وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

اسرائيل ومواطنيها الفلسطينيين

israel-population-arab-israeli-members-in-the-knesset-fanack-hh1024px
أعضاء الكنيست الفلسطينين الإسرائليين إلى جانب الأعضاء الإسرائليين خلال مراسم أداء اليمين للحكومة الإسرائلية الـ34. Photo AP

أثير السؤال في أواخر نوفمبر2016 عندما نشره المعلق الصحفي البارز في صحيفة هآرتس، جدعون ليفي، بسخريته المعهودة. ففي مقالٍ حول تشويه صورة المواطنين العرب في اسرائيل، كتب ليفي: “من الممتع أن تكون عربياً في اسرائيل، لأنك لا تستطيع حتى تحديد هويتك كما تريد. فأنت “عربي اسرائيلي،” ولا جدال في هذا. فلسطيني؟ هذا فقط إن كنت تعيش في الأراضي المحتلة. حتى وإن كان أحد أقربائك من الدرجة الأولى، فهو ليس مثلك.”

بهذه العبارات، يعكس ليفي سؤالاً طال طرحه. ماذا نُسمي العرب الذين يعيشون في اسرائيل؟ هل نسميهم “عرب اسرائيل” أم “فلسطينيون؟”
ولا يبدو هذا السؤال بالبراءة التي يبدو عليها عند النظر إليه للوهلة الأولى. فالمصطلح المُختار يعكس بشكلٍ عام موقف المرء من الصراع الفلسطيني الاسرائيلي. وكلا الجانبين يتهم مستخدمي المصطلح الآخر بـ”اتباع أجندةٍ ما.”

تُفضل الحكومة الاسرائيلية، على سبيل المثال، مصطلح “عرب اسرائيل.” وليست الدولة من تُفضل ذلك فحسب، إذ يُعيق هذا، بفعالية، استخدام كلمة “فلسطيني” لوصف أولئك الذين يعيشون داخل حدود اسرائيل.

هناك سببٌ أيديولوجي لهذا التفضيل، إذ يمكن لاستخدام مصطلح “فلسطينيين،” وفقاً للحكومة الاسرائيلية، أن يقوّض سيادتها. ففي نهاية المطاف، هل يمكن أن يكون هؤلاء العرب مواطنين مخلصين لإسرائيل عندما يوحي اسمهم الحقيقي بانتمائهم لدولةٍ أخرى؟ وعلاوة على ذلك: من أين تبدأ هذه الدولة الأخرى، والأهم من ذلك، أين تنتهي؟ هل تنطوي على الضفة الغربية وقطاع غزة فحسب- أم أن هناك بعض الشرعية في الإدعاء أنّ دولة اسرائيل تنتمي أيضاً للفلسطينيين؟

فعلى الصعيد الدولي، تعتبر حدود دولة اسرائيل داخل الخط الأخضر، وهو الخط الفاصل المنصوص عليه في اتفاقيات الهدنة عام 1949، كياناً مقبولاً. تماماً كشرعية مفهوم فلسطين، التي تتألف من الضفة الغربية المحتلة من قِبل اسرائيل وغزة، ومن يُطلق على سكانها- على الصعيد الدولي على الأقل- بالفلسطينيين. ففي عام 1948، أقيمت اسرائيل بالترحيل القسري الجماعي للفلسطينيين من بيوتهم وقراهم فيما يُعرف بالنكبة. فهؤلاء الفلسطينيون وذريتهم يمتلكون الحق في العودة، وهو أمرٌ معترفٌ به بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194. وبالرغم من ذلك، لا تسمح لهم اسرائيل بالعودة.

من جهةٍ أخرى، تنفي مجموعة صغيرة نسبياً، معظمهم من اليساريين من اسرائيل أو في الخارج، وجود اسرائيل تماماً وتستخدم في بعض الأحيان اسم “اسرائيل،” ما بين أقواس الاقتباس. باعتقادهم، ينبغي تسميه جميع الأراضي، من نهر الأردن إلى البحر المتوسط، بفلسطين. فالمقصود من مصطلح “عرب اسرائيل” مواجهة هذا النوع من المطالبات، وبالتالي يعكس هذا أهدافاً غاية في الأهمية للسياسة الاسرائيلية.

ويشدد الأشخاص الذين يستخدمون مصطلح “فلسطينيين” للمواطنين العرب الذين يعيشون داخل اسرائيل على أن الفلسطينيين شعبٌ واحد، سواء كانوا يعيشون داخل اسرائيل أو فلسطين، وسواء كانوا ممن نُفيوا في لبنان أو الأردن أو سوريا، أو سواء كانوا يعيشون في مجتمعات الشتات في المكسيك أو تشيلي، جميعهم يشكلون شعباً واحداً: الفلسطينيون. معظم هؤلاء الذين يستخدمون هذا المصطلح لا ينكرون وجود اسرائيل، إلا أن المصطلح باعتقادهم أكثر دقة. وكما كتب ليفي: “لمَ يكون رجلٌ “عربي اسرائيلي” بينما ابن عمه “فلسطيني،” لمجرد أنهم يعيشون على بُعد بضع كيلومترات فقط، على جانبٍ مختلفٍ من الخط الأخضر؟ وللتمييز بين هاتين المجموعتين، يتم استخدام المصطلح البديل “فلسطينيو اسرائيل”- مقابل استخدام مصطلح “فلسطينيو الضفة الغربية،” أيضاً.

ولربما تعتبر أفضل وسيلةٍ لتسوية هذا الخلاف بطرح السؤال على الأشخاص موضع الخلاف أنفسهم: ماذا تفضلون أن تتم تسميتكم؟

وعلى الرغم من المزاعم الاسرائيلية بخلاف ذلك، إلا أن غالبية استطلاعات الرأي تُظهر أنّ المواطنين العرب في اسرائيل يُفضلون مصطلح “فلسطينيين.” فقد أشار على سبيل المثال، الكاتب والباحث البريطاني اليهودي دوف واكسمان، في مقالٍ نُشر عام 2012 في The Middle East Journal أن “تعريف الأقلية العربية كفلسطينيين أصبحت الآن ممارسةً شائعة في المطبوعات الأكاديمية،” لأن “معظم المواطنين الإسرائيليين من أصل عربي باتوا يعتبرون أنفسهم، بشكلٍ متزايد، فلسطينيين، كما أن معظم المنظمات غير الحكومية العربية والأحزاب السياسية في إسرائيل تستخدم تسمية “فلسطينيين” لوصف هوية الأقلية العربية.”

كما أن للمصطلح المُفضل ما بين المجموعة نفسها بُعدٌ تاريخيٌّ أيضاً، وذلك وفقاً لريبيكا تورستريك، وهي أستاذ مشارك في علم الإنسان في جامعة انديانا ساوث بند، في كتابها الصادر عام 2000 بعنوان The Limits of Coexistence. Identity Politics in Israel.. فبعد عام 1948، عندما أنشئت دولة اسرائيل، كانت “بعيدةً عن مركز السُلطة،” تقول تورستريك، “لأن الدولة الاسرائيلية كانت دولةً يهودية، والهوية الوطنية الاسرائيلية دمجت الرموز والمرجعيات اليهودية.” وفي الثقافة الرسمية والشعبية، “تلاشى وصفهم كفلسطينيين وأعيد تكوينهم كعرب اسرائليين أو كمواطنين عرب في اسرائيل.”

فالتعبير عن هوية المرء الفلسطينية، سواء برفع العلم أو ترديد الأغاني الوطنية أو إلقاء الشعر الوطني، كان سلوكاً غير قانوني في اسرائيل إلى أن تم توقيع اتفاقات أوسلو عام 1993. ومع ذلك، لم يتغير الكثير منذ ذلك الوقت، آخذين بعين الاعتبار التصريحات الأخيرة لوزير الدفاع، أفيغدور ليبرمان، من الحزب القومي، اسرائيل بيتنا، الذي قارن الشاعر الوطني الفلسطيني محمود درويش بأدولف هتلر. فقد ولد درويش في قرية البروه، وهي قرية تقع حالياً في شمال إسرائيل، في الأراضي التي لطالما عُرفت بفلسطين.

ووفقاً لريبيكا تورستريك، ازداد التعريف الذاتي للأفراد كفلسطينيين منذ عام 1967 وبات اليوم “الوصف المُفضل.” وتحت تأثير الانتفاضة الأولى (1987-1993) فحسب، كتبت “شعر العديد من الفلسطينيين الاسرائليين بالأمان بما فيه الكفاية للبدء بالإشارة إلى أنفسهم علناً بهذه الطريقة.” كما توصل رجل الأعمال الفلسطيني الامريكي سام بحور إلى نفس النتيجة في مقالٍ له نُشر في سبتمبر 2016 في صحيفة هآرتس، والذي عنونه بجدارة “لا تسمونا “عرب إسرائيل”: الفلسطينيون في إسرائيل يتكلمون صراحةً.”

ويُطلق بشير بشير، وهو منظّر سياسي في الجامعة المفتوحة في اسرائيل، على موضوع هذا المقال الـ”السؤال الاسرائيلي.” فيقول بشير: “تاريخ العرب الذين يعيشون في اسرائيل واضحٌ جداً. فهم الفلسطينيون الذي بقوا في أرضهم بعد النكبة، وبالتالي لا يمكن تسميتهم سوى بالفلسطينيين.” ويُضيف “تمتلك اسرائيل تاريخاً طويلاً في محاولات إملاء المفردات. فمصطلح “عرب اسرائيل” يشكل انكاراً للهوية الفلسطينية. ومن الواضح جداً أن المجتمع العربي في اسرائيل جزءٌ من الشعب الفلسطيني. هذا أمرٌ قومي.” ويقول بشير أيضا أن مصطلح “فلسطينيين” هو بالفعل الأكثر شيوعاً في الجامعات في جميع أنحاء اسرائيل.

بينما يقول الصحفي المولود في الناصرة، مروان عثامنة، أنه يُفضل تسميته بـ”الفلسطيني الاسرائيلي،” كاختصارٍ لـ”مواطن فلسطيني في اسرائيل.” وفي حين يعكس هذا الحل حقيقة أنه يحمل جواز سفرٍ اسرائيلي، إلا أنه أيضاً يعترف بجذوره الفلسطينية، وكما يقول عثمانة “البلد الذي عاشت فيه أسرتي قبل عام 1948 كان يُسمى فلسطين.” ولتعزيز إجابته، يستشهد عثامنة بالأبيات الثمانية الأخيرة من قصيدة محمود درويش بعنوان “على هذه الأرض ما يستحق الحياة.”

عَلَى هَذِهِ الأرْضِ مَا يَسْتَحِقُّ الحَيَاةْ: عَلَى هَذِهِ الأرضِ سَيَّدَةُ
الأُرْضِ، أُمُّ البِدَايَاتِ أُمَّ النِّهَايَاتِ. كَانَتْ تُسَمَّى فِلِسْطِين. صَارَتْ تُسَمَّى
فلسْطِين. سَيِّدَتي: أَستحِقُّ، لأنَّكِ سيِّدَتِي، أَسْتَحِقُّ الحَيَاةْ.

Advertisement
Fanack Water Palestine