن هناك حقول أصغر في أجزاء أخرى من البلاد، باستثناء محافظة الانبار في الغرب. وبما أن التزامات الإنتاج الكبرى كانت تطوعية من قبل شركات عالمية خلال جولات التراخيص، وأدرجت فيما بعد في عقود الخدمة الفنية الملزمة، تمتلك وزارة النفط سبب وجيه لتتوقع زيادة كبيرة في الطاقة الإنتاجية من الحقول المغطاة بعقود الخدمات التقنية وحدها.

نشاط شركات النفط والغاز الأجنبية

لا توجد إجابة شافية للسؤال حول الدور الذي لعبته الثروة النفطية في البلاد في الغزو الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية على العراق في مارس 2003 الذي أسفر عن الاطاحة بنظام صدام حسين البعثي، ولكن كان من المتوقع أنّ الزيادة في كميات النفط العراقي ستتطور من قِبل شركات النفط الأجنبية عندما لم تعد حقول النفط العراقية تحت سيطرة النظام. وبالتالي، لا بدّ أن هذا شكل عامل تحفيز، نظراً لإهتمام الإقتصاد العالمي بزيادة إنتاج النفط والغاز والإحباط الذي كان مسيطراً أثناء حكم صدام حسين.

ومع تحديد الخطوط العامة الأولية للحكومة الجديدة التي تم تأسيسها في عام 2005، والإنسحاب المزمع للقوات الأمريكية وانخفاض الخطر الأمني للتمرد، وضعت عقود تطوير حقول النفط للبيع في المزاد. وفي إطار المرحلة الأولى، قدمت الشركات عروضا لتطوير حقول النفط العملاقة التي كانت تنتج بالفعل.وفي المرحلة الثانية، تم توقيع عقود لتطوير حقول النفط التي تم استكشافها ولكن لم تتطور بشكل كامل أو غير المنتجة تجارياً. تغطي عقود المرحلتين حقول النفط مع احتياطيات مؤكدة تتجاوز 60 مليار برميل.

الخريطة رقم (3): حقول النفط والغاز الأساسية والبنية التحتية المرتبطة بها في جنوب العراق. المصدر: IEA. أنقر للتكبير. © Fanack ©Fanack CC BY 4.0

وإذا ما تم تطوير هذه الحقول على النحو المخطط له منذ البداية، ستزيد الطاقة الإنتاجية الإجمالية للنفط العراقي إلى ما يقرب 12 مليون برميل في اليوم، أي حوالي 9 مليون برميل يومياً فوق مستويات إنتاج عام 2012، إلا أن تنفيذ العقود واجه تحديات واضحة. ومنذ ذلك الوقت عقد العراق ثلاث جولات عطاء لحقول النفط، وجولة رابعة للحقول التي تحتوي على الأغلب على النفط الخام. وقد مُنحت تسعة عشر عقداً للخدمات. في معظم الحالات، تم إتباع عملية تقديم العطاءات والمساومات الصعبة بتنفيذ التقنية من قِبل الحكومة الإتحادية حتى الآن، كل منها لإتحاد مجموعة شركات بقيادة شركة تشغيل دولية. الشركات العاملة المملوكة للدولة في العراق لديها حصة 25% في كل من هذه الاتحادات.

بلغ متوسط إنتاج عام 2010، 2,36 مليون برميل في اليوم. وقد ارتفع الإنتاج منذ ذلك الحين بسبب تلك العقود. وفي الحقيقة، وصلت أربعة مشاريع (الأحدب والرميلة والمرحلة الأولى لحقل غرب القرنة والزبير) العتبة الأولية من الإنتاج، والتي تنتج بشكل جماعي 2,05 مليون برميل في اليوم، أي حصة الأسد من الإنتاج العراقي اليومي.

مُنح حقل الأحدب بشكل منفصل لبتروتشاينا عام 2008، حيث تم تحديد هدف الإنتاج الأولي بـ25 ألف برميل في اليوم، في حين وصل الإنتاج في يونيو 2012 إلى 129 ألف برميل في اليوم، في حين كان الهدف إنتاج 140 ألف برميل في اليوم للعقود، ولكن قامت بعض الشركات بإعادة النظر صراحة أو ضمناً بمواقعهم في الجنوب. وباعت شتات أويل حصتها في المرحلة الثانية من حقل القرنة.

في حين سعت شركة إكسون موبيل، مشغل حقل غرب القرنة المرحلة الأولى، للبحث عن فرص في منطقة إقليم كردستان، وكذلك فعلت شركة توتال (جزء من الاتحاد المشغل لحقل الحلفاية مع شركة بتروتشاينا)، وشركة جازبروم نفت.

وجاء قرار شركة اكسون موبيل للاستثمار قبل أسابيع فقط من الموعدالنهائي في نهاية ديسمبر لقيام الولايات المتحدة سحب قواتها من العراق. وقد أوضحت الحكومة الاتحادية بأنه لا يسمح للشركات ذات الأنشطة في منطقة حكومة إقليم كردستان تقديم عطاءات في جولات التراخيص الوطنية للمشاريع في بقية أنحاء العراق، ولكن الآثار المترتبة على الشركات ذات العقود الحالية غير واضحة.

الخريطة رقم (4): حقول النفط والغاز الرئيسية والبنية التحتية في شمال العراق (بما في ذلك حكومة إقليم كردستان). أنقر للتكبير. © Fanack ©Fanack CC BY 4.0

ومع ذلك، أظهرت الجولات اللاحقة وجود مصلحة قوية في اتفاقات تقاسم الانتاج مع حكومة إقليم كردستان.[7]

قامت حكومة إقليم كردستان بتحدي فعليّ لسلطة الحكومة الوطنية عندما وقعت اتفاقات إنتاج نفط مشترك مع شركة إكسون موبيل لتطوير ست مناطق في شمال العراق، تقع بعضها في المناطق الحدودية المتنازع عليها. تُعتبر شركة إكسون موبيل ذات أهمية خصوصاً لأنها أول شركة قادت اتحاد الشركات الأمريكية بالعودة لدخول قطاع النفط العراقي في عام 2009، بعد أكثر من 30 عاماً من خلال الموافقة على تطوير حقل غرب القرنة العملاق. أما الشركات الكبرى الأخرى مثل بي بي، ورويال داتش شل، ترددت بتوقيع العقود خوفاً من عدِاء بغداد، التي قالت أن العقود قد تكون غير شرعية.

وبالفعل، تؤكد نية إكسون موبيل (إعلان) الإنسحاب من مشروع غرب القرنة- المرحلة الأولى [8] الضخم، التوترات في التعامل مع حكومة بغداد واستياء بعض أبرز الشركات من شروط العقود مقارنةً بتلك التي تقدمها حكومة إقليم كردستان. منحت حكومة إقليم كردستان نحو 50 عقدا للتنقيب عن النفط والغاز والتنمية، ومعظمها لشركات عالمية متوسطة الحجم. ومنذ عام 2010، بدأت بعض شركات النفط الدولية الكبيرة أيضاً الحصول على تراخيص من حكومة إقليم كردستان، بما في ذلك ميرفي للنفط وماراثون في عام 2010، تليها هيس وريبسول وشركة إكسون موبيل في عام 2011، وأصحاب المصلحة في التراخيص السارية المكتسبة عام 2012 شركة شيفرون وتوتال وغازبروم نفت. وفي الآونة الأخيرة، دخلت جينيل محادثات جادة مع حكومة إقليم كردستان.

وحتى قبل أحدث المشاكل الأمنية (القسم 4)، واجه العراق تحديات كبيرة في تحقيق أهدافه الطموحة في الإنتاج. وكان هذا بسبب البنية التحتية المطلوبة لتحقيق زيادات ضخمة في الإنتاج. خفضّت بغداد فيما بعد الإنتاج المستهدف لعام 2020 إلى 8,5- 9,0 مليون برميل في اليوم. بدايةً، توقعت الحكومة المركزية وصول الإنتاج إلى 12 مليون برميل في اليوم من الحقول العملاقة وحدها، والتي من المقرر أن يتم تطويرها في أول جولتين للتراخيص. ومع ذلك، خفضّت هذه التقديرات في شهر يونيو 2014، بعد مراجعات شروط العقد.

وقد تم التوصل إلى إتفاق نهائي مع شركة إيني لخفض الإنتاج المستهدف لحقل الزبير إلى 0,85 مليون برميل في اليوم بحلول عام 2020 من هدف 1,1 مليون برميل في اليوم لعام 2017. وخفضّت شركة لوك أويل شروطها لحقل غرب القرنة- المرحلة الثانية، إلى 1,2 مليون برميل في اليوم من 1,8 مليون برميل في اليوم. ووافقت شركة بي بي والشكرة الصينية الوطنية للبترول (CNPC)، من حيث المبدأ، على خفض الإنتاج المستهدف لحقل الرميلة العملاق إلى 2,1 مليون برميل في اليوم من أصل 2,8 مليون برميل في اليوم بحلول عام 2020.

وتجري المفاوضات حالياً لإعادة مراجعة الإنتاج حول حقل غرب القرنة- المرحلة الأولى وحقل مجنون. ومن غير المتوقع أن تطرأ أي تغييرات على عقود الحقول الأصغر، باستثناء تلك التي تواجه تحديات أمنية. وقد سحبت شركة النفط الحكومية الأنغولية ،سونانجول، عقودها لحقول النجمة وكيارا في نينوى، الواقعة على الحدود مع محافظة الانبار، بسبب المخاطر الأمنية.

معالجة النفط (التكرير والنقل وقدرة التصدير)

لا يوضح النفط والغاز الموجود في رأس بئر النفط الكثير عن القدرات والطاقة التكريرية للبئر، أي القدرة على جلب النفط الخام إلى السوق وتكرير النفط الخام إلى منتجات قابلة للإستخدام. وتعجز منتجات النفط الذي تنتجه المصافي العراقية عن تلبية الإحتياجات المحلية والإمكانيات التي توفرها المصافي الحديثة الأكثر تعقيداً.

قدرات التكرير العراقية

تمتلك العراق أربع مصافٍ رئيسية، بالإضافة إلى عدة مصافي صغيرة الحجم قادرة فقط على القيام بعمليات بسيطة. المصافي الرئيسية وقدرات معالجتها كالآتي:

  • بيجي، 310,000 برميل في اليوم

  • البصرة، 150,000 برميل في اليوم

  • الدورة، 110,000 برميل في اليوم

  • أربيل، 40,000 برميل في اليوم

وهذا يجعل الطاقة الإجمالية تصل إلى 610,000 برميل في اليوم من هذه المصافي الأربع، بالإضافة إلى ربما أقل من 100,000 برميل في اليوم من المصافي السبع الأصغر حجماً، والأقل تعقيداً.[9]

البُنية التحتية لخطوط الأنابيب الرئيسية

يمتلك العراق خط أنابيب تشغيلي واحد لتصدير النفط الخام، خط أنابيب كركوك-جيهان (العراق وتركيا)، الذي ينقل النفط من شمال العراق إلى ميناء جيهان على البحر الأبيض المتوسط في تركيا. يتكون مسار خط الأنابيب هذا من خطين من خطوط الأنابيب المتوازية حيث تبلغ طاقته الإسمية مجتمعة 1,65 مليون برميل في اليوم. وهناك خط واحد فقط من هذين الخطين فعّال.

وتبلغ السعة القصوى المتاحة لهذا الخط، وفقاً لوزارة النفط، 600 ألف برميل يومياً، وهي أقل بكثير من الطاقة الإسمية بـ1,65 مليون برميل في اليوم. وليصل هذا المسار إلى كامل طاقته، ينبغي أن يستقبل العراق النفط من الجنوب عبر خط الأنابيب الإستراتيجي أو زيادة الإنتاج الشمالي بثلاثة أضعاف. خط الأنابيب الإستراتيجي متوقف عن العمل حالياً، بسبب حاجته إلى إصلاحات كونه يقع ضمن دائرة خطر التخريب. وقد سبق وجرت نقاشات بين العراق وتركيا لزيادة سعة خط الأنابيب على طول هذا المسار، إلا أن الجداول الزمنية للتنفيذ غير معروفة ولا بد من معالجة المخاطر الحالية.

كما تم إيقاف خط أنابيب كركوك- بانياس (سوريا)، والذي تبلغ سعته التصميمية 700,000 برميل في اليوم، وبات الجزء العراقي غير صالح للاستخدام منذ حرب عام 2003. وقد جرت محادثات بين المسؤولين في الحكومتين العراقية والسورية حول إعادة فتح خط الأنابيب. وأعربت الشركة الروسية سترويترانسغاز عن رغبتها في إصلاح خط الأنابيب، إلا أنّ هذه الخطوة لم تحرز أي تقدم إلى الآن. وعلاوة على ذلك، وبالنظر إلى الحرب الأهلية في سوريا ، قد لا يبدو تنفيذ مثل هذه الخطة ممكناً على المدى المتوسط. كما تم أغلاق خط الأنابيب العراقي إلى المملكة العربية السعودية (IPSA) الذي تبلغ سعته التصميمية 1,65 مليون برميل في اليوم منذ عام 1991 بعد حرب الخليج الأولى ولا توجد أي نية لإعادة فتحه.

كان هناك عدة مقترحات بارزة أخرى لزيادة التدفقات من حقول النفط الشمالية وتنويع الإستثمارات دون الإعتماد على ميناء البصرة. وتم اقتراح خط أنابيب كردستان العراق للنفط الخام (KICE) لنقل 420,000 برميل يومياً من النفط الخام من حقول النفط من المنطقة الكردية إلى الحدود مع تركيا، والتي يمكن ربطه في وقت لاحق بخط أنابيب كركوك-جيهان. يتضمن مُقترح خط الأنابيب الجنوبي مرحلتين: المرحلة الأولى تتضمن إنشاء خط أنابيب بسعة 2,25 مليون برميل في اليوم من البصرة في الشمال إلى الحديثة، في محافظة الأنبار في العراق. في حين تتضمن المرحلة الثانية مُقترح إنشاء خط أنابيب للنفط الخام بسعة مليون برميل في اليوم من الحديثة لى ميناء العقبة الأردني على البحر الأحمر. وبالنظر إلى الوضع الأمني في البلاد وجارتها سوريا، لم يعد إنشاء هذا الخط ممكناً على المدى المتوسط.

الكهرباء

امدادات الطاقة في العراق قادرة على تلبية حوالي 60% فقط من احتياجات البلاد (مع الأخذ بعين الإعتبار أن 20% من السكان لا تصلهم الكهرباء على الإطلاق)، على الرغم من أنّ الإمدادات المتوفرة تختلف نوعاً ما حسب المنطقة والموسم. المنطقة الكردية لديها الآن 1,250 ميجاواط من الطاقة، بينما ما تبقى من البلاد 4,800 ميجاواط، عندما تعمل المحطات بالشكل الصحيح. كما يتم إستيراد ما يصل إلى 1,000 ميجاواط من سوريا وإيران، إلا أنّ الواردات السورية انخفضت بسبب الحرب الأهلية في البلاد.

الشكل (3): توليد الكهرباء مقابل الكهرباء المطلوبة 1990-2013. أنقر للتكبير. © Fanack ©Fanack CC BY 4.0

القضايا الأمنية والتهديدات لقطاع الطاقة في العراق

IS military parade in al-Raqqa, Syria, using US vehicles and weaponry seized from the Iraqi army
عرض عسكري لداعش في الرقة,سوريا, تظهر فيه مركبات وأسلحة أمريكية استولت عليها داعش من الجيش العراقي

منذ استيلاء تنظيم الدولة الإسلامية التابع سابقاً للقاعدة على الكثير من المناطق السُنية في العراق عام 2014، ظهرت العديد من التساؤلات حول التهديد الذي تشكله على تطور العراق وحقولها النفطية. يختلف الوضع في العديد من الجوانب الهامة المرتبطة بالجماعات المتطرفة السابقة التي أعقبت الإطاحة بصدام حسين عام 2003.

في البداية، لا يملك التمرد الحالي جذوراً في الإضطرابات الداخلية بل يهدف بشكلٍ مُعلن إلى الإطاحة بالإحتلال. بدلاً من ذلك، ينبع هذا التمرد من سياسة الإنقسام في حكومة بغداد المركزية غير المنصفة، والحركات الإرهابية العامة التي تُنعش الفوضى في مناطق الحرب، وفراغ السلطة في سوريا، الذي يشترك مع العراق بحدود طويلة من الجهة الغربية (للمزيد من المعلومات، أنظر تقرير سوريا).

وبلا شك عرّت الإطاحة بالنظام البعثي الشقوق الخفية أسفل قبضة صدام حسين الحديدية للأمن في البلاد. ومع ذلك، فقد كنت موجات العنف تلك متوقعة في حال فهم القائمين على ذلك الإنقسامات الطائفية في العراق وكيف أنها على الأغلب قد تفاقمت بسبب إنهيار سيادة القانون بعد الغزو. وبالتالي يمكن اعتبار ظهور تنظيم القاعدة في العراق نتيجةً مباشرة للغزو، إذ كان من الصعب أن يظهر إلى الملأ بخلاف ذلك.

أدى انسحاب القوات الأمريكية من العراق إلى قمع انتفاضة الميليشيات الشيعية التي تعارض بحماس الوجود العسكري لغير المسلمين في البلاد، إلا أنّ الحركات ذات الجذور السُنيّة تواصلت ونمت. ويمكن أن يُعزى هذا إلى الميول الإرهابية لتنظيم القاعدة في العراق، ولكن على وجه التحديد، لتهميش السُنة في غرب العراق من قِبل حكومة بغداد ذات الأغلبية الشيعية.

وفي خضّم البيئة المروعة لسنوات الحرب، تحولت القاعدة في العراق من كونها جماعة متمردة تقاتل القوات العسكرية الأمريكية إلى كيان عابر للحدود يسعى إلى تأسيس دولة تدعي تمثيل مصالح السكان العرب السُنة المظلومين مع الحفاظ على الشكل “النقي” للحكومة الإسلامية. الزوبعة الإعلامية التي خلقها تنظيم الدولة بتمدده عبر الحدود العراقية السورية وإعلان إنتهاء “اتفاقية سايكس بيكو” وإقامة خلافة جديدة بعد الإستيلاء على الموصل (ثاني أكبر مدينة عراقية منحيث التعداد السكاني)، يشّكل فصلاً جديداً في تاريخ المنطقة.

وبالتالي، يعكس الوضع الراهن قضية أعمق بكثير من التمرد، إذ يدفع هذا إلى التشكيك بمستقبل العراق، بالإضافة إلى سوريا وكيف يمكن للعالم أن يتعامل مع تزايد التهديدات الإرهابية لأول دولة إسلامية إرهابية. تُظهر الخريطة رقم (5) وجود قوات تنظيم الدولة قبل بداية الضربات الجوية لقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث كان ما يقرب من ثلث الأراضي العراقية تحت السيطرة المباشرة أو غير المباشرة لتنظيم الدولة قبل بدء الضربات الجوية لقوات التحالف الدولي.

النفط والإتجاهات لإيجاد كيان للدولة بحكم الأمر الواقع في بلاد الشام

يتشابك مستقبل الدولة العراقية بشكل معقد مع ثروته النفطية. ومع الحرب التي تُخاض ضد تنظيم الدولة على الجبهتين الغنيتين بالنفط، التي يُسيطر على إحداها الأكراد في حكم شبه ذاتي في الشمال، والأخرى تقع في أراضٍ ذات أغلبية شيعية في الجنوب، يعتبر العِداء السابق المعهود حول عائدات النفط ذو أهمية ثانوية. يتمثل الأمر الأكثر أهمية بحل الأوضاع على أرض الواقع، من خلال الإستمرار في محاربة تنظيم الدولة والمحافظة مالياً على القوة العسكرية، فضلاً عن دعم الخطط المالية لمناطق معينة.

وفي حالة بغداد، هذا يعني مخاطبة السكان السُنة المهمشين والمعرضين حالياً لخطر تنظيم الدولة في محافظات غرب العراق وخطر خسارة تلك المحافظات. ستحدد الطريقة التي يتم فيها معالجة هذين التحديين مصير الدولة العراقية. ويبقى أن نرى ما إذا سيواصل العراق بحكم الأمر الواقع تجزئة الدولة الكردية في الشمال (دمج الأكراد السوريين على الحدود الشمالية الغربية للعراق مع سوريا، حيث تعرضت الأخيرة أيضاً للتجزئة)، وإنشاء دولة ذات أغلبية شيعية بوجود قوات الأمن العراقية كأداة طائفية إلى جانب الميليشيات، أم أنّ حكومة الوحدة الوطنية المنتخبة في أبريل 2014 ستوحد العراق معاً ضد تنظيم الدولة.

وبينما يحارب الأكراد تنظيم الدولة في الشمال، فإن حافز الإنفصال عن بغداد ليس أمراً بسيطاً. ومع التواجد المحدود لقوى الأمن الداخلي العراقي في الشمال، استولت البيشمركة (الجيش الكردي) على كركوك وحقل النفط العملاق في كركوك (أنظر الخريطة رقم (5)).

الخريطة رقم (5): البُنية التحتية للنفظ والغاز العراقي والمناطق التي يُسيطر عليها تنظيم الدولة وحكومة كردستان. (حقل كركوك الذي تم الاستيلاء عليه موّضح). أنقر للتكبير. © Fanack ©Fanack CC BY 4.0

تم قطع طريق تصدير النفط من كركوك إلى الأردن بواسطة الشاحنات عبر الأنبار (يتم عادةً نقل 10,000 برميل في اليوم) بسبب وجود تنظيم الدولة، إلا أنه يتم تصدير حوالي 15,000 برميل في اليوم من المكثفات، و20,000 برميل في اليوم من النفط الخام إلى تركيا بواسطة الشاحنات. وعلاوة على ذلك، تتطلع حكومة إقليم كردستان إلى بناء خط أنابيب خاص بها لتصدير النفط الخام مباشرةً عبر تركيا، وتجاوز خط أنابيب التصدير الوطني.

وعلى الرغم من أن تركيا لم توافق رسمياً على هذه الخطة، إلا أن الشركة الإنجليزية- التركية، جينيل للطاقة، تخطط لبناء خط أنابيب بسعة 420,000 برميل في اليوم لخط أنابيب كردستان العراق لتصدير النفط الخام. (أنظر القسم 2.3.2) الذي سيربط حقولها في المناطق الكردية شمال العراق بالحدود التركية. كما بحثت حكومة إقليم كردستان أيضاً إمكانية توريد الغاز الطبيعي إلى تركيا.

الاتفاق بين بغداد و حكومة إقليم كردستان

وفي النصف الثاني من عام 2014، هدأت موجة رغبة الأكراد في الإنفصال عن العراق وذلك ببساطة لأن الأكراد يواجهون خياراً صعباً، إذ يعني الإنسحاب من العراق فقدان العائدات من الحكومة المركزية. وستكون هذه الخسارة كارثية على المدى القريب، إذ من شأن كردستان المستقلة تحقيق عائدات تصل إلى أقل من 7 مليار دولار في السنة، أي تقريباً أقل بنسبة الثُلث مما يرد إليها من ما نسبته 12% من إجمالي عائدات النفط ي العراق.

ولا يعدّ هذا مستداماً من الناحية الإقتصادية، وبخاصة في الوقت الذي تواجه فيه حكومة رئيس الوزراء بارزاني أعباء مالية إضافية بسبب مساعدة الأكراد السوريين المحاصرين ليصبح أقليم كردستان مكباً لبقية مشاكل العراق.

ومع وجود ما يقارب مليوني فرد من النازحين داخلياً في العراق، تتواجد الغالبية العظمى منهم في إقليم كردستان، تواجه حكومة إقليم كردستان عبئاً مالياً يصل إلى حوالي 300 مليون دولار في الشهر، والإنخفاض الأخير في أسعار النفط يعني أن الأكراد يحتاجون إلى إنتاج ضعف هذا العدد من البراميل يومياً للخروج بلا مكسب أو خسارة، أو حتى البيع بأسعار السوق.

الخريطة رقم (6): حقول النفطرة تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية.أنقر للتكبير. © Fanack. ©Fanack CC BY 4.0

(وحتى الآن باعت حكومة إقليم كردستان النفط بخصومات هائلة، ويعود ذلك بسبب رئيسي إلى أنّ التجار يعتبرون شراء النفط من منطقة الإقليم الكردي يعرضهم لخطر مواجهة الإعتراضات القانونية من حكومة بغداد).

في أربيل، ترك نقص أموال النفط القادمة من بغداد، والقليل جداً الذي يتم تحصيله من بيع النفط الكردي، العديد من موظفي الخدمة المدنية، بما في ذلك 180,000 من قوات البيشمركة دون رواتب منذ شهور.
وبسبب هذا الوضع، وقعّت الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان إتفاقاً في نوفمبر 2014 لتخفيف التوترات بشأن صادرات النفط الكردية ومدفوعات الخدمة المدنية من بغداد.

وقال هوشيار زيباري، نائب رئيس الوزراء ووزير المالية العراقي ان الحكومة المركزية وافقت، في الوقت الحاضر، على استئناف المدفوعات من الميزانية الاتحادية لرواتب موظفي الخدمة المدنية الأكراد. ووصف زيباري هذه الخطوة، باعتباره كردي، بأنها “تقدم كبير” من شأنها أن تحدّ من الإحتكاك بين إقليم كردستان وبغداد. وقال أنّ المدفوعات ستغطي شهر أكتوبر (المعلّق سابقاً والمصدر الرئيسي للخلاف) ومن ثم شهر نوفمبر.

ووفقاً للإتفاق، ستلتزم كردستان العراق بـ150,000 برميل في اليوم من الميزانية الإتحادية لصادرات النفط، أي ما يعادل نصف شحنتها بشكلٍ عام. ويبدو أن حكومة إقليم كردستان تستفيد من حكومة الوحدة الوطنية الجديدة في العراق، التي تضم الشيعة والسُنة والأكراد. ولعل إرث وزير النفط العراقي السابق، حسين الشهرستاني، الذي إتبع سياسة نفطية مركزية عدوانية مكروها من قبل الأكراد، بدأ يتلاشى. وقد ساعد تعيين عادل عبدالمهدي في منصب وزير النفط الجديد في التأثير على الأكراد، كما أنه يتمتع بعلاقات وثيقة مع حزب البارزاني. وأخيراً، من المقرر إرسال ما نسبته 17% من عائدات النفط والغاز في العراق إلى أربيل، في حال إمكانية التوصل إلى إتفاق على المدى الطويل. وفي ضوء خطط تنمية الحقول في البصرة، تعتبر هذه مجرد شريحة من الفطيرة الكبيرة.

ومما لا يثير الدهشة، تختلف أرقام الطاقة بشكلٍ بارز في أنشطة تنظيم الدولة الإسلامية. إذ أنّ الأراضي التي يُسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية حالياً في العراق هي في الغالب ضمن محافظة الأنبار الغربية، والتي تتضاءل من حيث احتياطات النفط والغاز بالمقارنة مع الشمال الذي يُسيطر عليها الأكراد، والجنوب الذي يُسيطر عليه الأغلبية الشيعية. ومع ذلك، يمكن العثور على النفط في المناطق التي يُسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية في كل من العراق وسوريا.

وتُشير تقديرات مؤسسة مابلكروفت، شركة إدارة المخاطر، إلى أنّ تنظيم الدولة الإسلامية يتحكم بستة من أصل عشر حقول للنفط في سوريا، بما في ذلك منشآة حقل العمر النفطي الكبير، وعلى الأقل أربعة حقول صغيرة في العراق، بما في ذلك تلك الموجودة بجاجيل وحمرين. وتُدعم تدفقات الإيرادات المرتبطة بالإنتاج غير المشروع من قِبل الشبكات طويلة الأمد لمبيعات النفط في السوق السوداء والتهريب في بلاد الشام. وأدى فرض العقوبات على قطاع الطاقة في العراق في التسعينيات إلى ظهور شبكة قوية من المهربين والتجار وسارقي المصافي.

“إن حقيقة بقاء العراق في ظل العقوبات لفترة طويلة قاد رجال الأعمال الأكراد والعراقيين إلى ملء الفراغ وخلق شبكات تهريب للنفط العراقي”،يقول فاليري مارسيل، أخصائي الطاقة في الشرق الأوسط وأفريقيا في تشاتام هاوس. “كما نمت شبكات التهريب التركية، والإيرانية، والسورية، والعراقية، بسبب عقودٍ من الحظر على الصادرات”. قدرت إدارة معلومات الطاقة (EIA) ومعهد الطاقة العراقي إنتاج تنظيم الدولة الإسلامية من النفط بـ50 ألف برميل في اليوم في العراق، و30 ألف برميل في اليوم في سوريا، مما يعني أرباح قدرها 3,2 مليون دولار في اليوم الواحد عند بيعها في السوق السوداء بسعر 40 دولار للبرميل الواحد. على هذا النحو، باتت المنشآت النفطية أهدافاً رئيسية للضربات الجوية لقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية التي بدأت في أغسطس 2014.

الآثار المترتبة على الشركات الأجنبية

من غير المرجح قيام مسلحي تنظيم الدولة بالإستيلاء على المناطق الشيعية الرئيسية أو المناطق الفيدرالية الكردية عسكرياً، وخصوصاً مع بدء الضربات الجوية لقوات التحالف ضد التنظيم. ولكن لا يزال هناك خطر أعمال الإرهاب لمرة واحدة التي قد تشمل التخريب والخطف وغيرها من التهديدات لمنشآت الطاقة العراقية والموظفين. وهذا لا ينفي أنّ المشاريع النفطية في العراق أكثر وضوحاً من الناحية الفنية والأقل تكلفةً في العالم، من حيث التكلفة الرأسمالية لكل وحدة من الطاقة الإنتاجية الجديدة ونفقات التشغيل. ولا تزال العديد من الشركات مهتمة بالكميات الكبيرة، مع العلم بأن الحقول في العراق ذات حجم ونوعية تحدّ نسبياً من المخاطر التقنية والاستكشاف والأسعار.
وكما يُقال، قد يتم تحويل رأس المال المخصص للإستثمار لقتال تنظيم الدولة الإسلامية. وفي حال تحسين الأمن، التي تبرز الحاجة إليه، سترتفع تكاليف التشغيل وتنخفض الأرباح بالنسبة للشركات والشعب العراقي على حد سواء.


[1] تُشير كلمة الجاف إلى الودائع الغازية على وجه التحديد (الميثان) التي لا تحتوي على مواد سائلة مثل المكثفات
[2] حقول النفط المصحوبة بالغاز هي الحقول التي يوجد فيها النفط والغاز الطبيعي في طبقات منفصلة. ويمكن أن يكون استخراج الغاز من هذه الحقول أكثر تعقيداً وتكلفةً من استخراجه من الحقول غير المصاحبة للنفط. ومع ذلك، من أجل استخراج النفط، يتوجب التخلص من الغاز، والذي يتم غالباً عن طريق حرق الغاز. وعلى الرغم من أن معظم حقول النفط المصاحبة للغاز تقع في الجنوب، يوجد بعضها في الشمال، مثل حقل كركوك.
[3] الغاز الموجود في التكوينات الجيولوجية المعروفة باسم القباب، والتي هي عبارة عن هياكل كبيرة أو بيضاوية الشكل.
[4] الغاز الحر هو الغاز المحبوس في المكمن وبحيث لا يتم امتصاصه في سوائل المكمن أو يكون بالحالة السائلة. وبالتالي تكون هذه المكامن ذات ضغط منخفض نسبياً لأنها تُبقي الغاز في الحالة الغازية
[5] “تقليدي” يستثني ما يُشار إليه عادةً بـ”رمال القطران” أو “الرمال النفطية” وهو عبارة عن البيتومين مختلط مع الرمل والطين الذي يمكن استخراجه باستخدام تقنيات غير تقليدية، وتحويله إلى النفط الخام الاصطناعي. تمتلك كندا وفنزويلا احتياطات هائلة من رمال القطران، إلى جانب الاحتياطات التقليدية، لتنضم بذلك إلى قائمة أكبر احتياطي نفطي في العالم.
[6] الطبقة الملحية هي الطبقة الجيولوجية التي يتكوّن فيها الملح، وغالباً ما تحتوي على كميات كبيرة من النفط والغاز.
[7] “Iraq’s Appeal Wanes for Oil Majors” (March 2013)
[8]“Exxon Looks to Quit Iraq Oilfield” (November 2012)
[9] ذكرت الحكومة العراقية أن إجمالي طاقة التكرير في ظل أفضل الظروف (الطاقة الإسمية) تصل إلى 750,000 برميل في اليوم، على الرغم من أنّ معظم المحللين يقدرون أن القيمة أقل من ذلك.

Advertisement
Fanack Water Palestine