وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

لا للفصل: دور الدين في شؤون الدولة الإسرائيلية

دور الدين في شؤون الدولة الإسرائيلية
أطفال يراقبون رجل يهودي متطرف وهو يدلي بصوته في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية في 9 أبريل 2019 في القدس. Photo AFP

تعدّ مسألة الدين والدولة قضيةً مركزية ومعقدة في نفس الوقت في إسرائيل لأسباب عديدة نظراً لعدم وجود فصلٍ دستوري بين الاثنين. فإن المسائل الدينية سياسية، وغالباً ما يتم إدراجها ضمن المجال السياسي. حتى أن تعديل الساعة حسب التوقيت الصيفي والشتوي يخضع لمعارك سياسية نتيجة للمصالح الدينية التي تتعلق ببداية أو نهاية يوم السبت، فعلى سبيل المثال، تٌشكل احتمالية فتح الأعمال التجارية وأماكن العمل في هذا اليوم، الذي يعتبر بحسب العقيدة اليهودية يوم راحة، مصدر نزاعٍ سياسي مستمر، بل وصلت الخلافات في هذا الإطار إلى حد إسقاط الحكومات.

القضية الأخرى المهمة التي تخضع لسيطرةٍ دينية هي مسائل الزواج والطلاق، فبسبب المطالب الدينية، لا يوجد زواجٌ مدني في إسرائيل. يتم تحديد جميع المسائل المتعلقة بالزواج والطلاق (مع بعض الاستثناءات فيما يتعلق بتقسيم الممتلكات) من قبل المحاكم الدينية المعنية (اليهودية والمسلمة والمسيحية)، كما جرت العادة في الإمبراطورية العثمانية التي حكمت المنطقة ذات يوم. وبالنسبة لليهود، تخضع هذه المحاكم للتيار الأرثوذكسي اليهودي.

ومع ذلك، هناك بعض الذين يدعون إلى استخدام الشريعة اليهودية حتى في المحاكم المدنية، إذ غالباً ما يكون هؤلاء مدافعون عن السلطة السياسية. وهنا يكمن العيب الرئيسي في النظام: يوجد عددٌ من الأحزاب الدينية الصغيرة في إسرائيل. تختلف هذه الأحزاب في تكوينها، والبعض، مثل حزب شاس، الذي يمثل مصالح اليهود السفارديم (اليهود الشرقيون)، قائمة على أسس عرقية ودينية. ومع ذلك، بالنظر إلى النظام الانتخابي المستند إلى التمثيل النسبي والحكومات الائتلافية، تتمتع هذه الأحزاب بسلطةٍ تفوق أعدادها الصغيرة نسبياً بين عامة السكان والكنيست (البرلمان).

تختلف الإحصاءات، إلا أن التوزيع الديني للسكان اليهود في عام 2019 كان على النحو التالي: 49% يصفون أنفسهم بأنهم علمانيون، و25% محافظون، و13% متدينون (الأرثوذكس أو ما يعرف بـ”المتدنيون القوميون”) وحوالي 9% من الأرثوذكس المتطرفين.

منذ الأيام الأولى لتأسيس الدولة اليهودية (وفي مؤسسات ما قبل الدولة)، كان باستطاعة الأحزاب الدينية (الأرثوذكسية المتطرفة والدينية القومية) تحقيق التوازن لأحد الأحزاب الكبيرة التي تسعى لإنشاء الائتلاف، وهذا ما فعلته. في المجمل، هناك عددٌ قليل من الأحزاب الدينية، أصغرها وأكثرها إشكالية هي تلك التي تمثل الجماعات الدينية الأرثوذكسية المتطرفة. وعموماً، انحازت الأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة إلى الحزب الرائد الذي قدم لهم الأكثر، والذي غالباً ما يمول مدارسهم المستقلة ولكن المدعومة من الدولة، وبدلات إعالة الأطفال والمدفوعات الأخرى.

وفي الصورة الأكبر، هناك أيضاً الأحزاب الدينية القومية التي تمتلك مطالب أيضاً، خاصة منذ أن أصبحت أكثر محافظةً دينياً وسياسياً. وبسبب التوجه اليميني للأحزاب القومية الدينية، عادةً ما يكون اختيارهم لقيادة الائتلاف واضحاً، على الرغم من أنه لا زال بإمكانهم تقديم مطالب جادة للغاية. ففي الانتخابات التي ستجري في 17 سبتمبر 2019، سيتم دعمهم من قبل أحزاب دينية أكثر قومية تم إنشاؤها قبل الانتخابات السابقة في أبريل، التي لم تتمكن من تشكيل حكومة ائتلافية.

ومع ذلك، فإن الأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة هي التي تمكنت مرةً أخرى من قلب موازين القوى وخوّلت إنشاء ائتلافٍ من الوسط أو حتى يسار الوسط. ففي انتخابات أبريل، فازت الأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة بثمانية مقاعد لكلٍ منها، حيث حصل حزب الليكود الحاكم بزعامة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على 35 مقعداً، وأجرى محادثاتٍ مع، من بين أحزابٍ أخرى، حزب اسرائيل بيتنا بزعامة وزير الدفاع السابق أفيغدور ليبرمان (خمسة مقاعد)، والأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة للوصول إلى الحد الأدنى من المقاعد البالغ عددها 61 مقعداً اللازمة لتشكيل حكومة الأغلبية.

فقد كان السبب الرئيسي وراء فشل محادثات الائتلاف الأخيرة هو الخلاف حول مشروع قانون التجنيد الإلزامي الذي سيجعل الخدمة العسكرية إلزاميةً للجميع، بما في ذلك أولئك الذين سبق إعفاؤهم إذا ما كانوا يدرسون بدوامٍ كامل في إحدى المدارس الدينية (يشيفا).

ومع نمو المجتمع الأرثوذكسي المتطرف (من بضعة آلاف عندما تأسست إسرائيل في عام 1948 إلى أكثر من مليون في عام 2019)، زادت الاعتراضات على هذا الإعفاء بين العلمانيين. تم اقتراح العديد من مشاريع القوانين، حتى أن إحداها تخطى مرحلة القراءة الأولية في الكنيست العام الماضي. وعلى الرغم من الحجج والتسويات حول الصياغة – كم عدد الرجال الأرثوذكس المتطرفين الذين يمكن تجنيدهم، وفي أي عمر، وإلى متى، وفي أي ظروف، وما إلى ذلك – ظلت القضية دون حل على الرغم من أن حوالي 1000 يهودي أرثوذكسي متطرف يخدمون بالفعل في الجيش، في وحداتٍ خاصة مصممة لاستيعاب احتياجاتهم الدينية الأكثر تشدداً.

كان تجنيد الأرثوذكس المتطرفين، الذي يدعمه ليبرمان، القضية التي استخدمها لمنع نتنياهو من تشكيل حكومة. ومن الجدير بالذكر أن حزب إسرائيل بيتنا يمتاز بالدعم الكبير الذي يحظى به من قِبل المهاجرين الروس في إسرائيل، وهي فئة تضم العديد من غير اليهود والعلمانيين بشكلٍ أساسي. وعلى الرغم من أن الحزب حصل على خمسة مقاعد فقط، إلا أن ليبرمان يحاول اليوم تنصيب نفسه بطل الأغلبية العلمانية في البلاد، مستخدماً قضية التجنيد لدعم موقفه.

بيد أن هذا لا يعكس الصورة الأشمل. حزب أزرق- أبيض، الذي تعادل مع حزب الليكود في انتخابات أبريل بحصوله على 35 مقعداً، هو تحالفٌ بين العديد من الأحزاب والشخصيات. تتألف قيادة الحزب من رئيس الأركان السابق بيني غانتس ويائير لبيد، زعيم حزب هناك مستقبل الوسطي الشعبي. في الماضي، كان لبيد يناصر الجمهور العلماني ويطالب بتجنيد اليهود الأرثوذكس المتطرفين. ومع ذلك، نجح هو والأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة في العمل في نفس الائتلافات، من خلال التوصل على ما يبدو إلى حلٍ وسط حل المسألة.

سيكون السؤال المهم في شهر سبتمبر هو إلى أي درجة سيتمسك لبيد أو ليبرمان بحزم بدعمهم للتجنيد.

ومع ذلك، لن تكون هذه هي القضية الوحيدة في انتخابات سبتمبر، إذ قد يستعيد اليمين المتطرف المقاعد القليلة التي خسرها في الانتخابات الأخيرة، وبالتالي تحييد ليبرمان. سيتم تحديد الائتلاف النهائي وفقاً للتغييرات التي ستحدث داخل الكتلتين الرئيسيتين، يمين الوسط ويسار الوسط. لكن الأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة سيكون لها صوت كبير مرةً أخرى، وربما عامة الناس من سيعانون من مطالب هذه الأحزاب.

كما حصل في الماضي، قد تتاح لهذه الأحزاب الفرصة لتغيير طابع البلاد، خاصة في تحالفٍ مع نتنياهو والأحزاب اليمينية القومية الدينية الأكثر تشدداً. في الواقع، ضم نتنياهو بالفعل في حكومته الانتقالية عضوين من حزب اليمين الديني المتشدد (وإن لم يكن متطرفاً)، تحالف اليمين الموحد، حيث اقترح أحدهما أن يحل القانون الديني اليهودي محل القانون المدني. وبالتالي، الأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة ليست وحدها من تستطيع تغيير طابع إسرائيل إذا ما عانى نتنياهو مرةً أخرى لتشكيل ائتلافٍ بعد 17 سبتمبر.

Advertisement
Fanack Water Palestine