وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

حرب 1967: الحصار في مضيق تيران

حرب 1967
المصدر: Eosnap

لم يؤد الحصار في مضيق تيران إلى أي شيء، باستثناء بعض المحاولات غير المجدية من قبل الحكومة الإسرائيلية لجر الولايات المتحدة والأسطول السادس إلى معسكرها. وعندما فشلت هذه الجهود، فكرت القدس بإرسال سفينة إسرائيلية لكسر الحصار وتوفير ذريعة لبدأ الحرب على مرأى من الجميع. ذكر الرئيس جونسون ذلك باختصار، وقال لرئيس الوزراء إشكول بأن الولايات المتحدة ستقف تماماً مع مصر إذا قامت إسرائيل بإثارة المصريين بخدعة من هذا القبيل، وستندلع الحرب كنتيجة لذلك. وكما علق أحد المسالمين في مجلس الوزراء الإسرائيلي: “كان المضيق مغلقاً حتى عام 1956، فهل هدد ذلك أمن إسرائيل؟ أبداً.”

أخيراَ، فإن ما يسمى بإعادة انتشار القوات المصرية، الذي جرى في منتصف أيار/مايو، لم يكن بالغاً أو كبيراً على الإطلاق. وإنما بالأكثر كتغيير روتيني لأسباب الرؤية. ولكنه تُرجم بشكل خاطئ من الجانب الإسرائيلي – لأي سبب كان – كتهديد كبير والذي قوّض تماماً الافتراض بأن على إسرائيل أن تتعامل مع عدو واحد فقط في المرة الواحدة.

الدليل الأقوى على مدى خطأ هذا الافتراض، وعلى مدى عدم جاهزية القوات البرية للجيران الثلاثة، وخصوصاً مصر، للهجوم على إسرائيل، كان حرب حزيران/يونيو نفسها. ففي نهاية اليوم الثاني، 6 حزيران/يونيو، تم اجتياح الجيش المصري في قطاع غزة بشكل كامل ونزع سلاحه، وكانت ثلاث مجموعات من الدبابات الإسرائيلية تتجه بسرعة ودون مقاومة باتجاه الجنوب عبر سيناء، وبالكاد كان هناك أية مقاومة منظمة محتملة.

كانت القوات البرية السورية مصابة بالشلل تقريباً منذ البداية، وبحاجة إلى أيام لاستعادة تماسكها بعض الشيء، بينما ثبت سريعاً أن الجيش الأردني، الأكثر فعالية بين الجيوش الثلاثة والذي كان يقاتل بضراوة حول القدس، ليس نداً للقوات الإسرائيلية.

تم اتخاذ القرار الرسمي لبدء حرب حزيران/يونيو صباح يوم الأحد الواقع في 4 حزيران/يونيو من قبل الحكومة الإسرائيلية. وكان رئيس الموساد الإسرائيلي، مائير عاميت، قد عاد الليلة السابقة من واشنطن حيث التقى مع نظرائه في وكالة الاستخابرات المركزية الأمريكية، والذين أبلغوه ما يمكن لإسرائيل أن تتوقعه من الولايات المتحدة. وقد ختم تقريره إلى القادة العسكريين والسياسيين الإسرائيليين مساء 3 حزيران/يونيو قرار إشكول ببدء الحرب وعدم تأجيل ذلك أكثر.

كان أحد استنتاجات عاميت الرئيسية أن الولايات المتحدة لن تتصرف لوحدها في مسألة الحصار المفروض على مضيق تيران، وأنها كانت لا تزال تحاول جمع دول أخرى لحل هذه المسألة. ولتأكيد هذا الموقف، أرسل الرئيس جونسون رسالة إلى إشكول في نفس الأسبوع بأنه يحتاج إلى المزيد من الوقت لنجاح هذا الجهد، ولكن هذا الطلب في ذلك الوقت لم يعد وثيق الصلة بالأمر، ولهذا تم تجاهله.

كان الأكثر أهمية هو الانطباع الذي نقله عاميت لمجلس الوزراء الإسرائيلي والجنرالات عن الرأي غير الرسمي في واشنطن بشأن شن إسرائيل الحرب بمفردها. بدا وكأن رؤساء وكالة المخابرات المركزية ومستشارين كبار للرئيس جونسون، باستثناء وزير الخارجية راسك، كانوا قد تقبلوا بشكل أو بآخر فكرة أن تحارب إسرائيل جيرانها العرب وتستخدم قوتها العسكرية الساحقة لقهرهم.

كان التوجه الرئيسي لنصيحتهم ما معناه: “لا تطلقوا الطلقة الأولى” و “دعوا إسرائيل تظهر بمظهر الدفاع عن النفس”. كان وزير دفاع الولايات المتحدة روبرت ماكنمارا مهتماً بشكل رئيسي بمسألة الفترة الزمنية التي ستستغرقها إسرائيل لإنهاء الحرب القادمة. وكان جواب عاميت: “أسبوع واحد”.  وجد إشكول نفسه مطمئناً مما اختبره عاميت خلال زيارته القصيرة إلى الولايات المتحدة، وشعر في واشنطن بأن الإشارة قد لا تكون خضراء، وإنما صفراء على الأقل. وبالتالي لم يكن اجتماع مجلس الوزراء صباح يوم الأحد 4 حزيران/يونيو أكثر من إجراء شكلي. وقد أعطي إشكول ودايان السلطة لاختيار اللحظة المحددة التي يجب أن تبدأ فيها الحرب. ولكي يظهروا على الأقل بأنهم ناقشوا مسألة جوهرية، تم إبلاغ الصحافة بأن مجلس الوزراء صادق على اتفاقية ثقافية مع بلجيكا.

بعد ذلك بقليل من يوم الأحد نفسه، قرر إشكول ودايان بدء الحرب في صباح اليوم التالي. وبالتوافق مع النقاشات السابقة والاستشارات الخارجية، أمر دايان في تلك الليلة المراقب الإسرائيلي بالتأكيد على وجود “ضباب حرب” حتى مساء اليوم التالي. وقال للمراقب الإسرائيلي: “يجب أن نكون الضحية في الـ 24 ساعة الأولى”. وبالتوافق مع ذلك بشكل كامل، بث راديو كول يسراييل  في 5 حزيران/يونيو الساعة 8.10 صباحاً بأن المصريين شنوا هجوماً على إسرائيل، كتمهيد لحملة معلومات مضللة تماماً، والتي سيتم تعديلها لاحقاً.

كانت حرب حزيران/يونيو عام 1967 نصراً مذهلاً لإسرائيل، نتج عنها الاستيلاء على جميع الأراضي المراد وغير المراد احتلالها (بشكل مباشر): سيناء وغزة والقدس الشرقية والضفة الغربية ومرتفعات الجولان. احتلت إسرائيل هذه الأجزاء من مصر (على الرغم من أن سيناء عادت تحت السلطة المصرية بشكل كامل مرة أخرى في نيسان/أبريل عام 1982، بعد معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التي تم التوقيع عليها عام 1979)، وسوريا (حيث ضمت إسرائيل مرتفعات الجولان عام 1981)، والأردن (التي تخلت عن جميع مطالباتها بالضفة الغربية في تموز عام 1988)، والاراضي الفلسطينيه. ضمت إسرائيل القدس الشرقية عام 1980 وأكدت على حقها بإقامة العديد من المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية.

يمكن اعتبار هذه الحرب، خلافاً لأسطورة أنه لم يكن هناك مفر منها، مثالاً عن توجيه ضربة وقائية. لم تكن القوات العسكرية العربية، التي اعتبرتها إسرائيل معادية لها إلى حد بعيد في 5 حزيران/يونيو عام 1967، تشكّل في تلك اللحظة التهديد الكبير المباشر المنسوب إليها من قبل النخبة السياسية والعسكرية الإسرائيلية. كانت حرب حزيران/يونيو ولا تزال حدثاً بالغ الأهمية في تاريخ العلاقات بين إسرائيل وجيرانها العرب. وكما اعترف لاحقاً أحد القادة السياسيين الذين تورطوا بها في ذلك الوقت، مناحيم بيغن: كانت حرب اختيار.

Advertisement
Fanack Water Palestine