المقدمة
مر على انعقاد أول برلمان منتخب بعد الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 ما يقارب العشر سنوات. فقد تمت أول إنتخابات نيابية في عام 2005 بعد التصديق على الدستور الدائم من خلال استفتاء شعبي شاركت فيه كل مكونات الشعب العراقي، وبذلك تكون قد عادت الحياة النيابية في العراق بعد تعثر الحياة البرلمانية زمن نظام البعث.
عانى العراق خلال تلك السنوات العشر من أزمات على المستوى الأمني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي، وقد كان ذلك معيقاً لعمل البرلمان وإنجازه التشريعات اللازمة لتحويل الدستور الى قوانين تشريعية نافذة، بالاضافة الى الوظيفة الرقابية على أداء الحكومة. وخلال تلك الفترة أتهم البرلمانيون العراقييون بالتقصير بأداء وظيفتهم والتزامهم بالمصالح الضيقة لاحزابهم وتكتلاتهم السياسية على حساب تحقيق الرفاه الاجتماعي والسلم الأهلي وتثبيت اسس الدولة الديمقراطية.
ولمحاولة فهم وتقييم الأداء البرلماني فمن المهم مراجعة وتحليل نصوص الدستور العراقي الدائم من حيث صلاحيات البرلمان و مواده بالمجمل و بنية الأحزاب والتكتلات السياسية الفاعلة والممثلة في البرلمان و تعامل هذه الطبقة مع نصوص الدستور.
البرلمان في الدستور
تحدث الدستور العراقي عن البرلمان في 15 مادة (49 – 64)؛ حيث حدد الدستور آلية تحديد عدد أعضاء البرلمان بناء على التعداد السكاني، كما حدد كيفية التئام البرلمان واختيار رئيس البرلمان ونوابه، وتحديد مدة الدورة التشريعية، وآلية التصويت وإقرار القوانين. كما أعطى الدستور البرلمان إمكانية اقتراح مشاريع القوانين، وأعطاه الحق من خلال (المادة 62) في مراجعة الميزانية العامة وتعديلها أن اقتضى الأمر من خلال آليات محددة.
كما بين الدستور ما يتمتع به النائب في المجلس من حصانة وركز على حمايته فيما يخص ما “يدلي به من آراء في اثناء دورة الانعقاد، ولا يتعرض للمقاضاة امام المحاكم بشأن ذلك،” كما حدد آليات رفع الحصانة من خلال (المادة 63). زيادة في حماية الحياة البرلمانية، بين الدستور آليات حل البرلمان والدعوة لإجراء انتخابات جديدة؛ حيث حدد إمكانية حل مجلس النواب فقط “بالاغلبية المطلقة لعدد اعضائه”.
(المادة 61) من الدستور أقرت وفصلت اختصاصات مجلس النواب؛ حيث يختص مجلس النواب في تشريع القوانين الاتحادية، والرقابة على اداء السلطة التنفيذية، وانتخاب رئيس الجمهورية، وتنظيم عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية. كما ان المجلس يجب موافقته على تعيين كبار الموظفين في المحكمة الدستورية والادعاء العام وهيئة الاشراف القضائي والسفراء واصحاب الدرجات الخاصة ورئاسة اركان الجيش وجهاز المخابرات.
إضافة إلى ذلك، وفي نفس (المادة 61)، نظمت المادة إمكانية وآليات مسائلة رئيس الجمهورية واعفائه من منصبه ومساءلة رئيس الوزراء والوزراء الآخرين، كل على حسب اختصاصه. كما أن لنواب المجلس “طرح موضوع عام للمناقشة، لاستيضاح سياسة واداء مجلس الوزراء، او احدى الوزارات، وسحب الثقة من رئيس الوزراء او احد الوزراء بالأغلبية المطلقة.”
كما وأنه في حالة الحرب والطوارئ فلا يحق لمجلس الوزراء إعلان حالة الحرب أو حالة طوارئ بدون العودة إلى مجلس النواب، ولا تجديد حالة الطوارئ دون العودة للمجلس. كما لا يفقد المجلس في حالة الحرب والطوارئ اختصاص الرقابة؛ حيث نص الدستور على أن يعرض رئيس مجلس الوزراء على مجلس النواب “الاجراءات المتخذة والنتائج، في أثناء مدة إعلان الحرب وحالة الطوارئ، خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ انتهائها.”
العمل تحت قبة البرلمان
لم يكن الجانبان التنظيمي والتشريعي الذين تم اعتمادهما بالدستور هما المعوقان الرئيسان لإقرار التشريعات والقوانين أو مراقبة الحكومة، ويرجع ذلك إلى حقيقة أنّ الدستور قد كفل الكثير من الصلاحيات لنواب البرلمان.
بل كان الجانب السياسي هو العصا في الدولاب، حيث ما زالت التشريعات والتعينات لكبار الموظفين تحتاج الى التوافقات السياسية بين جميع الكتل السياسية لتمريرها، حيث أن اغلب القرارات التي تعرض للتصويت في البرلمان تعتمد على التصويت بالأغلبية المطلقة.
إذا أخذنا الناحية الرقابية للبرلمان على الحكومة، فالاشكالية القائمة أن جميع مكونات البرلمان لها تمثيل في الحكومة، تحت ما يسمى نظام المحاصصة، وعليه تفقد قيمة المراقبة اهميتها، لعدم وجود معارضة فاعلة على سياسات الحكومة المنتخبة من البرلمان. فعلى سبيل المثال، فإن استخدام آلية الاستجواب وهي احدى وسائل الرقابة البرلمانية التي تملكها السلطة التشريعية، يتم استغلالها، حسب المراقبين العراقيين، فيما يسمى بالتسقيط السياسي بين الكتل. نتيجةً لذلك، لم يتم استجواب وإقالة اي من الوزراء من منصبه على خلفية تقصير في الأداء أو قضايا فساد، على الرغم من القضايا الكثيرة المتعلقة بالفساد، علماً ان العراق وعلى مؤشر منظمة الشفافية الدولية تقع في المركز 161 من 168 دولة تتواجد في تقريرعام 2015. وحتى عندما يستخدم البرلمان حقه في طلب الاستجواب كما حصل مع رئيس الوزراء السابق نوري المالكي عدة مرات، طالما رفض رئيس الوزراء المثول امام المجلس بحجة التسقيط السياسي أو الانشغال.
لم ينجز البرلمان العراقي الكثير من التشريعات القانونية اللازمة لتحويل نصوص الدستور إلى قوانين نافذة تنقل العراق إلى دولة ديمقراطية تحترم حكم القانون وتراعي حقوق الإنسان، فكثير من التشريعات العراقية ما زالت تعتمد على التشريعات القانونية من قبل 2003؛ حيث ان (المادة 130) من الدستور الدائم تشدد على أن “تبقى التشريعات النافذة معمولاً بها، ما لم تُلغ أو تعدل، وفقاً لاحكام هذا الدستور،” وبعدم تشريع البرلمان القوانين، تكون التشريعات السابقة نافذة بحكم القانون.
أقر الدستور الدائم في (المادة 38) – رغم التحفظ على جملة “ما لا يخل بالنظام العام والآداب”- على حرية التعبير بكل الوسائل وحرية الصحافة وحرية الاجتماع والتظاهر، ولكن وبسبب عدم تشريع جملة من القوانين الداعمة لحرية التعبير متسقة مع المواثيق والاعراف الدولية الضامنة لحرية التعبير وتلك المواثيق التي وقع عليها العراق، فللسلطة التنفيذية والقضاء الاحتكام لـ(لمادة 130) من الدستور الدائم وتفعيل القوانين التي شرعت ما قبل 2003 وخاصة قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 سيء الصيت؛ حيث تؤكد مواد قانون العقوبات 111 لسنة 1969 على ارتباط الاعلام بالامن الوطني والاخلاقيات العامة والمصلحة العليا للبلاد.
ورغم إقرار قانون حريات الصحفيين في البرلمان العراقي عام 2011، إلا أن الكثير من الخبراء اعتبروا القانون مخيب للآمال و يمثل خطراً على حرية الصحافة.
ووفق (المادة 48) فإن السلطة التشريعية الاتحادية تتكون من مجلس النواب ومجلس الاتحاد، و على الرغم من أن (المادة 65) حددت عضوية مجلس الاتحاد على انهم “ممثلين عن الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في أقليم”، إلى أن الدستور ترك ما يتعلق بتكوين واختصاصات المجلس الاتحادي وكل ما يتعلق به “بقانونٍ يسن بأغلبية أعضاء مجلس النواب،” و بذلك ترك دستور 2005 الصلاحيات كاملة لمجلس النواب بتشريع قانون مجلس الاتحاد. ورغم أهمية المجلس من الناحية التشريعية؛ حيث ان المحكمة الاتحادية هي التي تقوم إلى الآن بدور مجلس الاتحاد في عملية نقض القوانين أو تمريرها وهو امر يعده رجال القانون في العراق غير دستوري، الا انه لم يتم نقاش المشروع لسنوات عديدة بعد اعتماد الدستور.
أجرى البرلمان في عام 2014 القراءة الأولى لقانون مجلس الاتحاد المقدم من طرف الحكومة آنذاك، ولم يعرض القانون للقراءة الثانية كما لم يتم اعتماده أو تعديله إلى الآن، حيث أن تفاصيل القانون ما زالت محل خلاف بين الأطراف السياسية.
على الجانب الآخر، استطاعت البرلمانات المتلاحقة في تشريع عدد من القوانين المهمة للعراق على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي (الحياتية) و من ابرزها: قانون المحافظات غير المنتظمة بإقليم رقم 21 لسنة 2008 المعدل وحدث التعديل الثاني عام 2013، والذي بدأ تطبيقه حديثا في العام 2015، والذي يمنح مجالس المحافظات من خلال نظام اللامركزية الإدارية امكانية تقييم حاجات كل محافظة من الناحية الخدمية والاقتصادية والعمل على تطويرها، وقانون الحماية الاجتماعية وقانون العمل وقانون التعديل الرابع لقانون تبليط الشوارع، وإذا ما طبقت هذه القوانين بشكل فاعل، سوف تكون ذات تأثير عميق في حياة العراقيين.
يعتبر قانون العمل قانونا متقدما بمقارنته بالقوانين المعتمدة في دول المنطقة باعتماده على اتفاقيات منظمة العمل الدولية والعربية وما ضمنه لتعدد الاتحادات العمالية وحرية التنظيم النقابي وتعامل مع عمالة الأطفال والتحرش الجنسي في أماكن العمل.
بُنية الأحزاب العراقية
كانت – وما زالت – الإشكالية المركزية في بنية البرلمانات العراقية المتتالية ما بعد 2003 هي البناء الطائفي والاثني؛ حيث ان اغلب الأحزاب والتحالفات الممثلة في البرلمان العراقي هي إما طائفية أو قومية، وأدى ذلك إلى الاتفاق بين هذه التيارات على الديمقراطية التوافقية كنظام سياسي للحكم -نظام المحاصصة. وقد ظهر ذلك جليا باعتماد الدستور على آلية التصويب بالاغلبية المطلقة على الكثير من التشريعات والقرارات والتعيينات من قبل البرلمان. علاوة على ذلك، لم يتفق الأطراف على الإطار العام للدولة العراقية الجديدة وشكل الدولة، وتم ترحيل الكثير من الأمور الخلافية إلى لاحقا خلال عملية كتابة الدستور.
خلال ما يقارب العشر سنوات من العمل البرلماني، ما زال يصعب على البرلمان العراقي تشريع أو تعديل القوانين الخلافية ويقوم بترحيلها باستمرار. فعلى سبيل المثال، كان ومازال قانون الانتخابات رقم 16 لعام 2005 مثار جدل بين التيارات السياسية من حيث شكل القوائم والدوائر ونظام احتساب الأصوات إضافة إلى موضوع تعدد الجنسية ولذلك يتم تعديله كل دورة انتخابية. كما ان هناك الكثير من القوانين الخلافية التي لم يتم تشريعها إلى الآن مثل قانون العفو العام والحرس الوطني وتقاسم عائدات النفط والغاز، ولكن وعلى الرغم من ذلك يعتبر الكثير من المراقبين أن تشريع هذه القوانين بدون التوافق بين رؤساء وممثلين الكتل السياسية خارج البرلمان، قبل عرضها على البرلمان قد يعرض الدولة العراقية إلى توترات سياسية واجتماعية ليس للعراق اي مصلحة فيها.
من الجدير ذكره، أن الأوضاع السياسية والأمنية التي تمر بها العراق لا تشير إلى اقتراب انفراج في عمل البرلمان التشريعي ونظامه الداخلي قريباً.