وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الأراضي المقدسة: الحروب الصليبية

بدأت الحملة الصليبية الأولى عام 1095، عندما دعا البابا أوربانوس الثاني إلى بعثة عسكرية للسيطرة على الأراضي المقدسة، القدس، وفلسطين. وكانت هذه بداية قرنين من الزمان حارب خلالها المسيحيون والمسلمون بعضهم البعض في أغلب الأحيان – وفي بعض الأحيان أبناء الملة الواحدة – في كامل المنطقة الممتدة بين الأناضول وفلسطين، بل حتى إلى مصر.

ظهر الشقاق بين الصليبيين عندما نجح نورمان بوهيموند في الاستيلاء أخيراً على مدينة أنطاكيا، إحدى الكراسي البطريركية المسيحية، من السلاجقة. وكان الصليبيون قد وعدوا إمبراطور بيزنطيا بإعادة الأقاليم التي احتلوها، ولكن بوهيمند رفض الإذعان. وبعد الاستيلاء عليها بوقت قصير، استعاد جيش بقيادة كربغا، أمير الموصل، المدينة. وفي النهاية، تمكن الصليبيون من الاستيلاء على أنطاكيا مرة أخرى، ولكن صراعاً داخلياً اندلع. فبقي البعض في أنطاكيا، وأكمل البعض الآخر زحفه للاستيلاء على فلسطين، الأراضي المقدسة.

اتجه جيش غودفري حاكم بولون إلى الجنوب. وفي بادئ الأمر، لم يبدو القلق على الفاطميين بشكل علني من مرور الصليبيين عبر أراضيهم، بل وفكروا في مساعدتهم ضد السلاجقة. لكن هذا الأمر تغير عندما اقترب الأوروبيون من فلسطين ومصر. عام 1099، غزا غودفري القدس وأنشأ مملكة القدس اللاتينية.

بدا عدم وجود أية وسيلة لوقف النسخة المسيحية من الجهاد الإسلامي حتى عام 1144، عندما سقط معقل الصليبيين في الرها (أورفا في تركيا الحديثة) في يد محافظ الموصل عماد الدين زنكي بن آقسنقر. واستمرت الحرب ضد الصليبيين بشكل فعال بواسطة السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، والمعروف باسم صلاح الدين، والذي انتصر في معركة حطين الهامة عام 1187، والتي جعلت معظم فلسطين تحت الحكم الإسلامي مرة أخرى.

في العالم الإسلامي، كان هناك عداء واضح بين شيعة مصر وسنة بغداد. وبقيت الإمارات الواقعة بين القوتين – خوفاً من السلاجقة الأتراك – منقسمة في ولائها. وأخيراً في عام 1292، المماليك، سلالة حكام مصرية – مع أنهم من أصول تركية وسُّنية – هم الذين وجهوا الضربة القاضية للصليبيين، والذين تم طردهم من عكا.

استمرت الحروب الصليبية قرنين من الزمان، وكلفت العديد من الأرواح وجلبت معها الكثير من الدمار والأمراض والفوضى. ولكن بوجه عام، سُمح للسكان المحليين – عدا العبيد وأسرى الحرب – بالبقاء أوفياء لإيمانهم. كما احتفظوا بسلطاتهم المحلية ونظامهم القضائي. ومن جوانب عديدة كان هناك تأثير متبادل بين الحضارتين الشرقية والغربية. وقد ازدهرت التجارة، وخاصة في المناطق الساحلية. وكان التجار من مسلمين ومسيحيين ويهود ينعمون بحماية خاصة عند عبورهم الحدود، حتى ولو اضطروا إلى دخول أراضي “العدو”. فكانت القوافل تجوب المنطقة بأسرها، وكانت السفن تبحر من مصر إلى صور إلى القسطنطينية، بل وإلى ما هو أبعد من ذلك.

تحت حكم المماليك، شكلت فلسطين جزءً من مقاطعة دمشق، وشهدت فترة قصيرة من الازدهار النسبي في البداية. وانتهى ذلك جزئياً بسبب الأوبئة المدمرة، مثل وباء الطاعون الذي أهلك الكثير من الناس في أوروبا، وجزئياً بسبب التدهور الاقتصادي الناجم عن الصراع على السلطة داخل النظام المملوكي. وفي النهاية، اندحر المماليك عام 1516 م أمام القوة الصاعدة للإمبراطورية العثمانية (التركية).

Advertisement
Fanack Water Palestine