وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

فلسطين: الطريق إلى التقسيم

يهود ناجون من الحرب العالمية الثانية يصلون ميناء حيفا عام 1946
يهود ناجون من الحرب العالمية الثانية يصلون ميناء حيفا عام 1946

من أجل التخفيف بعض الشيء من الضغوط الأمريكية بالسماح للهجرة اليهودية إلى فلسطين، اقترحت الحكومة البريطانية تأسيس لجنة تحقيق بريطانية أمريكية مشتركة. كان على هذه اللجنة دراسة أوضاع اليهود الناجين من المحرقة في أوروبا بعد الحرب كما على أرض فلسطين. وفي تقريرها إلى كلا الحكومتين عام 1946، خلصت اللجنة إلى أنه: “لا يمكن لفلسطين وحدها أن تلبي احتياجات الهجرة لضحايا اليهود من الاضطهاد النازي والفاشي. يتحمل العالم كله المسؤولية تجاههم وبالطبع تجاه إعادة توطين ’جميع المشردين‘”.

لكن وفق الحالة الطارئة في أوروبا، أوصى التقرير “بإصدار 100,000 تصريح على الفور لدخول فلسطين لليهود الذين كانوا ضحايا الاضطهاد النازي والفاشي. ويتم منح هذه التصاريح في أسرع وقت ممكن عام 1946. وأن يتم دفع الهجرة الفعلية لليهود إلى الأمام بالقدر الذي تسمح به الظروف”.

وأردف التقرير: “من أجل التخلص وإلى الأبد من المطالبات الاستثنائية للعرب واليهود بفلسطين، نرى أنه من الضروري وضع بيان واضح بالمبادئ التالية: (1) لا يجوز لليهود أن يسيطروا على العرب ولا للعرب السيطرة على اليهود. (2) لن تكون فلسطين دولة عربية ولا يهودية. (3) أن يحمي شكل الحكومة الذي سيتم تأسيسها في النهاية، وفي ظل ضمانات دولية، مصالح المعتقدات المسيحية والإسلامية واليهودية في الأراضي المقدسة ويحفظها بالكامل”.

يقول التقرير: “لقد وصلنا إلى نتيجة أن العداء بين العرب واليهود، وبوجه خاص تصميم كليهما على تحقيق السيطرة، عن طريق العنف إذا لزم الأمر، يجعل من شبه المؤكد، الآن ولبعض الوقت في المستقبل، بأن أية محاولة لإنشاء إما دولة فلسطينية مستقلة أو دول فلسطينية مستقلة سيؤدي إلى حرب أهلية والتي يمكن أن تهدد السلام في العالم. لذا نوصي، وإلى أن يزول العداء، أن تبقى حكومة فلسطين كما هي الآن تحت الانتداب في انتظار إجراء اتفاق وصاية في ظل الأمم المتحدة”.

وفق التقرير، عام 1940 كان عدد سكان فلسطين 1,068,000 فلسطيني (مسلمين ومسيحيين) و 460,000 يهودي، وفي نهاية عام 1946، 1,269,000 فلسطيني و 608,000 يهودي.

انتقدت توصيات تقرير اللجنة البريطانية الأمريكية على الفور في مؤتمر جامعة الدول العربية في بلودان (سوريا)، حيث أقر تنفيذ مقاطعة اقتصادية ضد اليهود. كما تعهدت جامعة الدول بدعم عرب فلسطين، واعتمد المؤتمر سلسلة من القرارات السرية فيما يتعلق بالتدخل العسكري في فلسطين وإمكانية فرض عقوبات ضد المصالح البريطانية والأمريكية. وقد شملت هذه العقوبات وقف الامتيازات النفطية في المنطقة.

تزايد الضغط الصهيوني في فلسطين، كما هجرة اليهود السرية. وتعاهدت الجماعات الصهيونية السرية بتنفيذ هجمات متزايدة على أهداف عسكرية بريطانية، بلغت ذروتها في تفجير المقر البريطاني في فندق الملك داوود في القدس والذي نفذته منظمة إرجون في تموز/يوليو عام 1946، راح ضحيته 91 شخصاً.

في غضون ذلك، تلاشى تصميم بريطانيا على البقاء في فلسطين. وأنهكت الحرب الإمبراطورية اقتصادياً ومعنوياً. وافتقرت إلى الرغبة في الصمود في مستعمراتها التي كانت تناضل بعنف وبدون راحة من أجل الاستقلال. وعندما لم يقدم مؤتمر لندن في شباط/يناير عام 1947 أي حل للصراع في فلسطين، سلّمت حكومة بريطانيا المشكلة إلى الأمم المتحدة.

Advertisement
Fanack Water Palestine