وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

القضاء العراقي في الميزان

القضاء العراقي
متظاهرون يحملون لافتات ويهتفون ضد رئيس مجلس القضاء الأعلى العراقي، مدحت المحمود، خلال تظاهرة في بغداد- العراق بتاريخ 31 أغسطس 2015. حملت اللافتات عناوين مثل “علينا اصلاح القضاء،” و”مدحت المحمود، دمرت البلد،” و “يجب محاسبة الفاسدين Photo AP /Khalid Mohammed.

المقدمة

كان مطلب إصلاح القضاء في أوج الاحتجاجات الشعبية أواخر عام 2015 في ساحة التحرير في بغداد وساحات المدن العراقية الأخرى من أولويات المتظاهرين الذين اتهموا القضاء بالفساد وخدمة المتنفذين في الحكومات الشيعية المتعاقبة. فقد وصلت الاتهامات بشكلٍ مباشر لرئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس المحكمة الاتحادية السيد مدحت المحمود. من بينها، بأنه يتماهى في قراراته مع توجهات الحكومة السابقة برئاسة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.

ويجدر بالذكر أن البداية في إنهاء استقلالية المنظومة القضائية في العراق تجلت في إصدار قانون وزارة العدل رقم (101) لسنة 1977، والذي قضى بإلغاء مجلس القضاء الذي تم إنشائه من خلال قانون السلطة القضائية رقم (26) لسنة 1963. تم استبدال مجلس القضاء بمجلس العدل الذي ترأسه وزير العدل، وبذلك أرادت السلطة التنفيذية إحكام قبضتها على السلطة القضائية وإخضاعها للحزب الحاكم في العراق.

وفي عام 2003، بعد الإحتلال الأمريكي للعراق وتشكيل سلطة الائتلاف المؤقتة بإدارة الحاكم المدني بول بريمر، قامت السلطة بإصدار أمر رقم (35) والذي أعاد تشكيل مجلس القضاء الذي يتكون من رئيس محكمة التمييز (رئيس المجلس) وعضوية نوابه الخمسة ورئيس مجلس شورى الدولة ورئيس الادعاء العام ورئيس هيئة الاشراف القضائي والمدير العام للإدارة (إذا كان الشخص قاضٍ أو مدعي عام) ورؤساء محاكم الاستئناف. وفي مايو 2004، تم اصدار مذكرة حملت رقم (12) أكدت على استقلالية السلطة القضائية وعدم ارتباطها بوزارة العدل.

القضاء العراقي ما بعد عام 2005

على الرغم من أن الدستور العراقي الدائم يوفر في مواده الدستورية (87- 101) مساحة واسعة لتنظيم شؤون السلطة القضائية، ومع مرور أكثر من عشر سنوات على اقرار الدستور وتشكيل أول حكومة منتخبة، إلا أن القضاء العراقي ما زال يعاني من اختلالات عميقة على المستوى البنيوي وعلى مستوى الأداء.

فعلى المستوى البنيوي، يشغل منصب رئيس مجلس القضاء السيد مدحت المحمود، رئيس المحكمة الاتحادية العليا، الى اليوم؛ وذلك بناء على قرار المادة (45) من قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية، والذي أتى بعد الأمر رقم (35) من سلطة الإئتلاف المؤقتة والذي من خلاله تم تعيين رئيس محكمة التمييز رئيساً لمجلس القضاء. شغل رئيس المحكمة الاتحادية لهذا المنصب يعد مخالفاً لنص الدستور، والذي نص في المادة (143) على أن “يلغى قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية وملحقه عند قيام الحكومة الجديدة…” وبالنظر الى الدستور في المادة (90) فإن على مجلس النواب إقرار قانون لمجلس القضاء بحيث “ينظم القانون طريقة تكوينه واختصاصاته وقواعد سير العمل فيه.” أو بالاعتماد على المادة (130) من الدستور والتي نصت على أن” تبقى التشريعات النافذة معمولاً بها، ما لم تلغ أو تعدل وفقاً لاحكام هذا الدستور.” فتكون رئاسة مجلس القضاء – مثلاً- لرئيس محكمة التمييز بناءً على أمر رقم (35) الصادر عن سلطة الإئتلاف.

وقام مجلس النواب بإقرار قانون مجلس القضاء الأعلى رقم (112) لسنة 2012، وبذلك يكون قد حسم الخلاف بخصوص رئاسة مجلس القضاء. فقد وافق البرلمان العراقي على تعيين رئيس محكمة التمييز كرئيس لمجلس القضاء الأعلى، ولكن عادت وألغت المحكمة الاتحادية العليا القانون باعتباره يخالف أحكام الدستور. وبذلك يكون السيد مدحت المحمود رئيس المحكمة الاتحادية العليا قد عاد رئيساً لمجلس القضاء.

ويعود انشاء المحكمة الاتحادية العليا في فترة ادارة الدولة الانتقالية إلى قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم (30) لسنة 2005. وبسبب عدم اقرار مجلس النواب قانون جديد للمحكمة الاتحادية العليا بناء على المواد (92، 93، 94) من الدستور العراقي الدائم، تتولى المحكمة الاتحادية العليا الحالية الاختصاصات التي ضمنها الدستور للمحكمة التي وجب إنشاؤها في حال تم اقرار القانون، وذلك على الرغم من عدم وجود نص يخولها بذلك.

أما فيما يخص أداء المحاكم العراقية، يُتّهم القضاء العراقي من قبل الخبراء القانونيين والناشطين في المجتمع المدني ومن بعض السياسيين، بالتقصير بأداء وظائفها المنوطة بها وعدم إرساء أسس العدل والتعامل بحرفية في تطبيق القانون على الجميع. ومن اللافت للانتباه، أن المحكمة الاتحادية العليا والمحكمة الجنائية هما الأكثر تعرضاً للانتقاد وتوجه لهما التهم بالتماهي مع توجهات الحكومة التنفيذية.

فلطالما كيلت الإتهامات للمحكمة الاتحادية العليا برئاسة السيد مدحت المحمود؛ والتي يعتبر مجمل قراراتها سياسية وجدلية وذلك لتقربها وتبعيتها للنظام الحاكم في العراق ومن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بالذات؛ حيث أقر مجلس النواب، بأغلبية الثلثين، تحديد عدد دورات الرئاسات بدورتين تحت قانون تحديد ولايات الرئاسات، إلا أن المحكمة الاتحادية العليا نقضت القانون باعتباره غير دستوري، مما أثار حفيظة جميع الكتل السياسية التي أقرت القانون.

وفي مناسبة أخرى وبعد الانتخابات البرلمانية لعام 2010 وحصول كتلة القائمة العراقية برئاسة رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي على أكبر عدد من المقاعد متفوقة على دولة القانون، أعلنت المحكمة الدستورية أحقية نوري المالكي بتشكيل الوزارة بعد تشكيله تحالف أوسع -الكتلة الأكبر- في البرلمان بعد انعقاد الدورة البرلمانية. وكان ذلك ضمن أمور أخرى فُسّرت على انها قرارات من المحكمة الاتحادية لصالح الحكومة. وكان المستشار القانوني أحمد العبادي صرح في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن “المحمود وإن كان قد جاء به الأميركيون إلى السلطة القضائية بقرار من الحاكم المدني بول بريمر، إلا أن المهمة الأولى والأخيرة له خلال سنوات حكم المالكي الثماني (2006-2014) كانت تفسير القوانين، بما فيها قرارات المحكمة الاتحادية، بما ينسجم مع رغبات المالكي.”

كما تتعرض محكمة الجنايات العراقية للكثير من الإنتقادات من المنظمات المحلية والدولية على حد سواء، فقد شنت منظمة العفو الدولية في تقرير هجوماً على أحكام الاعدامات التي أصدرتها المحكمة، بتاريخ 18 فراير 2016، حيث تم اصدار حكم الاعدام بحق 40 شخصاً في يوم واحد بعد “محاكمة جماعية معيبة من أساسها.” وهو ما اعتبرته المنظمة “ازدراء للعدالة ولحياة البشر.” أدى ذلك إلى إرتفاع إجمالي أحكام الإعدام الصادرة في أول شهرين من عام 2016 إلى 100 حالة.

وفي محاكمة سابقة تحت نفس القضية لعام 2014، والتي تعرف بسبايكر، والتي راح ضحيتها 1700 مجند عراقي على يد قوات “داعش،” تم محاكمة 28 شخصاً من قبل “المحكمة الجنائية المركزية” وتم إصدار حكم الإعدام بحق 24 شخصاً منهم خلال ساعات قليلة من بدء انعقاد المحكمة، وذلك رغم أن الاعترافات انتزعت منهم تحت التعذيب وفقاً لزعم المتهمين، مما أدى الى تعرضها للانتقاد من قبل منظمة العفو الدولي وهيومن رايتس ووتش.

تشوب المحاكمات القضائية في العراق الكثير من الخروقات والتجاوزات التي تؤثر بشكل مباشر على حصول المتهمين على محاكمة عادلة، وخاصة بالقضايا التي تتعلق باصدار حكم الإعدام على المتهمين؛ حيث يعتمد القضاة في أحكامهم على شهادات الاعتراف المشكوك بها؛ حيث يزعم الكثير من المتهمين ان اعترافاتهم تم انتزاعها منهم عن طريق التعذيب وهو ما أكده التقرير الصادر عن بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، ومكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان لعام 2014، والتي أكدت على أن القضاة يتجاهلون وبشكل ممنهج ادعاءات المتهمين بالتعرض للتعذيب للحصول على اعترافاتهم. كما يعتمد القضاة على شهادات المخبرين السريين، وذلك مقابل عرض الكثير من المتهمين على القضاء بدون وجود ممثلين قانونيين عنهم، أو تعيين محامين من قبل المحكمة للدفاع عن المتهمين ولكن لا يعطى المحامين الوقت الكافي للاجتماع بهم لدراسة قضيتهم على حسب نفس التقرير.

Advertisement
Fanack Water Palestine