المقدمة
كان من المهم جداً لكلا الطرفين المتحاربين تشكيل تحالفات في المنطقة. قطعت بريطانيا العظمى على وجه الخصوص أشواطاً طويلة في إقناع العرب على اتخاذ جانب الحلفاء. كما ذهبت لندن إلى حد وعدهم بالاستقلال بعد الحرب إذا ما قاموا بتقديم الدعم ضد العثمانيين. وفي ما سمي بـ “مراسلات حسين مكماهون” (1915-1916) بين الحسين بن علي، شريف مكة (حامي الأماكن المقدسة في مكة والمدينة)، والسير هنري مكماهون، وعد الأخير بأنه “بالنسبة لتلك المناطق الواقعة ضمن تلك الحدود حيث تملك بريطانيا حرية التصرف […]، أنا مفوض باسم حكومة بريطانيا العظمى بإعطاء ضمانات” بأن “بريطانيا العظمى على استعداد للاعتراف باستقلال العرب وتأييده في كل المناطق ضمن الحدود التي طالب بها شريف مكة”.
كما أن لندن “ستضمن حماية الأماكن المقدسة ضد كل عدوان خارجي، وستعترف بحرمتها”. واختتم مكماهون رسائله، قائلاً: “أنا على ثقة بأن هذا التصريح سيؤكد لكم دون أي شك تعاطف بريطانيا العظمى مع تطلعات أصدقائها العرب”.
كان هذا البيان متناقضاً تماماً مع ما يسمى بوعد بلفور، الرسالة التي كتبها وزير الخارجية البريطاني آنذاك، آرثر جيمس بلفور، إلى اللورد روتشيلد والتر، أحد قادة الجالية اليهودية في بريطانيا العظمى، في 2 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1917. كتب بلفور: “يسرني جداً أن أبلغكم، بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريح التالي الذي ينطوي على التعاطف مع أماني الصهيونية اليهودية والتي عُرض على الوزارة وأقرته: ’إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى‘”.
كان الغرض من هذه الرسالة ذا شقين. كان الوضع السياسي في روسيا عشية ثورة تشرين الأول/أكتوبر غير مستقر للغاية. وكان من المحتمل جداً أن تنسحب روسيا من الحرب في حال استيلاء البلاشفة على السلطة. حاولت لندن إقناع اليهود الروس بأن استمرار الحرب ضد ألمانيا سيفيدهم على المدى البعيد. ومن ناحية أخرى، كان البريطانيون يأملون أن يؤدي وعدهم لروتشيلد إلى أن يقوم المجتمع اليهودي الكبير في الولايات المتحدة باستخدام نفوذه في إقناع الحكومة الأمريكية بمساندة الجهود الحربية البريطانية.
اتفاقية سايكس بيكو
لتعقيد الوضع الدبلوماسي، عقدت بريطانيا العظمى وفرنسا في أيار/مايو عام 1916، وبموافقة روسيا، اتفاقاً سرياً لتقسيم الإمبراطورية العثمانية بعد انتهاء الحرب. حمل الاتفاق اسم المفاوضين، البريطاني السياسي المحافظ ومستشار الحكومة السير مارك سايكس، والدبلوماسي الفرنسي فرانسيس جورج بيكو. ويفترض الاتفاق تقسيم سوريا التي تسيطر عليها تركيا ولبنان وفلسطين إلى مناطق مختلفة تديرها بريطانيا وفرنسا.
كانت ستحصل روسيا على مقاطعات أرضروم وطرابزون وفان وبدليس الأرمينية مع بعض الأراضي الكردية في الجنوب الشرقي. وفرنسا على لبنان والساحل السوري وأضنة وكيليكية والمناطق النائية المجاورة للأراضي الروسية، بما في ذلك عينتاب وأورفا وماردين وديار بكر والموصل. وبريطانيا العظمى على جنوب بلاد ما بين النهرين، بما في ذلك بغداد وحيفا وعكا على البحر الأبيض المتوسط. مع وجود اتحاد للدول العربية أو دولة عربية واحدة مستقلة بين الأراضي التي تديرها بريطانيا وفرنسا، مقسمة إلى مناطق نفوذ بريطانية وفرنسية. وتكون فلسطين، بسبب الأماكن المقدسة، في ظل نظام دولي.
علم العرب باتفاقية سايكس بيكو عندما نشرتها الحكومة الروسية البلشفية في أواخر عام 1917، وكانت صدمة كبيرة لهم.