وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

حقوق الإنسان في العراق: عندما لا يكون الدستور كافياً

حقوق الإنسان العراق الدستور لادولة الاسلامية
قوات الأمن العراقية في موقع لمقبرة جماعية تحتوي على جثث العشرات من الرجال والنساء والأطفال الذين قتلوا على أيدي تنظيم الدولة الإسلامية في الرمادي، العراق، 19 أبريل 2016. Photo AP

المقدمة

تُعالج حقوق الإنسان في العراق في المقام الأول في الباب الثاني من الدستور العراقي الدائم، الذي صدر في أعقاب الإطاحة بصدام حسين عام 2003 وإنشاء أول حكومة منتخبة في أواخر عام 2005. فقد ثبتت المواد 14 – 36؛ حق المساواة بين العراقيين بغض النظر عن العرق والدين وغيرها، كما أكدت على الحق في الحياة والأمن والحرية و تكافؤ الفرص والحق في المحاكمات العادلة، وحق العمل والتملك. إضافة إلى ما سبق, فقد وثق الدستور الحق في التعليم والصحة والسكن والعمل، والضمان الاجتماعي للوصول بأفراد الشعب الى الحياة الكريمة.

وحرمت في الفصل الثاني (الحريات) في المواد 37 – 46 جميع أنواع التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الإنسانية، وإضافة لذلك، اعتبر الدستور أن لا عبرة بأي اعتراف انتزع بالإكراه أو التهديد أو التعذيب، كما تكفل الدولة حماية الفرد من الإكراه الفكري والسياسي والديني، وحرمت العمل القسري، والعبودية وتجارة العبيد، والاتجار بالنساء والأطفال، والاتجار بالجنس. علاوة على ما سبق، فقد تكفلت الدولة بحرية التعبير والصحافة والتظاهر السلمي وتأسيس الجمعيات والأحزاب، وحرية الفكر والضمير والعقيدة.

دور المؤسسات الحكومية والوطنية

على الرغم من كثرة النصوص التي عالجت حقوق الانسان، الا أن المؤسسات الحكومية المناط بها حماية الدستور والتكفل بتطبيق نصوصه وحماية حقوق الإنسان وإشاعة ثقافتها تتعرض إلى الكثير من الاتهامات من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية بالقصور في عملها المناط بها، أو حتى التجاوز على حقوق الانسان وعدم الالتزام بنصوص الدستور أو الاتفاقيات الدولية التي وقع عليها العراق.

ففي عام 2015، وصِفت المفوضية العراقية العليا لحقوق الإنسان (IHCHR) في تقرير وجه إلى اللجنة الفرعية الخاصة بالاعتماد (SCA) التابعة للجنة التنسيق الدولية للمؤسسات الوطنية من أجل تعزيز وحماية حقوق الإنسان (ICC-NHRI) بـ”العلبة الفارغة.” فعند إنشاء المفوضية في عام 2012 تدخلت الاحزاب والكتل السياسية بشكلٍ سافر في اختيار أعضاء المفوضية مما أدى الى التشكيك الدائم في استقلاليتها. كما يتهم نفس التقرير، الذي تمت صياغته من قبل خمس جمعيات عراقية، المفوضية بغياب الشفافية إلى حد كبير عن نشاطاتها وتقاريرها التي تصدرها. علماً أن أعضاء المفوضية ولحد هذه اللحظة لم يتفقوا على رئاسة المفوضية، رغم مرور ما يقرب الأربع سنوات على تصويت مجلس النواب العراقي بالأغلبية على أعضاء المفوضية وقرب انتهاء دورتها الحالية.

وعلى صعيدٍ متصل، فقد كانت وزارة حقوق الإنسان أولى ضحايا الاصلاحات التي وعد بها رئيس الوزراء حيدر العبادي؛ حيث تم الغاء الوزارة بالاضافة الى وزارة شؤون المرأة وثلاثة وزارات اخرى في 16 أغسطس 2015 بأمر ديواني. وأحيلت بعض المسؤوليات إلى وزارة الخارجية والمفوضية العراقية العليا لحقوق الإنسان وغيرها، كما تم نقل الموظفين أيضاً إلى مؤسساتٍ مختلفة. العملية برمتها ليست واضحة بالنسبة للشعب العراقي.

ولطالما كيلت الاتهامات إلى وزارة حقوق الإنسان والمتمثلة في الإخفاقات في مجال حماية حقوق الإنسان في العراق سواء تلك المرتكبة في فترة الاحتلال الأمريكي أو تلك التي تقع في مدن العراق أو في السجون الحكومية والتي كشفتها تقارير منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية. علماً أن آخر وزير لوزارة حقوق الإنسان هو علي البياتي، القيادي في منظمة بدر التي تتبعها ميليشيات متهمة بأعمال اجرامية.

ولم تنجو المحاكم العراقية من الاتهامات من المنظمات الدولية مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، بالاضافة إلى بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (UNAMI) ومكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان (OHCHR). ففي تقرير مشترك بين UNAMI و OHCHR, أظهر أن القضاة يتجاهلون وبشكل ممنهج فيما يزيد عن نصف المحاكمات -والتي تضمنت حكماً بالإعدام- فضلاً عن إدعاءات المتهمين التي تفيد بتعرضهم للتعذيب لحملهم على الاعتراف، فيما لم يتخذ القضاة إجراءات كافية أو لم يتخذوا إجراءات البتة في القضايا المتبقية، مثل ما حصل في مجزرة معسكر سبايكر، لعلمهم أنّ معظم المتهمين من السُنّة.

وأضاف التقرير على أن القضاة أدانوا المتهمين وبل حكموا عليهم بالإعدام بالاعتماد حصراً أو بشكل أساسي على وزن دليل الاعتراف المشكوك في صحته أو شهادة المخبر السري. علماً بأن أغلب المتهمين، وفقاً للتقرير، مثلوا أمام المحاكم بدون تمثيل قانوني، “وفي الحالات التي عينت فيها المحكمة محامين لهم فإن المتهمين لم يمنحوا وقتاً كافياً لإعداد دفاعهم على نحو ملائم.” وبناءً على ذلك، فقد عبر الطرفان (UNAMI و OHCHR) عن قلقهما لنقاط الضعف في النظام القضائي العراقي، وعلى أن التحقيقات الجنائية والإجراءات القضائية لا تلتزم بالضمانات الدولية أو الدستورية الخاصة بالأصول المرعية ومعايير المحاكمات العادلة في حالات الأحكام بالإعدام.

كما لم تسثنى المؤسسات الأمنية والعسكرية من الاتهامات المباشرة في التعرض للمواطن العراقي وسلبهم حقوقهم المدنية، وانتهاك حرياتهم من خلال التعذيب الوحشي والمعاملة غير الإنسانية أو المهينة، والاختطاف القسري.

كما وثق تقرير الائتلاف العالمي للحريات والحقوق (ICFR) الذي صدر في منتصف 2015 فيما يخص أوضاع حقوق الإنسان في العراق من خلال مقاطع فيديو على اليوتيوب، قيام قوات عسكرية بزي الجيش بتعذيب معتقلين بطريقة وحشية، وذلك من خلال جرح وتقطيع ظهور المعتقلين ومن ثم وضع الملح في الجروح، وإمعاناً في تعذيبهم يصاحب مثل هكذا حفلات تعذيب,عمليات سب وشتم وإهانة للمحتجزين، لإجبارهم على الاعتراف باقترافهم جرائم لم يرتكبوها.

كما تم تأكيد حالات وفاة من خلال التعذيب الشديد. فقد أظهر التقرير قصة المحامي عدي طه كردي، 33 عاماً، والذي اعتقلته قوات تابعة لوزارة الداخلية في يونيو 2014، وبعد أسبوعين أُبلغت عائلته بوفاته في ظروف غامضة، رغم ادعاء وزارة الداخلية أن سبب الوفاة هو عارض صحي، إلا أن احتمالية عالية أن يكون سبب الوفاة ناجماً عن التعذيب الشديد بالصعق الكهربائي الذي تعرض له الضحية، حسب منظمة حقوقية محلية.

وفي مركز مكافحة الإرهاب في الانبار، الذي زاره سليل شيتي، وهو الأمين العام الثامن لمنظمة العفو الدولية، ضمن وفد في 30 أبريل 2016، حيث يحتجز683 رجل بدون توجيه تهم، حيث يتكدس المعتقلون في عدة غرف داخل مجمع المستودعات المهجورة التي تستخدم بمثابة مرفق للاحتجاز والاستجواب. وكان سليل قد صرح بأنه “كان مشهداً مروعاً حقاً،” حيث ان البعض منهم معتقل لأسابيع او شهور بدون توجيه تهم.

ولم تنجو السيدات العراقيات من عنف المؤسسات الأمنية العراقية، فقد وثقت هيومن رايتس ووتش في تقرير”لا أحد آمن” إساءاتٍ تعرضت لها السيدات العراقيات أثناء الاحتجاز، استناداً إلى مقابلات مع سيدات وفتيات من السُنّة والشيعة في السجون؛ ومع عائلاتهن ومحاميهن؛ ومع مقدمين للخدمات الطبية في السجون. ووثق التقرير قيام السلطات العراقية باحتجاز آلاف السيدات العراقيات دون وجه حق وتخضع الكثيرات منهن للتعذيب وإساءة المعاملة، بما في ذلك الانتهاك الجنسي. وأفادت سيدتان بأن الاعتداء الجنسي من حراس السجن أدى إلى حملهما، حسب نفس التقرير.

العراق في حالة حرب

مع دخول ما يُسمى “تنظيم الدولة الإسلامية” إلى الموصل وأجزاء واسعة من سهل نينوى بالتحديد، عانت الأقليات الدينية والعرقية الويل منهم. فقد هُجّر المسيحيون من بيوتهم وقراهم، واستحوذت قوى التنظيم على ممتلكاتهم وعقاراتهم، وهدمت كنائسهم وصوامعهم.

كما أن معاناة الأقلية اليزيدية كانت –ومازالت- تفوق التصور. فقد سجل تقرير هيومن رايتس ووتش تعرض النساء والفتيات القاصرات لجرائم ضد الإنسانية؛ فقد اختطف التنظيم هؤلاء النساء واعتبرهم سبايا حرب، وتعرضت النساء والفتيات اليزيديات للعنف النفسي والجسدي، حيث تم اغتصاب الكثير منهن من قبل عناصر التنظيم، والبعض الآخر تم تزويجهن قسراً. كما فتح التنظيم سوق بيع اليزيديات في السوق العام. وفي واحدة من أشهر القصص الموثقة، قامت قوات التنظيم المتطرف بالهجوم على قرية كوجو ذات الغالبية الإيزيدية في 2014 وقاموا باعدام الرجال، فيما ذكرت بعض التقارير إجبار “الدولة الإسلامية” الكثير من الأقلية الإيزيدية على إعتناق الإسلام، في تحدٍ صارخ لحرية الدين أو المعتقد.

وإلى جانب ما ذكر، كان للتنظيم أعمالٌ وحشية أخرى لعل أكثرها دموية قتل زهاء1700 شيعي عراقي من طلبة كلية القوة الجوية في قاعدة سبايكر في تكريت في يونيو 2014. وعلى خلفية هذه الأعمال من قبل “الدولة الإسلامية” أطلقت الأمم المتحدة تقريراً اعتبرت فيه أن أفعال هذا التنظيم قد ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية.

ومقابل اجتياح داعش وانهيار قطاعات كبيرة من الجيش العراقي، أعلنت الحكومة العراقية التعبئة العامة والحقتها فتوى للمرجعية الدينية الشيعية بقيادة السيد على السيستاني، وتم إنشاء قوات شبه نظامية من المتطوعين الشباب الشيعة على هيئة ميليشيات عسكرية، تعرف بالحشد الشعبي. ومع ذلك، كان لهذه القوات أيضاً أعمالٌ إجرامية وصلت حد إمكانية اعتبارها جرائم حرب وفقا لتقريرٍ صادرٍ عن منظمة العفو الدولية.

وكانت منظمة العفو الدولية في تقريرها بعنوان “حكم المليشيات في العراق” وثقت “عشرات حالات الاختطاف وعمليات القتل غير المشروع التي تمت على أيدي عناصر المليشيات الشيعية في بغداد وسامراء وكركوك،” وعلى ذلك تتحمل الحكومة العراقية قانونياً أيضاً أفعال عناصر الحشد لاعتبارها تنضوي تحت القوات العسكرية العراقية.

ليس الحال أحسن في العراق فيما يخص الحقوق الأخرى للمواطن العراقي والتي ضمنها الدستور الدائم، فالكثير من القطاعات تعاني. فالتعليم يعاني من تدهور بالغ، والقطاع الصحي أيضاً. كما أن هناك نقصاً كبيراً في السكن الكريم، حيث أعلنت وزارة التخطيط في 2014 أن 7% من سكان العراق يسكنون العشوائيات. وعلاوة على ذلك، لا زال قانون الضمان الاجتماعي لعام 1971 المعدل هو الفاعل، رغم مطالبة الاتحادات النقابية والمجتمع المدني إقرار قانونٍ جديد.

وعلى صعيدٍ آخر، تواجه مجتمعات السحاق، والمثلية، وازدواجية التوجه الجنسي والتحول الجنسي في العراق صعوباتٍ بالغة في المطالبة بحقوقها، فالتعصب تجاه أولئك المعروفين بمجتمعات السحاق، والمثلية، وازدواجية التوجه الجنسي والتحول الجنسي مرتفعة بشكلٍ عام، كما أجبرت سيطرة الإسلاميين على الحياة السياسية والإجتماعية المئات منهم على الفرار أو التعرض لخطر القتل، الذي يتم غالباً في ظروفٍ مرّوعة. ففي عام 2009، أصدرت هيومن رايتس ووتش تقريراً يُسلط الضوء على الفظائع التي ارتكبتها الميليشيات ضد مجتمع المثليين وعدم رغبة قوات الأمن الدفاع عن الحقوق وحياة الأقليات ذات الميول الجنسية المختلفة.

Advertisement
Fanack Water Palestine