المقدمة
سيذكر العالم حرب عام 2003 ضد نظام صدام حسين على الدوام بسبب غياب أحد الأسباب الرئيسية لشنها: أسلحة الدمار الشامل المخبأة. غير أن العراقيين كانوا يديرون برامج الأسلحة الكيماوية والبيولوجية قبل دخول مفتشي الأمم المتحدة البلاد بعد اتساع عملية عاصفة الصحراء في صيف عام 1991. وهناك سبب لأن يدعى العراق بجنة علماء أسلحة الدمار الشامل.
بعد الهجمات الهائلة بالأسلحة الكيماوية في الحرب العالمية الأولى والحملات البيولوجية لليابان في الحرب العالمية الثانية، تم اعتبار هذه الأسلحة على نطاق واسع بأنها غير مجدية في التكتيكات العسكرية. وبعد أن واجه العراق نكسات تكتيكية خلال حربه مع إيران في الثمانينات، بدأت الصناعة العراقية بإنتاج الغاز المسيل للدموع، والعامل النفطي مثل غاز الخرذل، وأنواع عدة من غاز الأعصاب. ونجح الفنيون في وضع هذه المواد السامة في قنابل الطائرات وقذائف المدفعية والرؤوس الحربية للصواريخ وخزانات الرش في الطائرات المقاتلة. تم استخدام القصف المدفعي بقذائف مملوءة بالغاز عشرات المرات ضد اختراقات خطرة للقوات الإيرانية المتفوقة بالعدد والمسلحة تسليحاً خفيفاً، خاصة على الجبهة الجنوبية.
رغم أن العراق المثير للجدل إلى حد بعيد كان قد وقّع على اتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية، دون أن يصادق عليها، بل حتى أنه لم يوقع على اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية، كان الاحتجاج الدولي على الهجمات محدوداً – كما أنتجت إيران غازات سامة. وأثار الهجوم العراقي بغاز الأعصاب على مدينة حلبجة الكردية عام 1988، والذي أوقع 10.000 مدني ما بين قتيل وجريح، ضجة عالمية.
المفوضية الخاصة للأمم المتحدة
عندما دخل مفتشو المفوضية الخاصة للأمم المتحدة (UNSCOM) إلى البلاد، بدؤوا بتفكيك وإتلاف العتاد والبنية التحتية والسلائف الكيميائية التي كانت تشكل البرنامج الكبير للأسلحة الكيماوية الذي كانت السلطات العراقية قد قدمت الكثير من التفاصيل عنه. ولكن مع بدء ظهور علامات استفهام حول برامج خفية أخرى، اتضح أن النظام العراقي ضحى ببرنامج الأسلحة الكيماوية لجذب الانتباه بعيداً عما هو أخطر بكثير: الأسلحة البيولوجية وغاز الأعصاب VX الأكثر سمية من التابون والسارين التي تم الكشف عنها وتدميرها.
لقاءات مع علماء عراقيين، وأوامر شراء عتاد ومواد متخصصة في فترة ما قبل الحرب، وواثق ناقصة، وبرنامج تضليل عراقي، جميعها أشارت إلى وجود برنامج على نطاق أوسع مما تم الاعتراف به رسمياً. وبعد الكثير من الضغوطات – والعمل الاستخباراتي من قبل المفوضية الخاصة للأمم المتحدة ووكالات الاستخبارات الغربية – اعترف العراق على مضض بأنه قام بالمزيد من الأبحاث على الأنتراكس (الجمرة الخبيثة) والبوتولينوم توكسين وجدرى الجمال وغيرها من الأسلحة البيولوجية. وفي نفس الوقت، أنكرت الحكومة أنها قامت بتطوير القذائف والقنابل والصواريخ بشكل يمكنها نقل ونشر المواد السامة فوق الأهداف.
الإنكار كان نصيب أسئلة المفوضية الخاصة للأمم المتحدة والمزاعم حول وجود معلومات ناقصة. أصبح موقف العراق واهٍ بعد انشقاق الفريق أول حسين كامل المجيد، من أقرباء صدام حسين وصهره ومسؤول عن جميع أبحاث الأسلحة كونه وزير الصناعات العسكرية، وفراره إلى الأردن. وبعد فراره مباشرة، كشفت الحكومة العراقية عن مخبأ وثائق في إحدى مزارع الدجاج العائدة للمجيد. وهذا ما أكد ما قاله المجيد لعملاء الاستخبارات الغربية بعد وصوله إلى الأردن بوقت قصير: قام العراق بتحويل الأسلحة البيولوجية إلى سلاح وإنتاج قنابل طائرات ورؤوس صواريخ. وقد قيل أنه تم إتلافها. كما اعترفت الحكومة العراقية بإنتاج غاز VX أكثر مما سبق وصرحت به للمفوضية الخاصة للأمم المتحدة.
فيما إذا كان العراق ما زال يمتلك القدرة أو النية لإنتاج أسلحة الدمار الشامل عند بدء هجوم عام 2003 يبقى موضوع نقاش. ويبقى هناك الكثير من الأسئلة حول العتاد المفقود والمحفوظات المريبة دون جواب. وما هو مؤكد هو أنه لم يتم العثور على أسلحة دمار شامل.